(الصفحة 610)
في اشتراط عدم الـحجاب بين الـشمس و الـمتنجّس
ا لـثاني: أن يستند الـجفاف إلى إشراق الـشمس على الـمتنجّس من دون حجاب، و بلا واسطـة، كما هو الـمصرّح به في روايـة أبي بكر الـحضرمي الـدالّـة على أنّ كلّ ما أشرقت عليه الـشمس فهو طاهر، حيث علّق الـحكم با لـطهارة على إشراق الـشمس. بل هو الـظاهر من «إصابـة الـشمس» الـواردة في موثّقـة عمّار; فإنّ إصابتها ظاهرة في إصابـة نفسها; أي إشراقها، فلا تصدق مع وجود الـحجاب على الـشمس كا لـغيم، أو على الـمتنجّس، كا لـحصير الـملقى على وجه الأرض و نحوه.
بل يمكن أن يقال: باستفادة ذلك من صحيحـة زرارة أيضاً; فإنّ استناد الـجفاف إلى الـشمس و توصيفها بكونها مجفّفـة، ظاهر في تجفيف نفسها الـمتحقّق بإشراقها; للفرق بين كون الـمجفّف هي الـشمس، أو الـحرارة الـتي هي أثرها، كما لا يخفى.
فدعوى كونها مطلقـة شاملـة للجفاف با لـمجاورة، غايـة الأمر لزوم الـتقييد فيها، مدفوعـة بعدم كونها كذلك، بل هي أيضاً ظاهرة في ذلك. و على تقدير تسليم منع الـظهور، فلا مجال لإنكار الانصراف.
كما أنّ إسناد الـمطهّريـة إلى الـشمس في صحيحـة ابن بزيع، ظاهر أيضاً في أنّها بنفسها ـ أي بنورها و إشراقها ـ مطهّرة، فلا يبقى إشكال في اعتبار هذا الأمر.
كما أنّه لا إشكال في حصول الـطهارة فيما إذا أثّر الـهواء و الـريح الـمتعارف في الـجفاف أيضاً; لعدم الـخلوّ عنهما نوعاً.
إنّما الإشكال فيما إذا كان الـجفاف بمعونـة الـريح; بحيث كان تأثير الإشراق في الـنصف أو أقلّ، و تأثير الـريح في الـنصف أو أكثر، كما إذا كانت الـريح زائدة على
(الصفحة 611)
ا لـمقدار الـمتعارف، فا لـمحكيّ عن جماعـة الـحكم با لـطهارة; لأنّ الـمعتبر ـ حسبما يستفاد من الأخبار ـ كون الـجفاف مستنداً إلى إشراق الـشمس، و أمّا استقلالها في الاستناد إليه فلم يظهر من الأخبار.
و ربّما يؤيّد ذلك بموثّقـة عمّار; لاشتما لـها على قوله: «فأصابته الـشمس، ثمّ يبس الـموضع» نظراً إلى إطلاق الـيبوسـة و عدم تقييدها بكونها مستندة إلى الـشمس فحسب، فمع الاشتراك يصدق أنّ الأرض أصابتها الـشمس، ثمّ يبست.
و يرد على هذا الـدليل: أنّ الـظاهر من قوله (عليه السلام) في صحيحـة زرارة: «إذا جفّفته الـشمس ...» هو استقلالها في الـتجفيف، خصوصاً مع ملاحظـة أنّ الـجفاف أمر واحد لا يعقل فيه الـتعدّد و الـتكثّر; فإنّ إسناد مثله إلى شيء ظاهر في الاستقلال بلا إشكال، و هذا كما في الـقتل، بل الأكل و نحوه.
و هذا بخلاف مثل الـمجيء الـذي لا دلالـة لإسناده إلى شيء على استقلاله فيه، و انحصاره به، و عدم مجيء غيره.
و أمّا الـموثّقـة فهي أيضاً لها ظهور عرفي في كون الـيبس عقيب إصابـة الـشمس مستنداً إليها، لا إلى شيء آخر، و إلاّ للزم كفايـة الاستناد إلى الـغير فقط، و لا يلتزم به أحد فتدبّر.
(الصفحة 612)
و يطهر باطن الـشيء الـواحد إذا أشرقت على ظاهره، و جفّ باطنه بسبب إشراقها على الـظاهر، و يكون باطنه الـمتنجّس متّصلاً بظاهره الـمتنجّس على الأحوط، فلو كان الـباطن فقط نجساً، أو كان بين الـظاهر و الـباطن فصلاً با لـجزء الـطاهر، بقي الـباطن على نجاسته على الأحوط، بل لا يخلو من قوّة.
و أمّا الأشياء الـمتعدّدة الـمتلاصقـة فلا تطهر إذا أشرقت على بعضها، و جفّت الـبقيـة به، و إنّما يطهر ما أشرقت عليه بلا وسط1 .
(1) قد وقع الـتعرّض في هذه الـقطعـة لحكم صور:
في تطهير الـشمس للشيء الـواحد الـمتنجّس ظاهره و باطنه
الاُولى: إذا كان الـشيء الـواحد باطنه و ظاهره نجساً، و كان الـباطن متّصلاً با لـظاهر، و أشرقت الـشمس على الـظاهر، و جفّ الـباطن أيضاً بسبب الإشراق على الـظاهر، فإنّ الـظاهر طهارة الـباطن كا لـظاهر، و لا يقدح عدم تحقّق الإشراق بالإضافـة إلى الـباطن; و ذلك لصدق جفاف الـشيء ـ بعد فرض وحدته ـ بإشراق الـشمس عليه، فلابدّ من الـحكم بطهارته با لـنسبـة إلى جميع أجزائه.
