(الصفحة 434)
ربّما تدّعي الـضرورة على أنّ الـتيمّم إنّما هو كمبدله من الـوضوء و الـغسل في هذه الـجهـة، فلا ينبغي الارتياب في عباديته الـمتقوّمـة بنيّـة الـقربـة.
و يعتبر في نيّته أمران:
في اعتبار قصد الـبدليـة في الـتيمّم
الأوّل: قصد الـبدليـة عمّا عليه من الـوضوء أو الـغسل، و الـدليل عليه على ما في «ا لـمصباح» أنّه لمّا كان الـتيمّم مختلفاً با لـنوع ـ لوقوعه بدلاً من الـوضوء و غسل الـجنابـة و الـحيض و غيرها من الأغسال الـمختلفـة با لـنوع، من غير أن يجتزئ بما يقع بدلاً من بعض عمّا يقع بدلاً من آخر، إلاّ أن يكون مبدله كذلك ـ وجب تمييز كلّ نوع عند إرادة امتثال الأمر الـمتعلّق به عمّا يشاركه في الـجنس حتّى يصحّ وقوعه امتثالاً لذلك الأمر الـمتعلّق با لـنوع، و حيث إنّه لا سبيل لنا إلى تشخيص تلك الـطبائع بغير الـقصد، وجب علينا عند إرادة الإتيان بشيء من تلك الأنواع الـقصد إلى وقوعه بعنوان يخصّ ذلك الـنوع، ككونه بدلاً من الـوضوء أو غيره أو ما يؤدّي مؤدّاه في الـتمييز و إن لم يقصد به عنوان الـبدليـة، كأن قصد مثلاً بفعله تيمّماً، يقع امتثالاً للأمر الـناشئ من خروج الـبول أو الـمنيّ أو غير ذلك ممّا يوجب تمييز الـمأمور به عن غيره ولو بتوصيفه با لـوجوب، كما إذا انحصر الـواجب في حقّه في نوع، فنوى بفعله الإتيان بذلك الـتيمّم الـذي وجب عليه با لـفعل.
ولكنّه دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» أنكر اعتبار قصد الـبدليـة و لو مع الـقول بأنّه بدل; لعدم الـدليل عليه، بل مقتضى الإطلاق عدمه، لأنّ عنوان الـبدليـة ـ بناء عليه ـ ثابت لنفسه من غير دخا لـة للقصد فيه.
(الصفحة 435)
ثمّ أفاد أنّه لا دليل على كونه بدلاً، خصوصاً إن اُريد كونه بدل الـطهور لكونه مخا لـفاً للأدلّـة، و مجرّد كون الـتيمّم أمراً ثابتاً في حال الاضطرار لا يستلزم الـبدليـة، فإن اُريد بها ذلك فلا معنى للنزاع فيه، و إن اُريد بها أمر زائد على ذلك بحيث كان عنواناً ملازماً للمصداق الاضطراري فهو ممنوع; لأنّ الـمصداق الاضطراري يمكن أن يكون مستقلاًّ في الـتأثير في ظرفه، لا نائباً عن غيره و بدلاً عنه، فلا ملازمـة بينهما عقلاً و لا عرفاً.
ثمّ قال: «و دعوى استفادة ذلك من بعض الأخبار كصحيحـة حمّاد بن عثمان قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل لا يجد الـماء، أيتيمّم لكلّ صلاة؟
فقال:
«لا، هو بمنزلـة الـماء»(1)
.
و صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: كيف الـتيمّم؟
فقال:
«هو ضرب واحد للوضوء و الـغسل من الـجنابـة»(2)
.
و موثّقـة عمّار، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـتيمّم من الـوضوء و الـجنابـة و من الـحيض للنساء سواء.
فقال: «نعم»(3)
.
مدفوعـة، لأنّ كونه بمنزلـة الـماء في جواز إتيان الـصلوات الـكثيرة به لا يلازم كونه بدلاً منه، فإنّ وحدة منزلـة شيئين في حصول أمر لو لم نقل بكونها دليلاً على استقلال كلّ في حصوله لا يكون دليلاً على نيابـة أحدهما عن الآخر أو بدليته.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 20، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 4.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 6.
(الصفحة 436)
و با لـجملـة: لا يستفاد منه إلاّ كون الـتيمّم مثل الـوضوء في الـحكم الـمذكور أو مطلقاً، نظير قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«أنت منّي بمنزلـة هارون من موسى». فإنّ كون أميرا لـمؤمنين (عليه السلام)بمنزلـة هارون لا يستلزم نيابته عن هارون، و أصا لـة هارون في نيابته عن موسى، و عدم أصا لـة الـمولى (عليه السلام) في نيابته عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم).
و أمّا الـروايـة الـثانيـة فلا إشعار فيه للمدّعى، فإنّ كون الـتيمّم للوضوء لا معنى له بحسب ظاهره، و الـظاهر أنّ ذكر الـوضوء و غسل الـجنابـة لمجرّد الـمعرّفيـة عن الـتيمّم الـذي هو للحدث الأصغر و الأكبر، فلا يستفاد منه الـبدليـة بوجه.
و كذا لا تستفاد من الـثا لـثـة، لأنّ قوله: «من الـوضوء»، لو لا تعقّبه بقوله: «و الـجنابـة و عن الـحيض» لا يبعد ظهوره في الـبدليـة و إن كان وقوعه في لفظ الـراوي لا يفيد شيئاً، و ليس قول الإمام (عليه السلام) تقريراً لذلك، لكن مع تعقّبه به يدفع ذلك.
