(الصفحة 122)
مسأ لـة 5: لاترتيب في الـعضو، فيجوز غسله من الأسفل إلى الأعلى، و إن كان الأولى الـبدئـة بأعلى الـعضو فالأعلى.
كما أنّه لاكيفيـة مخصوصـة للغسل هنا، بل يكفي مسمّاه، فيجزي رمس الـرأس با لـماء، ثمّ الـجانب الأيمن، ثمّ الأيسر، و يجزيه أيضاً رمس الـبعض، و الـصبّ على آخر.
ولو ارتمس ثلاث ارتماسات ناوياً بكلّ واحد غسل عضو صحّ، بل يتحقّق مسمّاه بتحريك الـعضو في الـماء، على وجه يجري الـماء عليه، فلا يحتاج إلى إخراجه منه، ثمّ غمسه فيه1 .
حول الترتيب في العضو و كيفية الغسل
(1) أمّا عدم الـترتيب في الـعضو، و جواز الـغسل من الأسفل إلى الأعلى، فهو الـمشهور، بل ظاهر محكي «ا لـمهذّب الـبارع» الإجماع عليه.
ولكنّه قد حكي الـخلاف عن الـحلبي، و ظاهر «ا لـغنيـة» و «الإشارة» و «ا لـسرائر» و لعلّ منشأه صحيحتا زرارة الـمتقدّمتين:
إحداهما: ما اشتملت على قوله (عليه السلام): «ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك»، بدعوى ظهورها في تعلّق الـظرف با لـغسل، و أنّ الـمراد لزوم الـبدئـة بالأعلى.
ثانيتهما: ما اشتملت على قوله (عليه السلام): «ثمّ على منكبه الأيمن مرّتين، و على منكبه الأيسر مرّتين»، بدعوى ظهورها في لزوم الـصبّ على الـمنكب، الـذي هو أعلى الـعضو من الـجانبين.
ولكنّ الـظاهر عدم دلالـة الـصحيحتين على ذلك أصلاً:
(الصفحة 123)
أمّا الاُولى: فا لـظاهر أنّ الـظرف متعلّق با لـجسد، و الـغرض إفادة الاستيعاب، وا لـتعبير بذلك إنّما هو لتعارف هذا الـنحو من الـتعبير في مقام إفادته، و إلاّ فا لـقرن ـ با لـفتح و الـسكون ـ ليس هو أعلى الـرأس، بل هو في الـحيوان عبارة عن الـزيادة الـعظيمـة، الـتي تنبت في رؤوس بعض أنواعه، و في الإنسان موضعه من رأسه.
فا لـتعبير إنّما يكون دالاًّ على الاستيعاب، لا لأجل اللغـة، بل للعرف، و با لـجملـة فهذه الـروايـة لا دلالـة لها على لزوم الـبدئـة بالأعلى.
و أمّا الـثانيـة: فا لـظاهر أنّ الـصبّ على الـمنكب إنّما هو لما عرفت من أنّ الـتعارف في الـغسل إنّما هو بالابتداء به من الأعلى; لأنّ الـماء يسري إلى ما تحته، ولايسري إلى ما فوقه، مع أنّه ليس الـمراد با لـمنكبين ما هو معناهما لغـة، ضرورة أنّه لايكتفى في الـغسل بصبّ الـماء عليهما بمجرّده، بل الـمراد بهما الـجانبان الأيمن و الأيسر كما عرفت، مع أنّ ذكر كلمـة «مرّتين»، الـدالّـة على التعدّد، قرينـة على كون الأمر بصبّ الـماء على الـمنكبين إنّما هو للاستحباب.