ولكنّه ربّما يقال: بعدم طهارة الـباطن بإشراق الـشمس على الـظاهر; لأنّ مطهّريـة الـشمس، إنّما استفيدت من الـحكم بجواز الـصّلاة على الأرض الـمتنجّسـة بعد جفافها با لـشمس، و من الـمعلوم أنّه يكفي في جواز الـصلاة على الأرض الـمتنجّسـة، طهارة الـظاهر فقط، و لا يعتبر طهارة الـباطن إلاّ فيما إذا كانت الـصلاة على أرض مستتبعـة لتبدّل الأجزاء، و صيرورة الـباطن ظاهراً، و با لـعكس، فإنّه يعتبر في مثله طهارة الـباطن بمقدار يتبدّل و يصير ظاهراً، و في غير هذا الـفرض لا تعتبر طهارة الـباطن أصلاً.
(الصفحة 613)
و يردّه ما عرفت: من ظهور الـروايـة في حصول الـطهارة للشيء بعد فرض وحدته، و لازمه كونه طاهراً بجميع أجزائه الـشاملـة للباطن أيضاً، فا لـملاك تحقّق الـجفاف بسبب إشراق الـشمس من دون حجاب، لا ثبوت الإشراق بالإضافـة إلى كلّ جزء، فتدبّر.
في تطهير الـشمس للشيء الـواحد الـمتنجّس باطنه فقط
ا لـثانيـة: ما إذا كان الـباطن فقط نجساً، أو كان بين الـظاهر و الـباطن فصلاً با لـجزء الـطاهر. و قد حكم في الـمتن ببقاء الـباطن على الـنجاسـة في هذه الـصورة على الأحوط، بل نفي خلوّه عن قوّة.
و الـوجه فيه في الـفرض الأوّل من هذه الـصورة واضح; لأنّه لم يتحقّق إشراق الـشمس بالإضافـة إلى الـباطن أصلاً، مع أنّه لا خفاء في اعتبار كون الإشراق متحقّقاً بالإضافـة إلى الـمتنجّس و لو في الـجملـة.
و بهذا يندفع ما يمكن أن يتوهّم: من ثبوت الـطهارة في هذا الـفرض بطريق أولى، بالإضافـة إلى الـصورة الاُولى; نظراً إلى أنّه فيما إذا كان الـظاهر أيضاً متنجّساً، إذا كان إشراق الـشمس على الـظاهر فقط، كافياً في حصول الـطهارة للباطن بسبب الإشراق على الـظاهر، الـموجب لجفاف الـباطن أيضاً، ففيما إذا لم يكن الـظاهر متنجّساً، يكون الـحكم بطهارة الـباطن با لـجفاف، الـمستند إلى الإشراق على الـظاهر، بطريق أولى; لعدم تنجّس الـظاهر أصلاً.
وجه الاندفاع ما عرفت: من ثبوت الـفرق بإشراق الـشمس على الـمتنجّس في الـصورة الاُولى، و عدمه في هذا الـفرض، و كون الـشيء واحداً، لا يقتضي تحقّق
(الصفحة 614)
الإشراق با لـنسبـة إلى الـباطن، و هذا كما إذا جفّ بعض الـظاهر الـمتنجّس بالإشراق، و الـبعض الآخر با لـمجاورة، فإنّه لا يكفي في حصول الـطهارة لجميع أجزاء الـظاهر، كما لا يخفى.
و دعوى: أنّ ذلك يوجب رفع الـيد عن طهارة الـباطن في الـصورة الاُولى أيضاً; لعدم تحقّق الإشراق بالإضافـة إليه، مدفوعـة بأنّه يصدق عرفاً هناك تحقّق الـجفاف بالإشراق على الـمتنجّس و لايصدق هنا، فتدبّر.
و أمّا الـفرض الـثاني من هذه الـصورة، فا لـوجه فيه أنّ الـفصل بين الـظاهر و الـباطن با لـجزء الـطاهر، يوجب الـتعدّد و صيرورتهما شيئين; لفقد الاتّصال الـمساوق مع الـوحدة، فلا مجال لصيرورة الـباطن طاهراً بالإشراق على الـظاهر.
في تطهير الـشمس للأشياء الـمتعدّدة الـمتلاصقـة
ا لـثا لـثـة: ما إذا كانت هناك أشياء متعدّدة متنجّسـة متلاصقـة، و قد أشرق الـشمس على بعضها، فإنّه لا يوجب طهارة الـبقيّـة و لو حصل الـجفاف للجميع بالإشراق على الـبعض; لما عرفت من لزوم استناد الـجفاف إلى الإشراق من دون واسطـة و حجاب، و فرض الـتعدّد يمنع عن الـحكم بكفايـة الإشراق على الـبعض، كا لـظاهر في الـصورة الاُولى، و الـتلاصق غير مانع من بقاء الـتعدّد، و عدم تحقّق الـوحدة، كما هو الـمفروض.
|