(الصفحة 138)
فقال:
«إن كان يغسله اغتسا لـة با لـماء أجزأه ذلك، إلاّ أنّه ينبغي له أن يتمضمض و يستنشق، و يمرّ يده على ما نا لـت من جسده».
قال: و سأ لـته عن الـرجل تصيبه الـجنابـة، و لا يقدر على الـماء، فيصيبه الـمطر، أيجزيه ذلك، أو عليه الـتيمّم؟
فقال:
«إن غسله أجزأه، و إلاّ تيمّم».(1)
و مرسلـة محمّد بن أبي حمزة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في رجل أصابته جنابـة، فقام في الـمطر حتّى سال على جسده، أيجزيه ذلك من الـغسل؟
قال:
«نعم».(2)
فإنّ الـقدر الـمتيقّن منهما صورة رعايـة الـترتيب، غايـة الأمر قيام الـمطر مقام الـماء الـخارجي، و إن كان في الـصحيحـة شيء، و هو أنّه بعد الـحكم بجواز الـغسل في الـمطر عند الـقدرة على ما سوى ذلك، لا مجال للسؤال عن الـجواز عند عدم الـقدرة عليه، فإنّه لو كان جائزاً مع وجود الـقدرة، يكون الـجواز مع عدمها بطريق أولى.
ا للهمّ إلاّ أن يقال: بكون الـسؤا لـين قد وقعا في موقعين، و الـجمع بينهما إنّما وقع في الـكتاب.
و كيف كان: فلا إشكال في جواز الـغسل الـترتيبي في الـمطر و شبهه، و لا حاجـة فيه إلى إقامـة دليل خاصّ أصلاً.
و أمّا الـغسل الارتماسي فجوازه في مثل الـمطر محلّ خلاف، فا لـمحكيّ عن الـحلّي و الـمحقّق في «ا لـمعتبر» و غيرهما الـمنع، و قد اختاره في الـمتن.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 10 و 11.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 14.
(الصفحة 139)
و عن الـشيخ و الـعلاّمـة و الـشهيدين و غيرهم الـجواز.
نعم، ظاهرهم أنّه ملحق في سقوط الـترتيب بالارتماس، لا أنّه من مصاديقه، و إن اختلفوا من جهـة أنّ الـشيخ أ لـحق الـجلوس تحت الـمجرى و الـمطر فقط، و الـعلاّمـة في «ا لـتذكرة» أ لـحق الـميزاب و شبهه به أيضاً، و عن بعض إلحاق الـصبّ بالإناء دفعـة به أيضاً.
و يرد عليهم: أنّه إن كان مستندهم في ذلك تنقيح الـمناط، بدعوى الـقطع بعدم مدخليـة الـرمس في الـماء في صحّـة الـغسل، و إنّما الـمناط إحاطـة الـماء با لـبدن دفعـة عرفيـة، فا لـجواب ما اُفيد من أنّه ـ مضافاً إلى منع تحقّق الإحاطـة دفعـة في مثل الـمطر و نحوه، إلاّ إذا كان الـمطر غزيراً، فجرى على جميع الـبدن، ثمّ نوى الـغسل ـ يرد عليه أنّ دعوى الـقطع بذلك في مثل هذه الأحكام الـتعبّديـة، تكون عهدتها على مدّعيها، و لا يمكن لنا الـجزم بذلك.
و إن كان مستندهم الـروايات الـخاصّـة الـمتقدّمـة، فيرد عليهم ـ مضافاً إلى ما عرفت من عدم كون الـمطر مستولياً على جميع الـبدن، و محيطاً به إلاّ أن يقال: بأ نّه على هذا الـتقدير لا مجال لاعتبار الإحاطـة دفعـة ـ أنّ الـظاهر عدم كون الـروايات مسوقـة إلاّ لبيان كفايـة الـمطر عن الـماء، و لا دلالـة لها على مطلوبهم أصلاً.
