(الصفحة 452)
كونه قيداً للمسح، لأنّ مقتضي إطلاقها في ناحيـة الـضرب عدم لزوم الـتعدّد، كما لا يخفى.
و منها: مؤثّقـة زرارة قال: سأ لـت أباجعفر (عليه السلام) عن الـتيمّم، فضرب بيده على الأرض، ثمّ رفعها فنفضها، ثمّ مسح بها جبينه و كفّيه مرّة واحدة(1)
.
و هى مثل الـروايـة الـمتقدّمـة في الـدلالـة.
و منها: غير ذلك من الـروايات الـتي يظهر منها الاجتزاء با لـمرّة مطلقاً.
في الـروايات الـدالّـة على اعتبار التعدّد
ا لـطائفـة الـثانيـة: ما تشتمل على الـتعدّد، كصحيحـة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سأ لـته عن الـتيمّم.
فقال:
«مرّتين مرّتين، للوجه و الـيدين»(2)
.
قال الـعلاّمـة الـماتن ـ دام ظلّه الـعا لـي ـ بعد نقل الـروايـة في «ا لـرسا لـة»: «و محتملاتها كثيرة، ككون الـمرّتين قيداً للقول أو لأمر مقدّر كاضرب، أو أحدهما قيداً للقول و الآخر للأمر، ثمّ على فرض كونهما من متعلّقات الـضرب يمكن أن يكون الـثاني تأكيداً للأوّل، و يمكن أن يكون تأسيساً، لبيان أنّ الـلازم في الـتيمّم أربع ضربات: ضربتان للوجه، و ضربتان لليدين، و الأظهر هو الاحتمال الأخير، فكأنّه قال: ضربتان للوجه، و ضربتان لليدين، و لا أقلّ من كون هذا الاحتمال في عرض احتمال الـتأكيد، مع أنّه ليس الـمورد من موارد الـتأكيد، فهذه الـصحيحـة بما لها من الـظهور خلاف فتوى
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 3.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 1.
(الصفحة 453)
ا لـكلّ، أو هي مجملـة في نفسها، لابدّ من رفع إجما لـها بسائر الـروايات».
و روايـة ليث الـمرادي، عن أبي عبدا لـلّه (عليه السلام) في الـتيمّم قال:
«تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك و ذراعيك»(1)
.
و هذه الـروايـة و إن كانت رافعـة لإجمال الـصحيحـة الـمتقدّمـة، و مبيّنـة لعدم وجوب الـزائد على مرّتين، فا لـلازم إمّا دعوى الـتأكيد فيها، و إمّا الـحمل على اختلاف الـمتعلّق، إلاّ أنّها ظاهرة في كون الـمرّتين قبل الـمسح مطلقاً و هو خلاف الـمشهور، بل الـفتاوى مطلقاً، لأنّ الـظاهر أنّ الـقائل با لـتعدّد يوجب الـتفريق، بكون ضربـة الـوجه قبل مسحه، و ضربـة الـيدين بعده.
و صحيحـة الـكندي، عن الـرضا (عليه السلام) قال:
«ا لـتيمّم ضربـة للوجه، و ضربـة للكفّين»(2)
.
و هي غير خا لـيـة عن الإشعار با لـتفريق، لكنّ ظهور الـروايـة الـمتقدّمـة مقدّم و محكم عليها.
في مفاد الـروايات الـتفصيل
ا لـطائفـة الـثا لـثـة: ما ادّعيت دلالتها على الـتفصيل، و جعلت شاهدة للجمع بين الـطائفتين الـمتقدّمتين بعد تسلّم دلالـة الـثانيـة على الـضربتين مع الـتفريق، و هي صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له كيف الـتيمّم؟
قال:
«هو ضرب واحد للوضوء و الـغسل من الـجنابـة، تضرب بيديك مرّتين، ثمّ
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمم، الـباب 12، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 3.
(الصفحة 454)
تنفضهما نفضـة للوجه و مرّة لليدين، و متى أصبت الـماء فعليك الـغسل إن كنت جنباً، و الـوضوء إن لم تكن جنباً»(1)
.
قال صاحب «ا لـوسائل» بعد نقل الـروايـة: «أقول: الأقرب أنّ الـمراد: الـتيمّم ضرب واحد، أي نوع واحد و قسم واحد للوضوء و الـغسل، و ليس فيه اختلاف في عدد الـضربات، ثمّ تبيّن أنّ كلّ واحد من الـتيمّمين لابدّ له من ضربتين، فلا يدلّ على الـتفصيل، بل يدلّ على بطلانه، و لا أقلّ من الاحتمال، و على ما فهمه بعضهم، فا لـمعنى غير صحيح إلاّ بتقدير و تكلّف بعيد».
و هو و إن أجاد في تفسير الـضرب الـواحد با لـنوع الـواحد و الـقسم الـواحد، و كذا في جعل «ا لـواو» في قوله: «و الـغسل من الـجنابـة»، حرف عطف و الـغسل معطوفاً على الـوضوء، إلاّ أنّ ظاهر دلالـة الـروايـة على اعتبار ثلاث ضربات في الـتيمّمين، لأنّ الـظاهر أنّ قوله: «مرّة»، عطف على قوله: «مرّتين»، لا على «نفضـة» فا لـمراد: مرّتين للوجه، و مرّة لليدين.
