(الصفحة 530)
أي لايجب غسله لأجل الـصلاة، لا أنّه ليس بنجس، كما ذهب إليه الـصدوق.
و أمّا الـغائط، فلا يجب غسله أصلاً، بل يجوز الـتمسّح بالأحجار و نحوها كما مرّ، في أحكام الـتخلّي.
و با لـجملـة: فا لـدليل على الاكتفاء با لـمرّة في الـمتنجّس بالأعيان الـنجسـة الـمعهودة ما عدا الـبول قائم، و مع قيامه لا يبقى مجال للاستصحاب، و إذا كان الـمتنجّس بها من دون واسطـة يكفي فيه الـمرّة، فا لـمتنجّس بها مع الـواسطـة تكفي فيه الـمرّة بطريق أولى بالأولويـة الـقطعيـة.
ا لـكلام في الـمتنجّس با لـبول مع الـواسطـة
نعم، يبقى الـكلام في الـمتنجّس با لـبول مع الـواسطـة، و أنّه هل يعتبر فيه الـتعدّد كا لـمتنجّس من دون واسطـة، أو يكتفي فيه با لـمرّة؟
ربّما يقال: با لـثاني نظراً إلى روايـة الـعيص بن الـقاسم قال: سأ لـته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء.
فقال:
«إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه»(1)
.
فإنّ مقتضى إطلاقها الاكتفاء با لـغسلـة الـواحدة في الـمتنجّس با لـماء الـمتنجّس با لـبول أو بغيره من الـنجاسات و الأقذار.
ولكنّه ربّما يناقش في الاستدلال با لـروايـة تارة: من جهـة الإضمار، و اُخرى: من جهـة الإرسال.
ولكن يدفعها: أنّ جلالـة شأن الـعيص و علوّ مقامه، مانع عن احتمال رجوعه في
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـماء الـمضاف، الـباب 9، الـحديث 14.
(الصفحة 531)
أخذ الـحكم الـشرعيّ إلى غير الإمام (عليه السلام) و حيث إنّ الـشهيد في «ا لـذكرى» و الـمحقّق في «ا لـمعتبر» رويا الـروايـة عن الـعيص من دون واسطـة، فيدلّ ذلك على أنّهما وجداها في كتاب قطعي الانتساب إليه، و من الـواضح اعتبار نقلهما بعد علوّ مقامهما، و وضوح عدا لـتهما و وثاقتهما، فالإشكال من جهـة الإرسال ممّا ليس له مجال أيضاً.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: جواز الاكتفاء با لـمرّة في تطهير عموم الـنجاسات و الـمتنجّسات ما عدا الـمتنجّس با لـبول من دون واسطـة. هذا في غير الإناء، و أمّا الإناء فسيأتى حكمه.
نعم، لا ينبغي الإشكال في أنّ الأحوط الـتعدّد، و هو الـذي قوّاه جماعـة إمّا مطلقاً، أو في خصوص ما له ثخن و قوام.
بقي في هذا الـفرع أمران:
في الـغسلـة الـمزيلـة و الـمطهّرة
الأمر الأوّل: أنّه هل تكفي الـغسلـة الـمزيلـة في حصول الـطهارة، أو أنّه لابدّ من أن تكون الـغسلـة الـمطهّرة بعد غسلـة الإزا لـة، كما عن جماعـة؟
منهم الـمحقّق في «ا لـمعتبر» قال فيه: و هل يراعى الـعدد في غير الـبول؟ فيه تردّد، و أشبههه يكفي الـمرّة بعد إزا لـة الـعين; لقوله (عليه السلام) في دم الـحيض:
«حتّيه ثمّ اغسليه ...».
و اُجيب عنه: بأنّه يمتنع حمل الأمر على الـوجوب; للقطع بعدم وجوب الـحتّ، فالأمر به لابدّ أن يكون محمولاً على الاستحباب كما عن جماعـة، بل في «ا لـمنتهى»
(الصفحة 532)
نسبته إلى علمائنا و أكثر أهل الـعلم، أو على الإرشاد إلى أمر عرفيّ; لأنّ الـحتّ قبل صبّ الـماء أرفق في الـتطهير، فإطلاق الأمر با لـغسل و غيره الـصادق على الـغسلـة الـمزيلـة ـ كما اعترف به جماعـة منهم الـسيّد ـ محكّم، و دعوى الانصراف إلى غيرها و لو ببقاء الـصبّ مستمرّاً بعد زوا لـها، غير ظاهرة.
و يؤيّده: أنّ الـظاهر أنّ الـغسل الـمأمور به لحصول الـطهارة و ارتفاع الـنجاسـة، ليس إلاّ مثل الـغسل الـمتداول في إزا لـة الأوساخ و الـقذارات الـعرفيـة، فكما أنّه يكفي في تحقّق زوال الـوسخ و الـقذارة مجرّد الـغسل الـمزيل، فكذلك في الـشرعيّات، و ما تقدّم من ارتكاز ثبوت غسلتين ـ الاُولى: للإزا لـة، و الـثانيـة: للإنقاء ـ فانّما هو لأجل نفي ثبوت الـغسلتين بعد الإزا لـة بحيث يصير الـمجموع ثلاث غسلات، و إلاّ ففي الـحقيقـة لا مغايرة بين غسلـة الإزا لـة و غسلـة الإنقاء; فإنّ زوال الـعين مرجعه إلى حصول الـطهارة لها; لأنّها ـ كما مرّ سابقاً ـ عبارة عن أمر عدميّ; و هو عدم ثبوت الـنجاسـة الـتي هي خصوصيـة وجوديـة في الـشيء الـنجس، فالإزا لـة و الإنقاء غير متغايرين.
