(الصفحة 26)
و يمكن الـمناقشـة فيه: ـ مضافاً إلى كونه خلاف الـظاهر ـ بأنّه بناء عليه لايلائم الاقتصار على ذكر غسل الـفرجين، من دون أن يتعقّب بقوله: «ثمّ يغتسلان» مثلاً كما لايخفى، و الأظهر هو الاحتمال الأوّل.
فيمن لاحشفـة لـه
ثا لـثها: من لاحشفـة له، كما إذا قطعت جميعها، أو بعضها، يجرى في حكمه احتمالات أربعـة:
أحدها: ما عن الـمشهور ـ بل عن بعض: عدم الـخلاف فيه، بل عن شرح «ا لـدروس»: الـظاهر الاتّفاق عليه ـ من أنّ الـمدار على غيبوبـة مقدار الـحشفـة.
و عمدة ما قيل في وجهه: أنّ الـمستفاد من الأخبار، الـتي قد علّق فيها وجوب الـغسل على عنوان الإيلاج، أو الإدخال، أنّ الـمراد من إدخال الـذكر فيها، ليس إدخال جميعه، و لامطلق الإدخال، بحيث يصدق بإدخال جزء منه، بل الـمراد منه إدخال مقدار معتدّ به، يتّحد ذلك الـمقدار في الـمصاديق الـخارجيـة با لـنسبـة إلى الأفراد الـمتعارفـة مع غيبوبـة الـحشفـة، و يساعده الـفهم الـعرفي، فلابدّ من إدخال مقدارها; ليترتّب عليه وجوب الـغسل.
ثانيها: ما نفى خلّوه عن الـقوّة في الـمتن; من تحقّق جنابته بمسمّى الإدخال و الـدخول; نظراً إلى أنّ مقتضى إطلاق تلك الأخبار; كفايـة الإدخال ولو بجزء منه، و الـقدر الـمسلّم من تقييدها هو غيبوبـة الـحشفـة لواجدها، ففي غيره لابدّ من الأخذ بالإطلاق، و الـحكم بتحقّق الـجنابـة بمجرّد الـدخول مطلقاً، و قد حكي ذلك عن «ا لـمدارك» و «كشف اللثام».
(الصفحة 27)
ثا لـثها: إعتبار إدخال تمام الـباقي; لظهور
«الإدخال» في الـروايات في إدخال الـجميع. و الاكتفاء بإدخال الـحشفـة لواجدها للروايات الـدالّـة عليه، لايوجب رفع اليد عن اعتبار إدخال الـتمام با لـنسبـة إلى غير الـواجد.
رابعها: عدم تحقّق الـجنابـة فيه أصلاً; لترتّبها على الـتقاء الـختانين، و غيبوبـة الـحشفـة، و هو منتف في الـمقام.
و بعبارة اُخرى: مفهوم قوله (عليه السلام):
«إذا الـتقى الـختانان ...» أنّه مع عدم الالتقاء لايجب الـغسل أصلاً، و هذه الـقضيـة الـسا لـبـة كما أنّها تتحقّق بانتفاء الـمحمول، كذلك تصدق مع انتفاء الـموضوع أيضاً، فلايجب الـغسل مع انتفاء الـحشفـة.
و يرد على الأخير: ـ مضافاً إلى وضوح أنّ مورد الأخبار الـواردة في الـتقاء الـختانين، صورة وجود الـحشفـة; لانصرافها إلى خصوصها ـ منع ثبوت الـمفهوم للقضيـة الـشرطيـة، الـراجع إلى كون الـشرط علّـة منحصرة لترتّب الـجزاء، حتّى يكون ثبوت الـغسل في مورد الإنزال مع عدم الـتقاء الـختانين في الـمقام، منافياً للقضيـة الـشرطيـة، الـدالّـة على أنّه إذا التقى الختانان وجب الغسل، لدلالتها على انحصار السبب في الالتقاء، بل غايـة مفادها كون الـشرط علّـة لترتّب الـجزاء، بحيث إذا تحقّق الـشرط يتحقّق الـجزاء، فلا دلالـة لها على نفي سببيـة شيء آخر.
