(الصفحة 22)
قال:
«هو أحد الـمأتيين، فيه الـغسل».(1)
و اُورد على الإجماع: بعدم كون الـمنقول منه حجّـة، خصوصاً فيما إذا صرّح الـناقل بوجود الـمخا لـف في عصره، و سماعه منه.
و على الاستدلال لذلك با لـقرآن، بأنّه بعد الـعلم بعدم كون الـمراد هو مطلق الـملامسة، لابدّ من أن يكون المقصود هي الـملامسة الـمعهودة، وقد ورد في تفسيرها عن الـباقر (عليه السلام):
«أنّه ما يريد بذلك إلاّ الـمواقعـة في الـفرج» و الـظاهر انصراف «ا لـفرج» إلى ما يتعارف وطيه، و هو الـقبل فقط، فالآيـة لا دلالـة لها على الـتعميم.
و بهذا يورد على الاستدلال بالأخبار; لانصراف
«ا لـفرج» فيها إلى خصوص الـقبل، و انصراف
«الإيلاج» و
«الإدخال» إلى الـمتعارف، و هو الـوطي فيه.
و أمّا الـمرسلـة فمردودة بالإرسال، و عدم ثبوت الـجابر لها; لعدم ثبوت استناد الـمشهور إليها في الـحكم با لـتعميم، و من الـممكن أن يكون مستندهم إطلاق الـروايات الـمتضمّنـة لتعليق وجوب الـغسل على الإيلاج و الإدخال.
مضافاً إلى ثبوت الـمعارض لها; و هي مرفوعـة الـبرقي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام)قال:
«إذا أتى الـرجل الـمرأة في دبرها فلم ينزلا فلا غسل عليهما، و إن أنزل فعليه الـغسل، و لا غسل عليها».(2)
و مرفوعـة بعض الـكوفيين عنه (عليه السلام) في الـرجل يأتي الـمرأة في دبرها و هي صائمـة. قال:
«لاينقض صومها، و ليس عليها غسل».(3)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 12، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 12، الـحديث 2.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 12، الـحديث 3.
(الصفحة 23)
و ربّما يؤيّد ذلك صحيحـة الـحلبي قال: سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يصيب الـمرأة فيما دون الـفرج، أعليها غسل إن هو أنزل و لم تنزل هي؟
قال:
«ليس عليها غسل، و إن لم ينزل هو فليس عليه غسل».(1)
بناء على انصراف «ا لـفرج» إلى خصوص الـقبل، و عليه فإطلاق ما دون الـفرج يشمل الـوطي في الـدبر أيضاً.
و أمّا ما في صحيحـة زرارة من قول علي (عليه السلام) في جواب سؤال عمر عن الـرجل يأتي أهله فيخا لـطها و لاينزل:
«أتوجبون عليه الـحدّ و الـرجم، و لاتوجبون عليه صاعاً من الـماء؟! إذا الـتقى الـختانان فقد وجب عليه الـغسل».(2)
فليس الـمراد منه الـملازمـة بين الـغسل و مطلق ما عليه الـحدّ، بل الـمراد منه أنّ مجامعـة الـمرأة ـ الـتي هي مورد الـروايـة ـ ملزوم لأمرين: استحقاق حدّ الـزنا على تقدير الـحرمـة، و وجوب الـغسل، فلا دلالـة للصحيحـة على وجوب الـغسل في الـوطي في الـدبر.
هذا، ولكنّ الـظاهر أنّه لامحيص عن الالتزام بما عليه الـمشهور من وجوب الـغسل فيه مع عدم الإنزال أيضاً; لأنّ دعوى الانصراف في الآيه و الـروايات ممنوعـة جدّاً، بعد شهادة اللغـة و الـشرع بذلك.
و تفسير الآيـة با لـمواقعـة في الـفرج، إنّما هو لنفي كون الـمراد مطلق الـملامسـة بمعناها الـعامّ، لالنفي الـوطي في الـدبر أيضاً.
و الإرسال لايقدح في الـمرسلـة، بعد ظهور استناد الـمشهور إليها، و كون مرسلها
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 11، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 5.
(الصفحة 24)
هو ابن أبي عمير، الـذي اشتهرت حجّيـة مراسيله، و إن كان يمكن الـمناقشـة في ذلك: بأنّ مراسيله الـتي تكون حجّـة، هي ما كانت الـواسطـة بينه و بين من يروي عنه مجهولـة، و لاتشمل ما إذا كان الإرسال مستنداً إلى راو آخر كما هنا، فتدبّر.
و الـروايات الـدالّـة على عدم الوجوب ـ مع ضعف سندها ـ معرض عنها لدى الـمشهور، و على تقدير الـمعارضـة، فا لـترجيح مع الـمرسلـة.
فيما به يتحقّق الـجماع
ثانيها: أنّه يتحقّق الـجماع بغيبوبـة الـحشفـة في الـقبل، أو الـدبر، كما هو صريح الـمتن، و الـظاهر أنّه لاخلاف فيه، و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه لايبعد دعوى انصراف الأخبار الـمتضمّنـة لتعليق وجوب الـغسل على الإيلاج و الإدخال، إلى إيلاجه با لـبعض الـمعتدّ به، الـذي أقلّه مقدار الـحشفـة ـ الـروايات الـدالّـة على تعليق وجوب الغسل على الـتقاء الـختانين، كصحيحـة زرارة الـمتقدّمـة، الـمشتملـة على قول علي(عليه السلام):
«إذا الـتقى الـختانان فقد وجب عليه الـغسل».
