(الصفحة 376)مسأ لـة 7: لا يصحّ الـتيمّم با لـثلج، فمن لم يجد غيره ممّا ذكر، و لم يتمكّن من حصول مسمّى الـغسل به، أو كان حرجياً يكون فاقد الـطهورين، و الأقوى له سقوط الأداء، و الأحوط ثبوت الـقضاء، و الأحوط منه ثبوت الأداء أيضاً، بل الأحوط هنا الـتمسّح با لـثلج على أعضاء الـوضوء و الـتيمّم به، و فعل الـصلاة في الـوقت، ثمّ الـقضاء بعده إذا تمكّن1 .
في عدم صحّـة الـتيمّم با لـثلج
(1) قد صرّح جماعـة بانحصار ما يتيمّم به ولو اضطراراً با لـمذكورات في الـمسائل الـسابقـة، فمع فقدها بأجمعها يكون فاقداً للطهورين، من غير فرق بين أن يجد الـثلج و عدمه، بل يظهر من «ا لـمدارك» نسبته إلى أكثر الأصحاب، حيث نسب إليهم الـقول بسقوط فرض الـصلاة أداءً عند فقد الـوحل الـذي هو آخر الـمراتب.
لكن قد حكي عن ظاهر الـسيّد و ابن الـجنيد و سلاّر أنّه يتيمّم با لـثلج، و عن الـمفيد(قدس سره) في «ا لـمقنعـة» أنّه قال: «و إن كان قد عظّاها الـثلج، و لا سبيل له إلى الـتراب، فليكسره و ليتوضّأ به مثل الـدهن».
و اعترض عليه: بأ نّه إن تحقّق به الـغسل الـشرعي كان مقدّماً على الـتراب و مساوياً للماء في جواز الاستعمال، و إن قصر عن ذلك سقط اعتباره مطلقاً، أمّا في الـوضوء و الـغسل فلعدم إمكان الـغسل الـمعتبر في ماهيتهما به كما هو الـمفروض، و أمّا في الـتيمّم فلأ نّه ليس أرضاً، فلا يجوز الـتيمّم به، و بهذا الأخير اعترض على الـقائلين با لـتيمّم با لـثلج.
لكنّهم استندوا في ذلك بصحيحـة محمّد بن مسلم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـت عن رجل أجنب في سفر، و لم يجد إلاّ الـثلج أو ماء جامداً.
(الصفحة 377)
فقال:
«هو بمنزلـة الـضرورة يتيمّم، و لا أرى أن يعود إلى هذه الأرض الـتي يوبق دينه»(1)
.
نظراً إلى أنّ الـظاهر منها عدم وجدان شيء ممّا يتيمّم به مطلقاً اختياراً و اضطراراً، فيكون الـمراد من قوله (عليه السلام):
«يتيمّم» هو لزوم الـتيمّم با لـثلج مع فقدان جميع الـمراتب، و يؤيّده قوله (عليه السلام):
«و لا أرى أن يعود ...» فإنّ الـتراب أحد الـطهورين، و معه لا تكون الأرض موبقـة لدينه.
و فيه ما عرفت سابقاً في معنى الـصحيحـة من أنّه ليس الـمراد بعدم وجدان غير الـثلج و الـماء الـجامد عدم وجدان شيء من الـطهورين، بل خصوص عدم وجدان الـماء و ما هو من سنخه إلاّ الـثلج و شبهه.
و عليه فا لـمراد با لـجواب هو سقوط الـطهارة الـمائيـة و الانتقال إلى الـتيمّم، و أمّا عدم الـتعرّض لما يتيمّم به فلوضوحه عند الـسائل و هو محمّد بن مسلم، و يؤيّده قوله (عليه السلام):
«هو بمنزلـة الـضرورة» فإنّه إشارة إلى أنّ الانتقال إلى الـتيمّم إنّما هو في مورد الـضرورة، و هي ثابتـة في مفروض الـسؤال.
