(الصفحة 447)
ا لـمتن أنّه لا يكون من الـحاجب، و يجوز الـمسح عليه، ولكنّه ربّما يشكل بأنّ الـشعر خارج عن الـجبهـة، فالاكتفاء بمسحه خلاف ظاهر ما دلّ على وجوب مسح الـجبهـة.
و يندفع الإشكال بعدم استفادة الـعرف من وجوب مسح الـجبهـة إلاّ وجوب مسحها مع الـحا لـة الـطبيعيـة من دون لزوم تصرّف فيها بمثل الإزا لـة، و لذا لو كان في محلّ الـمسح لحم زائد يجب مسحه أيضاً، و يكفي عن مسح محلّه، كما لا يخفى.
و أمّا الـشعر الـمتدلّي من الـرأس إلى الـجبهـة، فا لـذي يدلّ عليه الـمتن أنّه إذا كان واحداً أو اثنين فلا يجب رفعه، لعدم كونه حائلاً بنظر الـعرف، و إذا كان زائداً على ذلك فإن كان غير خارج عن الـمتعارف و لم يعدّ حائلاً عرفاً فيجوز الـمسح عليه، لما ذكر من أنّ الـمستفاد من ظاهر دليل وجوب مسح الـجبهـة هو وجوب مسحها على الـحا لـة الـطبيعيـة، و الـمفروض عدم كونه معدوداً عرفاً حائلاً و حاجباً، و أمّا إذا كان خارجاً عن الـمتعارف فلا يجوز الـمسح عليه، لما ذكر، فتدبّر.
في اعتبار الـطهارة في الـماسح و الـممسوح
سابعها: الـطهارة في الـماسح و الـممسوح، و عن جماعـة الـتصريح به، و عن «شرح الـمفاتيح» نسبته إلى الـفقهاء، بل عن «حاشيـة الـشهيد على الـقواعد» الإجماع على اعتبار طهارة أعضاء الـتيمّم، لكن عن «ا لـجواهر»: لم أعثر على مصرّح بشيء منه من قدماء الأصحاب.
و عن ابن فهد و الـسيّد الـعميدي في حواشيه الـعدم، و مال إليه في «مجمع الـبرهان» و «ا لـحدائق».
و في «ا لـمدارك»: «ذكر جمع من الأصحاب أنّ من الـواجبات طهارة مواقع
(الصفحة 448)
ا لـمسح من الـنجاسـة، و استدلّ عليه في «ا لـذكرى» بأنّ الـتراب ينجس بملاقاة الـنجس فلا يكون طيّباً، و بمساواة أعضاء الـطهارة الـمائيـة، و لا يخفى أنّ الـدليل الأوّل أخصّ من الـمدّعى، و الـثاني قياس محض، و مقتضى الأصل عدم الاشتراط، و الـمصرّح بذلك قليل من الأصحاب إلاّ أنّ الاحتياط يقتضي الـمصير إلى ما ذكره».
أقول: عمدة الـدليل على اعتبار الـطهارة هي الـمساواة الـمذكورة، نظراً إلى أنّ مقتضى الارتكاز الـعرفي أنّه يستفاد من الآيـة الـكريمـة الـواردة في الـتيمّم اعتبار ما يعتبر في الـغسل و الـوضوء معاً في الـتيمّم، كا لـطهارة و غيرها من الأحكام الـمشتركـة، نظراً إلى كونه بدلاً منهما.
نعم، لايمكن إثبات الـشرائط الـمختصّـة بكلّ واحد منهما في الـتيمّم بعد كون مفاد الآيـة أنّه بدل منهما بنحو واحد، هذا إذا لم تكن الـنجاسـة ساريـة.
و أمّا إذا كانت ساريـة ففيه صور تقدّم الـبحث فيها في الـمسأ لـة الـثانيـة من مسائل كيفيـة الـتيمّم، فراجع.
إذا ظهر لك اعتبار هذه الاُمور الـسبعـة في الـتيمّم، فاعلم أنّ اعتبارها إنّما يختصّ بحال الاختيار، و أمّا مع الاضطرار فيسقط الـمعسور و يكتفي با لـميسور، و الـظاهر عدم سقوطه لعدم دلالـة أدلّـة اعتبار تلك الاُمور على اعتبارها بنحو الإطلاق، بحيث يسقط الـتيمّم مع عدم إمكان رعايته و ثبوت الاضطرار في الـبين، بل غايـة مدلولها هو الاعتبار بنحو الإجمال، و الـقدر الـمتيقّن خصوص صورة الاختيار، فراجع.
(الصفحة 449)مسأ لـة 2: يكفي ضربـة واحدة للوجه و الـيدين في بدل الـوضوء و الـغسل، و إن كان الأفضل ضربتين مخيّراً بين إيقاعهما متعاقبتين قبل مسح الـوجه، أو موزّعتين على الـوجه و الـيدين، و أفضل من ذلك ثلاث ضربات: اثنتان متعاقبتان قبل مسح الـوجه، و واحدة قبل مسح الـيدين، و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط با لـضربتين، خصوصاً فيما هو بدل عن الـغسل بإيقاع واحدة للوجه و اُخرى لليدين، و الأولى الأحوط أن يضرب ضربـة و يمسح بها وجهه و كفّيه، و يضرب اُخرى و يمسح بها كفّيه1 .
