(الصفحة 444)
في اعتبار كون الـمسح من الأعلى
خامسها: الابتداء في الـمسح بالأعلى إلى الأسفل في الـجبهـة و الـيدين، و قد حكي عن «ا لـكفايـة» و «ا لـحدائق» نسبـة اعتبار هذا الأمر إلى الـشهرة، بل عن «شرح الـمفاتيح» نسبته إلى ظاهر الأصحاب، و عن ظاهر «جامع الـمقاصد» الإجماع عليه في الـيدين، لكنّ الـذي صرّح به هو الـعلاّمـة في «ا لـتذكرة» و «ا لـنهايـة» و الـشهيد في «ا لـذكرى» و «ا لـدروس».
و في «كشف اللثام» بعد نقل ذلك استدلّ عليه با لـتسويـة بينه و بين الـوضوء، و با لـتمسّك با لـبياني، ثمّ قال: و فيهما نظر و الأصل الـعدم.
و أمّا أكثر الـكلمات فهي متعرّضـة لوجوب الـمسح من الـقصاص إلى طرف الأنف، و ربّما استظهر منها رجوع الـقيد إلى الـمسح، نظراً إلى أنّه هو الأصل في الـقيود الـتي يتردّد الأمر فيها بين كونها قيداً للحكم، و بين كونها قيداً للموضوع، ولكنّ الاستظهار محلّ نظر بل منع، لظهورها في كونها في مقام تحديد الـممسوح، لا بيان كيفيـة الـمسح، خصوصاً مع عدم الـتعرّض لذلك بالإضافـة إلى الـكفّ، فلا مجال لدعوى الـشهرة في الـمقام، هذا بالإضافـة إلى الـكلمات.
و أمّا الأدلّـة: فمقتضى إطلاق الآيـة الـذي قد مرّ أنّه في مقام الـبيان، و لذا وقع مورداً لتمسّك الـنبي و الإمام عليهما الـصلاة و الـسلام، و كذا إطلاق بعض الـروايات هو عدم اعتبار كيفيـة خاصّـة في الـمسح، و أنّ الـتيمّم متقوّم بمسح الـوجه و الـكفّين با لـيدين، سواء وقع من الأعلى، أو إلى الأعلى، أو بكيفيات اُخر مثل وقوع طول الـباطن على عرض الـظاهر، أو غيره.
(الصفحة 445)
و عمدة الـدليل على عدم الاعتبار هو سكوت أبي جعفر (عليه السلام) عن الـخصوصيـة الـواقعيـة الـتي وقع بها تيمّم رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقام تعليم عمّار، فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كان في مقام بيان الـماهيـة له بلا إشكال، و كان حكايـة أبي جعفر (عليه السلام) و نقله لذلك إنّما هو لإفادة الـحكم و بيان الـحقيقـة بلا ارتياب و إن كان ـ كما أفاده الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» ـ في تكرار الـقضيـة و من أبي عبدا للّه (عليهما السلام) فائدة اُخرى أو فوائد اُخر، كإفحام الـمخا لـفين، و الـتنبيه على جهل الـثاني بالأحكام و با لـقرآن الـذي بين أيديهم، أو تجاهله و مخا لـفته للّه و رسوله.
و قد حكي عن كتاب «سليم بن قيس الـهلالي» عن أميرا لـمؤمنين (عليه السلام): و الـعجب بجهله و جهل الاُمّـة أنّه كتب إلى جميع عمّا لـه أنّ الـجنب إذا لم يجد الـماء فليس له أن يصلّي، و ليس له أن يتيمّم با لـصعيد حتّى يجد الـماء، و إن لم يجده حتّى يلقى اللّه، ثمّ قبل الـناس ذلك منه و رضوا به، و قد علم و علم الـناس أنّ رسول اللّه قد أمر عمّاراً و أمر أباذر أن يتيمّما من الـجنابـة و يصلّيا، و شهدا به عنده وغيرهما، فلم يقبل ذلك، و لم يرفع به رأساً.