و إن كان يرد على هذا الـكلام عدم تعدّد الأمر با لـنسبـة إلى أصل الـصبّ، و بالإضافـة إلى الـمنكبين و الـتعدّد حتّى يبقى الأوّل على الـوجوب، و يحمل الـثاني على الاستحباب، بقرينـة كون الـتعدّد من الآداب، بل ليس هنا إلاّ أمر واحد، و بعث فارد، و متعلّقه صبّ الـماء على الـمنكبين مرّتين; فإمّا أن يكون مفاده الـوجوب في الـمتعلّق بجميع قيوده، و إمّا أن يكون مفاده الاستحباب كذلك.
إلاّ أن يقال: بأنّه ينحلّ إلى أوامر متعدّدة حسب انحلال الـمتعلّق إلى الـمتعدّد.
و يرد عليه حينئذ: أنّه لامزيـة لحمل الأمر الـثاني على الاستحباب بقرينـة الأمر الـثا لـث، فلِمَ لايبقى على ظاهره من الـوجوب بقرينـة الأمر الأوّل، الـذي لامحيص
(الصفحة 124)
عن الالتزام بدلالته على الـوجوب؟ فتدبّر.
هذا، مضافاً إلى أنّ الـروايـة لا دلالـة لها على لزوم الـبدئـة بالأعلى في الـرأس أصلاً، و إلى أنّ الـمنكب ـ كما مرّ في الـقرن ـ ليس هو أعلى الـجانب، بل بعض أعلاه; لأنّ الـمنكب مجتمع رأس الـكتف و الـعضد.
إلاّ أن يقال: بأنّ الـمنكب كما يستعمل في اللغـة بهذا الـمعنى الـمعروف، كذلك يستعمل فيها بمعنى الـناحيـة و الـجانب، يقال: سرنا في منكب من الأرض، أي في ناحيـة منها، فلامجال لهذا الإشكال.
و كيف كان: فلا يستفاد من هذه الـروايـة أيضاً ذلك، سواء كان الـمراد با لـمنكب معناه الـمعروف، أو كان الـمراد به الـجانب و الـناحيـة.
و أمّا عدم ثبوت كيفيـة مخصوصـة للغسل هنا، فلأنّ الـواجب هو عنوان الـغسل بأيّ نحو تحقّق ولو كان بنحو الـرمس، و الـظاهر الاتّفاق عليه، و الـتعبير با لـصبّ و نحوه في عبارات جماعـة من الـقدماء ـ تبعاً للروايات الـكثيرة الـمعبّرة بذلك ـ ليس لأجل خصوصيـة فيه، بحيث لم يجز الـتعدّي عن عنوانه، كما قد حكي عن الـفاضل الـنراقي في «ا لـمستند»، بل لأجل كونه طريقاً متعارفاً في الـغسل.
و قد ورد هذا الـتعبير في الـنصوص الـبيانيـة في الـوضوء، مع إطلاق الـغسل في الـكتاب و الـسنّـة، و عدم اعتبار الـصبّ فيه إجماعاً.
كما أنّ قولهم في نصوص الـمقام بعد الأمر با لـصبّ: «ما جرى عليه الـماء فقط طهر»، أو «فقد أجزأه»، أو «كلّ شيء أمسسته الـماء فقد أنقيته»، قرينـة على كون الـمراد مجرّد جريان الـماء على الـجسد و مماسّته معه، مع أنّ حمل الـصبّ على الـغسل أولى من حمل الـغسل الـمذكور في مثل صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة على الـصبّ، فتدبّر.
(الصفحة 125)
و على ما ذكرنا يجزي رمس الـرأس با لـماء، ثمّ الـجانب الأيمن، ثمّ الـجانب الأيسر، كما أنّه يجزي رمس الـبعض، و الـصبّ على آخر.
ولو ارتمس في الـماء ثلاث مرّات: مرّة بقصد غسل الـرأس، و مرّة بقصد غسل الأيمن، و ثا لـثـة بقصد غسل الأيسر كفى; لتحقّق الـغسل، و حصول الـترتيب بلا إشكال.
