(الصفحة 196)
لايقدر على الـماء، فوجد بقدر ما يتوضّأ به بمأة درهم، أو بأ لـف درهم، و هو واجد لها، أيشتري و يتوضّأ، أو يتيمّم؟
قال:
«لا، بل يشتري، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت و توضّأت، و ما يسؤوني (يسرّني) بذلك مال كثير».(1)
و دلالتها على كون الـمطلوب الأعلى هو الـوضوء، و أنّ الـتيمّم لايكاد يشتمل على ما يشتمل عليه الـوضوء من الـجهات الـباعثـة على الـتكليف، واضحـة.
و منها: الـروايات الـدالّـة على وجوب الطلب التي سيأتي التعرّض لها و لمفادها إن شاء اللّه تعا لـى،(2)
فإنّ وجوب الـطلب لايجتمع عرفاً مع جواز الإراقـة بعد الـطلب و الـوجدان، فيدلّ على عدم كون الـتكليفين في عرض واحد.
نعم، في مقابلها روايات ظاهرها الـمنافاة لما ذكر، كروايـة إسحاق بن عمّار قال: سأ لـت أباإبراهيم (عليه السلام) عن الـرجل يكون مع أهله في الـسفر فلايجد الـماء، يأتي أهله؟
فقال:
«ما اُحبّ أن يفعل ذلك إلاّ أن يكون شبقاً، أو يخاف على نفسه».
و رواه ابن إدريس في آخر «ا لـسرائر» نقلاً من «كتاب محمّد بن علي بن محبوب» مثله، و زاد قلت: يطلب بذلك اللذّة.
قال:
«هو له حلال».
قلت: فإنّه روي عن الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ أباذر سأ لـه عن هذا فقال:
«إيت أهلك تؤجر».
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 26، الـحديث 1.
- (2)
و قد جمعها في «وسائل الـشيعـة» في الـبابين الأوّلين من أبواب الـتيمّم.
(الصفحة 197)
فقال: يارسول اللّه، و اُؤجر؟
قال:
«نعم، إنّك إذا أتيت الـحرام اُزرت، فكذلك إذا أتيت الـحلال اُجرت».
فقال:
«ألا ترى أنّه إذا خاف على نفسه فأتى الـحلال اُجر».(1)
هذا، ولكنّ الـتأمّل فيها يقضي بأنّ مفادها كون نقض الـطهارة با لـجنابـة غير محبوب، بل مكروه، و أنّ الـجواز الـخا لـي من الـكراهـة إنّما هو في صورة الـشبق، أو الـخوف على الـنفس الـذي يترتّب على الـجماع فيها الأجر أيضاً، خصوصاً مع ملاحظـة كون أصل الـجماع من سنن الـمرسلين، و أنّ الـتضييق فيه ربّما يورث الـوقوع في الـحرام، فلا مجال لإلغاء الـخصوصيّـة منه.
و روايـة الـسكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن أبي ذر رضي ا للّه عنه أنّه أتى الـنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يارسول اللّه، هلكت، جامعت على غير ماء، قال: فأمر الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بمحمل فاستترت به، و بماء فاغتسلت أنا و هي، ثمّ قال:
«يا أباذر، يكفيك الـصعيد عشر سنين».(2)
ولكنّ الـظاهر من الـذيل إبطال تخيّل أبي ذر و اعتقاده با لـهلاكـة، و أنّه عمل على خلاف الـتكليف لأجل الـجماع على غير ماء، فمفادّه أنّ الـتيمّم في مثل هذه الـموارد يقوم مقام الـغسل. و أمّا كون الـتيمّم وافياً بتمام مايفي به الـغسل، فلا دلالـة للروايـة عليه.
و بعبارة اُخرى: مفاد الـروايـة و مثلها ممّا وقع فيه هذا الـتعبير، الـذي يرجع إلى كفايـة الـصعيد و إجزائه، و أنّ ربّه هو ربّ الـماء و أنّه أحد الـطهورين، هي مساواة
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 27، الـحديث 2ـ1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 12.
(الصفحة 198)
ا لـطهارتين في مقام الإجزاء و حصول الـموافقـة، و أمّا مساواتهما في تمام الـمصلحـة و اتّحادهما في جميع مراتب الـمطلوبيـة، فلا، و إلاّ لكان الـتيمّم مشروعاً مع وجدان الـماء أيضاً، فلايستفاد منها إلاّ الـتسويـة في أصل الـطهوريـة و إجزاء الـصلاة.
و من ذلك يظهر الـجواب عن جملـة من الـروايات الـتي يتوهّم منها الـمنافاة لما ذكرنا، كصحيحـة حمّاد بن عثمان قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل لايجد الـماء، أيتيمّم لكلّ صلاة؟
فقال:
«لا، هو بمنزلـة الـماء».(1)
و صحيحـة محمّد بن حمران و جميل بن درّاج، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في حديث قال:
«... إنّ اللّه جعل الـتراب طهوراً، كما جعل الـماء طهوراً».(2)
و روايـة أبي أيّوب، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«ا لـتيمّم با لـصعيد لمن لم يجد الـماء كمن توضّأ من غدير ماء، أ لـيس اللّه يقول: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ...»(3)
و غير ذلك من الـروايات الـواردة بمثل هذا الـمضمون، هذا كلّه مع أنّ الـروايات الاُولى تكون راجحـة لأجل الـموافقـة للكتاب و فتوى الأصحاب، فلا مجال للطائفـة الـثانيـة على تقدير الـمخا لـفـة معها.
