(الصفحة 105)
ا لـثا لـث: الـترتيب في الـترتيبى الـذي هو أفضل من الارتماسي، الـذي هو عبارة عن تغطيـة الـبدن في الـماء مقارناً للنيّـة، و يكفي فيها استمرار الـقصد ولو ارتكازاً.
و الـترتيب: عبارة عن غسل تمام الـرأس، و منه الـعنق، مدخلاً لبعض الـجسد معه مقدّمـة، ثمّ تمام الـنصف الأيمن، مدخلاً لبعض الأيسر و بعض الـعنق معه مقدّمـة.
و الأحوط الأولى إدخال تمام الـجانب الأيمن من الـعنق في الـنصف الأيمن، و إدخال بعض الـرأس معه مقدّمـة، ثمّ تمام الـنصف الأيسر، مدخلاً لبعض الأيمن و الـعنق معه مقدّمـة.
و الأحوط الأولى إدخال تمام الـجانب الأيسر من الـعنق في الـجانب الأيسر، و إدخال بعض الـرأس مقدّمـة، و تدخل الـعورة و الـسرّة في الـتنصيف الـمذكور، فيغسل نصفهما الأيمن مع الأيمن، و نصفهما الأيسر مع الأيسر، إلاّ أنّ الأولى غسلهما مع الـجانبين، و الـلازم استيعاب الأعضاء الـثلاثـة با لـغسل بصبّـة واحدة، أو أكثر، بفرك، أو دلك، أو غير ذلك1 .
ا لـثا لـث: الـترتيب في الـترتيبي
(1) للغسل كيفيتان:
إحداهما: الـترتيبي الـذي هو أفضل من الارتماسي، و الـدليل على الأفضليـة هو ورود الأمر به في كثير من الـروايات الـواردة في كيفيـة الـغسل، ولكنّه محمول على الاستحباب، جمعاً بينها، و بين ما دلّ على إجزاء الارتماسي.
و قد ورد في بعض الـروايات الـجمع بين الـكيفيتين، و لأجله يشكل الـحكم
(الصفحة 106)
بالأفضليه; نظراً إلى شهادة هذا الـبعض بكون كلّ من الـطائفتين إنّما تدلّ على بيان واحدة من الـكيفيتين، من دون أن تكون هناك فضيلـة في الـبين.
و إن شئت قلت: إنّ الأمر الـوارد في الـطائفـة الاُولى ـ و إن كان في نفسه ظاهراً في الـوجوب الـتعييني ـ إلاّ أنّ الـطائفـة الـثانيـة قرينـة على كون الـمراد هو الـتخييري، فلايبقى وجه للدلالـة على الـفضيلـة، ولكنّ الأمر سهل.
و كيف كان: فا لـكلام يقع في غسل الـرأس من جهتين:
الاُولى: في لزوم تقديم غسله على الـجانبين في الـغسل الـترتيبي، الـذي هو مفروض الـكلام، و قد ادّعى الإجماع صريحاً، أو ظاهراً، جماعـة كثيرة من الـمتقدّمين و الـمتأخّرين، و لم ينقل الـتصريح با لـخلاف فيه من أحد.
نعم، عن ظاهر الـصدوقين عدم الـوجوب، لكن في آخر كلامهما قد صرّحا بوجوب الإعادة لو لم يقدّم الـرأس.
كما أنّه نسب الـخلاف إلى إشعار كلام الإسكافي، من دون أن يكون له تصريح بذلك، و الـعمدة في الـباب هي الـروايات الـمستفيضـة; لظهور كون الإجماع ـ على تقدير ثبوته ـ مستند إليها، من دون أن يكون له أصا لـة.
منها: صحيحـة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سأ لته عن غسل الجنابة.
فقال:
«تبدأ بكفيك فتغسلهما، ثمّ تغسل فرجك، ثمّ تصبّ على رأسك ثلاثاً، ثمّ تصبّ على سائر جسدك مرّتين، فما جرى عليه الـماء فقد طهر».(1)
و منها: صحيحـة زرارة أو حسنته قال: قلت: كيف يغتسل الـجنب؟
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 1.
(الصفحة 107)
فقال:
«إن لم يكن أصاب كفّه شيء غمسها في الـماء، ثمّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف، ثمّ صبّ على رأسه ثلاثـة أكفّ، ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين، و على منكبه الأيسر مرّتين، فما جرى عليه الـماء فقد أجزأه».(1)
و منها: صحيحـة حريز الـواردة في الـوضوء يجفّ قال: قلت: فإن جفّ الأوّل قبل أن أغسل الـذي يليه.
قال:
«جفّ أو لم يجفّ اغسل مابقي».
قلت: و كذلك غسل الـجنابـة؟
قال:
«هو بتلك الـمنزلـة، و أبدأ با لـرأس، ثمّ أفض على سائر جسدك».