و أمّا كون الأرض موبقـة مع وجود ما يتيمّم به، فلما عرفت في أوّل مبحث الـتيممّ من عدم جواز تحصيل الاضطرار، و أنّ الـتيمّم لا يفي با لـمصلحـة الـكاملـة الـتي تشتمل عليها الـطهارة الـمائيـة، فراجع.
و كيف كان: فا لـروايـة أجنبيـة عن الـدلالـة على الـتيمّم با لـثلج، خصوصاً مع أ نّه كان الـلازم على هذا الـتقدير الـتصريح به، مع بعده عن الأذهان، و مخا لـفته للكتاب و الـسنّـة الـظاهرين في حصر الـتيمّم في غيره.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 9.
(الصفحة 378)
نعم، ربّما يتمسّك بقاعدة الاشتغال، و قوله:
«ا لـصلاة لا تترك بحال» مع أ نّه كما ترى مضافاً إلى حكومـة قوله:
«لا صلاة إلاّ بطهور» على مثله لو سلّم وروده، مع أ نّه لايقتضي طهوريـة الـثلج; لأنّ غايـة مفاده عدم سقوط الـصلاة مع فقد الـطهور، لاجعل ما ليس بطهور طهوراً.
ثمّ إنّه ربّما يقال بجواز الاغتسال و الـتوضّي با لـثلج، غايـة الأمر تبدلّ الـغسل الـمعتبر في الأمرين با لـمسح، و يستند في ذلك بأمرين:
الأوّل: قاعدة الـميسور، و أنّ الـمسح ميسور الـغسل، لأنّ الـغسل عبارة عن إيصال الـماء على الـمغسول و إجرائه عليه، و الـمسح ميسور هذا الـمعنى.
و يرد عليه: أنّ عنوان الـمسح مقابل بل مباين للغسل، و لا يكون ميسوره عرفاً، و لا تكون هذه الـتحليلات الـعقليـة معتنى بها عندا لـعرف بوجه.
ا لـثاني: طائفـة من الـروايات الـتي توهّمت دلالتها على جواز الاغتسال و الـتوضّي مسحاً بدل الـغسل، و هي كثيرة:
منها: روايـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يجنب في الـسفر لا يجد إلاّ الـثلج.
قال:
«يغتسل با لـثلج أو ماء الـنهر»(1)
.
و هذه الـروايـة مضافاً إلى الاضطراب الـواقع فيها لأنّ الـمفروض في سؤا لـها عدم وجدان غير الـثلج، و الـجواب ظاهر في الاغتسال به أو بماء الـنهر، و لذا ذكر صاحب «ا لـوسائل» بعد نقلها: «ا لـمراد أ نّه يذيب الـثلج با لـنار و يغتسل بمائه إن أمكن، أو يدلك جسده با لـثلج إن كان كثير الـرطوبـة بحيث يحصل مسمّى الـغسل،
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 10، الـحديث 1.
(الصفحة 379)
و بيان ذلك أنّ الـسائل فرض أنّه لا يجد إلاّ الـثلج، فذكر ماء الـنهر في الـجواب يدلّ على أنّ مراده أنّه لا فرق بين أن يغتسل با لـماء الـمذاب من الـثلج و أن يغتسل بماء الـنهر» يكون مفادها الاغتسال با لـثلج، و الـمدّعى تبدّل الـغسل مسحاً، و مراده من الاغتسال به ما ذكره صاحب «ا لـوسائل» من الـدلك على الـجسد على نحو يحصل به أقلّ مراتب الـغسل، و قد مرّ في باب الـوضوء أنّ الـغسل الـمعتبر في ماهيته ليس إلاّ أقلّ مراتب الـجريان ولو بإعانـة الـيد، فا لـروايـة لا تنطبق على الـمدّعى.
