(الصفحة 46)
و أمّا ما حكي عن «ا لـمعتبر» من قوله: لقائل أن يخصّ هذا الـحكم برمضان دون غيره من الـصيام، فا لـظاهر عدم كون الـمراد به هو خصوص أدائه، بل أعمّ منه و من الـقضاء.
و أمّا صورة الـنسيان في قضاء شهر رمضان، فا لـظاهر أنّه لادليل عليها با لـخصوص، نعم يمكن أن يقال بدلالـة إطلاق صحيحـة ابن سنان الـمتقدّمـة في الـصورة الـسابقـة على الـبطلان في هذه الـصورة أيضاً، فإنّ عدم الاغتسال إلى أن يجيء آخر الليل يجتمع مع الـنسيان أيضاً، و يؤيّده ما يدلّ على مساواة الـقضاء للأداء.
فا لـمستفاد من جميع ما ذكرنا: أنّ صوم رمضان لايكاد يجتمع مع الإصباح جنباً، من دون أن يكون هناك فرق بين الأداء و الـقضاء، و لابين الـتعمّد و الـنسيان.
بقي الـكلام في أمرين:
الأوّل: صيام غير رمضان من سائر الأنواع.
و هو على قسمين; لأنّه تارة يكون واجباً، و اُخرى مستحبّاً.
أمّا الـمستحبّ: فقد صرّح في الـمتن بعدم كون الإصباح جنباً مبطلاً له، ولكنّه قد نسب إلى ظاهر الـمشهور عدم الـفرق في الـفساد با لـبقاء على الـجنابـة عمداً، بين صوم شهر رمضان و غيره من أنواع الـصيام.
نعم، قد عرفت عبارة الـمعتبر الـدالّـة على احتمال الاختصاص به.
و ربّما يقال في توجيه كلام الـمشهور أنّ الـمتبادر من الـصوم في جميع الـموارد الـتي تعلّق به أمر ندبي، أو وجوبي، ليس إلاّ إرادة الـماهيـة الـمعهودة، الـتي أوجبها الـشارع في شهررمضان، فورود الـنصّ في خصوص شهررمضان لايوجب قصر الحكم
(الصفحة 47)
عليه، بعد أنّ الـمتبادر من الأمر به في جميع الـموارد ليس إلاّ الـعبادة الـمخصوصـة الـتي أوجبها الـشارع.
هذا، ولكن يدفع ذلك دلالـة جملـة من الـنصوص على عدم الـفساد، كروايـة حبيب الـخثعمي قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام) أخبرني عن الـتطوّع، و عن (صوم) هذه الـثلاثـة الأيّام إذا أجنبت من أوّل الليل، فأعلم أنّي أجنبت، فأنام متعمّداً حتّى ينفجر الـفجر، أصوم أو لا أصوم؟
قال:
«صُم».(1)
و موثّقـة ابن بكير قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يجنب، ثمّ ينام حتّى يصبح، أيصوم ذلك الـيوم تطوّعاً؟
فقال:
«أ لـيس هو با لـخيار ما بينه و نصف الـنهار؟!».(2)
و موثّقته الاُخرى، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سئل عن رجل طلعت عليه الـشمس و هو جنب، ثمّ أراد الـصيام بعد ما اغتسل، و مضى ما مضى من الـنهار.
قال:
«يصوم إن شاء، و هو با لـخيار إلى نصف الـنهار».(3)
و هذه الـروايات ـ كما ترى ـ صريحـة في عدم كون الـبقاء على الـجنابـة مانعاً عن الـصوم تطوّعاً، بل مقتضى ترك الاستفصال في الأخيرة، و مقتضى ما يفهم ممّا هو بمنزلـة الـتعليل في الـتي قبلها، جوازه في الـواجب غير الـمعيّن أيضاً.
و أمّا الـواجب: فلم يرد فيه نصّ با لـخصوص، سيّما في الـمعيّن منه، و ما تقدّم في
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 20، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 20، الـحديث 2.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 20، الـحديث 3.
(الصفحة 48)
توجيه كلام الـمشهور لايمكن الالتزام به، بعد احتمال اختصاص صوم رمضان بأحكام لاتجري في غيره، خصوصاً مع ما عرفت من عدم شرطيـة الـطهارة من الـجنابـة في الـصوم الـمندوب.
نعم، الاستفهام الـتقريري في الـموثّقـة الاُولى لابن بكير ـ الـذي هو بمنزلـة الـتعليل لعدم الـشرطيـة ـ ربّما يقتضي عدم جريان الـحكم في الـواجب الـمعيّن، الـذي لايجري فيه الـتعليل; لعدم ثبوت الـخيار فيه ما بينه و نصف الـنهار.
ولكن ربّما يستشكل في أصل الـتعليل، بأنّه إنّما يناسب هذا الحكم لوكان الصوم قابلاً للتبعيض، و لم يكن فعل الـمنافيات في أوّل الـيوم منافياً لاختيار الـصوم بعده.