و الإنصاف: أنّ تلك الـروايات لا تكون في مقام إفادة بدليـة الـتيمّم و أصا لـة الـوضوء و الـغسل، بل هي بصدد مجرّد الـمعرفيّـة، نظير قوله (عليه السلام) في صحيحـة محمّد بن مسلم بعد بيان الـتيمّم:
«هذا الـتيمّم على ما كان فيه الـغسل ...»(1)
بل الـظاهر من مثل قوله:
«ا لـتراب أحد الـطهورين» و قوله:
«إنّ اللّه جعلهما طهوراً: الـماء و الـصعيد» عدم الـبدليـة».
و قد ظهر ممّا أفاده دام ظلّه أنّه لا دليل على الـبدليـة بوجه حتّى يبحث في اعتبار قصدها و عدمه، و عليه ففيما إذا اتّحد ما عليه من الـتيمّم لا يجب الـتعيين للمبدل منه، و لا الإشارة إليه أصلاً; لأنّ الـواجب هو الـتيمّم الـواحد و قصد الـبدليـة غير معتبر.
و أمّا مع الـتعدّد كا لـحيض و مسّ الـميت مثلاً، فا لـظاهر لزوم الـتعيين، لا لأجل
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 5.
(الصفحة 437)
اقتضاء الـبدليـة ذلك، بل لأنّ تعيّن نوع واحد من بين الأنواع لا طريق له غير الـقصد، كما عرفت من «ا لـمصباح».
في اعتبار مقارنـة الـنيّـة للضرب
ا لـثاني: الـمقارنـة للضرب و اعتبارها واضح على تقدير كون الـضرب من أجزاء الـتيمّم و أفعا لـه، و ذلك لاعتبار مقارنـة الـنيّـة لأوّل أفعال الـعبادة، بداهـة عدم جواز تأخيرها عنه.
و أمّا على تقدير كون الـضرب معتبراً في الـتيمّم على نحو الـشرطيـة، فقد مرّ في مبحث الـضرب أنّه ربّما يقال بجواز تأخير الـنيّـة عنه، ولكن عرفت هناك اندفاعه، و أنّه لا فرق بين الـجزئيـة و الـشرطيـة من هذه الـجهـة، فراجع.
في الـمباشرة
ثانيها: الـمباشرة، و الـدليل على اعتبارها في الـتيمّم هو الـدليل على اعتبارها في الـوضوء و شبهه، و قد فصّلنا الـقول في ذلك في باب الـوضوء، و لا حاجـة معه إلى الإعادة.
في اعتبار الـترتيب في الـتيمّم
ثا لـثها: الـترتيب بين أفعال الـتيمّم بنحو عرفت، و قد ادّعي الإجماع على اعتباره كما في محكيّ «ا لـغنيـة» و «ا لـمنتهى» و «إرشاد الـجعفريـة» و «ا لـمدارك» و «ا لـمفاتيح»، و استظهر من «ا لـتذكرة» و «ا لـذكرى».
(الصفحة 438)
و عن الـمرتضى أنّ كلّ من أوجب الـترتيب في الـوضوء أوجبه فيه، فمن فرّق بينهما خرق الإجماع.
و عن بعضهم ترك ذكر الـترتيب مطلقاً، أو فيما هو بدل عن الـوضوء، و عن جماعـة ترك ذكره بين الـكفّين.
و مثله يوجب الـوهن في الاستناد إلى الإجماع الـذي ربّما يقال بأنّه هو الـعمدة في دليل اعتبار الـترتيب، نعم لا يبعد جواز الاتّكال على الـشهرة الـتي لا ارتياب في تحقّقها، لا لأجل كونها حجّـة في نفسها، بل لأجل أنّ تحقّقها في الـمقام ـ بعد كون مقتضى إطلاق الـكتاب و الـسنّـة عدم اعتباره بين الـكفّين ـ يكشف عن وجود دليل عليه، كما أنّه يمكن الاستدلال عليه با لـسيرة الـعمليـة الـمستمرّة من الـمتشرّعـة في مثل هذه الـمسأ لـة الـتي تعمّ بها الـبلوى، فإنّ الـظاهر اتّصا لـها إلى زمن الـمعصوم الـكاشف عن الأخذ منه.
و أمّا الأدلّـة اللفظيـة، فمقتضى إطلاق الـكتاب عدم اعتباره أصلاً إلاّ بالإضافـة إلى الـضرب على الأرض على سائر الأجزاء; لعدم تحقّق الـمسح بدونه، و هو كا لـضروري، و أمّا في غيره فلا دلالـة له عليه.
نعم، ذكر الـعلاّمـة الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» ما ملخّصه: «أنّه يستفاد من الآيـة بضميمـة الارتكاز الـعقلائي أنّ فاقد الـماء يقصد الـصعيد لتحصيل الـطهور الـذي كان يحصل با لـماء، و أنّه يجب أن يفعل معه ما يفعل مع الـماء عند فقده، فلو لم تتعرّض الآيـة لكيفيته، و اقتصرت على قوله:
(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) لكان الـمتفاهم الـعرفي منها قيام الـصعيد مقام الـماء، فيفهم منه ما فهمه عمّار من الـتمعّك على الـصعيد للغسل و مسح أعضاء الـوضوء با لـكيفيـة الـتي فيه للحدث الأصغر.