و على تقدير كون «ا لـواو» للاستيناف، و الـغسل مبتدء، و تضرب خبره، يكون مفاد الـروايـة اعتبار ثلاث ضربات في ما هو بدل عن الـغسل، و الاكتفاء با لـواحد فيما هو للوضوء، و لابدّ من تفسير الـضرب الـواحد حينئذ با لـضرب الـمعتبر في باب الـتيمّم.
كما أنّه روى الـروايـة الـمحقّق في «ا لـمعتبر» بهذه الـصورة:
«ضربـة واحدة للوضوء، و للغسل من الـجنابـة تضرب بيديك مرّتين، ثمّ تنفضهما مرّة للوجه و مرّة لليدين»، وعلى هذه الـصورة تصير الرواية دالّـة على التفصيل; لظهورها في اختصاص
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 4.
(الصفحة 455)
ا لـضربـة با لـوضوء، و في أنّ قوله: «مرّة للوجه و مرّة لليدين» تفسير لمرّتين، لكنّه (قدس سره)متفرّد با لـنقل بهذه الـصورة، و لا يجوز الاعتماد عليه.
و قد ذكر الـعلاّمـة (قدس سره) في محكيّ «ا لـمنتهى» أ نّه روى الـشيخ في الـصحيح، عن الـصادق (عليه السلام)
«أنّ الـتيمّم للوضوء مرّة واحدة، و من الـجنابـة مرّتان»، و قد استفيد ممّا عن جمل الـمرتضى و «ا لـغنيـة» و غيرهما من نسبـة الـتفصيل إلى روايـة أصحابنا، و في «ا لـسرائر» نسبته إلى الأظهر في الـروايات، و في محكيّ «ا لـمعتبر» قال: روي في بعض الأخبار الـتفصيل، من ذلك روايـة حريز، عن زرارة، و عن الـصيمري نسبـة الـتفصيل إلى الـروايات.
ولكنّه ربّما يناقش في صحيح «ا لـمنتهى» بأ نّه قد طعن فيه جماعـة منهم الـسيّد في «ا لـمدارك» بأ نّه لا وجود له في كتب الـشيخ و لا في غيرها، و إنّما هو توهّم من عبارة الـشيخ في «ا لـتهذيب» توهّم ذلك، فإنّه بعد ما جمع بين الأخبار الـمتقدّمـة با لـحمل على الـتفصيل الـمذكور قال: مع أ نّا أوردنا خبرين مفسرين لهذه الأخبار، أحدهما عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، و الآخر عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينـة، عن مسلم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام):
«أنّ الـتيمّم من الـوضوء مرّة واحدة، و من الـجنابـة مرّتان ...».
و من الـظاهر بل الـمقطوع به أنّ ما ذكره حاصل ما فهمه من معنى الـخبرين، لامتنهما; إذ الـمراد من الأوّل صحيح زرارة الـمتقدّم في بيان شاهد الـتفصيل، و من الـثاني صحيح ابن مسلم الـدالّ على الـتعدّد الـمذيّل بقوله:
«هذا الـتيمّم على ما كان فيه الـغسل»(1)
الـمحمول على الـتقيّـة، لدلالته على لزوم مسح الـيدين إلى
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 5.
(الصفحة 456)
ا لـمرفقين، و مخا لـفته للأحاديث الـكثيرة.
و احتمال أنّ الـعلاّمـة (قدس سره) قد وقف على الـخبر في كتب الـشيخ من دون أن يقف عليه أحد غيره ممّا لا مجال له، خصوصاً مع اعتبار الـوثوق في حجّيـة الـروايـة.
و أمّا الـمراسيل: فإن كان الـمراد بها هي الـمسانيد الـمتقدّمـة فقد عرفت مفادها، وعدم دلالة شيء منها على التفصيل، وإن كان الـمراد بها غيرها فلا حجّيـة فيها، ومجرّد الـموافقـة لفتوى الـمشهور غير كاف، خصوصاً بعد عدم ثبوت الـشهرة، كما عرفت.
ثمّ إنّه مع الـغضّ عن جميع ما ذكر كيف يمكن حمل الـطائفـة الاُولى الـدالّـة على الاكتفاء با لـمرّة على الـتيمّم بدلاً عن الـوضوء مع أنّ مورد غا لـبها الـجنابـة، كما في ا لـروايات الـحاكيـة لقصّـة عمّار؟!
و كيف يصحّ دعوى حمل الـطائفـة الـثانيـة الـدالّـة على لزوم التعدّد على التيمّم بدلاً عن الـغسل مع أنّها في مقام بيان أصل الـماهيـة، و ليس الابتلاء به بأكثر من الابتلاء بما هو بدل عن الـوضوء، كما لا يخفى؟!
فهذا ليس جمعاً مقبولاً عند الـعقلاء مخرجاً للطائفتين عن الـتعارض، خصوصاً مع أنّه يوجد في الـروايات ما تدلّ بصراحتها على عدم الـفرق بين الـوضوء و الـغسل من جهـة الـتيمّم، كموثّقـة عمّار، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـتيمّم من الـوضوء و الـجنابـة و من الـحيض للنساء سواء.
فقال:
«نعم»(1)
.
و عليه فلا محيص من الالتزام بمفاد الـطائفـة الاُولى، و حمل الـطائفـة الـثانيـة إمّا على الاستحباب، و إمّا على الـتقيّـة.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 6.