و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ مقتضى الـقاعدة هو الاكتفاء با لـغسلـة الـمزيلـة، و عدم الـحاجـة إلى غسلـة اُخرى زائدة.
نعم، يبقى الـكلام في وجه الـفرق بين الـبول و غيره، حيث إنّه احتاط في الـمتن في الأوّل بكون الـغسلتين غير غسلـة الإزا لـة، وظاهره في الـثاني الـفتوى با لـمغايرة; و لزوم كون الـغسلـة بعد زوال الـعين.
و الـظاهر أنّ الـوجه أنّ دليل الـغسلتين، يجري فيه الارتكاز الـذي ذكرنا; و هو كون الاُولى للإزا لـة و الـثانيـة للإنقاء، خصوصاً مع ملاحظـة تفسير الـمحقّق (قدس سره)
(الصفحة 533)
للروايـة على ما عرفت، و أمّا دليل الـغسل فلا مجال لهذا الاحتمال فيه، فعلى تقدير تفسيره بغسلـة الـتطهير ـ كما هو مبنى هذا الـقول ـ لا محيص عن الالتزام بتحقّق الـزوال قبله; إمّا با لـغسل أو بغيره كما لا يخفى.
نعم، يكفي استمرار إجراء الـماء و صبّه بعد الـزوال و لاحاجـة إلى عنوان الـتعدّد أصلاً.
في اعتبار انفصال الـغسا لـة و اعتبار الـعصر
الأمر الـثاني: أنّه يعتبر في الـتطهير ـ أي تطهير غير الإناء با لـماء الـقليل ـ انفصال الـغسا لـة، سواء كان مثل الـبدن و نحوه ممّا لا ينفذ فيه الـماء، أم كان مثل الـثياب وا لـفرش ممّا ينفذ فيه الـماء و يقبل الـعصر، غايـة الأمر أنّه يكفي في الأوّل مجرّد انفصال الـماء; أي معظمه،
و يعتبر في الـثاني الـعصر أو ما يقوم مقامه; لعدم تحقّق الانفصال فيه بدون الـعصر، فهو مقدّمـة لانفصال الـغسا لـة عن الـمغسول.
و الـوجه في اعتبار الانفصال ما قيل: من أنّ عنوان الـغسل يتوقّف صدقه على انفصال الـغسا لـة عن الـمغسول; لوضوح أنّه لو أخذ كفّه و صبّ الـماء عليه ـ بحيث لم تنفصل عنها الـغسا لـة ـ لم يصدق أنّه غسل يده.
و يرد عليه: ما مرّ سابقاً من عدم مدخليـة الانفصال في صدق الـغسل فهل يتوقّف تحقّق الـغسل الـمأمور به في آيـة الـوضوء، على انفصال مائه عن الـوجه و الـيدين; بحيث لا يتحقّق الـمأمور به قبل الانفصال؟! و من الـمعلوم بطلانه، فالانفصال غير داخل في مفهوم الـغسل.
نعم، ربّما يقال كما في «ا لـمستمسك»: بأنّ الانفصال منصرف أدلّـة الـتطهير، ولو
(الصفحة 534)
بواسطـة ورودها مورد الـتطهير و إزا لـة الـنفرة و الـقذارة; فإنّ ذلك لا يحصل عرفاً إلاّ بانفصال ماء الـغسا لـة; فإنّه مادام موجوداً لا ترتفع الـنفرة و الـقذارة، و لأجل ذلك لا مجال للأخذ بإطلاق ما اشتمل منها على الـصبّ الـصادق قطعاً على مجرّد ملاقاة الـمحلّ; فإنّ قرينـة ورودها مورد الـتطهير الـمنزّل على الـمرتكز الـعرفيّ، مانعـة عن الأخذ بالإطلاق الـمذكور.
و يشير إلى ذلك مقابلـة الـصبّ با لـغسل في بعض الـنصوص، فإنّ الـظاهر منه أنّ الـتعبير با لـصبّ للتنبيه على تحقّق الانفصال في مورده ـ كا لـجسد ـ بمجرّد الـصبّ; لترتّبه عليه غا لـباً بلاحاجـة فيه إلى عنايـة اُخرى.
و يشهد بذلك الأمر با لـغسل في كثير من الـموارد الـتي لا يمكن فيها الـعصر; إذ احتمال الـفرق بين الـموارد ـ بأن يكتفى با لـصبّ في بعض الـموارد، و لا يكتفى به في الـمورد الآخر، بل لابدّ من الـغسل ـ ممّا لا مجال له قطعاً، فلابدّ من حمل الأمر با لـصبّ على الأمر با لـغسل جمعاً، فيكون الـمراد من الـصبّ، الـصبّ على نحو الـغسل و الـتطهير الـمعتبر فيه الانفصال.
و يرد عليه ما أفاده في ذيل كلامه: من ابتناء تماميـة هذا الـوجه على نجاسـة ماء الـغسا لـة; لأنّ الـوجه في اعتبار الانفصال عرفاً بنائهم على سرايـة الـقذارة من الـمحلّ إلى الـماء الـمغسول به، و مع عدم انفصا لـه عنه يكون الـمحلّ عندهم كأن لم يغسل، و أمّا إذا فرض طهارته، و حكم الـشارع باعتصام الـماء، كان ذلك ردعاً لهم، فلا مانع من الأخذ بالإطلاق، و لذا لا يكون الانفصال معتبراً في الـتطهير با لـكثير، كما هو الـمشهور.
و قد ذكر الـمحقّق الـهمداني (قدس سره) في «ا لـمصباح» في وجه اعتبار الانفصال كلاماً،