فالأقوى بعد ذلك: عدم جواز إراقـة الـماء و تحصيل الاضطرار، و عدم كون الـمقام من قبيل الـحاضر و الـمسافر ممّا يجوز فيه الـتبديل و الانتقال من أحد الـعنوانين إلى آخر.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 23، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 23، الـحديث 1.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 19، الـحديث 19.
(الصفحة 199)
نعم،
يبقى إشكال: و هو أنّ لازم ما ذكرنا ـ من كون الـتيمّم مختصّاً بحال الاضطرار، و لايجوز تحصيل تلك الـحال; لعدم وفائه بجميع ما يفي به الـمبدل ـ وجوب الاكتفاء فيه على قدر الـضرورة، مع عدم الـتزامهم به، لما سيأتي من جواز الـبدار، و جواز الاستئجار، و حصول الاستباحـة للغايات غير الـمضطرّ إليها، و صحّـة الاقتداء با لـمتيمّم، و غير ذلك ممّا لايجتمع مع الالتزام بنقص الـطهارة الـترابيـة; و لعلّه لذلك الـتزم الـمحقّق (قدس سره)في محكيّ «ا لـمعتبر» بجواز الإراقـة.
و قد دفع الإشكال بعض الـمحقّقين: بأنّ الـطهارة الـمائيـة يكون لها مطلوبيـة عند الإتيان بشيء من غاياتها الـواجبـة زائدة على مطلوبيتها لأجل الـمقدّميـة لها، و وجوب حفظ الـماء و حرمه إراقته إنّما هو لأجل ذلك، لا لثبوت خصوصيـة في الـغايات عندها تجب مراعاتها و يلزم تحصيلها.
و اُورد عليه ـ مضافاً إلى أنّ ما ذكر خلاف ما هو الـمرتكز عند الـمتشرّعـة، لعدم ثبوت هذه الـمطلوبيـة الـنفسيـة بوجه ـ : بأنّ ظاهر الآيـة الـشريفـة ينافي ما ذكر; لأنّك عرفت أنّ مقتضاها اختلاف مرتبي الـصلاة مع الـطهارتين، و أنّ الـطهارة الـترابيـة لاتكون وافيـة بجميع ما تفي به الـمائيـة، و كذلك الـروايات الـمتقدّمـة.
و قد دفع أصل الإشكال الـماتن دام ظلّه في «رسا لـة الـتيمّم» بما يرجع إلى أنّ الـصلاة مع الـمائيـة و إن كانت أكمل بمقدار تجب مراعاته، و مقتضى ذلك عدم تجويز الـبدار، و عدم حصول الاستباحـة للغايات غير الـمضطرّ إليها، إلاّ أنّه مع الـعجز تتحقّق مفسدة واقعيـة مانعـة عن عدم تجويز الـبدار و مثله، و عليه فحرمـة الإراقـة إنّما هو لإجل لزوم تحصيل الـمصلحـة الـكاملـة، و جواز الـبدار إنّما هو للفرار عن تحقّق الـمفسدة الـمانعـة، فلا منافاة بين الأمرين، و يرتفع الإشكال من الـبين.
(الصفحة 200)
قال: و أمّا الالتزام بحصول جهـة مقتضيـة في ظرف الـفقدان، توجب تسهيل الأمر على الـمكلّفين، فغير دافع للإشكال; لأنّ الـجهـة الـمقتضيـة إن كانت مصلحـة جابرة يجوز للمكلّف تحصيل الـعجز، و إلاّ لايعقل تفويت الـمصلحـة بلا وجه تأمّل.
و لعلّ وجه الـتأمّل: أنّه يمكن أن يقال بكونها مصلحـة جابرة في ظرف خاصّ، وهو عدم حصول الاضطرار بالإراقـة و الاختيار، فتدبّر.
ثمّ الـظاهر أنّه لافرق في وجوب حفظ الـماء و عدم جواز الإراقـة بين ما إذا حضر زمان الـتكليف، و ما إذا لم يتحقّق الـحضور.
و دعوى أنّه قبل حضور زمان الـتكليف لايكون الـتكليف متعلّقاً بذي الـمقدّمـة، أو لايكون تعلّقه فعلياً أو منجّزاً، و من الـمعلوم أنّ الـمقدّمـة تابعـة لذيها، مدفوعـة بابتنائها على الـقول بوجوب الـمقدّمـة، ضرورة أنّه على الـقول با لـعدم ـ كما اخترناه ـ لايبقى أصل للتبعيـة، بل لابدّ من الـرجوع إلى الـعقل الـذي هو الـحاكم الـوحيد في الـباب، و لا إشكال في أنّ الـعقل يحكم بعدم جواز تحصيل الـعجز عن تكليف يعلم بحضور وقته و حصول جميع شرائط الـفعليـة و الـتنجّز، بل لايجوز تفويت الـمقدّمـة ولو مع احتمال حصول الـقدرة عند حضور وقت الـعمل.
و أولى بذلك ما إذا كان واجداً في الـوقت، فأراد الإراقـة مع احتمال الـوجدان الـمجدّد فيه، فإنّ مجرّد الاحتمال لايسوّغ الإراقـة، و لايكون عُذراً.
و أمّا ما يقال: من أنّه لامانع من جريان الـبرائـة في هذه الـصورة; لأنّ انحصار الـمقدّمـة مشكوك، و توقّف ذي الـمقدّمـة عليها با لـخصوص غير معلوم، و با لـنتيجـة يكون وجوب الـحفظ مشكوكاً فتجري الـبرائـة.
فيرد عليه: أنّ إجراء الـبرائـة في الـمقدّمـة لايتمّ; لعدم وجوبها أوّلاً، و عدم كون