(الصفحة 16)
وحيث إنّ الـمريض فاقد للأمر الـثاني، فا لـطريق بالإضافـة إليه هي الـشهوة فقط.
و عليه فعدم الـدفق في غير الـمريض، لايكون أمارة على الـعدم حتّى يتحقّق الـتعارض بينه و بين الأمارة على الـثبوت، بل يوجب عدم ثبوت الـطريق، كيف؟! ولو كان الـوجه في عدم الـحكم بكون الـخارج منيّاً ـ إذا خرج من الـصحيح مع الـشهوة بلا دفق ـ هو تعارض الأمارتين، لكان الـلازم الـرجوع مع الـتعارض إلى أصا لـة الـبرائـة، أو استصحاب عدم الـجنابـة، ضرورة أنّه بمجرّد الـتعارض لاوجه للحكم بعدم كونه منيّاً موجباً للغسل، مع أنّه ليس في الـصحيحين إشعار بذلك.
و الإنصاف: أنّه لامجال لإنكار دلالـة الـصحيحين على مدخليـة الـشهوة و الـدفق معاً، بالإضافـة إلى الـصحيح، و عليه فمنافاتهما لظاهر صدر صحيحـة علي بن جعفر(عليه السلام)إنّما هي من جهـة دلالته على اعتبار اُمور ثلاثـة، ودلالتهما على اعتبار أمرين فقط. كما أنّ أحد وجهي الـمنافاة بين الـصدر و الـذيل فيه أيضاً ذلك.
نعم، الأمران في الـصحيحين هما الـشهوة و الـدفق، و في ذيل الـصحيحـة هما الـشهوة و الـفترة.
و الـذي يقوّى في الـنظر في مقام دفع الـمنافاة أن يقال: إنّ ظهور ذيل الـصحيحـة في عدم اعتبار اجتماع الأوصاف الـثلاثـة، ليس بحيث يقاوم ظهور الـصدر في اعتباره، و ما ذكر من كونه تعبيراً عمّا يفهم من الـصدر، فهو إنّما يتمّ بالإضافـة إلى بعض الـمصاديق.
و بعبارة اُخرى: الـجمع الـعرفي بين الـصدر و الـذيل يقضي ببقاء الـصدر على ظهوره، و حمل الـذيل على كون موضوعه بعض مصاديق مفهوم الـشرطيـة الاُولى، و عدم الـتعرّض للبعض الآخر.
(الصفحة 17)
و أمّا الـصحيحان فهما و إن كانا ظاهرين في اعتبار أمرين فقط على ما عرفت، إلاّ أنّ ظهور الـصحيحـة في اعتبار اُمور ثلاثـة، أقوى من ظهورهما. كما أنّ مقتضى الـجمع بينهما و بين ذيل الـصحيحـة ـ لو اُبقي على ظاهره ـ هو الـحمل على اعتبار تلك الاُمور.
فا لـمتحصّل ـ حينئذ ـ من مجموع الـروايات الـواردة في الـمقام: هو ما اختاره في الـمتن.
نعم، هنا روايتان اُخريان ظاهرتان في اعتبار أمر واحد، و هو الـفتور كما في إحداهما، و الـدفق كما في الاُخرى، و هما مرسلـة ابن رباط، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«يخرج من الإحليل الـمنيّ، و الـمذي، و الـودي، و الـوذي، فأمّا الـمنيّ فهو الـذي يسترخي له الـعظام، و يفتر منه الـجسد، و فيه الـغسل ...»ا لـحديث.(1)
و ما يدلّ على أنّ الـمنيّ هو الـماء الـدافق.(2)
في اعتبار الـشهوة فقط في الـمريض
هذا، ولكنّ الـظاهر أنّ الـمرسلـة إنّما هي بصدد بيان الـفرق بين الـمياه الـمشتركـة في الـخروج مع الـشهوة، و إلاّ لكان الـلازم ذكر الـبول أيضاً، فاعتبار الـشهوة محفوظ في الـجميع.
مع أنّ الـروايـة لايظهر منها اختصاص الـمنيّ بخصوصيـة واحدة، و هكذا
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 7، الـحديث 16.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 7، الـحديث 16.
(الصفحة 18)
ا لـروايـة الـثانيـة. و على تقديره، فأقوائيـة ظهور صدر الـصحيحـة يقتضي الـحمل على بيان بعض الـخصوصيات.
فينقدح من جميع ما ذكرنا: أنّه لا محيص عن الالتزام باعتبار اجتماع الأوصاف الـثلاثـة، على تقدير إمكان الانفكاك بينها.
نعم، لاينبغي ترك الاحتياط فيما لو تحقّق اثنان منها، أو واحد. نعم على هذا الـتقدير لا اعتبار با لـرائحـة بعد عدم الـدليل عليها أصلاً، هذا في الـرجل الـصحيح.
و أمّا الـمريض، فمقتضى الـصحيحين الـمتقدّمين كفايـة وجدان الـشهوة، و يدلّ عليه أيضاً صحيحـة معاويـة بن عمّار، قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل احتلم، فلمّا انتبه وجد بللاً قليلاً.
