(الصفحة 199)
نعم،
يبقى إشكال: و هو أنّ لازم ما ذكرنا ـ من كون الـتيمّم مختصّاً بحال الاضطرار، و لايجوز تحصيل تلك الـحال; لعدم وفائه بجميع ما يفي به الـمبدل ـ وجوب الاكتفاء فيه على قدر الـضرورة، مع عدم الـتزامهم به، لما سيأتي من جواز الـبدار، و جواز الاستئجار، و حصول الاستباحـة للغايات غير الـمضطرّ إليها، و صحّـة الاقتداء با لـمتيمّم، و غير ذلك ممّا لايجتمع مع الالتزام بنقص الـطهارة الـترابيـة; و لعلّه لذلك الـتزم الـمحقّق (قدس سره)في محكيّ «ا لـمعتبر» بجواز الإراقـة.
و قد دفع الإشكال بعض الـمحقّقين: بأنّ الـطهارة الـمائيـة يكون لها مطلوبيـة عند الإتيان بشيء من غاياتها الـواجبـة زائدة على مطلوبيتها لأجل الـمقدّميـة لها، و وجوب حفظ الـماء و حرمه إراقته إنّما هو لأجل ذلك، لا لثبوت خصوصيـة في الـغايات عندها تجب مراعاتها و يلزم تحصيلها.
و اُورد عليه ـ مضافاً إلى أنّ ما ذكر خلاف ما هو الـمرتكز عند الـمتشرّعـة، لعدم ثبوت هذه الـمطلوبيـة الـنفسيـة بوجه ـ : بأنّ ظاهر الآيـة الـشريفـة ينافي ما ذكر; لأنّك عرفت أنّ مقتضاها اختلاف مرتبي الـصلاة مع الـطهارتين، و أنّ الـطهارة الـترابيـة لاتكون وافيـة بجميع ما تفي به الـمائيـة، و كذلك الـروايات الـمتقدّمـة.
و قد دفع أصل الإشكال الـماتن دام ظلّه في «رسا لـة الـتيمّم» بما يرجع إلى أنّ الـصلاة مع الـمائيـة و إن كانت أكمل بمقدار تجب مراعاته، و مقتضى ذلك عدم تجويز الـبدار، و عدم حصول الاستباحـة للغايات غير الـمضطرّ إليها، إلاّ أنّه مع الـعجز تتحقّق مفسدة واقعيـة مانعـة عن عدم تجويز الـبدار و مثله، و عليه فحرمـة الإراقـة إنّما هو لإجل لزوم تحصيل الـمصلحـة الـكاملـة، و جواز الـبدار إنّما هو للفرار عن تحقّق الـمفسدة الـمانعـة، فلا منافاة بين الأمرين، و يرتفع الإشكال من الـبين.
(الصفحة 200)
قال: و أمّا الالتزام بحصول جهـة مقتضيـة في ظرف الـفقدان، توجب تسهيل الأمر على الـمكلّفين، فغير دافع للإشكال; لأنّ الـجهـة الـمقتضيـة إن كانت مصلحـة جابرة يجوز للمكلّف تحصيل الـعجز، و إلاّ لايعقل تفويت الـمصلحـة بلا وجه تأمّل.
و لعلّ وجه الـتأمّل: أنّه يمكن أن يقال بكونها مصلحـة جابرة في ظرف خاصّ، وهو عدم حصول الاضطرار بالإراقـة و الاختيار، فتدبّر.
ثمّ الـظاهر أنّه لافرق في وجوب حفظ الـماء و عدم جواز الإراقـة بين ما إذا حضر زمان الـتكليف، و ما إذا لم يتحقّق الـحضور.
