(الصفحة 645)سابعها: الإسلام، فإنّه مطهّر للكافر بجميع أقسامه، حتّى الـرجل الـمرتدّ عن فطرة إذا تاب، فضلاً عن الـمرئـة. و يتبع الـكافرَ فضلاتُه الـمتّصلـة به; من شعره، و ظفره، و بصاقه، و نخامته، و قيحه، و نحو ذلك1 .
ا لـسابع: في مطهّريـة الإسلام
(1) كون الإسلام مطهّراً للكافر; إنّما هو لأنّه بالإسلام يتبدّل عنوان الـكافر و يتغيّر موضوعه، فلا يبقى وجه لبقاء الـنجاسـة الـتي يكون موضوعها الـكافر نظير الاستحا لـة الـمتقدّمـة الـموجبـة لتغيّر عنوان الـنجس، و تبدّله إلى عنوان طاهر أو مشكوك الـطهارة، كما عرفت. مع دعوى الإجماع عليه كما عن «ا لـمنتهى» و «ا لـذكرى» و غيرهما، بل عن «ا لـمستند» دعوى الـضرورة.
فلا إشكال في أصل الـحكم، إنّما الـكلام في أمرين:
الأوّل: أنّه يستفاد من الـمتن، أنّ الـمرتدّ الـفطري إذا تاب، تكون توبته مقبولـة ظاهراً و باطناً و لو كان رجلاً، و لأجله يحكم عليه با لـطهارة، و هو أحد الأقوال الـثلاثـة في الـمسأ لـة، الـذي ذهب إليه جماعـة من الـمحقّقين.
و الـقولان الآخران: عبارة عن الـقول الـمشهور الـذي هو مقابل هذا الـقول، و هو عدم قبول توبته و إسلامه أصلاً; و أنّه مخلّد في الـنار كبقيـة الـكفّار.
و الـقول الـثا لـث: الـذي مرجعه إلى الـتفصيل و الالتزام بقبول توبته و إسلامه واقعاً; و فيما بينه و بين اللّه سبحانه، و عدم قبولها ظاهراً، فيحكم بكفره و نجاسته و سائر الآثار الـمترتّبـة على الـكفّار.
و من الـقائلين بما في الـمتن من يقول ـ مضافاً إلى قبول توبته و إسلامه ـ بأنّه لا يترتّب عليه بعدها شيء من الأحكام الـثلاثـة الـمترتّبـة على المرتدّ: من وجوب قتله
(الصفحة 646)
مع الإمكان، و انقطاع الـزوجيـة; و أنّه تعتدّ زوجته عدّة الـوفاة، و انتقال أموا لـه الـموجودة حال الارتداد إلى الـورثـة، و قد حكي هذا الـقول عن ابن ا لـجنيد، ولكنّه شاذّ لا يعبأ به.
و كيف كان: فا لـلازم ملاحظـة الأدلّـة، و قبلها نقول: إنّ مقتضى الـقاعدة قبول توبته; لأنّه بسببها يصير مسلماً واقعاً، و يتحقّق فيه ما يعتبر في صدق الإسلام ممّا تقدّم الـبحث عنه في ذيل الـبحث عن نجاسـة الـكافر في فصل الـنجاسات; و ذلك لأنّه ليس الـمراد با لـتوبـة الـمفروضـة إلاّ الـتوبـة الـواقعيـة، و الـرجوع عن الارتداد و الـندم عليه حقيقـة، و مع هذا الـوصف لايرى نقص في إسلامه، فمقتضى الـقاعدة الـقبول.
ولكن ربّما يستدلّ ببعض الـروايات على عدم الـقبول، كصحيحـة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـمرتدّ.
فقال:
«من رغب عن الإسلام، و كفر بما اُنزل على محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد إسلامه، فلا توبـة له، و قد وجب قتله، و بانت منه امرأته، و قسّم ما ترك على ولده».(1)
و صحيحـة الـحسين بن سعيد قال: قرأت بخطّ رجل إلى أبي ا لـحسن الـرضا (عليه السلام): رجل ولد على الإسلام، ثمّ كفر و أشرك; و خرج عن الإسلام، هل يستتاب، أو يقتل و لايستتاب؟
فكتب (عليه السلام):
«يقتل».(2)
وصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه أبي ا لحسن (عليهما السلام) قال: سأ لته عن مسلم تنصّر.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب حدّ الـمرتدّ، الـباب 1، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب حدّ الـمرتدّ، الـباب 1، الـحديث 6.
(الصفحة 647)
قال:
«يقتل و لايستتاب».
قلت: فنصراني أسلم، ثمّ ارتدّ.
قال:
«يستتاب، فإن رجع، و إلاّ قتل».(1)
و غيرها ممّا يظهر منها عدم قبول توبته; فإنّ نفي الـتوبـة له ظاهر في عدم قبولها، و عدم ترتّب الأثر عليها.
و بعبارة اُخرى: ظاهر في استدامـة كفره و عدم تبدّله إلى الإسلام بوجه، و إلاّ فلو كان مسلماً قبلت توبته لا محا لـة. و كذا عدم الاستتابـة ظاهر في عدم ترتّب الأثر على الـتوبـة، و إلاّ فمع ثبوت الأثر لها لا يبقى موقع لعدم الاستتابـة، كما لايخفى.
و اُجيب عن الاستدلال بصحيحـة ابن مسلم: بأنّه يحمل إطلاق نفي الـتوبـة في مثلها على إرادة نفيها بالإضافـة إلى الأحكام الـثلاثـة الـمتقدّمـة، لا مطلقاً:
إمّا لاقتران نفي الـتوبـة فيها بالأحكام الـمذكورة الـصا لـح لصرفه إليها، فيكون من الـكلام الـمقرون بما يصلح للقرينيـة، الـمحقّق في محلّه سقوطه عن الـحجّيـة.
