(الصفحة 247)مسأ لـة 10: لو تمكّن من حفر الـبئر بلا حرج وجب على الأحوط1 .
و منها: الـخوف من الـوصول إليه من اللصّ، أو الـسبع، أو الـضياع، أو نحو ذلك ممّا يحصل معه خوف الـضرر على الـنفس، أو الـعرض، أو الـمال الـمعتدّ به، بشرط أن يكون الـخوف من منشأ يعتني به الـعقلاء.2
(1) و الـوجه في الـوجوب ما مرّ من تمكّنه من تحصيل الـصلاة مع الـطهارة الـمائيـة، الـتي هي الـمطلوب الـمطلق، الـوافي با لـمصلحـة الـكاملـة الـتي تجب رعايتها.
و بعبارة اُخرى: أنّه مع الـتمكّن من حفر الـبئر بلا حرج لايكون عنوان عدم وجدان الـماء محقّقاً بالإضافـة إليه; لأنّه يقدر على الـوصول إليه و إيجاده من غير حرج، كما هو الـمفروض.
و أمّا جعل الـوجوب أحوط من دون الـفتوى به جزماً; فلأ نّه يمكن أن يقال بانصراف الـدليل عن مثل ذلك، و أنّ الـقدرة على تحصيل الـماء كذلك لاينسبق إليها ذهن الـعرف، بل يكون مثل هذا الـمورد عندهم من مصاديق عدم الـوجدان، و يمكن أن يقال با لـفرق بينه، و بين ما إذا وهبه غيره بلا منّـة و لا ذلّـة، و إن جعلهما الـسيّد (قدس سره)في «ا لـعروة» في صفّ واحد، فتدبّر.
ا لـثاني: في الـخوف من الـوصول إلى الـماء
(2) هذا هو الـمسوّغ الـثاني للتيمّم، و كان ينبغي أن يجعل عنوان هذا الـمسوّغ عدم الـوصلـة إلى الـماء الـموجود ـ كما صنعه في «ا لـرسا لـة» ـ ليشمل ما إذا كان غير قادر على الـوصول إلى الـماء للتعذّر الـعقلي أو الـعادي، كما لو كان في بئر لايمكنه إخراجه و الـوصول إليه بوجه، أو كان في محلّ لايمكنه الـوصول إليه لكبر و نحوه، و منه
(الصفحة 248)
عدم الـثمن لشرائه، و كذا يشمل ما إذا كان الـوصول إليه حرجياً، كما إذا كان في بئر يمكنه الـوصول إليه مع الـحرج و الـعسر، و قد جعل الـماتن دام ظلّه الأخير مسوّغاً مستقلاًّ، و سيأتي الـبحث فيه إن شاء اللّه تعا لـى.
و الـدليل على مسوّغيـة الأوّل واضح، ضرورة أنّه مع الـتعذّر ـ عقلاً أو عادة ـ عن الـوصول إلى الـماء، لايكاد يتحقّق إلاّ عنوان عدم الـوجدان الـمعلّق عليه مشروعيـة الـتيمّم; لأنّه ليس الـمراد به عدم وجود الـماء، بل عدم الـوصول إليه ولو كان موجوداً، كما هو الـمتفاهم منه عرفاً.
و أمّا مسوّغيـة الـخوف، فيدلّ عليها دليل نفي الـحرج.
ولكنّه ربّما يقال: إنّ الـظاهر من عدم مجعوليـة الـحرج في الـدين أنّ أحكام الـدين سهلـة غير حرجيـة، و أنّ الـحكم الـحرجي غير مجعول في الـشريعـة، و من الـواضح اختصاص ذلك بالأحكام الـمجعولـة، فإذا لزم من الـوضوء أو الـغسل أو نحوهما حرج، يكشف ذلك عن عدم كونه مجعولاً بالإضافـة إلى هذا الـحال با لـمرّة، و أمّا إذا كان الـحرج في الـمقدّمات فلا يشمله ما ينفي الـحرج من الأدلّـة; لأنّ الـمقدّمات ليست من الـدين و الـشريعـة، بل وجوبها عقلي لا شرعي و من باب الـتبعيـة، فما هو من الـدين كا لـوضوء في الـمقام لايكون حرجياً، و ما فيه الـحرج ليس مجعولاً شرعياً.
و الـجواب: أنّ الـمتفاهم من دليل نفي الـحرج بملاحظـة وروده في مقام الامتنان أنّه تعا لـى لم يجعل في الـدين تكليفاً موجباً للحرج، سواء كان إيجابه له بنفسه أو بمقدّماته أو بنتائجه، و يؤيّده روايـة عبدالأعلى الـمعروفـة، الـواردة في الـمسح على الـمرارة، نظراً إلى أنّ الـحرج ليس في مسح الإصبع برطوبـة الـيد، بل في مقدّماته من
(الصفحة 249)
نزع الـخرقـة و رفع الـمرارة، فتدبّر.
هذا، مضافاً إلى إمكان استفادته من ذيل آيـة الـتيمّم، الـدالّ على بيان الـنكتـة في تشريعه في جميع موارده حتّى الـمسافر، مع أنّ من الـمعلوم أنّ حرجيّـة الـوضوء أو الـغسل بالإضافـة إلى الـمسافر لاتختصّ بما إذا لم يجد الـماء، بل تشمل ما إذا خاف عن الـوصول إليه للتخلّف عن الـرفقـة و غيره، فالاستدلال بدليل نفي الـحرج في الـمقام تامّ، و ربّما استدلّ لذلك بروايات:
منها: صحيحـة الـحلبي أنّه سأ لـه أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يمرّ با لـركيـة و ليس معه دلو.
