(الصفحة 20)
و ممّا ذكرنا انقدح أقوائيـة مراعاة الاحتياط في الـمرأة با لـنسبـة إلى الـرجل الـمريض. هذا تمام الـكلام في الـسبب الأوّل من الـسببين الـموجبين للجنابـة.
في سببيـة الـجماع للجنابـة
و أمّا الـسبب الـثاني، فهو الـجماع و إن لم يتحقّق الإنزال، قال في «ا لـجواهر»: «إجماعاً محصّلاً، و منقولاً مستفيضاً، كاد يكون متواتراً، بل هو كذلك».
وا لنصوص الـدالّـة عليه كثيرة، مثل صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما(عليهما السلام)قال: سأ لـته متى يجب الـغسل على الـرجل و الـمرأة؟
فقال:
«إذا أدخله فقد وجب الـغسل، و الـمهر، و الـرجم».(1)
و روايـة الـبزنطي صاحب الـرضا (عليه السلام) في محكيّ كتاب «ا لـنوادر» قال: سأ لـته ما يوجب الـغسل على الـرجل و الـمرأة؟
فقال:
«إذا أولجه وجب الـغسل، و الـمهر، و الـرجم».(2)
و صحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سأ لـت الـرضا (عليه السلام) عن الـرجل يجامع الـمرأة قريباً من الـفرج، فلا ينزلان، متى يجب الـغسل؟
فقال:
«إذا الـتقى الـختانان فقد وجب الـغسل».
فقلت: الـتقاء الـختانين هو غيبوبـة الـحشفـة؟
قال:
«نعم».(3)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 8.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 2.
(الصفحة 21)
وغيرذلك من الأخبار الدالّة عليه. والحصر فيما عن علي(عليه السلام) من قوله:
«إنّما الغسل من الـماء الأكبر»، فهو إضافي با لـنسبـة إلى مجرّد الاحتلام من دون خروج الـمنيّ، أو بالإضافـة إلى الـمذي و نحوه، فلاينافي ما يدلّ على سببيـة الـتقاء الـختانين للغسل.
فلا إشكال في أصل الـحكم في الـجملـة، إنّما الـكلام في اُمور:
حكم الجماع في الدبر
أحدها: أنّه هل الـحكم يختصّ با لـجماع في الـقبل، أو يعمّ الـدبر أيضاً، قد نسب الـثاني إلى الأشهر، بل الـمشهور، بل عن ابن إدريس أنّه إجماع بين الـمسلمين، و عن الـسيّد أنّه قال: «لم أعلم خلافاً بين الـمسلمين في أنّ الـوطي في الـموضع الـمكروه ـ من ذكر و اُنثى ـ يجري مجرى الـوطي في الـقبل ـ مع الإيقاب و غيبوبـة الـحشفـة ـ في وجوب الـغسل على الـفاعل و الـمفعول به، و إن لم يكن إنزال ...».
ولكن قد يظهر الـخلاف من الـصدوق في «ا لـفقيه»، و الـشيخ، و الـكليني في «ا لـتهذيبين»، و تردّد الـشيخ في طهارة «ا لـمبسوط» و «ا لـخلاف»، و تبعه «ا لـمنتهى» و «كشف الـرموز» و بعض متأخّري الـمتأخّرين.
و يدلّ على الـمشهور ـ مضافاً إلى ما استدلّ به الـمرتضى في ذيل عبارته الـمتقدّمـة من الإجماع، و الـقرآن، و هو قوله تعا لـى:
(أَوْ لامَسْتُمُ الـنِّساءَ)، و الأخبار الـمتضمّنـة لتعليق الـغسل على الـجماع، و الإيلاج في الـفرج; نظراً إلى أنّ «ا لـفرج» يتناول الـقبل وا لـدبر، و لاخلاف بين أهل اللغـة وأهل الـشرع في ذلك ـ مرسل حفص بن سوقـة، عمّن أخبره، الـذي رواه عنه ابن أبي عمير قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يأتي أهله من خلفها.
(الصفحة 22)
قال:
«هو أحد الـمأتيين، فيه الـغسل».(1)
و اُورد على الإجماع: بعدم كون الـمنقول منه حجّـة، خصوصاً فيما إذا صرّح الـناقل بوجود الـمخا لـف في عصره، و سماعه منه.
و على الاستدلال لذلك با لـقرآن، بأنّه بعد الـعلم بعدم كون الـمراد هو مطلق الـملامسة، لابدّ من أن يكون المقصود هي الـملامسة الـمعهودة، وقد ورد في تفسيرها عن الـباقر (عليه السلام):
«أنّه ما يريد بذلك إلاّ الـمواقعـة في الـفرج» و الـظاهر انصراف «ا لـفرج» إلى ما يتعارف وطيه، و هو الـقبل فقط، فالآيـة لا دلالـة لها على الـتعميم.
و بهذا يورد على الاستدلال بالأخبار; لانصراف
«ا لـفرج» فيها إلى خصوص الـقبل، و انصراف
«الإيلاج» و
«الإدخال» إلى الـمتعارف، و هو الـوطي فيه.
