(الصفحة 406)
و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى الـسيرة الـقطعيـة، و قوله:
«ا لـتراب أحد الـطهورين» ـ الآيـة; لأنّ الـظاهر من قوله تعا لـى:
(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) إلى قوله:
(منه) أنّ ما هو دخيل فيه هو محلّ الـضرب و وقوع الـيد، و أمّا سائر أجزاء الأرض الـتي لا تقع الـيد عليها لا دخا لـة لها في الـمسح.
و عليه فما في الـروايات الـبيانيـة من ضرب الأرض محمول على الـمثال، بل في «ا لـجواهر» لو كان على وجهه تراب صا لـح فضرب عليه و مسح أجزء، كما في «ا لـذكرى» و غيرها، لصدق الامتثال، و عدم ما يصلح للمعارضـة، ولكنّه قد قيّد الإجزاء بما إذا لم تتحقّق حيلولـة الـتراب حين الـمسح بين الـماسح و الـممسوح. هذا تمام الـكلام في الأمر الأوّل.
الأمر الـثاني: مسح الـجبهـة و الـجبينين بهما معاً
مستوعباً لهما من قصاص الـشعر إلى طرف الأنف الأعلى و إلى الـحاجبين، و قد احتاط با لـمسح عليهما، و الـلازم الـبحث في هذا الأمر أيضاً في جهات متعدّدة:
في اعتبار كون مسح الـجبهـة با لـيدين
الاُولى: في أنّه بعد وضوح لزوم كون الـمسح بما يضرب على الأرض، أو يوضع عليها نصّاً و فتوى بداهـة، عدم جواز الـمسح بغيره، و بعد وضوح عدم إمكان كون مسح الـيدين با لـيدين لاستحا لـته، وقع الـكلام في أنّه هل يعتبر أن يكون مسح الـوجه با لـيدين، أو يكفي الـمسح بيد واحدة؟
فعن «ا لـمختلف» و «ا لـذكرى» و «كشف اللثام» أنّ الأوّل هو الـمشهور، ولكنّه
(الصفحة 407)
عن «ا لـتذكرة» احتمال الـثاني، كما أنّه عن الـمحقّقين الأردبيلي و الـخوانساري استظهاره، نظراً إلى إطلاق الآيـة و بعض الأخبار، و عن ثانيهما أنّه قال: كما يجوز حمل الـمطلق على الـمقيّد يجوز الـقول بكفايـة الـمطلق و حمل الـمقيّد على أنّه أحد أفراد الـواجب.
أقول: الـكلام تارة يقع فيما يستفاد من الآيـة، و اُخرى فيما هو مفاد الـروايات الـواردة في الـباب:
أمّا الأوّل: فقد ذكر الـمحقّق الـهمداني (قدس سره) في مقام الإشكال على الاستدلال بإطلاق الآيـة: أنّه قد ثبت كون الآيـة من الـمتشابهات الـتي يجب الـرجوع فيها إلى تفسير أهل الـبيت (عليهم السلام)، و ربّما يدعّى عدم ثبوت الإطلاق لها، لكونها في مقام أصل الـتشريع، لا في مقام بيان الـكيفيـة.
ولكنّ الـظاهر عدم كون الآيـة متشابهـة و لا مجملـة; لأنّ استدلال رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم)بها في قصّـة عمّار لإثبات خطائه و اشتباهه في وقوعه على الـصعيد و تمعّكه فيه في مقام الـتيمّم بدلاً عن غسل الـجنابـة، شاهد على وقوع الآيـة في مقام الـبيان، كما أنّ استدلال الإمام (عليه السلام) بها، و الاستفادة من الـتعبيرات الـواقعـة فيها في صحيحـة زرارة الـمعروفـة(1)
، الـتي وقع فيها الـسؤال عن أنّه من أين علم الإمام (عليه السلام)و قال: إنّ الـمسح ببعض الـرأس و بعض الـرجلين، حيث تعرّض الإمام (عليه السلام) في مقام الـجواب لآيـة الـتيمّم أيضاً، و ما يستفاد منها أيضاً شاهد على صلاحيتها للاستدلال، كما أنّ وقوعها في ذيل آيـة الـوضوء الـتي هي صا لـحـة للاستدلال بلا إشكال شاهد ثا لـث على ذلك.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 13، الـحديث 1.
(الصفحة 408)
نعم، الإشكال إنّما هو من جهـة ورود تقييدات كثيرة عليها، لكنّها ليست من الـكثرة بحدّ يوجب الاستهجان حتّى يجب الالتزام بالإهمال، أو بقيام الـقرائن الـحا لـيـة غير الـواصلـة إلينا.
فالإنصاف: صلاحيـة الآيـة للاستدلال، و مقتضى إطلاقها عدم اعتبار كون مسح الـوجه بكلتا الـيدين.
و أمّا الـثاني: فالأخبار من هذه الـجهـة على ثلاث طوائف:
الاُولى: ما وقع فيه الـتعبير با لـيد بصورة الـمفرد، و الـظاهر أنّ هذه الـطائفـة هو الـمراد من «بعض الأخبار» الـذي استدلّ به على جواز الاكتفاء بيد واحدة، و هي مثل صحيحـة زرارة أو موثّقته قال: سأ لـت أباجعفر (عليه السلام) عن الـتيمّم، فضرب بيده على الأرض، ثمّ رفعها فنفضها، ثمّ مسح بها جبينه و كفّيه مرّة واحدة.(1)
و خبر أبي أيّوب الـخزّاز الـمتقدّمـة، الـمشتملـة على قوله ـ حكايـة لفعل أبي عبدا للّه (عليه السلام): فوضع يده على الـمسح، ثمّ رفعها فمسح وجهه ....(2)
و غيرهما ممّا وقع فيه الـتعبير بصورة الـمفرد.
