(الصفحة 636)
ثبوت الإطلاق، فالأحوط ـ لو لم يكن أقوى ـ هو عدم الـطهارة.
في الـشكّ في الاستحا لـة
ذكر الـسيّد (قدس سره) في «ا لـعروة»: أنّه مع الـشكّ في الاستحا لـة، لا يحكم با لـطهارة.
و الـكلام في ذلك يقع في مقامين:
ا لـمقام الأوّل: الـشكّ في الاستحا لـة في الأعيان الـنجسـة
و الـشبهـة قد تكون موضوعيـة، و قد تكون مفهوميـة:
و الأوّل: كما إذا وقع كلب في الـمملحـة، و شككنا بعد يوم في أنّه هل استحال ملحاً أم لا.
و الـثاني: كما إذا صارت الـعذرة فحماً، و شككنا بذلك في استحا لـتها; نظراً إلى الـشكّ في أنّ لفظـة الـعذرة هل وضعت للعذرة غير الـمحروقـة; فالإحراق موجب للخروج عن كونها عذرة، أو أنّها وضعت للأعمّ، فلا يكون الإحراق سبباً لاستحا لـتها.
أمّا الـشبهـة الـموضوعيـة، فربّما يقال فيها: بأنّه لامانع من الـتمسّك فيها باستصحاب نفس الـعنوان الـسابق; و كون الـعين الـنجسـة باقيـة بعنوانها; ككونها كلباً في الـمثال، أو غيره من الأعيان الـنجسـة، و يترتّب عليه جميع الآثار الـمترتّبـة على الـعنوان الـسابق الـنجس.
و اُورد عليه: بعدم جريان الاستصحاب مع الـشكّ في بقاء الـموضوع; لأنّ الـشكّ في الاستحا لـة الـتي مرجعها إلى تبدّل الـموضوع و تغيّر الـعنوان، مرجعه إلى الـشكّ في بقاء الـموضوع، و معه لامجال لجريان الاستصحاب; لأنّه يشترط في جريانه بقاء الـموضوع، كما حقّق في محلّه.
(الصفحة 637)
و منه يظهر: أنّه لامجال لجريان استصحاب الـنجاسـة أيضاً بعد عدم إحراز بقاء موضوعها، فتصل الـنوبـة إلى قاعدة الـطهارة.
و الـجواب عن هذا الإيراد: أنّ منشأ اعتبار بقاء الـموضوع في جريان الاستصحاب، ظهور دليل «لا تنقض ...» في كون الـشكّ متعلّقاً بعين ما تعلّق به الـيقين، بضميمـة وضوح كون متعلّق الـشكّ و الـيقين هي الـقضيـة الـمركّبـة من الـموضوع و الـمحمول; لعدم إمكان تعلّق أحد الـوصفين بالأمر الـتصوّري، فا لـلازم في جريانه هو اتّحاد الـقضيتين، و عدم الاختلاف بينهما في الـموضوع و الـمحمول.
نعم، اختلاف الـوصفين مع اتّحاد الـقضيتين، إنّما هو لأجل اختلاف الـزمانين فقط، من دون مغايرة بينهما من غير هذه الـجهـة.
و في الـمقام نقول: إنّ الـموضوع الـذي يعتبر بقائه في جريان الاستصحاب، ليس هو عنوان الـكلب ضرورة أنّ الـقضيـة الـمتيقّنـة عبارة عن كون هذا الـموجود كلباً فا لـموضوع هو الـمشار إليه بكلمـة هذا و الـمحمول هو كونه كلباً و من الـمعلوم كون هذه الـقضيـة متيقّنـة قبل الـيوم، و في الـيوم تكون مشكوكـة، فلا مانع من جريان الاستصحاب أصلاً.
نعم، لامجال لإجراء استصحاب الـنجاسـة; لأنّ موضوعها هو الـكلب و هو مشكوك الـبقاء.
و دعوى: أنّ موضوعها أيضاً الـموجود الـخارجي الـمشار إليه بهذا و هو باق، مدفوعـة بوضوح أنّ حيثيـة الـكلبيـة من الـحيثيات الـتقييديـة الـتي لها دخل في الـموضوعيـة، فهذا نجس بعنوان أنّه كلب لا بما أنّه موجود خارجي، فاستصحاب الـنجاسـة لامجال له بوجه.
(الصفحة 638)
و أمّا الـشبهـة الـحكميـة، فلا مجال لجريان الاستصحاب فيها مطلقاً، لا في ذات الـموضوع، و لا في الـموضوع بوصف كونه موضوعاً، و لا في الـحكم:
أمّا ذات الـموضوع; فلعدم تعلّق الـشكّ به بوجه، لأنّه كانت غير محروقـة قبل الـيوم يقيناً، و محروقـة الـيوم كذلك، فا لـشكّ لم يتعلّق به حتّى يجري الاستصحاب.
و أمّا الـموضوع بوصف كونه موضوعاً; فلأنّ مرجعه إلى استصحاب الـحكم، لأنّ الـموضوع بهذا الـوصف، لامعنى له غير ترتّب الـحكم عليه و ثبوته.
