(الصفحة 202)
و ربّما يقال: بأنّ الـجامع هو سقوط وجوب الـطهارة الـمائيـة.
و يرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ الـكلام إنّما هو في موارد الـسقوط، و أنّه هل يجمعها شيء واحد، أم لا؟ و لا معنى لجعل نفس الـسقوط جامعاً كما هو ظاهر ـ : أنّه في مورد الـمزاحمـة مع الأهمّ لم يسقط وجوب الـطهارة الـمائيـة، بناء على ما هو الـتحقيق في باب الـتزاحم من عدم سقوط الأمر با لـمهمّ، و إن كان الـمكلّف معذوراً في مخا لـفته.
و قد جعل الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» الـجامع هو عنوان الـمعذور عقلاً أو شرعاً عن الـمائيـة، و استظهر جمعه لجميع الـمسوّغات حتّى ضيق الـوقت، و الـبحث في هذه الـجهـة لايكون بمهمّ، إنّما الـمهمّ هو الـنظر في الآيتين الـواردتين في الـتيمّم، ليعلم مفادهما و مقدار سعـة دلالتهما للإعذار.
فنقول: قد تقدّمت الآيـة الـواردة في سورة الـمائدة، و أمّا ما ورد في سورة الـنساء فهو قوله تعا لـى:
(يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لاتَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلاجُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيل حَتّى تَغْتَسِلُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَر أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كانَ عَفُوّاً غَفُوراً).(1)
و من الـواضح أنّ الآيـة الاُولى بلحاظ إفادتها لأحكام صنوف الـمكلّفين كما مرّ، تكون أجمع من الآيـة الـثانيـة الـتي لم يقع فيها الـتعرّض للوضوء صريحاً، و إن كان الـمراد با لـسكر هو سكر الـنوم أيضاً.
و ربّما يقال: إنّ ظاهر الآيتين لايخلو من إشكال; لأنّه قد جمع فيهما اُمور أربعـة، عطف بعضها على بعض بـ «أو»، و هو يقتضي استقلال كلّ واحد منها في الـسببيـة، مع أنّ
(الصفحة 203)
سببيـة أحد الأوّلين مشروطـة بأحد الاخيرين.
قال الـمقدّس الأردبيلي في كتاب «زبدة الـبيان» في ذيل الآيـة الاُولى: «إنّ نظم هذه الآيـة ـ مثل الـتي سيجيء ـ لايخلو عن إشكال على حسب فهمنا مثل ترك الـحدث في أوّلها، و ذكر الـجنابـة فقط بعده، و الإجمال الـذي لم يفهم أنّ الـغسل بعد الـقيام إلى الـصلاة، أم لا، و ترك كنتم حاضرين صحاحاً قادرين على استعمال الـماء، ثمّ عطف «إن كنتم» عليه، و ترك تقييد «ا لـمرضى» و تأخير «فلم تجدوا» عن قوله: «أو جاء»، و ذكر «جاء أحد منكم من الـغائط أو لامستم» مع عدم الـحاجـة إليها; إذ يمكن الـفهم عمّا سبق، و الـعطف بـ «أو»، و الـمناسب با لـواو، و غير ذلك مثل الاقتصار في بيان الـحدث الأصغر على الـغائط، و الـتعبير عنه بـ «جاء أحد منكم من الـغائط»، و الأكبر على «لامستم» و الـتعبير عن الـجنابـة به، و كأنّه لذلك قال في «كشف الـكشّاف» ـ و نعم ما قال ـ : «و الآيـة من معضلات الـقرآن».
و الـعمدة من هذه الإشكالات هو إشكال الـعطف; لأنّ غيره إمّا قابل للجواب، و إمّا غير قادح.
و أمّا إشكال الـعطف، فقد ذكر جماعـة ـ بل الأكثر ـ في دفعه: أنّ «أو» فيه بمعنى الـواو، نظير قوله تعا لـى:
(وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِأَةِ أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ)(1)
و هو كما ترى.