و منها: روايـة معاويـة بن شريح قال: سأل رجل أباعبدا للّه (عليه السلام) و أنا عنده. فقال: يصيبنا الـدمق و الـثلج، و نريد أن نتوضّأ، و لا نجد إلاّ ماء جامداً، فكيف أتوضّأ، أدلك به جلدي؟
قال:
«نعم»(1)
.
و الـظاهر عدم كون الـروايـة في مقام بيان كفايـة الـمسح بدلاً عن الـغسل، بل مراد الـسائل بعد وضوح كيفيـة الـوضوء عنده، و أنّه يكون عبارة عن الـغسلتين و الـمسحتين، أنّه هل يتحقّق الـغسل الـمعتبر في الـوضوء بدلك الـماء الـجامد على الـعضو الـذي به ربّما يتحقّق أقلّ مراتب الـغسل، أم لا؟ فا لـجواب بقوله:
«نعم» ناظر إلى هذا الـمعنى، لا إلى بدليـة الـمسح عن الـغسل و تغيّر ماهيـة الـوضوء و حقيقته في هذه الـحا لـة، كما لا يخفى.
و منها: صحيحـة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سأ لـته عن الـرجل الـجنب، أو على غير وضوء، لا يكون معه ماء و هو يصيب ثلجاً و صعيداً، أيّهما أفضل، أيتيمّم، أم يمسح با لـثلج وجهه؟
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 10، الـحديث 2.
(الصفحة 380)
قال:
«ا لـثلج إذا بلّ رأسه و جسده أفضل فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمّم»(1)
.
و الـظاهر أنّ تقييد الـثلج بما إذا بلّ الـرأس و الـجسد، خصوصاً مع الـتفريع عليه بأنّه إن لم يقدر على ان يغتسل به، ظاهر في أنّ الاكتفاء به إنّما هو مع تحقّق الاغتسال الـمعتبر فى ماهيـة الـغسل و الـوضوء به، فا لـتعبير با لـمسح بدلاً عن الـغسل في الـسؤال لا يجدي مع هذا الـتقييد، و الـتعبير في الـجواب كما هو ظاهر.
و منها: بعض الـروايات الاُخر الـتى يظهر الـجواب عن الاستدلال بها ممّا تقدّم.
ثمّ إنّه ربّما يوجّه كلام الـمفيد (قدس سره) الـمتقدّم في أوّل الـبحث بأنّ الـتيمّم في موارد الحرج لمّا كان رخصة لا عزيمة، يجوز تحمّل الـمشقّـة با لـوضوء و الـغسل مع كونهما حرجيين، و يجوز تركهما و الـتيمّم، و هذا هو وجه الـجمع بين الـطائفـة من الروايات الـمذكورة في الأمر الـثاني، و بين صحيحـة محمّد بن مسلم الـمتقدّمـة الـمشتملـة على قوله (عليه السلام):
«هو بمنزلـة الـضرورة يتيمّم» بحمل الأخيرة على جواز الـتيمّم و عدم تعيّنه، و حمل تلك الـطائفـة على جواز الـوضوء و الـغسل مع كونهما حرجيين.
و يرد عليه ـ مضافاً إلى ما تقدّم من أنّ الـرفع الـثابت بدليل الـحرج عزيمـة لا رخصـة ـ أنّه لا دلالـة لتلك الـطائفـة على فرض كون الـوضوء أو الـغسل حرجياً، بخلاف صحيحـة محمّد بن مسلم الـدالّـة على ثبوت الضرورة و التيمّم.
أمّا ما عدى روايـة محمّد بن مسلم من تلك الـطائفـة فعدم كون الـفرض فيه ثبوت الـحرج فواضح.
و أمّا روايـة محمّد بن مسلم فقد أفاد الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة»: «أنّ ظاهر صدرها و إن كان الـسؤال عن تكليفه عند عدم وجدان غير الـثلج، فيكون مطابقاً
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 10، الـحديث 3.