في كفايـة ضربـة واحدة و عدمها
(1) قد وقع الاختلاف في عدد الـضربات في الـتيمّم، و قد نسب إلى الـمشهور كما عن «ا لـمنتهى» و «كشف اللثام» و «ا لـمختلف» و «مجمع الـبرهان» و غيرها الـتفصيل بين ما للوضوء و بين ما للغسل، باعتبار ضربـة واحدة في الأوّل و ضربتين في الـثاني، بل عن «الأما لـي» أنّه من دين الإماميـة، و عن ظاهر «ا لـتهذيب» و «ا لـتبيان» و «مجمع الـبيان» أنّه مذهب الـشيعـة، و قد اعتمد صاحب «ا لـجواهر» على هذه الـشهرة كمال الاعتماد، و زعم أنّها بمثابـة يسوغ لأجلها الـمناقشـة في الـروايات و كلمات الأصحاب، و يجوز تأويلها بما لا ينطبق على ظاهرها، مع أنّ الـظاهر أنّه ليس كذلك; لأنّ الـمحكيّ عن ظاهر الـصدوق في «ا لـمقنع» و «ا لـهدايـة»، و الـسيّد في «الانتصار»، و ابن زهرة في «ا لـغنيـة»، و ابن ا لـجنيد و أبي عقيل و الـمفيد في «ا لـمسائل الـغريـة»، و عن «ا لـمعتبر» و «ا لـذكرى» و غيرهم كفايـة ضربـة واحدة في الـجميع، بل حكي اشتهاره بين الـعامّـة عن على (عليه السلام) و ابن عباس و عمّار.
بل هنا قول ثا لـث محكيّ عن جماعـة من الـقدماء و منهم الـمفيد (قدس سره) في
(الصفحة 450)
الأركان، و هو اعتبار ضربتين في الـكلّ.
و قول رابع حكاه في «ا لـمعتبر» عن قوم من أصحابنا، و هو اعتبار ثلاث ضربات، و ظاهره الاعتبار في الـجميع من دون فرق بين ما للوضوء و ما للغسل.
و مع هذا الاختلاف لا مجال للاتّكال على الـشهرة الـتي تكون بهذه الـمثابـة، خصوصاً مع تراكم الأدلّـة و كثرتها كتاباً و سنّـة، فا لـلازم ملاحظـة الأدّلـة فقط.
فنقول: لاخفاء في أنّ مقتضى إطلاق الآيـة الـكريمـة هو الاجتزاء با لـضربـة الـواحدة فيهما، خصوصاً بعد ملاحظـة أنّ الـتعرّض للتيمّم إنّما وقع عقيبه الـتعرّض للحدثين الأصغر و الأكبر، فدلالـة الآيـة على الاجتزاء با لـضربـة خا لـيـة عن الـمناقشـة.
في الـروايات الـدالّـة على كفايـة الضربـة
و أمّا الـروايات فهي على طوائف:
ا لـطائفـة الاُولى: ـ و هى عمدتها ـ ما هي ظاهرة في الاجتزاء با لـواحدة مطلقاً، و هي كثيرة:
منها: الـروايات الـحاكيـة لفعل رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تعليماً لعمّار، حكاه الإمام (عليه السلام)، مثل صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«أتى عمّار بن ياسر رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول ا للّه، إنّي أجنبت الليلـة فلم يكن معي ماء.
قال: كيف صنعت؟
قال: طرحت ثيابي و قمت على الـصعيد فتمعّكت فيه.
فقال: هكذا يصنع الـحمار، إنّما قال اللّه عزّوجلّ (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً).
(الصفحة 451)
فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى، ثمّ مسح بجبينه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى، فمسح الـيسرى على الـيمنى، و الـيمنى على الـيسرى»(1)
.
فإنّه لاريب في أنّ رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في مقام تعليم عمّار و بيان ماهيـة الـتيمّم له، و عليه فهل يحتمل أن يكون (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الـمقام ـ خصوصاً بعد كون الـمورد هو الـتيمّم بدلاً عن الـغسل، لأنّ عمّاراً كان جنباً ـ قد أهمل ما يكون معتبراً في الـماهيـة مطلقاً، أو في الـتيمّم بدل الـغسل، أو أنّه يحتمل الإهمال في مقام نقل الـقصّـة و حكايـة عمل رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
فهل الإهمال في هذا الـمقام من الإمام (عليه السلام) مع أنّه كان في مقام بيان الـحكم بهذه الـكيفيـة؟ أو من الـرواة مع أنّ فتح باب هذا الاحتمال يسدّ الاعتماد و الاحتجاج على الـروايات مطلقاً؟
فلا محيص من أن يقال بدلالـة مثلها من الـروايات الـحاكيـة على أنّه لا يعتبر في الـتيمّم مطلقاً الـتعدّد، و أنّ ما يدلّ عليه إطلاق الآيـة الـشريفـة هو الـملاك.
و منها: روايـة ابن أبي ا لـمقدام، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) أنّه وصف الـتيمّم فضرب بيديه على الأرض، ثمّ رفعهما فنفضهما، ثمّ مسح على جبينيه و كفّيه مرّة واحدة(2)
.
و دلالـة الـروايـة على الاكتفاء با لـواحدة لا تتوقّف على دعوى كون «مرّة واحدة» في ذيل الـروايـة قيداً للضرب، أوله و للمسح معاً، نظراً إلى أنّ الـضرب كان مورداً للنزاع و الـخلاف عند الـعامّـة و الـخاصّـة، لا الـمسح، بل تتّم و لو على تقدير
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 9.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 6.