و قد دفعه صاحب «ا لـجواهر» (قدس سره): بأنّ الـمراد با لـقيام إلى الـصلاة الـقيام من الـنوم كما ورد في الـنصّ، و يكون الـمراد من قوله تعا لـى:
(وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً) صورة الاحتلام، و يكون الـسفر و الـمرض متعلّقين به، و إطلاق الـمرض من جهـة غلبـة الـضرر باستعمال الـماء، و إطلاق الـسفر من جهـة غلبـة فقد بذل الـماء، و الـجميع
(الصفحة 204)
متعلّق بحدث الـنوم، فيصحّ عطف الـمجيء من الـغائط و الـملامسـة ـ الـمراد بها الـجماع ـ عليه.
و يرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ هذا الـتوجيه لايجري في الآيـة الـواردة في سورة الـنساء، و إن كان الـمراد با لـسكر فيها هو سكر الـنوم أيضاً كما لايخفى ـ أنّ حمل الـجنابـة على الاحتلام الـحاصل في الـنوم بعيد، خصوصاً مع كون الـجملـة معطوفـة على قوله تعا لـى:
(إِذا قُمْتُمْ إِلَى الـصَّلاةِ)، فهي في عرضها لا في طولها، كما أنّ حمل الـسفر و الـمرض على الـتعلق به أيضاً كذلك.
و الأولى: إبقاء قوله تعا لـى:
(وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ...) على ظاهره، من كون الـمراد مطلق الـجنابـة لاخصوص الاحتلام، و كذا قوله تعا لـى:
(وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَر)من دون أن يكونا متعلّقين بحدث الـنوم، بل أعمّ منه و من سائر الأحداث صغيرة أو كبيرة، غايـة الأمر أنّ الـوجه في إطلاقهما هو ما أفاده (قدس سره)، و حمل قوله تعا لـى:
(أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ...) على الـصحيح غير الـمسافر، و جعل قوله تعا لـى:
(فَلَمْ تَجِدُوا ماءً)متعلّقاً بالأخيرين.
و هذا الـمقدار يكفي في الـمغايرة الـمسوّغـة للعطف بـ «أو»; لأنّ مرجعه إلى أنّه إن كنتم مرضى و يضرّكم استعمال الـماء، أو على سفر و الـماء مفقود، أو حاضرين غير مسافرين، ولكن لم تجدوا ماءً بعد الابتلاء با لـحدث الأصغر أو الأكبر، فا لـواجب هو الـتيمّم.
و يمكن أن يقال: إنّه كما أنّ الـعرف لايرى خصوصيـة للمجيء من الـغائط، بل هو كنايـة عن حصول الـحدث الأصغر، و كذا لايرى للملامسـة خصوصيـة; لأنّ الـمراد بها هو الـحدث الأكبر، لا هي بعنوانها و لا الأعمّ منها و من الاحتلام، بل مطلق الـحدث
(الصفحة 205)
الأكبر كذلك، لايرى الـعرف خصوصيـة للمرض، و الـمراد به حصول الـضرر باستعمال الـماء، و كذا با لـنسبـة إلى الـسفر، فإنّه لايكون له خصوصيـة بعنوانه، بل الـمراد به فقدان الـماء الـملازم له نوعاً، خصوصاً في الأسفار الـتي كانت في تلك الأزمنـة و الأمكنـة.
و على ما ذكرنا: فا لـمستفاد من الآيـة ـ مع قطع الـنظر عن الـذيل الـمشتمل على الـتعليل بعدم تعلّق الإرادة بأن يجعل على الـناس من حرج ـ هو تشريع الـتيمّم للمعذور عن استعمال الـماء، و كذا فاقد الـماء رأساً، أو الـواجد الـذي لايتمكّن من الـوضوء منه; إمّا لكونه في بئر لايتيسّر الـوصول إليه، أو لعدم كفايته للطهارة الـمائيـة، أو لجهـة اُخرى مانعـة عن الـوضوء منه.
