(الصفحة 128)
ا لـجنب في الـماء ارتماسـة واحدة، أجزأه ذلك من غسله».(1)
و في روايـة الـسكوني، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: قلت له: الـرجل يجنب، فيرتمس في الـماء ارتماسـة واحدة و يخرج، يجزيه ذلك من غسله.(2)
و في مرسلـة الـحلبي الـتي رواها الـصدوق، بإسناده عنه، قال: حدّثني من سمعه يقول:
«إذا اغتمس الـجنب في الـماء اغتماسـة واحدة، أجزأه ذلك من غسله».(3)
و هذه الـروايات حاكمـة على ما دلّ على اعتبار الـترتيب في الـغسل، خصوصاً مع ملاحظـة الـجمع بين الـكيفيتين في صحيحـة زرارة، بعد حمل الاُولى منهما على الـترتيب بقرينـة نصوصه، و إن كان ربّما يبعّده أنّ ظاهر قوله:
«و إن لم يدلك جسده» أنّ الـفرق بينهما إنّما هو من هذه الـجهـة.
لكنّ الـتأمّل فيها يقضي بخلافه; لأنّ الـغسل الـمذكور في الـكيفيـة الاُولى أيضاً لايعتبر فيه الـدلك بوجه، فا لـفرق إنّما هو من جهـة الارتماس و عدمه، الـمحمول على الـترتيب بقرينـة أدلّته.
و كيف كان: فلاينبغي الإشكال في ثبوت هذه الـكيفيـة أيضاً للغسل، خصوصاً مع الـتعبير بالإجزاء به عنه، كما لايخفى.
ثمّ إنّ الـظاهر أنّ توصيف الارتماس أو الانغماس با لـوحدة في الـنصوص الـمتقدّمـة، إنّما يراد به الارتماس الـواحد في مقابل الـمتعدّد، لأجل رمس كلّ عضو على حدة، أو لأجل رمس الـمجموع ارتماسات متعدّدة.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 12.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 13.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 15.
(الصفحة 129)
أمّا في غير صحيحـة زرارة فواضح; لأنّ الـعرف لايكاد يفهم من وحدة الارتماس إلاّ ما يقابل الـمتعدّد.
و أمّا فيها فبعد حمل الـكيفيـة الاُولى فيها على الـترتيب، يصير الـمراد با لـوحدة في الـثانيـة أيضاً كذلك; لأنّ الـترتيب مستلزم لتعدّد الـغسل، خصوصاً مع عدم كون الـمفروض فيه حصوله با لـرمس و الـغمس.
نعم، يقع الـكلام بعد ذلك في أصل حقيقـة الارتماس، و أنّه هل يعتبر فيه أن يكون دفعـة واحدة عرفيـة، أو يمكن تحقّقه تدريجاً أيضاً؟
فنقول: الـقدر الـمتيقّن منه ما إذا كان خارج الـماء بجميع أعضائه، ثمّ نوى الـغسل و ارتمس في الـماء دفعـة، فإنّه لا إشكال في تحقّق الارتماس بذلك.
ولكنّ الـظاهر عدم الاختصاص به; لعدم لزوم أن يكون خارج الـماء كذلك، بل يكفي أن يكون بعض الأعضاء أو تمامها داخلاً في الـماء.
و لايقدح ذلك في صدق الارتماس بوجه، و لاحاجـة إلى الـتحريك في الـثاني أيضاً، إلاّ بناء على أكثر الـوجوه الـمتقدّمـة، الـتي قد مرّ الـجواب عن جميعها، فراجع.
كما أنّ الـظاهر أنّ الارتماس، الـذي يتحقّق بالأخذ في الـرمس إلى أن يتحقّق الـتغطيـة و مستوريـة الـجسد، يكون مجموعه غسلاً، و يكون الـشروع فيه ـ الـذي يعتبر فيه الـمقارنـة للنيّـة ولو ارتكازاً ـ هو أوّل الأخذ في الـرمس.
فما حكي عن بعض من أنّه إذا ارتمس في الـماء، و استوعب الـماء على جميع بدنه، تحقّق الـغسل دفعـة في هذا الـحين، و مقتضاه بطلان الـغسل لو نواه بوقوعه في الـماء، لا ببقائه، أو با لـمجموع من الأمرين، ضعيف.
كما أنّ ما حكي عن «ا لـجواهر» من قوّة احتمال أن يكون ابتداء الـغسل أوّل آنات
(الصفحة 130)
ا لـتغطيـة، و مستوريـة الـجسد في الـماء، و آخره آخر جزء الـغسل في تلك الـتغطيـة، فلا عبرة بما يغسل قبلها، كما لاعبرة بما يغسل بعدها، و إنّما الـعبرة بانغسال جميع الـجسد في تلك الـتغطيـة، طا لـت مدّته أم قصرت.
و مقتضاه كون الـغسل دفعي الـحصول إن لم يكن في بدنه مانع، بحيث يصل الـماء إلى كلّ جزء منه عند صيرورته مغطّى، و تدريجي الـحصول إن لم يكن كذلك، فله الاشتغال بإزا لـة الـمانع في تلك الـتغطيـة، ما لم يتحقّق الـفراغ منها، و إن طا لـت مدّتها.