قال:
«ليس بشيء، إلاّ أن يكون مريضاً فإنّه يضعف، فعليه الـغسل».(1)
وبهذه الـروايات يقيّد إطلاق صحيحـة علي بن جعفر الـظاهرة في اعتبار اجتماع اُمور ثلاثـة، و يحمل على الـصحيح.
نعم، هنا روايـة ظاهرة في وجوب الـغسل على الـمريض ولو لم ير في ثوبه شيئاً، وهي صحيحـة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل رأى في منامه فوجد اللذّة و الـشهوة، ثمّ قام فلم ير في ثوبه شيئاً.
قال فقال:
«إن كان مريضاً فعليه الـغسل، و إن كان صحيحاً فلا شيء عليه».(2)
قال في محكيّ «ا لـحدائق»: «إنّ هذه الـروايـة لا تخلو من إشكال; لتضمّنها وجوب الـغسل على الـمريض بمجرّد وجود اللذّة و الـشهوة مع عدم رؤيـة شيء بعد
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 8، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 8، الـحديث 4.
(الصفحة 19)
انتباهه، و لم يذهب إليه ذاهب من الأصحاب، و لم يرد به خبر آخر في الـباب، بل ربّما دلّت الأخبار بخلافه».
و قد نفى الـبعد في «ا لـمصباح» عن أن يكون الـمراد با لـروايـة ما لو أحسّ وجود شيء في الـمجرى، بحيث يعلم عادة بأنّه يخرج فيما بعد ولو مع الـبول، كما هو الـغا لـب في مفروض الـسائل، إذ قلّما ينفكّ وجدان اللذّة و الـشهوة، ما لم يخرج الـماء عن إحساس انتقا لـه إلى محلّ سيخرج با لـبول و نحوه. و ربّما تحمل الـروايـة على الاستحباب.
و أمّا الـمرأة، فمقتضى الـنصوص الـكثيرة الـواردة فيها ـ بعد حمل مطلقها على مقيّدها ـ هو كفايـة الإنزال مع الـشهوة، و مورد الـروايات الـدالّـة على اعتبار أمرين، أو أزيد، هو الـرجل كما عرفت.
نعم، يمكن أن يقال: بأنّ مورد مثل صحيحـة علي بن جعفر الـمتقدّمـة الـدالّـة على اعتبار اجتماع اُمور ثلاثـة، و إن كان هو الـرجل، إلاّ أنّ الـعرف لا يفهم منها الاختصاص به بل الـمتفاهم عندهم هو اعتبار ذلك مطلقاً، من دون فرق بين الـرجل و الـمرأة، و عليه فلابدّ من حمل الـروايات ـ الـدالّـة على كفايـة الإنزال مع الشهوة ـ على لزوم ضمّ الـوصفين الآخرين أيضاً لو قلنا بإمكان الانفكاك.
هذا، ولكنّ الـفتوى باختلافهما ـ كما يظهر من كثير من الأصحاب، خصوصاً مع عدم تحقّق الـدفع بالإضافـة إليهنّ نوعاً ـ توجب عدم جواز إلغاء الـخصوصيـة من مثل صحيحـة ابن جعفر، و الاقتصار على خصوص الـرجل، و إبقاء تلك الـروايات ـ الـدالّـة على كفايـة الإنزال مع الـشهوة ـ على ظاهرها، من كون موردها الـمرأة. ولكن مع ذلك لاينبغي ترك الاحتياط.
(الصفحة 20)
و ممّا ذكرنا انقدح أقوائيـة مراعاة الاحتياط في الـمرأة با لـنسبـة إلى الـرجل الـمريض. هذا تمام الـكلام في الـسبب الأوّل من الـسببين الـموجبين للجنابـة.
في سببيـة الـجماع للجنابـة
و أمّا الـسبب الـثاني، فهو الـجماع و إن لم يتحقّق الإنزال، قال في «ا لـجواهر»: «إجماعاً محصّلاً، و منقولاً مستفيضاً، كاد يكون متواتراً، بل هو كذلك».
وا لنصوص الـدالّـة عليه كثيرة، مثل صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما(عليهما السلام)قال: سأ لـته متى يجب الـغسل على الـرجل و الـمرأة؟
فقال:
«إذا أدخله فقد وجب الـغسل، و الـمهر، و الـرجم».(1)
و روايـة الـبزنطي صاحب الـرضا (عليه السلام) في محكيّ كتاب «ا لـنوادر» قال: سأ لـته ما يوجب الـغسل على الـرجل و الـمرأة؟
فقال:
«إذا أولجه وجب الـغسل، و الـمهر، و الـرجم».(2)
و صحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سأ لـت الـرضا (عليه السلام) عن الـرجل يجامع الـمرأة قريباً من الـفرج، فلا ينزلان، متى يجب الـغسل؟
فقال:
«إذا الـتقى الـختانان فقد وجب الـغسل».
فقلت: الـتقاء الـختانين هو غيبوبـة الـحشفـة؟
قال:
«نعم».(3)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 8.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 2.