و أمّا الـتعليل الـواقع في إحدى الآيتين فقط، فيجري فيه احتمالان:
الأوّل: أن يكون ناظراً إلى أصل اعتبار الـطهارة في الـصلاة مطلقاً من دون اختصاص با لـتيمّم، و مرجعه إلى دفع توهّم كون الـتكليف با لـطهارة عند كلّ صلاة حرجياً، خصوصاً بالإضافـة إلى الـتيمّم، لما فيه من الـتذلّل و الـخضوع الـذي ربّما يشقّ على الـمؤمنين في بدو الإسلام، و الـمراد أنّه لم يرد اللّه أن يجعل عليكم من حرج في جعل الـصلاة مشروطـة با لـطهارة، بل أراد اللّه ليطهّركم و يتمّ نعمته عليكم.
ا لـثاني: أن يكون ناظراً إلى تشريع الـتيمّم فقط، و مرجعه أنّه لم يرد اللّه أن يجعل عليكم من حرج لأجل جعل الـصلاة مشروطـة بخصوص الـطهارة الـمائيـة، بل وسّع دائرة الـطهارة و عمّمها للطهارة الـترابيـة أيضاً; لئلاّ يقع الـناس في حرج، و مرجعه حينئذ إلى أنّ الانتقال إلى الـتيمّم إنّما هو في موارد لزوم الـحرج من تحصيل الـطهارة الـمائيـة، سواء كان الـحرج في نفسها أو في مقدّماتها.
(الصفحة 206)
فا لـمتفاهم من الآيـة صدراً و ذيلاً ـ بعد قوّة هذا الاحتمال و ضعف الاحتمال الأوّل ـ أنّ الـتيمّم طهور اضطراري مشروع في موارد ثبوت الـعذر الـشرعي أو الـعقلي الـتي يكون تحصيل الـطهارة الـمائيـة فيها حرجياً، ولو فرض عدم استفادة بعض الـموارد منها، لكنّه بعد الـعلم بعدم سقوط الـتكليف با لـصلاة و باشتراطها با لـطهور، و أنّ الـتراب أحد الـطهورين، لايبقى إشكال في مشروعيته في جميع موارد الـعذر، خصوصاً بعد اقتضاء الـتدبّر في مجموع الـروايات الـواردة في الـباب لذلك. هذا كلّه في مسوّغات الـتيمّم بنحو الإجمال.
و أمّا تفصيلها فنقول:
الأوّل: في عدم وجدان الـماء
منها، عدم وجدان ما يكفيه من الـماء لطهارته ـ وضوءً كانت أو غسلاً ـ ، و لاإشكال نصّاً و فتوىً في كونه من الـمسوّغات، و قد ادّعى الإجماع جماعـة كثيرة، و لافرق بين الـسفر و الـحضر، كما أنّه لافرق في الأوّل بين ما إذا كان الـسفر طويلاً أو قصيراً.
نعم، حكي عن الـسيّد (قدس سره) في «شرح الـرسا لـة» وجوب الإعادة على الـحاضر، ولكنّه ليس خلافاً في هذه الـمسأ لـة، بل في مسأ لـة الإجزاء، و خا لـف فيما ذكر أبوحنيفـة و أحمد ـ في إحدى الـروايتين ـ وزفر فقا لـوا: إنّ الـحاضر الـفاقد للماء لايصلّي، بل عن زفر دعوى الإجماع عليه، و ظاهر الآيـة ردّ عليهم كما عرفت في معناها.
فلا إشكال في أصل مسأ لـة، كما أنّه لا إشكال في وجوب الـطلب و الـفحص عن الـماء في الـجملـة، و حكي الإجماع عليه عن جملـة من الـكتب الـفقهيـة، بل عن