وصحيحـة علي بن يقطين قال: سأ لـت أبا الـحسن (عليه السلام) عن الـرجل يصيب الـجاريـة الـبكر، لايفضي إليها، و لاينزل عليها، أعليها غسل؟ و إن كانت ليست ببكر، ثمّ أصابها و لم يفض إليها، أعليها غسل؟
قال:
«إذا وقع الـختان على الـختان فقد وجب الـغسل، الـبكر و غير الـبكر».(1)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 3.
(الصفحة 25)
و قد ورد فى صحيحـة محمّد بن إسماعيل الـمتقدّمـة(1)
تفسير الـتقاء الـختانين بغيبوبـة الـحشفـة، و معه لا مجال للإشكال على تصوّر الـمراد من الـتقاء الـختانين بما قيل: من أنّ موضع ختان الـمرأة من أعلى الـفرج، و مدخل الـذكر أسفله، و هو مخرج الـولد و الـحيض، و بينهما ثقبـة الـبول، فا لـختانان لايتلاقيان.
و لاحاجـة إلى ما ذكره في «ا لـحدائق» من قوله: «و لعلّ توسّط ثقبـة الـبول بين الـموضعين الـمذكورين لا يكون مانعاً من الـمماسّـة، و الـملاصقـة، و انضغاطها بدخول الـذكر، فيحمل الأخبار كلّها على ظاهرها».
نعم، ربّما يشعر بعض الـروايات، بل يدلّ بظاهره على مغايرة الإدخال و الـتقاء الـختانين، و أنّه لايجب الـغسل مع ثبوت الـثاني دون الأوّل، و هي روايـة محمّد بن عذافر، الـمحكيّـة عن كتاب «نوادر محمّد بن علي بن محبوب» قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام)متى يجب على الـرجل و الـمرأة الـغسل؟
فقال:
«يجب عليهما الغسل حين يدخله، وإذا الـتقى الختانان فيغسلان فرجهما».(2)
و ربّما يقال في مقام دفع الـمنافاة بينها و بين الـروايات الـمتقدّمـة: بأنّه يحتمل قويّاً أن يكون الـمراد من الـتقاء الـختانين في هذه الـروايـة، تلاقيهما في الـظاهر من دون إدخال، بقرينـة صدرها، فيكون غسل الـفرجين مستحبّاً.
كما أنّه ربّما نفى الـبعد عن أن يكون قوله:
«و إذا الـتقى ...» تفسيراً لقوله:
«حين يدخله» لا أنّه جملـة مستأنفـة، و إلاّ فلاوجه لدخول «ا لـفاء» في الـجزاء; لأنّه ليس من موارد دخول «ا لـفاء».
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 6، الـحديث 9.
(الصفحة 26)
و يمكن الـمناقشـة فيه: ـ مضافاً إلى كونه خلاف الـظاهر ـ بأنّه بناء عليه لايلائم الاقتصار على ذكر غسل الـفرجين، من دون أن يتعقّب بقوله: «ثمّ يغتسلان» مثلاً كما لايخفى، و الأظهر هو الاحتمال الأوّل.
فيمن لاحشفـة لـه
ثا لـثها: من لاحشفـة له، كما إذا قطعت جميعها، أو بعضها، يجرى في حكمه احتمالات أربعـة:
أحدها: ما عن الـمشهور ـ بل عن بعض: عدم الـخلاف فيه، بل عن شرح «ا لـدروس»: الـظاهر الاتّفاق عليه ـ من أنّ الـمدار على غيبوبـة مقدار الـحشفـة.
و عمدة ما قيل في وجهه: أنّ الـمستفاد من الأخبار، الـتي قد علّق فيها وجوب الـغسل على عنوان الإيلاج، أو الإدخال، أنّ الـمراد من إدخال الـذكر فيها، ليس إدخال جميعه، و لامطلق الإدخال، بحيث يصدق بإدخال جزء منه، بل الـمراد منه إدخال مقدار معتدّ به، يتّحد ذلك الـمقدار في الـمصاديق الـخارجيـة با لـنسبـة إلى الأفراد الـمتعارفـة مع غيبوبـة الـحشفـة، و يساعده الـفهم الـعرفي، فلابدّ من إدخال مقدارها; ليترتّب عليه وجوب الـغسل.
ثانيها: ما نفى خلّوه عن الـقوّة في الـمتن; من تحقّق جنابته بمسمّى الإدخال و الـدخول; نظراً إلى أنّ مقتضى إطلاق تلك الأخبار; كفايـة الإدخال ولو بجزء منه، و الـقدر الـمسلّم من تقييدها هو غيبوبـة الـحشفـة لواجدها، ففي غيره لابدّ من الأخذ بالإطلاق، و الـحكم بتحقّق الـجنابـة بمجرّد الـدخول مطلقاً، و قد حكي ذلك عن «ا لـمدارك» و «كشف اللثام».