و عليه فالأخبارا لـدالّـة على سببيـة الإيلاج و الإدخال، محكّمـة في مثل المقام.
إن قلت: إنّ مقتضى ا لـجمع بين الأخبارا لـظاهرة في سببيـة مطلق الإدخال والإيلاج، والأخبارا لـدالّـة على سببيـة التقاء الختانين، هوتقييد الطائفـة الاُولى با لـطائفـة الـثانيـة; للعلم باتّحاد الـسببين، و عدم كون كلّ منهما سبباً مستقلاًّ، و مقتضى ذلك عدم وجوب الـغسل على من لاحشفـة له; لعدم الـدليل عليه، فأصا لـة الـبرائـة تجري حينئذ.
(الصفحة 28)
قلت: نعم، لولا أنّ مورد الأخبار الـثانيـة خصوص صورة وجود الـحشفـة، لما عرفت من انصرافها إليه، و معه يبقى إطلاق الـطائفـة الاُولى بحا لـه.
و يرد على الـثا لـث: منع ظهور الإدخال و الإيلاج في الـمجموع، بل هو ظاهر إمّا في الـمسمّى، أو في الـمقدار الـمعتدّبه.
و يرد على الأوّل: منع الـظهور في الـمقدار الـمعتدّبه، الـمتحدّ مع غيبوبـة الـحشفـة في الأفراد الـمتعارفـة، فإنّ الإدخال ظاهر في الـمسمّى الـذي يتحقّق بجزء منه ولو كان أقلّ منها، غايـة الأمر أنّ اعتبار الالتقاء إنّما هو في واجدها، فلا وجه للتقدير في غيره. و لعلّه لذا جعل هذا الـوجه غير خال عن الـقوّة، كما في الـمتن.
نعم، في خصوص مقطوع بعض الـحشفـة، لايبعد أن يكون الـمدار على غيبوبـة تمام الـمقدار الـباقي منها; لعدم وضوح الانصراف با لـنسبـة إليه أيضاً، فلابدّ من أن يتحقّق الالتقاء في تحقّق الـجنابـة، و ترتّب وجوب الـغسل.
ثمّ إنّه لافرق في سببيـة الـجماع لوجوب الـغسل بين كونه صغيراً أو كبيراً، عاقلاً أو مجنوناً، مختاراً أو مكرهاً، و لابين كون الـموطوئـة كذلك; لعموم الـسببيـة الـمستفادة من الـروايات. و لاينافي ذلك عدم وجوب الـغسل على الـصبي و الـمجنون با لـفعل، بل هو واجب عليهما ـ كغيرهما ـ عند اجتماع شرائط الـتكليف. هذا بناء على الـقول بوجوب الـمقدّمـة.
و أمّا بناء على الـقول با لـعدم كما اخترناه و حقّقناه، فلا يتحقّق الـوجوب ولو عند اجتماع شرائط الـتكليف، غايـة الأمر مدخليـة الـغسل في صحّـة الـعمل الـعبادي، الـمشروط با لـطهارة من الـحدث، و عليه فا لـتعبير با لـوجوب كما في الـمتن، لايخلو عن مسامحـة إلاّ أن يكون الـمراد هو اللزوم و الـلابديّـة الـعقليـة.
(الصفحة 29)
مسأ لـة 2: لو رأى في ثوبه منيّاً، و علم أنّه منه و لم يغتسل بعده، يجب عليه قضاء الـصلوات الـتي صلاّها بعده، و أمّا الـتي يحتمل وقوعها قبله فلا يجب قضائها.
ولو علم أنّه منه، و لم يعلم أنّه من جنابـة سابقـة اغتسل منها، أو جنابـة اُخرى لم يغتسل منها، فا لـظاهر عدم وجوب الـغسل عليه، و إن كان أحوط1 .