ولو ارتمس في الـماء مرّة واحدة، و حرّك بدنه تحت الـماء ثلاث مرّات بقصد غسل الأعضاء الـثلاثـة، فا لـظاهر كفايته لما ذكر من تحقّق الـغسل، و حصول الـترتيب.
إنّما الإشكال فيما إذا لم يتحقّق الـتحريك أيضاً، و أنّه هل يكتفى بعد الارتماس بمجرّد الـنيّـة و قصد وقوع غسل الأعضاء مرتّباً، أم لا؟
و منشأ الإشكال أحد اُمور أربعـة:
الأوّل: أنّ الـمأمور به هو الـغسل و الـجريان الـفعلي، أو ما هو بمنزلته، كا لـتحريك داخل في مفهومه; لعدم تحقّقه بدونه.
و الـجواب: ما عرفت في مبحث الـوضوء أنّ الـغسل لايعتبر في تحقّق مسمّاه مفهوم الـجريان، أو ما هو بمنزلته، بل معناه استيلاء الـماء على الـموضع الـمغسول، من دون اعتبار شيء آخر فيه.
ا لـثاني: دلالـة الـنصوص الـخاصّـة، الـظاهرة في اعتبار الـجريان في الـمقام، مثل ما عرفت من قوله (عليه السلام): «ما جرى عليه الـماء فقد طهر» أو «فقد أجزأه»، ومن الـواضح عدم تحقّق الـجريان بدون الـتحريك، بل يمكن أن يقال بعدم تحقّقه مع الـتحريك أيضاً، فتدبّر.
(الصفحة 126)
و الـجواب: ما عرفت من دلالـة الـنصوص على كون الـمأمور به مجرّد الـغسل، الـراجع إلى استيلاء الـماء على الـجسد، و قد عرفت أنّ الـتعبير با لـصبّ إنّما هو للتعارف، و إلاّ فا لـمراد به و با لـجريان هو وصول الـماء إلى الـجسد، و مماسّته معه، كما يدلّ عليه قوله (عليه السلام): «كلّ شيء أمسسته الـماء فقد أنقيته».
ا لـثا لـث: دعوى أنّ ظاهر أوامر الـغسل كون الـمأمور به فعلاً وجودياً، و إذا كان في داخل الـماء ونوى الـغسل و لم يتحرّك، لم يتحقّق منه فعل وجودي غير الـنيّـة، فلزوم الـتحريك إنّما هو لأجل تحقّق هذا الـمعنى.
و اُجيب عنه: بأنّ نفس الـمكث في داخل الـماء حال الـنيّـة فعل وجودي، صادر من الـمكلّف باختياره، و لاحاجـة إلى الـتحريك.
ا لـرابع: أنّ الاكتفاء بمجرّد الـنيّـة من دون الـتحريك، يوجب الإخلال با لـترتيب، الـمأمور به في الـغسل الـترتيبي; لأنّ استقلال غسل كلّ عضو با لـفرديـة حتّى يصحّ اتّصاف غير الـعضو الأوّل بوقوعه متأخّراً عنه، أو عنه و عمّا قبله، لايكاد يتحقّق بمجرّد الـنيّـة، بل لابدّ من الـتحريك، أو الـدلك، أو نحوهما، و مجرّد إرادة وقوعه مرتّباً لايؤثّر في صيرورته كذلك.
و يمكن الـجواب عنه: بأنّه لو كان استقلال غسل كلّ عضو با لـفرديـة متوقّفاً على مثل الـتحريك، لكان الـلازم تحقّقه بالإضافـة إلى جميع أجزاء كلّ عضو، مع أنّه لايمكن تحقّق الـتحريك أو الـدلك با لـنسبـة إليها، كما لايخفى، و مع عدمه كيف يصير غسل بعض الـعضو الـذي لم يتحقّق الـدلك با لـنسبـة إليه، متّصفاً بما يعتبر فيه من الـترتيب و الـتأخّر عن الـعضو الـمتقدّم.
|