(الصفحة 173)
الاُصول مسأ لـة الإجزاء الـراجعـة إلى أنّ الإتيان با لـمأمور به على وجهه، هل يقتضي الإجزاء أم لا؟
و من الـمعلوم أنّه ليس الـمراد به الـكفايـة بنحو الـرخصـة; إذ لا يعقل تبديل الامتثال بالامتثال الآخر ـ كما حقّق فيه أيضاًـ .
و دعوى كون مثله من الاستعمالات مبنياً على الـمسامحـة و الـتجوّز، ممّا لا يصغى إليه أصلاً.
و أمّا ثانياً: فلأنّه على تقدير تسليم ظهور كلمـة «الإجزاء» في كون الـكفايـة رخصـة، نقول: إنّه لا مانع عقلاً من أن يكون للطهارة مراتب، و يكون الـغسل بعنوان مخصوص مؤثّراً في حصول الـمرتبـة الـتي يؤثّر سائر الأغسال في حصولها أيضاً، و بسببه يسقط الأمر الـوجوبي أو الاستحبابي الـمتعلّق بها، لحصول غرضها، و يكون الإتيان بها بعده مؤثّراً في حصول مرتبـة أقوى من تلك الـمرتبـة، يستحبّ تحصيلها، نظير الـوضوء على الـوضوء، الـذي هو نور على نور.
فكما أنّه لا مانع عقلاً من الأمر الـوجوبي بغسل الـجنابـة مرّة، و الأمر الاستحبابي به ثانياً; لأنّه يستكشف منه أنّ الإتيان به ثانياً يوجب حصول مرتبـة قويـة من الـطهارة، مطلوبـة للمولى استحباباً، كذلك لا إشكال أصلاً في الاكتفاء بغسل واحد عن الأغسال الـمتعدّدة، و كون الإتيان بها ثانياً مطلوباً استحبابياً للمولى، مستفاداً ذلك من الـتعبير بالإجزاء.
هذا مضافاً إلى أنّ الإشكال لا ينحصر با لـقول بكفايـة الـغسل بعنوان مخصوص عن الأغسال الـكثيرة، بل يجري على الـقول بكفايـة الـغسل مع نيّـة الـجميع عنها.
ولكنّ الـحقّ ما عرفت من عدم الـمانع عقلاً، و كيف يمكن دعوى ذلك مع ذهاب
(الصفحة 174)
ا لـمشهور إلى الاكتفاء بغسل الـجنابـة عن الـجميع، و قد قوّاه الـمستشكل في ذيل كلامه، فراجع.
و منها: روايـة شهاب بن عبدربّه قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـجنب يغسّل الـميّت، أو من غسّل ميّتاً له أن يأتي أهله، ثمّ يغتسل؟
فقال:
«سواء، لا بأس بذلك إذا كان جنباً غسل يده و توضّأ، و غسّل الـميّت و هو جنب، و إن غسّل ميّتاً توضّأ، ثمّ أتى أهله، و يجزيه غسل واحد لهما».(1)
و منها: روايـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«إذا حاضت الـمرأة و هي جنب أجزأها غسل واحد».(2)
و منها: روايـة أبي بصير، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سئل عن رجل أصاب من امرأة، ثمّ حاضت قبل أن تغتسل.
قال:
«تجعله غسلاً واحداً».(3)
و الأمر بجعلهما غسلاً واحداً لا يدلّ على الـوجوب; لكونه في مقام توهّم الـحظر، و يدلّ عليه الـروايـة الآتيـة.
و منها: روايـة عمارّ الـساباطي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـمرأة يواقعها زوجها، ثمّ تحيض قبل أن تغتسل.
قال:
«إن شاءت أن تغتسل فعلت، و إن لم تفعل فليس عليها شيء، فإذا طهرت اغتسلت غسلاً واحداً للحيض و الـجنابـة».(4)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 43، الـحديث 3.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 43، الـحديث 4.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 43، الـحديث 5.
- (4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 43، الـحديث 7.
(الصفحة 175)
و منها: روايـة حجّاج الـخشّاب قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن رجل وقع على امرأته، فطمثت بعد ما فرغ، أتجعله غسلاً واحداً إذا طهرت، أو تغتسل مرّتين؟
قال:
«تجعله غسلاً واحداً عند طهرها».(1)
و منها: روايـة سماعـة بن مهران، عن أبي عبدا للّه و أبي الـحسن (عليهما السلام)، قالا في الـرجل يجامع الـمرأة، فتحيض قبل أن تغتسل من الـجنابـة.
قال:
«غسل الـجنابـة عليها واجب».(2)
و قد أشكل توجيه هذه الـروايـة على الـقائلين بكفايـة غسل واحد عن الـجميع مطلقاً، و ربّما وجّهها بعضهم بعدم الـمنافاة بين وجوبه عليها، و سقوطه بغسل الـحيض.
و اُورد عليه: بأنّ ظاهرها وجوبه عليها بعنوان غسل الـجنابـة لا غير، فهي تدلّ على مغائرته لغسل الـحيض، و إلاّ لما كان لوجوبه عليها بهذا الـعنوان وجه.