ثمّ إنّ صحّـة الـغسل من الـصبي الـمميّز، تتوقّف على الـقول بشرعيّـة عبادات الـصبي و صحّتها، و عليه فلو اغتسل الـصبي الـمميّز يرتفع عنه حدث الـجنابـة، ولا تجب الإعادة بعد الـبلوغ، و قد مرّ الـكلام في ذلك سابقاً.
في من رأى في ثوبه منيّاً
(1) من رأى في ثوبه منيّاً تارة: يعلم أنّه منه، و اُخرى: يشكّ في ذلك، و يحتمل أن يكون من غيره. و في الـصورة الاُولى تارة: يعلم بأنّه لم يغتسل بعده، و اُخرى لايعلم ذلك بل يحتمل أن يكون من جنابـة سابقـة اغتسل منها. ففي الـمسأ لـة صور ثلاثـة:
فيما إذا لم يعلم كونه منه
ا لـصورة الاُولى: ما إذا لم يعلم كون الـمنيّ منه، بل يحتمل أن يكون من غيره، كما إذا لم يكن الـثوب مختصّاً به، و مقتضى الـقاعدة فيها عدم وجوب الـغسل عليه; لاستصحاب عدم جنابته، و بقاء الـطهارة من الـحدث، بعد عدم صلاحيـة الـعلم الإجما لـي بكونه منه أو من غيره للمنجزيّـة; لعدم كون الـتكليف منجّزاً على كلّ تقدير، ضرورة أنّ جنابـة الـغير لا أثر لها بالإضافـة إليه.
نعم، لو كان لها أثر با لـنسبـة إليه ـ كما إذا أراد الاقتداء به في الـصلاة ـ فلا مجال
(الصفحة 30)
للرجوع إلى أصا لـة الـطهارة; فإنّ الـعلم الإجما لـي يؤثّر في تنجّز الـتكليف بلحاظ هذا الأثر، و أمّا بالإضافـة إلى الآثار الاُخر فلا، و قد تقدّم تحقيق ذلك.
و يدلّ على أصل الـحكم: ـ مضافاً إلى كونه مقتضى الـقاعدة كما عرفت ـ روايـة أبي بصير قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يصيب بثوبه منيّاً، و لم يعلم أنّه احتلم.
قال:
«ليغسل ما وجد بثوبه، و ليتوضّأ».(1)
و الـمراد من قوله:
«و ليتوضّأ» ليس هو إيجاب الـتوضّؤ من جهـة رؤيـة الـمنيّ في ثوبه، بل نفي وجوب الـغسل، و الاكتفاء با لـوضوء مع وجود سببه.
و عن الـشيخ (قدس سره) حمل الـروايـة على الـثوب الـذي يشاركه فيه غيره; جمعاً بينها و بين الـروايتين الآتيتين.
اُورد عليه: بأنّ ظاهر إضافـة الـثوب إليه في كلام الـسائل، اختصاصه به، فيتعذّر الـحمل على الـثوب الـمشترك. و الـمتبادر من قول الـسائل: «و لم يعلم أنّه احتلم» عدم علمه بكون الـمنيّ من احتلام حادث يوجب عليه الـغسل با لـفعل، و غرضه بحسب الـظاهر بيان كونه شاكّاً في جنابته الـفعليـة، بحيث يكون مكلّفاً با لـغسل. و إنّما عبّر بعدم علمه بأنّه احتلم لأنّ احتمال الاحتلام هو الـسبب الـعادي للشكّ في الـجنابـة، فإنّ احتمال حصولها في حال الـيقظـة مع عدم الالتفات لايكون احتمالاً عقلائياً، فيدلّ جواب الإمام (عليه السلام) على عدم وجوب الـغسل عليه ما لم يعلم با لـجنابـة، سواء نشأ شكّه من احتمال كون الـمنيّ الـذي أصاب ثوبه من الـغير، أو من بقيّـة جناباته الـسابقـة الـصادرة منه الـتي اغتسل منها.
أقول: الـظاهر أنّه كما لاوجه للحمل على خصوص الـثوب الـمشترك، كذلك
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 10، الـحديث 3.