قد أورد عليه في «ا لـمصباح» بأنّ مستنده هو أنّ الارتماس مأخوذ من الـرمس، و هو الـتغطيـة و الـكتمان، فمادام لم يستتر با لـماء لم يتحقّق الارتماس، و مهما ستره الـماء فهو مرتمس إلى أن يخرج، فا لـموجود الـخارجي مصداق واحد لطبيعـة الارتماس، طال زمانه أم قصر.
مع أنّ الـمتفاهم من الأدلّـة إنّما هو كفايـة انغسال الـجسد با لـكيفيّـة الـتي تسمّى ارتماساً، و ابتداء زمان حدوث الـفعل ليس إلاّ أوّل آنات الـشروع فيه، لا أوّل آنات تحقّق الـرمس; إذ ليس الارتماس إلاّ كا لـتكلّم في عدم توقّف جزئيـة الـجزء الأوّل على تحقّق الـوصف الـعنواني.
و الـمنساق إلى الـذهن من قوله (عليه السلام):
«إذا ارتمس الـجنب في الـماء ارتماسـة واحدة» إنّما هو إرادة غسل الـجسد دفعـة واحدة بالارتماس، كما يشهد لذلك فهم الأصحاب، لا مطلق غسله في تغطيـة واحدة. كيفما اتّفق، بحيث عمّ ما لو كان على جسده حاجب فأزا لـه في الـماء بعد فصل معتدّ به.
أقول: الـظاهر أنّه لامجال لإنكار كون ابتداء زمان حدوث الـفعل هو أوّل آنات
(الصفحة 131)
ا لـشروع فيه، ولاينافيه كون الارتماس مأخوذاً من الـرمس، وهو الـتغطية و الـكتمان; لصدق عنوان الـمستوريـة ولو بالإضافـة إلى بعض الأجزاء، غايـة الأمر أنّه يلزم تحقّقها بالإضافـة إلى جميع الـجسد في الـغسل.
و بعبارة اُخرى: حدوث الـمستوريـة با لـنسبـة إلى آخر الأجزاء الـذي به يتحقّق وصف الانغماس للمجموع، لايكون انضمامه مع بقائها في الأجزاء الـواقعـة قبله مؤثّراً في تحقّق الـوصف الـمذكور، بل الـذي يوجب حصوله إنّما هو الـحدوث و الـبقاء معاً فيها، و خصوص الـحدوث في آخر الأجزاء، فا لـمجموع متّصف بذلك.
و أمّا بقاء الارتماس إلى أن يخرج، طال زمانه أم قصر، فا لـحقّ فيه مع صاحب «ا لـجواهر»، لابمعنى كون الـخروج دخيلاً في حقيقـة الارتماس، بحيث لو لم يخرج لم تتحقّق تلك الـحقيقـة أصلاً; لأنّ الـخروج لا دخل له في حقيقته، بل بمعنى أنّه ما لم يخرج لايحدث وجود آخر للارتماس، بل هو بقاء للوجود الأوّل.
و لايمنع وجود الـحاجب، و إزا لـته في الـماء بعد فصل معتدّ به عن تحقّقه أصلاً، لما عرفت من أنّ الـوحدة الـمأخوذة وصفاً للارتماس، لايراد بها إلاّ ما يقابل الـمتعدّد، و ليس الـمراد بها هي الـدفعـة حتّى تحمل على الـعرفيـة; لتعذّر الـحقيقيـة.
و منه يظهر صحّـة ما نسب إلى بعض متأخّري الـمتأخّرين، من الاجتزاء بما لونوى الـغسل، فوضع رجله ـ مثلاً ـ ثمّ صبر ساعـة بحيث نافي الـدفعـة الـعرفيـة، فوضع عضواً آخر، و هكذا إلى أن ارتمس أجزائه.
و لاوجه لما اُورد عليه: من أنّ الـمتبادر من الارتماسـة الـواحدة ليس إلاّ الـوقوع في الـماء دفعـة، لاتدريجاً، لما عرفت من كون عنوان الـدفعـة أجنبياً عمّا هو الـمتفاهم من الـروايات.
(الصفحة 132)
ثمّ إنّ الـظاهر أنّه لاخلاف في أنّه يعتبر في الارتماس أن يكون تمام الـبدن تحت الـماء ولو في آن واحد، فلو خرج بعض بدنه قبل أن ينغمس الـبعض الآخر، كما إذ اُخرجت رجله قبل أن يدخل رأسه في الـماء، أو با لـعكس، لايكفي.
و الـوجه فيه: أنّ الـمستفاد عرفاً من الـروايات الـواردة في الـغسل الارتماسي هو اعتبار استيلاء الـماء على جميع الـبدن في آن واحد، خصوصاً مع توصيف الارتماس با لـوحدة، الـظاهر في حصول الاستيلاء كذلك مرّه واحدة، بحيث تمّ الـغسل بهذا الارتماس.
و أمّا عدم قدح كون الـرجل في الـطين يسيراً، كما هو الـمتداول في الـغسل في الأنهار و الـجداول; فلأجل أنّه لايفهم الـعرف من تلك الـروايات عدم إمكان الـغسل فيها، مع شدّة الابتلاء بها، و تحقّق الـغسل الارتماسي فيها نوعاً.
ولكنّ الأحوط مع ذلك اختيار الـترتيبي، أو الارتماسي بنحو لايقع الـرجل في الـطين أصلاً، بوضع مثل حجر عليه، و جعل الـرجل على الـحجر، و سيأتي في الـمسأ لـة الآتيـة ما له نفع با لـمقام، فانتظر.