قال:
«ليس عليه أن يدخل الـركيـة، لأنّ ربّ الـماء هو ربّ الأرض، فليتيمّم».(1)
و مثلها روايـة الـحسين بن أبي ا لـعلاء.(2)
و منها: روايـة عبدا للّه بن أبي يعفور و عنبسـة بن مصعب جميعاً، عن أبي عبدا للّه(عليه السلام)قال:
«إذا أتيت الـبئر و أنت جنب، فلم تجد دلواً و لا شيئاً تغرف به، فتيمّم با لـصعيد، فإنّ ربّ الـماء هو ربّ الـصعيد، و لاتقع في الـبئر، و لاتفسد على الـقوم مائهم».(3)
و قد نوقش في الأخيرة: بأنّ الـنهي عن الـدخول إنّما هو لإفساد الـماء الـمعدّ لشرب الـقوافل و الـمارّة، و تلك الآبار لايجوز إفسادها و الـدخول فيها; لعدم كونها كا لـمياه الـمباحـة، لأنّها إنّما حفرت لاستقاء الـمارّة لجميع حوائجهم الـتي عمدتها
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 3، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 3، الـحديث 4.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 3، الـحديث 2.
(الصفحة 250)
ا لـشرب منها، و عليه يمكن أن يكون الـوجه في الأوليين أيضاً ذلك، و إن كان لايلائمه الـتعبير بـ «على» في قوله: «ليس عليه أن يدخل الـركيـة».
ولكنّه يمكن الاستفادة منها أنّ أمر الـتيمّم يكون مبتنياً على الـتوسعـة و الـتسهيل، و لايتوقّف على الـعجز الـعقلي، بل يكفي في مشروعيته أدنى عذر، فتدبّر.
و منها: روايـة الـسكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام) أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الـزحام يوم الـجمعـة أو يوم عرفـة، لايستطيع الـخروج من الـمسجد من كثرة الـناس.
قال:
«يتيمّم و يصلّي معهم، و يعيد إذا انصرف».(1)
و منها: طائفـة من الـروايات الـواردة في الـطلب الـنافيـة لوجوبه، أو الـناهيـة عنه بالإضافـة إلى الـمسافر; معلّلاً بخوف الـتخلّف عن أصحابه و الـضلال و أكل الـسبع، أو دالاًّ على أنّه (عليه السلام) لايأمره أن يغرّر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع، و قد تقدّم نقل هذه الـطائفـة و جمعها في «ا لـوسائل» في الـباب الـثاني من أبواب الـتيمّم.
و يتـحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّه لامجال للإشكال فيما إذا تحقّق الـخوف بالإضافـة إلى الـنفس; لدلالـة دليل نفي الـحرج مضافاً إلى الـطائفـة الأخيرة كما هو واضح.
و أمّا فيما إذا تحقّق الـخوف على الـعرض، فإنّهم و إن لم ينصّوا في معاقد إجماعاتهم الـمحكيـة ككثير من الأصحاب في فتاويهم عليه، إلاّ أنّه لاتنبغي الـمناقشـة فيه; لأنّه من أوضح موارد الـحرج، فإنّ تحمّل هتك الـعرض ربّما يكون أشقّ من تلف الـمال، بل ربّما يهون دونه بذل الـنفوس.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 3، الـحديث 3.
(الصفحة 251)
و أمّا فيما إذا تحقّق الـخوف على الـمال، ففيما إذا حصل الـحرج فا لـدليل على الانتقال إلى الـتيمّم هو ما يدلّ على عدم مجعوليـة الـحرج في الـدين، و فيما إذا لم يحصل، بل يكون في الـوصول إلى الـماء خوف مجرّد ضرر ما لـي، فقد استدلّ على سقوط الـطهارة الـمائيـة بدليل نفي الـضرر، و بالإجماع الـمحكيّ عن جمع من الـكتب الـفقهيـة، و با لـطائفـة من الـروايات الـتي اُشير إليها، الـواردة في الـنهي عن الـطلب أو نفي وجوبه، و باستقراء أخبار الـتيمّم الـكاشف عن الـسقوط بأقلّ من ذلك.
ولكن قد حقّق في محلّه: أنّ دليل نفي الـضرر لايكون كدليل نفي الـحرج بصدد رفع الأحكام الـضرريـة، بل هو حكم سياسي سلطاني صادر من الـرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بما هو سلطان على الـناس و زعيم با لـنسبـة إليهم، لا بما هو واسطـة في تبليغ أحكام اللّه تعا لـى و مبيّن للتكا لـيف الـمجعولـة الإلهيـة، نعم لو كان إفادته با لـكتاب أو بلسان الـرسول، لابما هو سلطان و حاكم، لكان كدليل نفي الـحرج ناظراً إلى الأحكام، و مبنياً لرفع الـضرريـة منها.
و الإجماع الـمحكيّ في مثل هذه الـمسأ لـة ـ الـتي يجري فيها دليل نفي الـحرج، أو الـضرر باعتقادهم، و ورد فيها روايات ـ لا أصا لـة له أصلاً لو سلّم حجّيته بنفسه.
و الـطائفـة الـمذكورة و إن كان بعضها مشتملاً على ذكر اللصّ، إلاّ أنّه يحتمل قويّاً أن يكون الـنظر فيه إلى اللصّ الـمتعرّض للنفس، لا الـمتعرّض للمال فقط، و على تقديره فلا دلالـة لها على خوف الـضرر الـما لـي من غير ناحيـة اللصّ، و الـفرق بينهما أنّ لأخذ اللصّ الـمال و الـتسلّط عليه مهانـة و ذلّـة، تأبى عنها الـنفوس غا لـباً، و لأجله يكون تحمّله حرجياً، بخلاف مجرّد ترتّب الـضرر الـما لـي من غير هذه الـناحيـة.