ولكنّه محل نظر; لأنّ الـصوم لايتبعّض، و امتداد خياره مشروط بعدم حصول شيء ممّا يجب على الـصائم الإمساك عنه، فلا يصلح حينئذ أن تكون توسعـة زمان اختيار عنوان الـصوم علّـة لنفي الـبأس عن الإصباح جنباً، اللهمّ إلاّ أن يكون شرط صحّـة الـصوم الاجتناب عن الـبقاء جنباً حين إحداث الـنيـة الـمعتبرة في صحّته، لكن مقتضاه شرطيـة الـطهارة في الـمندوب أيضاً، غايـة الأمر أنّ زمانها موسّع بتوسعـة زمان اختيار عنوانه، و هذا مخا لـف لظاهر الـفتاوى، و سائر الـنصوص، كروايـة الـخثعمي الـمتقدّمـة.
و عليه فا لـتعليل الـواقع في الـموثّقـة لايخلو عن تشابه، فلايجوز الـتعدّي عن مورده، و هو الـصوم تطوّعاً، كما أنّه لايجوز الالتزام بكونه مخصّصاً للحكم با لـنسبـة إلى مجريه، فا لـواجب الـمعيّن يبقى بلادليل، فيحتمل أن يكون ملحقاً با لـمندوب، و يحتمل أن يكون ملحقاً بصوم رمضان، و حيث لادليل على الـتعيين فا لـمرجع أصا لـة عدم الاشتراط، الـموجبـة لمساواته للمندوب.
(الصفحة 49)
و أمّا الـواجب غير الـمعيّن: فيدلّ على عدم الـشرطيـة فيه ـ مضافاً إلى الـتعليل الـواقع في الـموثّقـة الاُولى ـ ترك الاستفصال في الـموثّقـة الـثانيـة.
ولكن في الـتعليل ما عرفت من الإشكال، و في ترك الاستفصال أنّه لايبعد دعوى الانصراف إلى الـمندوب لو لم نقل بانصراف الـسؤال في حدّ ذاته إليه، مع أنّه من الـمعلوم عدم إرادة قضاء شهر رمضان منه، لما عرفت من ثبوت الاشتراط فيه، و عليه فيصير كا لـواجب الـمعيّن خا لـياً عن الـدليل، فيجري فيه حكمه الـذي ذكرناه آنفاً.
و قد نهى في الـمتن عن ترك الاحتياط في الـصوم الـواجب بترك تعمّد الإصباح جنباً فيه، و منشأه قوّة احتمال إلغاء الـخصوصيـة ممّا ورد في شهر رمضان أداءً و قضاءً، و قيام الـدليل على الـعدم في الـمندوب لايقدح في إلغائها بوجه، ولكنّ الـقوّة ممنوعـة، و الـظاهر عدم الاشتراط.
و على تقديره فا لـظاهر أنّ مراد الـمتن من الـواجب هو الـواجب با لـذات.
و أمّا الـواجب با لـعرض ـ كما إذا وجب بنذر و شبهه ـ فا لـظاهر أنّه بحكمه قبل تعلّق الـنذر به، خصوصاً على الـمبنى الـصحيح، و هو عدم صيرورة الـصوم با لـنذر و شبهه واجباً; لأنّ متعلّق الـوجوب هو عنوان الـوفاء با لـنذر، و لايسري الـوجوب منه إلى غيره، و لايصير الـصوم غير الـواجب بسبب الـنذر واجباً، كما مرّ مراراً.
الأمر الـثاني: الـجنابـة في أثناء الـنهار.
و هي تارة تكون عمديـة، و اُخرى غير عمديـة.
أمّا الـعمديـة: فقد صرّح في الـمتن بأنّها تبطل جميع أقسام الـصيام حتّى الـمندوب منها، و الـجماع أحد الاُمور الـتي يجب الإمساك عنها في الـصوم، كما يدلّ عليه الـكتاب و الـسنّـة و تقتضيه الـفتاوى.
(الصفحة 50)
كما أنّ مفطريـة الاستمناء، و حصول الـمنيّ، قد نفي الـخلاف فيها، بل في محكي «ا لـمدارك» و غيره دعوى الإجماع عليه صريحاً، و يدلّ عليها أيضاً نصوص كثيرة.
نعم، قد يظهر الـخلاف أو الـتردّد في وطي دبر الـمرأة، أو الـغلام من غير إنزال، و كذا في وطي الـدابـة، و الـتحقيق في محلّه.
و أمّا غير الـعمديـة: فلا يكون مفسداً للصوم حتّى في شهر رمضان إجماعاً على ما ادّعاه غير واحد، و الـنصوص الـدالّـة عليه كثيرة، و قد جمعها في «الوسائل» في الباب الـخامس و الـثلاثين من أبواب ما يمسك عنه الـصائم، فراجع.
كما أنّه لايجب عليه الـبدار إلى الـغسل بلا نقل خلاف فيه عن أحد، و إن كان ربّما يستشعر وجوبها من بعض الـروايات الـفاقدة لشرائط الـحجّيـة، و تمام الـكلام في محلّه.