و دعوى أنّه قبل حضور زمان الـتكليف لايكون الـتكليف متعلّقاً بذي الـمقدّمـة، أو لايكون تعلّقه فعلياً أو منجّزاً، و من الـمعلوم أنّ الـمقدّمـة تابعـة لذيها، مدفوعـة بابتنائها على الـقول بوجوب الـمقدّمـة، ضرورة أنّه على الـقول با لـعدم ـ كما اخترناه ـ لايبقى أصل للتبعيـة، بل لابدّ من الـرجوع إلى الـعقل الـذي هو الـحاكم الـوحيد في الـباب، و لا إشكال في أنّ الـعقل يحكم بعدم جواز تحصيل الـعجز عن تكليف يعلم بحضور وقته و حصول جميع شرائط الـفعليـة و الـتنجّز، بل لايجوز تفويت الـمقدّمـة ولو مع احتمال حصول الـقدرة عند حضور وقت الـعمل.
و أولى بذلك ما إذا كان واجداً في الـوقت، فأراد الإراقـة مع احتمال الـوجدان الـمجدّد فيه، فإنّ مجرّد الاحتمال لايسوّغ الإراقـة، و لايكون عُذراً.
و أمّا ما يقال: من أنّه لامانع من جريان الـبرائـة في هذه الـصورة; لأنّ انحصار الـمقدّمـة مشكوك، و توقّف ذي الـمقدّمـة عليها با لـخصوص غير معلوم، و با لـنتيجـة يكون وجوب الـحفظ مشكوكاً فتجري الـبرائـة.
فيرد عليه: أنّ إجراء الـبرائـة في الـمقدّمـة لايتمّ; لعدم وجوبها أوّلاً، و عدم كون
(الصفحة 201)
وجوبها على تقديره مستتبعاً لاستحقاق الـعقاب، لعدم ترتّبه على الـوجوب الـغيري، و في ذي الـمقدّمـة أيضاً كذلك; لعدم كون وجوبه مشكوكاً كما هو الـمفروض، و وجوب الـحفظ ليس حكماً شرعياً مستقلاًّ، بل إنّما هو حكم عقلي قد عرفت ثبوته في الـمقام، نظراً إلى أنّ مجرّد الاحتمال لايسوّغ الإراقـة بوجه، و لايكون عذراً عند الـعقل أصلاً.
وقد ظهر ممّا ذكرنا: عدم جواز الإراقة في الـوقت ولو مع احتمال حصول الوجدان فيه.
كما أنّه ظهر ممّا ذكرنا: أنّه لاخصوصيـة للإراقـة بوجه، بل الـملاك هو تحصيل الـطهارة الـمائيـة مع الإمكان، فإبطال الـطهارة و نقض الـوضوء مع الـعلم بعدم الـتمكّن منه، أو احتما لـه احتمالاً عقلائياً، يكون مثل الإراقـة من دون فرق في ذلك بين قبل الـوقت و بعده، كما عرفت.
مجمل الـقول في مسوّغات الـتيمّم
و لنشرع في شرح الـمتن و نقول: «مسوّغات الـتيمّم اُمور».
ذكر الـعلاّمـة في محكيّ «ا لـقواعد» أنّه يجمعها شيء واحد، و هو الـعجز عن استعمال الـماء. ثمّ ذكر أنّ أسباب الـعجز ثلاثـة: عدم الـماء، و عدم الـوصلـة إليه، و الـخوف. و تبعه عليه جماعـة منهم صاحب «ا لـجواهر»، و الـسيّد في «ا لـعروة».
و اُورد عليه: بأنّ الـمراد من الـعجز إن كان هو الـعجز الـعقلي فيلزم خروج كثير من الـمسوّغات، و إن كان أعمّ من الـعقلي و الـشرعي ـ كما في «ا لـجواهر» ـ فيخرج بعضها، كا لـخوف على مال لايجب حفظه، أو على الـنفس ببعض الـمراتب، بناء على عدم حرمته.
(الصفحة 202)
و ربّما يقال: بأنّ الـجامع هو سقوط وجوب الـطهارة الـمائيـة.
و يرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ الـكلام إنّما هو في موارد الـسقوط، و أنّه هل يجمعها شيء واحد، أم لا؟ و لا معنى لجعل نفس الـسقوط جامعاً كما هو ظاهر ـ : أنّه في مورد الـمزاحمـة مع الأهمّ لم يسقط وجوب الـطهارة الـمائيـة، بناء على ما هو الـتحقيق في باب الـتزاحم من عدم سقوط الأمر با لـمهمّ، و إن كان الـمكلّف معذوراً في مخا لـفته.
