(الصفحة 420)
ا لـتي هي بعض الـكفّ، صريح في عدم لزوم الاستيعاب و إلاّ لم يجز هذا الـتعبير كما هو ظاهر.
و بهذا يجاب عن الاحتمال الـثا لـث الـمنسوب إلى ظاهر الـنراقي في «ا للوامع».
و أمّا الاحتمال الـرابع الـمنسوب إلى بعض، فيرد عليه أنّ لازمه تكرار الـمسح، بمعنى عدم تحقّقه دفعـة واحدة، لأنّ وصول الـكفّين ولو ببعض أجزائهما على جميع أجزاء الممسوح لايتحقّق دفعـة واحدة، مع أنّ ظاهر الـنصوص الـبيانية تحقّقه كذلك، و لا أقلّ من إمكان تحقّقه كذلك، فيتعيّن الاحتمال الـخامس الـذي أفاده في الـمتن.
الأمر الـثا لـث: في مسح الـيدين
مسح تمام ظاهر الـكفّ الـيمنى من الـزند إلى أطراف الأصابع بباطن الـكفّ الـيسرى، ثمّ مسح تمام ظاهر الـكفّ الـيسرى بباطن الـكفّ الـيمنى. و في هذا الأمر أيضاً جهات من الـكلام:
في أصل الـوجوب
الاُولى: في أصل وجوب مسح الـيدين في الـجملـة، و اعتباره في الـتيمّم، و الـظاهر أ نّه إجماعي بين الـمسلمين، و يدلّ عليه الـكتاب و الـسنّـة.
في تحديد الـممسوح
ا لـثانيـة: في تحديد الـممسوح، و الـمشهور بين الأصحاب بل عليه تكرّر نقل الإجماع هو وجوب مسح الـكفّين من الـزند ـ و هو الـمفصل بين الـساعد و الـكفّ ـ
(الصفحة 421)
إلى أطراف الأصابع، و عليه جملـة من الـعامّـة كأحمد و ما لـك و الـشافعي في «ا لـقديم».
و عن علي بن بابويه وجوب استيعاب الـمسح إلى الـمرفقين، و هو الـمحكيّ عن أبي حنيفـة و الـشافعي في «ا لـجديد»، و عن ابن إدريس عن بعض أصحابنا أنّ الـمسح من اُصول الأصابع إلى رؤوسها، و روي عن ما لـك أيضاً أنّ الـتيمّم على الـكفّ و نصف الـذراع، و عن الـزهري: يمسح يديه إلى الـمنكب.
و يدلّ على الـمشهور روايتا زرارة الـمتقدّمتان الـحاكيتان لتيمّم رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم)تعليماً لعمّار، الـمشتملـة إحداهما على قوله (عليه السلام):
«ثمّ مسح جبينه (جبينيه) بأصابعه و كفّيه إحداهما بالاُخرى ...» و ثانيتهما على قوله (عليه السلام):
«ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على الاُخرى ...» و أصرح منهما صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة أيضاً الـحاكيـة لتيمّم أبي جعفر (عليه السلام) الـمتضمّنـة لقوله:
«ثمّ مسح وجهه و كفّيه، و لم يمسح الـذراعين بشيء».
نعم، في روايـة أبي أيّوب الـخزّاز الـمتقدّمـة:
«ثمّ مسح فوق الـكفّ قليلاً»، و مثلها روايـة داود بن الـنعمان الـمتقدّمـة أيضاً، حيث قال: فمسح وجهه و يديه و فوق الـكفّ قليلاً، و الـظاهر أنّ الـمراد منه هو حدّ الـمفصل أو فوقه الـذي يتوقّف الـعلم بحصول الـمسح الـمأمور به عليه.
و احتمال كون الـمراد من «ا لـفوق» فيهما هو ظهر الـكفّ و ظاهره حينئذ عدم استيعاب ظاهر الـكفّ با لـمسح ففي غايـة الـبعد، خصوصاً في الـروايـة الـثانيـة الـتي يكون الـتعرّض فيها للفوق بعد الـتعرّض لليدين، كما لا يخفى.
و أمّا روايـة ليث الـمرادي الـمتقدّمـة أيضاً، الـمتضمّنـة لقوله (عليه السلام):
«و تمسح بهما وجهك و ذراعيك»، و كذا روايـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن
(الصفحة 422)
ا لـتيمّم، فضرب بكفّيه الأرض، ثمّ مسح بهما وجهه، ثمّ ضرب بشما لـه الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع، واحدة على ظهرها و واحدة على بطنها، ثمّ ضرب بيمينه الأرض، ثمّ صنع بشما لـه كما صنع بيمينه، ثمّ قال:
«هذا الـتيمّم على ما كان فيه الـغسل، و في الـوضوء الـوجه و الـيدين إلى الـمرفقين و أ لـقى (أبقى) ما كان عليه مسح الـرأس و الـقدمين، فلا يؤمّم با لـصعيد»(1)
.
و كذا روايـة سماعـة قال: سأ لـته كيف الـتيمّم؟ فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه و ذراعيه إلى الـمرفقين(2)
. فمحمولـة على الـتقيّـة، و تظهر آثارها من روايـة محمّد بن مسلم.
نعم، الـروايـة الاُولى الـمشتملـة على الـذراعين من دون الـتعرّض للمرفق قابلـة للحمل على الـروايات الـموافقـة للمشهور; لأنّ مسح الـذراعين يتحقّق بمسح بعضهما، كما لا يخفى.