و استصحاب الـحكم لايجري; لعدم إحراز بقاء موضوعه، فإنّ الـموضوع هو عنوان الـعَذِرة و بقائها مشكوك على ما هو الـمفروض، فلا مجال لاستصحابه، و بعده لامانع من جريان قاعدة الـطهارة.
ا لـمقام الـثاني: الـشكّ في الاستحا لـة في الـمتنجّسات
كما إذا شكّ في استحا لـة الـخشب الـمتنجّس رماداً و عدمها. و الـظاهر أنّه يجري فيه استصحاب الـعنوان الـسابق بعين ما تقدّم في الـمقام الأوّل، فيقال: هذا الـموجود الـخارجي كان خشباً، و الآن يشكّ في بقائه على هذا الـعنوان، فيستصحب و يحكم بكونه خشباً الآن كما كان، و يترتّب عليه الـمتنجّس; لفرض الـملاقاة الـموجبـة له.
نعم، الـفرق بين الـمقامين هو أنّه لاتعقل الـشبهـة الـمفهوميـة هنا; للفرق بين الـنجس و الـمتنجّس في أنّ الـعناوين الـمحكومـة با لـنجاسـة في الأعيان الـنجسـة، لها دخل في الـموضوعيـة لترتّب الـحكم عليها، فعنوان الـعذرة مثلاً، دخيل في الـموضوعيـة، فا لـشّك في سعته و ضيقه أمر متصوّر كما عرفت.
و أمّا الـعناوين في الـمتنجّسات، فغير دخيلـة في الـحكم با لـتنجّس، فا لـخشب
(الصفحة 639)
إذ لاقى نجساً مع رطوبـة أحدهما، يصير متنجّساً بما أنّه جسم لاقى نجساً، لا بما أنّه خشب كذلك، و عليه فا لـشك في سعـة دائره مفهوم الـخشب و ضيقها، لايرتبط بهذا الـمقام.
و لاينافي هذا ما ذكرنا في وجه مطهّريـة الاستحا لـة، و ذلك لعدم الـمنافاة بين عدم تقوّم الـتنجّس بعنوان الـخشب و بين الاتّصاف با لـطهارة بعد استحا لـته رماداً يقيناً، لأنّ الاستحا لـة الـمبتنى ـ على ما عرفت ـ تصير موجبـة لإخراج الـمستحال إليها عن كونه ملاقياً للنجس، فلا يصدق أنّه شيء لاقى نجساً فلا مانع من الالتزام بعدم مدخليـة الـعناوين في الـمتنجّسات، و بين كون الاستحا لـة في الـمتنجّسات أيضاً، موجبـة لحصول الـطهارة لها، فتدبّر.
(الصفحة 640)خامسها: ذهاب الـثلثين في الـعصير با لـنار أو با لـشمس إذا غلى بأحدهما، فإنّه مطهّر للثلث الـباقي بناءً على الـنجاسـة، و قد مرّ أنّ الأقوى طهارته، فلا يؤثّر الـتثليث إلاّ في حلّيته.
و أمّا إذا غلى بنفسه، فإن اُحرز أنّه يصير مسكراً بذلك، فهو نجس، و لا يطهر با لـتثليث، بل لابدّ من انقلابه خلاًّ، و مع الـشكّ محكوم با لـطهارة1 .
ا لـخامس: في مطهّريـة ذهاب الـثلثين
(1) قد مرّ في مبحث الـنجاسات: أنّ الأقوال في مسأ لـة نجاسـة الـعصير مختلفـة، و الآراء متشتّتـة، و أنّ دعوى الإجماع أو الـشهرة ممّا لا وجه لها، و أنّ مقتضى الـتحقيق هو الـقول با لـعدم.
نعم، لا مجال لإنكار اتّصافه با لـحرمـة با لـنشيش، أو با لـغليان الـذي قد يتحقّق بعده على الاختلاف، و عليه فا لـتثليث إنّما يؤثّر في رفع الـحرمـة، كما أنّه يوجب رفع الإشكال من جهـة الـنجاسـة لمن أراد الاحتياط.
و تقدّم أيضاً: أنّ الـعصير الـمغلّي بنفسه دون الـنار أو الـشمس إن اُحرز أنّه يصير مسكراً بذلك فهو نجس من جهـة إسكاره.
و مرّ أيضاً: أنّه قد فصّل ابن حمزة في «ا لـوسيلـة» بين الـعصير الـعنبي الـذي غلى بنفسه، فحكم بحرمته و نجاسته إلى أن يصير خلاًّ، و بين ما إذا غلى با لـنار، فاختار حرمته قبل ذهاب الـثلثين، و عدم نجاسته.
و قد زعم شيخ الـشريعـة الإصبهاني (قدس سره) أنّ هذا الـتفصيل لايكون تفصيلاً في الـحكم الـشرعي، بل يكون لأجل مسكريـة ما غلى بنفسه، فحكمه با لـنجاسـة إنّما هو لأجل الإسكار، لا للتفصيل في الـعصير، و طعن على من زعم أنّ ابن حمزة متفرّد في هذا
|