هذا، و الـظاهر أنّه لا مجال للاستدلال بهذه الـطائفـة; لأنّ الـكلام في الـمقام إنّما هو بعد الـفراغ عن اعتبار كون الـواجب ـ جزءً أو شرطاً ـ هو الـضرب، أو الـوضع با لـيدين، و أنّه لا يكفي الـضرب بيد واحدة فقط.
و عليه فا لـلازم حمل هذه الـطائفـة على كون الـمراد با لـيد الـمضافـة إلى الـضمير جنسها الـصادق على الـواحد و الـمتعدّد، لا الـفرد غير الـمعيّن، و حينئذ
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 3.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 2.
(الصفحة 409)
يمكن أن يقال بأنّ ظهور سياق هذه الـطائفـة ـ في كون مسح الـجبهـة أيضاً واقعاً با لـيد الـمضروبـة على الأرض، و الـفرض أنّه متعدّد ـ دليل على كون مسح الـجبهـة واقعاً با لـيدين، كما لا يخفى، و لا أقلّ من عدم ظهورها في الاكتفاء بيد واحدة.
ا لـثانيـة: ما يكون من قبيل موثّقـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الـتيمّم الـمتقدّمـة، قال:
«تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك».(1)
و صحيحـة ليث الـمرادي الـمتقدّمـة أيضاً، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في الـتيمّم قال:
«تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك».(2)
و قد ادّعي ظهور هذه الـطائفـة، بل صراحتها في كون مسح الـوجه با لـيدين، ولكنّه ذكر الـعلاّمـة الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» أنّه يمكن إنكار ظهورها فضلاً عن صراحتها، و ملخّص ما أفاده: «أنّ محتملات قوله:
«و تمسح بهما وجهك و يديك» أو «و ذراعيك»، كثيرة، بحسب بادي الـنظر:
أحدها: أن يكون الـمراد تمسح بهذه و هذه وجهك و يدك الـيمنى و يدك الـيسرى، جموداً على ظاهر علامـة الـتثنيـة من تكرير مدخولها و ظاهر الـضمير الـراجع إلى طبيعـة الـيدين من غير اعتبار الاجتماع في الـمدخول و الـمرجع، فإنّه يحتاج إلى مؤونـة زائدة، ولازم هذه الاحتمال لزوم مسح كلّ يد جميع الجبهة أو هي مع الجبينين، وكذا مسح كلّ من الـيدين الـماسحين كلّ واحد من الـممسوحين، و هو غير ممكن في الـثاني، و لم يلتزموا به في الأوّل، فهذا الاحتمال مدفوع لذلك.
ثانيها: أن يكون الـمراد تمسح بمجموعهما وجهك و كلّ واحد من يديك، و لازمه
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 7.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 2.
(الصفحة 410)
لزوم مسح كلّ من الـيدين بمجموعهما، و هو أيضاً مدفوع لامتناعه.
ثا لـثها: أن يكون الـمراد تمسح بمجموعهما وجهك و مجموع الـيدين، و لازم ذلك ما هو الـمشهور.
رابعها: أن يكون المراد تمسح بمجموعهما مجموع الـوجه و اليدين، أي بمجموع هذين مجموع الـثلاثة، ولازم ذلك جواز مسح الـوجه بيد واحدة كما اختاره المحقّقان الـمتقدّمان، و لا ترجيح لأوّل الأخيرين لو لم نقل بترجيح ثانيهما; لأجل ارتكاز العرف بأنّ الـمسح لإيصال أثر الأرض ولو أثرها الاعتباري من غير دخا لـة مجموع الـيدين في ذلك، و ضرب الـيدين إنّما هو لتحصيل الـمسحات الـثلاث، لا لمسح الـوجه بهما، فيوافق إطلاق الآيـة، و مع تساويهما أو الـترجيح الـظنّي للأوّل لا يترك الإطلاق; لعدم ظهور معتدّ به، و عدم كون الـظنّ مستنداً إلى ظهور اللفظ حتّى يكون حجّـة».
أقول: الـظاهر أنّه بعد لزوم ضرب الـيدين أو وضعهما أوّلاً، خصوصاً بعد اعتبار الـمعيّـة و الـدفعـة كما عرفت، و بعد الارتكاز الـمزبور الـذي أفاده دام ظلّه من كون الـمسح لإيصال أثر الأرض، و بعد ملاحظـة أنّ الـوجه شيء واحد لا تعدّد فيه، و أنّ اليدين مع ثبوت التعدّد فيهما لايعقل مسحهما بكلّ واحد من الـماسحين، يصير الفرق بين الـوجه وا لـيدين بحسب المتفاهم الـعرفي واضحاً، فإنّ الـوجه حيث يكون واحداً وا لمفروض لزوم مسحه با لـيدين الـمضروبتين على الأرض كما هو ظاهر هذه الطائفة، فا لـلازم مسحه بكلّ واحدة منهما، لا بمعنى مسح كلّ جزء منه بكلّ واحدة منهما لما عرفت من الارتكاز الـمزبور، وأمّا الـيدين من جهـة الـممسوحية فلمّا يكونان متعدّداً فا لـلازم أن تمسح كلّ واحدة منهما بواحدة فقط، لعدم الـمعقوليـة، و للارتكاز.
فالإنصاف: ظهور هذه الـطائفـة في اعتبار كون مسح الـوجه بجموع الـيدين.