و هنا مرسلتان ظاهرتان في اجتزاء الـمسح على الأصابع:
إحداهما: مرسلـة حمادّ بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) أنّه سئل عن الـتيمّم فتلا هذه الآيـة:
(وَ الـسّارِقُ وَ الـسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)، و قال:
(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ)، قال:
«فامسح على كفّيك من حيث موضع الـقطع»، و قال:
(وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)(3)
.
قال في «ا لـوسائل» ـ بعد نقل الـروايـة ـ: «أقول: فيه تعليم للسائل الاستدلال
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 5.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 13، الـحديث 3.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمم، الـباب 13، الـحديث 2.
(الصفحة 423)
على الـعامّـة بما يوافق مذهبهم في الـسرقـة، و يبطل مذهبهم في الـتيمّم، فكأنّه قال: لمّا أطلق الأيدي في آيـة الـسرقـة و الـتيمّم، و قيّدت في آيـة الـوضوء، علم أنّ الـقطع و الـتيمّم ليس من الـمرفقين».
ثانيتهما: مرسلـة «فقه الـرضا» الـدالّـة على كونه من أصل الأصابع.
ولكن من الـظاهر أنّ الـروايتين فاقدتان لوصف الاعتبار و الـحجّيـة في نفسهما، فضلاً عن صلاحيتهما للمقاومـة مع الـروايات الـكثيرة الـموافقـة للمشهور، فلامحيص حينئذ من الالتزام بما الـتزموا به.
في اعتبار الاستيعاب
ا لـجهـة الـثا لـثـة: في أنّه هل يعتبر استيعاب الـممسوح با لـمسح، أم لا؟
ظاهر جملـة من الأصحاب و صريح آخرين هو الـوجوب، و عن «ا لـرياض» دعوى الإجماع عليه هنا، و عن «ا لـروض» دعواه في الـوجه أيضاً.
و منشأه الانسباق إلى الـذهن من الأدلّـة، فإنّ الـمتفاهم عرفاً من الأمر بمسح الـجبهـة و الـكفّين إرادة الاستيعاب با لـمسح، و كذلك الـمنسبق إلى الـذهن من الـنصوص الـحاكيـة لفعل الـمعصوم من الـنبي و الإمام صلّى اللّه عليهما و آلهما هو الاستيعاب.
نعم، الـمراد منه هو الاستيعاب الـعرفي الـمتحقّق بإمرار الـيدين على ظاهر الـكفّين من الـزندين إلى أطراف الأصابع مرّة واحدة، و لا تلزم رعايته بنحو الـدقّـة الـعقلية التي توجب امتناع تحقّقه عادة في الـمرّة الاُولى، و ذلك لدلالـة بعض الأخبار الـحاكيـة على وقوع الـمسح مرّة واحدة، و هي لا تنفكّ غا لـباً عن الـخلل، فتدبّر.
(الصفحة 424)
و أمّا الاستيعاب بلحاظ الـماسح، فقد مرّ الـكلام فيه.
في الـترتيب في الـجزء الـواحد
ا لـجهـة الـرابعـة: هل الـتعبير بكلمتي «من» و «إلى» في الـمتن و شبهه إنّما هو لتحديد الـممسوح، فلا تعرّض فيه و في مثله لكيفيـة الـمسح و لزوم الـشروع من الـزند إلى أطراف الأصابع، أو أنّه إنّما يكون بلحاظ الـكيفيـة و مرجعها إلى لزوم الـبدئـة من الـزند و الـختم بأطراف الأصابع؟ كما نسب إلى الـمشهور، بل عن «شرح الـمفاتيح» نسبته إلى ظاهر الأصحاب، و عن «ا لـمنتهى» نسبته إلى ظاهر عبارة الـمشائخ، و لعلّ منشأ الـنسبـة هو الـتعبير بمثل ما في الـمتن مع أنّه يحتمل قويّاً أن يكون لتحديد الـممسوح، كما في آيـة الـوضوء.
هذا، و مقتضى إطلاق الآيـة ـ بعد ما عرفت من كونها في مقام الـبيان و أنّه يجوز الـتمسّك بها في موارد الـشكّ ـ هو عدم اعتبار كيفيـة خاصّـة، فلا فرق بين أن يكون من الـزند أو إلى الـزند، و هكذا إطلاق بعض الـروايات الـمتقدّمـة، و أظهر منها هو سكوت أبي جعفر (عليه السلام) في مقام نقل قصّـة عمّار و تعليم الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له الـتيمّم، مع كون هذا الـنقل لغرض إفادة الـحكم و بيان ماهيـة الـتيمّم عن الـتعرّض للخصوصيـة الـواقعيـة الـتي وقع بها تيمّم الـرسول، فإنّه لا محا لـة كان لها كيفيـة خاصّـة من هذه الـجهـة، ولكن سكوته عنها دليل على عدم اعتبار تلك الـخصوصيـة بوجه.
و أمّا الاستدلال على لزوم الـبدئـة من الـزند بتنزيل الـترابيـة منزلـة الـمائيـة و بدليتها منها الـمشعرة با لـمساواة، خصوصاً بعد ما ورد في بعض الأخبار من «أنّ الـتيمّم نصف الـوضوء»، و في صحيحـة زرارة الـمعروفـة من أنّه أثبت بعض الـغسل مسحاً،