قلت: و إن كان بعض يوم.
قال:
«نعم».(2)
و دلالتها في الـوضوء على ما لايقول به أصحاب، بحيث لابدّ من الـتأويل، أو الـحمل على الـتقيـة، كما عن الـشيخ (قدس سره) لاتقتضي قصوراً فيها، بالإضافـة إلى غسل الـجنابـة، كما لايخفى.
و أصرح من هذه الـروايات الـدالّـة على المقصود، بلحاظ العطف بكلمـة «ثمّ»، الـظاهرة في الـتقديم و الـتأخير، حسنـة زرارة أو صحيحته، عن أبي عبدا للّه(عليه السلام) قال:
«من اغتسل من جنابـة، فلم يغسل رأسه، ثمّ بدا له ان يغسل رأسه، لم يجد بدّاً من إعادة الـغسل».(3)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـوضوء، الـباب 33، الـحديث 4.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 28، الـحديث 1.
(الصفحة 108)
فإنّ مقتضاها «ان» الـشرطيـة، و اعتبار تقدّم الـرأس أمر واقعي، يوجب الإخلال به الإعادة ولو جهلاً، أو سهواً، ضرورة أنّ موردها غير صورة الـعمد و الـعلم، فإنّ الـمريد للاغتسال، الـعا لـم بكيفيته، لايترك غسل الـرأس في محلّه فلابدّ من فرضه في غير هذه الـصورة.
نعم، هنا روايات ربّما يستشعر، بل يستظهر منها خلاف ذلك، و أنّ الـمقصود من الـغسل إنّما هو غسل جميع الـبدن، من دون اعتبار أمر زائد فيه.
كصحيحـة زرارة الـمتقدّمـة في بحث غسل ظاهر الـبشرة، الـمشتملـة على قوله(عليه السلام):
«ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك، ليس قبله و لابعده وضوء، وكلّ شيء أمسسته الـماء فقد أنقيته، ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس في الـماء ارتماسـة واحدة أجزأه ذلك، و إن لم يدلك جسده».(1)
فإنّ وقوعها جواباً عن الـسؤال عن كيفيـة غسل الـجنابـة، مع عدم الـتعرّض لاعتبار تقدّم الـرأس، ظاهر في عدم الاعتبار، خصوصاً مع اشتما لـها على ذكر اُمور كثيرة خارجـة عن الـغسل، و بيان الـترتيب بينها و الـعطف بكلمـة «ثمّ» فيها.
و روايـة أبي بصير قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن غسل الـجنابـة.
فقال:
«تصبّ على يديك الـماء فتغسل كفّيك، ثمّ تدخل يدك فتغسل فرجك، ثمّ تتمضمض، و تستنشق، و تصبّ الـماء على رأسك ثلاث مرّات، و تغسل وجهك، و تفيض على جسدك الـماء».(2)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 5.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 9.
(الصفحة 109)
فإنّ الـعطف با لـواو لايقتضي الـترتيب، خصوصاً مع كون غسل الـوجه معطوفاً على الـرأس كذلك.
و روايـة الـبزنطي الـمرويـة في «قرب الإسناد»، عن الـرضا (عليه السلام) أنّه قال في غسل الـجنابـة:
«تغسل يدك الـيمنى من الـمرفق إلى أصابعك، ثمّ تدخلها في الإناء، ثمّ اغسل ما أصاب منك، ثمّ أفض على رأسك و سائر جسدك».(1)
و مرسلـة محمّد بن أبي حمزه، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في رجل أصابته جنابـة، فقام في الـمطر حتّى سأل على جسده، أيجزيه ذلك من الـغسل؟
قال:
«نعم».(2)
و ربّما يقال: إنّ مقتضى الـجمع بين الـطائفتين تقييد هذه الأخبار بما يحصل معه الـترتيب، لأظهريـة الـطائفـة الاُولى، سيّما بعضها في الـدلالـة على الاعتبار من هذه الـطائفـة.
ولكنّه قد نوقش فيه بإباء الـمطلقات عن الـتقييد، خصوصاً مع ما عرفت من اشتمال بعضها على ذكر اُمور خارجـة عن الـغسل، و عدم الـتعرّض للترتيب، و مع اشتمال الـمقيّدات على ما لايقول بوجوبه الـمشهور، سيّما مع عطف بعضها على بعض بكلمـة «ثمّ» الـمفيدة للترتيب، و مع قوّة احتمال وقوع الـعطف بهذه اللفظـة للجري مجرى الـعادة.
و عليه فحمل الـمقيّدات على الاستحباب أولى من تقييد الـمطلقات بها، مع أنّ صحيحـة زرارة الـدالّـة على لزوم الغسل من لدن قرنه إلى قدمه، ظاهرة في أنّه ليس
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 15.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 14.