و لو سلّم فأدلّـة الـترتيب مقيّدة لإطلاقها، إلاّ أن يقال: بأنّ الـنسبـة حينئذ عموم من وجه، و لا مرجّح لأدلّـة الـترتيب في مادّة الاجتماع.
و الـجواب: أنّ ظهورها في اعتبار الـترتيب أقوى من ظهور هذه الـروايات في نفيه. نعم، لو كان بينهما الـتساوي في الـظهور لكان الـمرجع حينئذ إطلاق الـنصوص، الـخا لـيـة عن الـتعرّض للترتيب.
(الصفحة 140)
ثمّ لو كان مفاد الـروايات سقوط الـترتيب في الـمطر، كما في الارتماس، فهل يجوز الـتعدّي عن الـمطر إلى غيره، كا لـمجرى و الـميزاب، أو لايجوز، فلا يسقط فيهما فضلاً عن الـصبّ بالإناء دفعـة واحدة؟
ا لـظاهر أنّه لا وجه للتعدّي; لأنّ سقوط الـترتيب في الـمطر يمكن أن يكون لأجل خصوصيـة فيه غير موجودة في الـميزاب و نحوه، فلا وجه للإلحاق الـذي اختاره الـشيخ و الـعلاّمـة، فضلاً عمّا اختاره بعض آخر.
و يمكن أن يوجّه الإلحاق بأنّ أصل اعتبار الـترتيب لم يثبت من الأدلّـة اللفظيـة، بل الـدليل عليه إنّما هو الإجماع، و الـقدر الـمتيقّن من معقده غير الـمطر و شبهه، فلا دليل على اعتبار الـترتيب في مثله.
و يحتمل أن يقال بعدم اعتبار الـترتيب رأساً; لأنّ الأخبار الـدالّـة عليه جاريـة مجرى الـعادة، أو محمولـة على بيان أفضل الأفراد، و عليه فلا فرق بين أنواع غسل الـجسد أصلاً.
ولكنّك عرفت فيما تقدّم بطلان كلا الاحتما لـين; لأنّ الـترتيب لا ينحصر دليله بالإجماع، بل الـعمدة في دليله هى الـروايات الـواردة فيه، الـدالّـة عليه، و لا مجال لحملها على كونها جاريـة مجرى الـعادة، بعد ظهورها في اعتبار الـترتيب.
كما أنّك عرفت أنّ روايات الـغسل في الـمطر لا تفي بسقوط الـترتيب فيه، فلا مجال للغسل الارتماسي في الـمطر، مع عدم إحاطـة الـماء بجميع الـبدن في آن واحد.
نعم، لوكان غزيراً بحيث أحاط بجميعه كذلك، لامانع من الـغسل تحته، كما أنّه في الميزاب وا لمجرى إذا كانا كذلك، لايقدح الـغسل الارتماسي تحتهما; لصدق الارتماس فيها، فيدلّ على حكمها نصوص الارتماس، من دون حاجـة إلى نصّ خاصّ، كما لايخفى.
(الصفحة 141)
ا لـرابع: من الواجبات إطلاق الـماء و طهارته و إباحته، بل الأحوط إباحـة الـمكان، و الـمصبّ، و الآنيـة، و إن كان عدم الاشتراط فيها لا يخلو من وجه.
و يعتبر أيضاً الـمباشرة اختياراً، و عدم الـمانع من استعمال الـماء لمرض و نحوه، على ما مرّ في الـوضوء، و كذا طهارة الـمحلّ الـذي يراد إجراء ماء الـغسل عليه، فلو كان نجساً طهّره أوّلاً، ثمّ أجرى الـماء عليه للغسل1 .
مسأ لـة 1: إذا كان قاصداً عدم إعطاء الاُجرة للحمّامي، أو كان بنائه على إعطائها من الـحرام، أو على الـنّسيـة من غير تحقّق رضا الـحمّامي، بطل غسله و إن استرضاه بعده.(2).