و إمّا لأنّها أظهر الأحكام، فينصرف إليها الإطلاق.
و إمّا لقرينيـة لام الـجرّ الـموجبـة لظهور نفي الـتوبـة فيما كان الـمنفيّ أمراً راجعاً له لاغير، فلا يشمل ما كان عليه، كوجوب عباداته، أو لا له و لا عليه كطهارته، فإنّ فائدة الـطهارة إنّما تكون لغيره.
و إمّا للقطع و الإجماع على ثبوت تكليفه بالإسلام و سائر أحكامه من الـصلاة و غيرها، الـموقوفـة على الـطهارة، و الـعلم بصحّتها منه ـ من جهـة أنّه لولاها لزم الـتكليف بما لايطاق، و هو ممتنع عند الـعدليـة ـ يستلزم الـعلم بتحقّق الـطهارة.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب حدّ الـمرتدّ، الـباب 1، الـحديث 5.
(الصفحة 648)
و عن الاستدلال با لـصحيحتين الاُخريين: بأنّ عدم استتابته لايقتضي كفره و نجاسته على تقدير توبته، فلعلّ عدم استتابته من جهـة أنّ توبته لايترتّب عليها ارتفاع الأحكام الـثلاثـة الـثابتـة عليه بالارتداد، فلا أثر لتوبته بالإضافـة إليها، و عدم ارتفاع الأحكام الـثلاثـة أعمّ من الـكفر.
هذا، ولكن الـظاهر أنّ الاقتران بالأحكام الـمذكورة، لاينافي إطلاق نفي الـتوبـة أصلاً، بل مقتضى الـمغايرة الـتي يدلّ عليها الـعطف، أنّ نفي الـتوبـة أمر، و الأحكامَ الـمذكورة أمر آخر، بل الـمعطوف عليه من قبيل الـموضوع للمعطوف، و الـمراد: أنّ توبته لاتنفع، بل هو في حا لـها كافر، و أنّ وجودها كعدمها، فيترتّب عليه الأحكام الـمذكورة.
كما أنّ الاقتران بالأحكام الـمذكورة لايوجب أظهريتها; بحيث يتحقّق الانصراف،
لو لم يدّع كون غيرها أظهر; بلحاظ كونه من أحكام مطلق الـكفر. و عدم كون الـطهارة له ممنوع; بعد اقتضائها لسعـة دائرة الـمعاشرة، و عدم الـتحذّر و الاجتناب عنه. و الـقطع و الإجماع على تقدير تحقّقهما لايقتضيان ثبوت الـطهارة; لإمكان دعوى سقوط شرطيتها في هذه الـصورة.
و كيف كان: فا لـظاهر أنّ نفي الـتوبـة مرجعه إلى عدم تأثيرها في رفع شيء من آثار الـكفر الـتي عمدتها الـنجاسـة.
هذا، ولكنّ الـمستفاد من الـصحيحتين الاُخريين، أنّ عدم الاستتابـة إنّما هو لأجل عدم قبول الـتوبـة. كما أنّه يستفاد منهما الـملازمـة بين عدم الاستتابـة و الـقتل، و الاستتابـة و عدمه، فتصير الـروايتان قرينتين على أنّ الـمراد من عدم الـتوبـة هو وجوب الـقتل، لا عدمها بحيث يترتّب عليه جميع الأحكام الـتي عمدتها الـنجاسـة.
(الصفحة 649)
و إن شئت قلت: إنّ رفع الـيد عن الـقاعدة الـمقتضيـة لقبول توبته و ارتفاع نجاسته، بمثل قوله (عليه السلام) في الـروايـة الاُولى:
«فلا توبـة له» مع ملاحظـة ما ذكرنا، مشكل جدّاً.
ثمّ إنّه لو وصلت الـنوبـة إلى الاستصحاب، فلا مجال لاستصحاب الـكفر الـمقتضي لبقائه، بعد وجود ملاك الإسلام، و ثبوت ما يعتبر فيه في الـمرتدّ بعد الـتوبـة، و الـرجوع الـحقيقي عن الارتداد، كما هو الـمفروض.
كما أنّه لا مجال لاستصحاب الـنجاسـة الـتي هي عمدة آثار الـكفر، بعد تغاير الـموضوع و تعدّده; فإنّ الـكافر و الـمسلم موضوعان متغايران عنواناً و حكماً، و إن كان الـشخص واحداً، فلا يجري الاستصحاب الـحكمي بعد تغاير الـموضوع.
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق نفي الـتوبـة عنه، نفيها بلحاظ الاُمور الاُخرويـة أيضاً، فيعاقب بارتداده، و لايرتفع عنه الـعقاب بتوبته.
و لاينافيه ما يدلّ على أنّ
«ا لـتائب من الـذنب كمن لا ذنب له» و غيره من أدلّـة الـتوبـة، بناءً على شمول مثل
«ا لـذنب» الـوارد فيها للارتداد; نظراً إلى أنّه ذنب، بل من أعظم الـذنوب، كما يؤيّده بعض الـروايات الـواردة في الـكبائر الـدالّ على أنّ من جملتها بل أوّلها الـشرك با للّه الـعظيم. وجه عدم الـمنافاة: قابليـة تلك الأدلّـة للتخصيص بما ورد في الـفطري ممّا يدلّ على أنّه لا توبـة له.
ولكنّ الـمستفاد من قوله تعا لـى:
(وَ لَيْسَتِ الـتَّوْبَةُ لِلَّذينَ يَعْمَلُونَ الـسَّيِّئآتِ حَتّى إذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنّى تُبْتُ الاْنَ وَ لاَ الَّذينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ اُولئِكَ اَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً اَليماً).(1)