و قد جعل الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» الـجامع هو عنوان الـمعذور عقلاً أو شرعاً عن الـمائيـة، و استظهر جمعه لجميع الـمسوّغات حتّى ضيق الـوقت، و الـبحث في هذه الـجهـة لايكون بمهمّ، إنّما الـمهمّ هو الـنظر في الآيتين الـواردتين في الـتيمّم، ليعلم مفادهما و مقدار سعـة دلالتهما للإعذار.
فنقول: قد تقدّمت الآيـة الـواردة في سورة الـمائدة، و أمّا ما ورد في سورة الـنساء فهو قوله تعا لـى:
(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لاتَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلاجُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيل حَتّى تَغْتَسِلُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَر أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كانَ عَفُوّاً غَفُوراً).(1)
و من الـواضح أنّ الآيـة الاُولى بلحاظ إفادتها لأحكام صنوف الـمكلّفين كما مرّ، تكون أجمع من الآيـة الـثانيـة الـتي لم يقع فيها الـتعرّض للوضوء صريحاً، و إن كان الـمراد با لـسكر هو سكر الـنوم أيضاً.
و ربّما يقال: إنّ ظاهر الآيتين لايخلو من إشكال; لأنّه قد جمع فيهما اُمور أربعـة، عطف بعضها على بعض بـ «أو»، و هو يقتضي استقلال كلّ واحد منها في الـسببيـة، مع أنّ
(الصفحة 203)
سببيـة أحد الأوّلين مشروطـة بأحد الاخيرين.
قال الـمقدّس الأردبيلي في كتاب «زبدة الـبيان» في ذيل الآيـة الاُولى: «إنّ نظم هذه الآيـة ـ مثل الـتي سيجيء ـ لايخلو عن إشكال على حسب فهمنا مثل ترك الـحدث في أوّلها، و ذكر الـجنابـة فقط بعده، و الإجمال الـذي لم يفهم أنّ الـغسل بعد الـقيام إلى الـصلاة، أم لا، و ترك كنتم حاضرين صحاحاً قادرين على استعمال الـماء، ثمّ عطف «إن كنتم» عليه، و ترك تقييد «ا لـمرضى» و تأخير «فلم تجدوا» عن قوله: «أو جاء»، و ذكر «جاء أحد منكم من الـغائط أو لامستم» مع عدم الـحاجـة إليها; إذ يمكن الـفهم عمّا سبق، و الـعطف بـ «أو»، و الـمناسب با لـواو، و غير ذلك مثل الاقتصار في بيان الـحدث الأصغر على الـغائط، و الـتعبير عنه بـ «جاء أحد منكم من الـغائط»، و الأكبر على «لامستم» و الـتعبير عن الـجنابـة به، و كأنّه لذلك قال في «كشف الـكشّاف» ـ و نعم ما قال ـ : «و الآيـة من معضلات الـقرآن».
و الـعمدة من هذه الإشكالات هو إشكال الـعطف; لأنّ غيره إمّا قابل للجواب، و إمّا غير قادح.
و أمّا إشكال الـعطف، فقد ذكر جماعـة ـ بل الأكثر ـ في دفعه: أنّ «أو» فيه بمعنى الـواو، نظير قوله تعا لـى:
(وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِأَةِ أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ)(1)
و هو كما ترى.
و قد دفعه صاحب «ا لـجواهر» (قدس سره): بأنّ الـمراد با لـقيام إلى الـصلاة الـقيام من الـنوم كما ورد في الـنصّ، و يكون الـمراد من قوله تعا لـى:
(وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً) صورة الاحتلام، و يكون الـسفر و الـمرض متعلّقين به، و إطلاق الـمرض من جهـة غلبـة الـضرر باستعمال الـماء، و إطلاق الـسفر من جهـة غلبـة فقد بذل الـماء، و الـجميع