و كيف كان: فا لـسكوت الـمذكور أقوى دليل على عدم اعتبار هذا الأمر، لكن في مقابله الـسيرة الـقطعيـة الـمستمرّة من الـمتشرّعـة على رعايـة هذه الـكيفيـة الـمعهودة، و احتمال انصراف مسح الـوجه إلى الـمسح من الأعلى و أدلّـة الـمنزلـة و الـبدليـة كما في «ا لـمدارك»، و إن كان الاستدلال بها غير تامّ بعد كونه بدلاً عن الـوضوء و الـغسل معاً بنحو واحد، و هذه الـكيفيـة غير معتبرة في الـغسل، و كذا الـتيمّمات الـبيانيـة الـتي أشار إليها «كاشف اللثام» في عبارته الـمتقدّمـة و إن كان الاستدلال بها أيضاً غير صحيح، لأنّ مجرّد الـفعل لا يدلّ على اللزوم لإجما لـه، و مجرّد
(الصفحة 446)
كون الـفاعل في مقام الـبيان لا يقتضي ظهوره في ذلك، لأنّه لابدّ أن يقع الـفعل على أحد الـوجهين.
و كذا روايـة «ا لـفقه الـرضوي» بالإضافـة إلى الـكفّين بضميمـة دعوى عدم الـفصل بينهما، و كذا إشعار مرسلـة «ا لـعيّاشي» عن أبي جعفر (عليه السلام) به، قال: «ثم مسح من بين عينيه إلى أسفل الـحاجبين».
و عليه فالأحوط عدم الـتعدّي عن الـكيفيـة الـمعهودة، كما في «ا لـمدارك» و إن حكي عن الأردبيلي الـقول بعدم الـوجوب.
في اعتبار رفع الـحاجب
سادسها: رفع الـحاجب عن الـماسح و الـممسوح و عدم ثبوته في واحد منهما، و الـدليل عليه ما هو الـمتفاهم عرفاً من الآيـة الآمرة با لـمسح با لـوجوه و الأيدي با لـكفّين بعد ضربهما على الأرض و الـصعيد الـطيّب، فإنّ الـمتبادر منه هو وقوع الـبشرة عليها، و تحقّق الـمسح على الـبشرة، و مع وجود الـحاجب في أحدهما لا يكاد يتحقّق هذه الـجهـة، و الـظاهر أنّه لا إشكال بل و لا خلاف في اعتبار هذا الأمر.
و الـظاهر أنّ الـشعر إذا كان في محلّ الـمسح فإن كان نباته فيه متعارفاً ـ كما في الـشعر الـنابت في ظهر الـكفّ الـذي يكون نباته فيه مقتضى الـغا لـب ـ فا لـظاهر كفايـة الـمسح عليه، و عدم كون مثله حاجباً، بحيث يمنع عن صدق الـمسح على ظهر الـكفّ، و كان الـواجب فيه الاستبطان أو إزا لـة الـشعر; لأنّ إهمال الـسؤال عن ذلك ـ مع تعارف ثبوته و غلبـة تحقّقه ـ يدلّ على كون الـمراد من الـممسوح ما يعمّ الـشعر.
و أمّا إذا لم يتعارف نباته فيه ـ كما في الـشعر الـنابت على الـجبهـة ـ فقد أفاد في
(الصفحة 447)
ا لـمتن أنّه لا يكون من الـحاجب، و يجوز الـمسح عليه، ولكنّه ربّما يشكل بأنّ الـشعر خارج عن الـجبهـة، فالاكتفاء بمسحه خلاف ظاهر ما دلّ على وجوب مسح الـجبهـة.
و يندفع الإشكال بعدم استفادة الـعرف من وجوب مسح الـجبهـة إلاّ وجوب مسحها مع الـحا لـة الـطبيعيـة من دون لزوم تصرّف فيها بمثل الإزا لـة، و لذا لو كان في محلّ الـمسح لحم زائد يجب مسحه أيضاً، و يكفي عن مسح محلّه، كما لا يخفى.