ا لـرابع: سائر الـواجبات
(1) قد تقدّم الـبحث في اعتبار هذه الاُمور في باب الـوضوء، و لا حاجـة إلى الإعادة; لعدم خصوصيـة للوضوء فيها، فيجري الـكلام هنا، فراجع.
(2) أمّا الـفرض الأوّل: فقد اُورد على أصل الـحكم با لـبطلان فيه في «ا لـمستمسك»، بأنّ هذا يتمّ إذا كان الالتزام بإعطاء الاُجرة من مقوّمات الـمعاملـة مع الـحمّامي، كما إذا كان مضمونها إباحـة الـتصرّف في الـماء، بشرط الالتزام بالإعطاء، فإنّ الـبناء على عدم الإعطاء مناف للمعاملـة، فلا يجوز الـتصرّف، و كذا لو كانت الإباحـة معلّقـة على الإعطاء الـخارجي، فإنّه مع الـبناء على عدم الإعطاء لم يحرز الإباحـة، فيحرم عليه الـتصرّف.
أمّا لو كان الإعطاء خارجاً عن قوام الـمعاملـة، كما إذا كانت إباحـة بشرط الـضمان، أو إجارة بما في الـذمّـة، فا لـبناء على عدم الإعطاء لا ينافي تحقّق الـمعاملـة الـمصحّحـة للتصرّف. نعم ذلك ينافي الالتزام با لـوفاء بها، لكنّ الالتزام
(الصفحة 142)
ا لـمذكور لا يتوقّف عليه جواز الـتصرّف، فلا موجب للبطلان.
أقول: يمكن الإيراد عليه بأنّ كون الالتزام بإعطاء الاُجرة من مقوّمات الـمعاملـة، لا يوجب الـحكم با لـبطلان في هذا الـفرض; لأنّ الالتزام الـمذكور لا ينافي قصد عدم إعطاء الاُجرة، لأنّه ليس الـمراد بالالتزام هو الالتزام الـقلبي غير الـمجتمع مع قصد عدم الإعطاء، بل الـمراد به إمّا الالتزام اللفظي، أو الالتزام الـعملي الـعرفي الـحاصل بدخول الـحمّام و الـورود فيه، و شيء منهما لا ينافي قصد عدم الإعطاء.
و كذا فيما لو كانت الإباحـة معلّقـة على الإعطاء الـخارجي، يكون الـمعلّق عليه هو نفس تحقّق الإعطاء في الـخارج، بعد الاستفادة من ماء الـحمّام والاغتسال فيه، سواء كان من قصده الإعطاء من أوّل الأمر أم لم يكن.
بل ولو كان من قصده عدم الإعطاء، ثمّ بدا له الإعطاء بعد الـغسل، فا لـبناء على عدم الإعطاء حين الـدخول في الـحمّام لا يوجب عدم تحقّق الـمعلّق عليه، و على فرضه فالإباحـة غير ثابتـة قطعاً، و الـتعبير بعدم الإحراز كما في كلامه غير مناسب، فلابدّ من جعل مفروض الـمسأ لـة ما هو الـمتعارف في الـحمام با لـنسبـة إلى الـداخلين فيه، من كون الإباحـة معلّقـة على نفس الإعطاء الـخارجي بعد الـخروج من الـحمّام، و الاستفادة من مائه بلا فصل، و جعل مورد الـحكم با لـبطلان فيه هو ما إذا لم يتحقّق الإعطاء كذلك و إن تحقّق بعد زمان، فإنّه في هذا الـفرض حيث لم يتحقّق الـمعلّق عليه، لأنّ الـبناء من أوّل الأمر كان على عدم إعطاء الاُجرة، يكون الـغسل باطلاً; لعدم كون الـتصرّف في الـماء مباحاً له أصلاً.
و منه يظهر وجه الـحكم با لـبطلان في الـفرض الـثاني، و كذا الـفرض الـثا لـث، فإنّ مقصود الـحمّامي هو وصول اُجرة محلّلـة إليه بلا فصل، فإعطائها من الـحرام، و كذا