و أنت خبير بفساد هذا الإيراد، فإنّ الـوجوب عليها بعنوان غسل الـجنابـة لا ينافي الـسقوط بغسل الـحيض.
و الـسرّ فيه: أنّ الـروايـة ناظرة إلى دفع توهّم أنّ مجيء الـحيض يرفع وجوب غسل الـجنابـة، فمعنى الـجواب أنّه لا يرفع هذا الـتكليف، و أثره أنّه إذا أرادت أن تغتسل للجنابـة قبل زوال الـحيض لا مانع لها من ذلك، و لا يستلزم محذور الـتشريع مثلاً.
و الـشاهد لما ذكرنا روايـة عبدا للّه بن سنان، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـمرأة تحيض و هى جنب، هل عليها غسل الـجنابـة؟
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 43، الـحديث 6.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 43، الـحديث 8.
(الصفحة 176)
قال:
«غسل الـجنابـة و الـحيض واحد».(1)
فإنّه يظهر من سؤا لـه أنّه كان يحتمل ارتفاع وجوب غسل الـجنابـة بمجيء الـحيض، كما أنّه يرتفع با لـغسل عنها، و الـظاهر أنّ الـمراد من الـجواب بوحدة الـغسلين عدم ثبوت مزيـة في غسل الـحيض ـ بالإضافـة إلى غسل الـجنابـة ـ موجبـة لتعلّق الـتكليف به، و زوال الـتكليف عن غسل الـجنابـة.
فلا دلالـة له على الاجتزاء بغسل واحد و عدمه; لعدم كونها في مقام بيان هذه الـجهـة بوجه، و إن كان الـمراد به هي الـوحدة في الـخارج بأن اكتفى با لـواحد عنهما، لكان الـجواب حينئذ ما يستفاد من ذلك بالالتزام، و هو عدم سقوط وجوب غسل الـجنابـة بمجيء الـحيض، فليتأمّل.
في فروع الـمسأ لـة
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: أنّه إذا اجتمع عليه أغسال متعدّدة، فإن كان ناوياً للجميع بغسل واحد صحّ في الـجميع، سواء كانت الـجميع واجبـة أو مستحبّـة أو مختلفـة.
و عن «ا لـتحرير» و «ا لـقواعد» و «الإرشاد» عدم الـصحّـة فيما إذا كانت الأغسال مستحبّـة، و عن «جامع الـمقاصد» أنّه أرجح، و عن ظاهر «ا لـدروس» الـميل إليه، و الـذي يمكن أن يستند إليه أمران:
الأوّل: أصا لـة عدم الـتداخل بعد عدم ما يوجب الـخروج عن هذه الـقاعدة; إذ ليس في الـبين ما يوهم ذلك، سوى قوله (عليه السلام) في صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة:
«فإذا
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 43، الـحديث 9.
(الصفحة 177)
اجتمعت عليك حقوق (ا للّه) ...» و هو غير صا لـح لذلك; لأنّ الـظاهر من الـحقوق هو خصوص الـواجبـة، و لا أقلّ من عدم ظهورها في الإطلاق حتّى تشمل الـمستحبّـة أيضاً.
و الـجواب عنه: ما عرفت من كون هذه الـفقرة مسوقـة لبيان الاكتفاء بكلّ غسل عن سائر الأغسال، و أنّه لا يختصّ ذلك با لـجنابـة، و من الـواضح أنّ الـمراد من الـحقوق هي مثل ما أفاده في الـجملـة الاُولى، و هو يشمل الـمستحبّات أيضاً.
ا لـثاني: روايـة عثمان بن يزيد ـ الـذي استظهر أنّه عمرو بن يزيد فتكون صحيحـة ـ عن الـصادق (عليه السلام) قال:
«من اغتسل بعد الـفجر كفاه غسله إلى الليل في كلّ موضع يجب فيه الـغسل، و من اغتسل ليلاً كفاه غسله إلى طلوع الـفجر».(1)
و ناقش فيه الـشيخ الأعظم (قدس سره) فيما حكي عنه، حيث قال: إنّها ظاهرة في أنّ من اغتسل لغايـة في ليل أو نهار، لم تلزم الـمبادرة إليها، بل جاز إيقاعها و لو في آخر الليل أو الـنهار.
و الـظاهر أنّ موردها هو الـغسل مع نيّـة بعض الأسباب دون الـجميع، فلا ترتبط بهذا الـفرض.
و على تقدير الإطلاق، فإن كان الـمراد من قوله (عليه السلام):
«اغتسل بعد الـفجر» هو خصوص الـجنابـة، بقرينـة نظائرها، فهي أيضاً لا ترتبط به.
و إن كان الـمراد منه أعمّ منها بقرينـة الـذيل، فا لـروايـة تدلّ على الاكتفاء مطلقاً، و أنّ الـمراد من الـوجوب في قوله (عليه السلام):
«كلّ موضع يجب فيه الـغسل» هو الأعمّ من الـثبوت الـمتحقّق في الـمستحبّ.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الإحرام، الـباب 9، الـحديث 4.