و أمّا الـشعر الـمتدلّي من الـرأس إلى الـجبهـة، فا لـذي يدلّ عليه الـمتن أنّه إذا كان واحداً أو اثنين فلا يجب رفعه، لعدم كونه حائلاً بنظر الـعرف، و إذا كان زائداً على ذلك فإن كان غير خارج عن الـمتعارف و لم يعدّ حائلاً عرفاً فيجوز الـمسح عليه، لما ذكر من أنّ الـمستفاد من ظاهر دليل وجوب مسح الـجبهـة هو وجوب مسحها على الـحا لـة الـطبيعيـة، و الـمفروض عدم كونه معدوداً عرفاً حائلاً و حاجباً، و أمّا إذا كان خارجاً عن الـمتعارف فلا يجوز الـمسح عليه، لما ذكر، فتدبّر.
في اعتبار الـطهارة في الـماسح و الـممسوح
سابعها: الـطهارة في الـماسح و الـممسوح، و عن جماعـة الـتصريح به، و عن «شرح الـمفاتيح» نسبته إلى الـفقهاء، بل عن «حاشيـة الـشهيد على الـقواعد» الإجماع على اعتبار طهارة أعضاء الـتيمّم، لكن عن «ا لـجواهر»: لم أعثر على مصرّح بشيء منه من قدماء الأصحاب.
و عن ابن فهد و الـسيّد الـعميدي في حواشيه الـعدم، و مال إليه في «مجمع الـبرهان» و «ا لـحدائق».
و في «ا لـمدارك»: «ذكر جمع من الأصحاب أنّ من الـواجبات طهارة مواقع
(الصفحة 448)
ا لـمسح من الـنجاسـة، و استدلّ عليه في «ا لـذكرى» بأنّ الـتراب ينجس بملاقاة الـنجس فلا يكون طيّباً، و بمساواة أعضاء الـطهارة الـمائيـة، و لا يخفى أنّ الـدليل الأوّل أخصّ من الـمدّعى، و الـثاني قياس محض، و مقتضى الأصل عدم الاشتراط، و الـمصرّح بذلك قليل من الأصحاب إلاّ أنّ الاحتياط يقتضي الـمصير إلى ما ذكره».
أقول: عمدة الـدليل على اعتبار الـطهارة هي الـمساواة الـمذكورة، نظراً إلى أنّ مقتضى الارتكاز الـعرفي أنّه يستفاد من الآيـة الـكريمـة الـواردة في الـتيمّم اعتبار ما يعتبر في الـغسل و الـوضوء معاً في الـتيمّم، كا لـطهارة و غيرها من الأحكام الـمشتركـة، نظراً إلى كونه بدلاً منهما.
نعم، لايمكن إثبات الـشرائط الـمختصّـة بكلّ واحد منهما في الـتيمّم بعد كون مفاد الآيـة أنّه بدل منهما بنحو واحد، هذا إذا لم تكن الـنجاسـة ساريـة.
و أمّا إذا كانت ساريـة ففيه صور تقدّم الـبحث فيها في الـمسأ لـة الـثانيـة من مسائل كيفيـة الـتيمّم، فراجع.
إذا ظهر لك اعتبار هذه الاُمور الـسبعـة في الـتيمّم، فاعلم أنّ اعتبارها إنّما يختصّ بحال الاختيار، و أمّا مع الاضطرار فيسقط الـمعسور و يكتفي با لـميسور، و الـظاهر عدم سقوطه لعدم دلالـة أدلّـة اعتبار تلك الاُمور على اعتبارها بنحو الإطلاق، بحيث يسقط الـتيمّم مع عدم إمكان رعايته و ثبوت الاضطرار في الـبين، بل غايـة مدلولها هو الاعتبار بنحو الإجمال، و الـقدر الـمتيقّن خصوص صورة الاختيار، فراجع.
|