و أمّا الـمرسلـة فمردودة بالإرسال، و عدم ثبوت الـجابر لها; لعدم ثبوت استناد الـمشهور إليها في الـحكم با لـتعميم، و من الـممكن أن يكون مستندهم إطلاق الـروايات الـمتضمّنـة لتعليق وجوب الـغسل على الإيلاج و الإدخال.
مضافاً إلى ثبوت الـمعارض لها; و هي مرفوعـة الـبرقي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام)قال:
«إذا أتى الـرجل الـمرأة في دبرها فلم ينزلا فلا غسل عليهما، و إن أنزل فعليه الـغسل، و لا غسل عليها».(2)
و مرفوعـة بعض الـكوفيين عنه (عليه السلام) في الـرجل يأتي الـمرأة في دبرها و هي صائمـة. قال:
«لاينقض صومها، و ليس عليها غسل».(3)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 12، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 12، الـحديث 2.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 12، الـحديث 3.
(الصفحة 23)
و ربّما يؤيّد ذلك صحيحـة الـحلبي قال: سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يصيب الـمرأة فيما دون الـفرج، أعليها غسل إن هو أنزل و لم تنزل هي؟
قال:
«ليس عليها غسل، و إن لم ينزل هو فليس عليه غسل».(1)
بناء على انصراف «ا لـفرج» إلى خصوص الـقبل، و عليه فإطلاق ما دون الـفرج يشمل الـوطي في الـدبر أيضاً.
و أمّا ما في صحيحـة زرارة من قول علي (عليه السلام) في جواب سؤال عمر عن الـرجل يأتي أهله فيخا لـطها و لاينزل:
«أتوجبون عليه الـحدّ و الـرجم، و لاتوجبون عليه صاعاً من الـماء؟! إذا الـتقى الـختانان فقد وجب عليه الـغسل».(2)
فليس الـمراد منه الـملازمـة بين الـغسل و مطلق ما عليه الـحدّ، بل الـمراد منه أنّ مجامعـة الـمرأة ـ الـتي هي مورد الـروايـة ـ ملزوم لأمرين: استحقاق حدّ الـزنا على تقدير الـحرمـة، و وجوب الـغسل، فلا دلالـة للصحيحـة على وجوب الـغسل في الـوطي في الـدبر.
هذا، ولكنّ الـظاهر أنّه لامحيص عن الالتزام بما عليه الـمشهور من وجوب الـغسل فيه مع عدم الإنزال أيضاً; لأنّ دعوى الانصراف في الآيه و الـروايات ممنوعـة جدّاً، بعد شهادة اللغـة و الـشرع بذلك.
و تفسير الآيـة با لـمواقعـة في الـفرج، إنّما هو لنفي كون الـمراد مطلق الـملامسـة بمعناها الـعامّ، لالنفي الـوطي في الـدبر أيضاً.
و الإرسال لايقدح في الـمرسلـة، بعد ظهور استناد الـمشهور إليها، و كون مرسلها
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 11، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 5.
(الصفحة 24)
هو ابن أبي عمير، الـذي اشتهرت حجّيـة مراسيله، و إن كان يمكن الـمناقشـة في ذلك: بأنّ مراسيله الـتي تكون حجّـة، هي ما كانت الـواسطـة بينه و بين من يروي عنه مجهولـة، و لاتشمل ما إذا كان الإرسال مستنداً إلى راو آخر كما هنا، فتدبّر.
و الـروايات الـدالّـة على عدم الوجوب ـ مع ضعف سندها ـ معرض عنها لدى الـمشهور، و على تقدير الـمعارضـة، فا لـترجيح مع الـمرسلـة.
فيما به يتحقّق الـجماع
ثانيها: أنّه يتحقّق الـجماع بغيبوبـة الـحشفـة في الـقبل، أو الـدبر، كما هو صريح الـمتن، و الـظاهر أنّه لاخلاف فيه، و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه لايبعد دعوى انصراف الأخبار الـمتضمّنـة لتعليق وجوب الـغسل على الإيلاج و الإدخال، إلى إيلاجه با لـبعض الـمعتدّ به، الـذي أقلّه مقدار الـحشفـة ـ الـروايات الـدالّـة على تعليق وجوب الغسل على الـتقاء الـختانين، كصحيحـة زرارة الـمتقدّمـة، الـمشتملـة على قول علي(عليه السلام):
«إذا الـتقى الـختانان فقد وجب عليه الـغسل».
وصحيحـة علي بن يقطين قال: سأ لـت أبا الـحسن (عليه السلام) عن الـرجل يصيب الـجاريـة الـبكر، لايفضي إليها، و لاينزل عليها، أعليها غسل؟ و إن كانت ليست ببكر، ثمّ أصابها و لم يفض إليها، أعليها غسل؟
قال:
«إذا وقع الـختان على الـختان فقد وجب الـغسل، الـبكر و غير الـبكر».(1)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 3.