(الصفحة 243)
فيرد على دليله الأوّل: ما عرفت من أنّ وجوب الـطلب لايكون شرعياً بوجه، بل هو حكم عقلي، منشأه حفظ الـمطلوب الـمطلق، و تحصيل الـصلاة مع الـمائيـة، و لادليل على الـوجوب غير حكم الـعقل ولو فرض فهو إرشاد إليه، مع أنّ الـقدر الـمتيقّن من الإجماع هو وجوب الـطلب، و أمّا لزوم وقوعه في الـوقت فهو أمر زائد، لايعلم مدخليته في معقد الإجماع بوجه.
و على دليله الـثاني: أنّ توقّف عدم الـوجدان على الـطلب في الـوقت أوّل الـكلام، بل ممنوع; لأنّ الـظاهر كون الـمراد منه هو عدم الـوجدان في الـوقت، و هو لايتوقّف على الـطلب فيه، بل يمكن وقوعه قبله، ثمّ إحرازه في الـوقت با لـعلم باستمرار الـعدم الأوّل، أو بالاستصحاب، و لامانع لأن يكون الأصل محقّقاً لموضوع وجوب الـتيمّم و مشروعيته.
و دعوى: أنّ شرط الـتيمّم هو عدم وجدان الـماء، و هو صفـة اعتباريـة وجوديـة، و لايحرز بالاستصحاب لعدم حجّيـة الاُصول الـمثبتـة.
مدفوعـة: بما عرفت في بيان الـمراد من عدم الـوجدان الـمعلّق عليه شرعيـة الـتيمّم، من أنّه عبارة عن عدم الـماء الـذي يمكن عقلاً و شرعاً استعما لـه في الـطهارة، فإذا علم بعدم وجوده علم بتحقّقه، ولاوجه بعده للطلب، كما أنّه مع الـطلب و عدم الـوجدان يتحقّق الـموضوع، و في هذا الـفرض إذا كان الـطلب قبل الـوقت و لم يجد الـماء يستصحب عدم الـوجدان في الـوقت، و يتحقّق موضوع الـتيمّم.
و على دليله الـثا لـث: ما أوردناه على سابقه من إحراز عدم الـوجدان حين إرادة الـتيمّم و الـصلاة با لـعلم أو بالاستصحاب، مع أنّ لازمه عدم الاكتفاء با لـطلب في أوّل الـوقت إذا أراد الـتيمّم و الـصلاة في وسط الـوقت أو آخره، كما لايخفى.
(الصفحة 244)
و على دليله الـرابع: ما ذكرناه سابقاً من أنّه لامحيص عن حمل الـصحيحـة على الاستحباب، جمعاً بينها و بين روايـة الـسكوني الـمتقدّمـة الـتي عمل بها الأصحاب قديماً و حديثاً.
و على دليله الـخامس: منع كون صحّـة الاكتفاء به مرّة واحدة للأيّام الـمتعدّدة معلوم الـبطلان بعد الـعلم أو جريان الاستصحاب، و إحراز عدم الـوجدان به في جميعها، و قد صرّح في الـمتن بالاكتفاء.
و على دليله الأخير: ما عرفت من عدم دلالـة الأدلّـة على وجوب الـطلب حتّى يكون الـمنساق إلى الـذهن منها هو إرادته عند الـحاجـة إلى الـماء، بل الـدليل هو حكم الـعقل، و لافرق بنظره بين الـطلب قبل الـوقت، و بعده أصلاً.
و إن كان الـمراد هو عدم الاكتفاء با لـطلب قبل الـوقت في خصوص ما إذا احتمل تجدّد الـماء و حدوثه في الـوقت، فإن لم يكن لاحتما لـه منشأ عقلائي، و لايكون معتدّاً به عندهم، فا لـظاهر عدم لزوم الـطلب في الـوقت; لجريان استصحاب عدم الـوجدان الـمحقّق لموضوع الـتيمّم و مشروعيته.
و إن كان لاحتما لـه منشأ كذلك، كما إذا نزل الـمطر بعد الـطلب، و احتمل اجتماع الـماء في محلّ الـطلب بقدر ما يكفيه لطهارته من الـوضوء أو الـغسل، فقد ذكر في «ا لـمستمسك» أنّ الـظاهر وجوب الـطلب ثانياً و إن وقع الأوّل في الـوقت; لظهور الـنصّ في أنّه يعتبر في صحّـة الـتيمّم و الـصلاة به بقاء الـمكلّف على الـحا لـة الـتي كان عليها.
و بعبارة اُخرى: ظاهر الـنصّ الـدال على اعتبار الـطلب في صحّـة الـتيمّم ظاهراً إنّما هو اعتبار نفس الـحا لـة الـتي تحصل للطا لـب بعد الـطلب، و هو الـيأس من
(الصفحة 245)
ا لـقدرة على الـماء، لااعتبار نفس الـسعي و الـطلب، فإذا فرض زوال تلك الـحا لـة بحدوث ما يوجب رجاء الـقدرة عليه، وجب تحصيلها ثانياً.
و مرجع هذا الـكلام إلى عدم إعتبار الاستصحاب في الـمقام; لأنّه مع بقاء تلك الـحا لـة لاحاجـة إليه، و مع عدم بقائها لاتتحقّق بالاستصحاب كما هو ظاهر.
مع أنّك عرفت أيضاً: أنّ الـطلب لايكون معتبراً في صحّـة الـتيمّم، بحيث يكون وجوبه غيرياً، بل مفاد الآيـة تعليق الـمشروعيـة على عدم الـوجدان، و قد مرّ تفسير عدم الـوجدان، و أنّ الـمراد منه هو عدم الـماء الـذي يمكن عقلاً و شرعاً استعما لـه في الـطهارة، و أنّه يمكن إحرازه بالاستصحاب.
و على ما ذكرنا: فا لـحكم بوجوب تجديد الـطلب مع وجود أمارة ظنّيـة على حدوث الـماء، بل مطلقاً على الأحوط كما في الـمتن، إن كان منشأه عدم جريان الاستصحاب في الـمقام، فيرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لاوجه لعدم جريانه كما صرّح به في «ا لـرسا لـة» ـ أنّه لايبقى فرق حينئذ بين وجود الأمارة الـظنّيـة و عدمه، فا لـفرق بينهما با لـفتوى بوجوب الـتجديد في الأوّل و بالاحتياط به في الـثاني ـ كما هو ظاهره باعتبار تقديم الأحوط على الـحكم بوجوب الـتجديد، فتدبّر ـ غير ظاهر، إلاّ أن يكون الـمراد بالأمارة الـظنّيـة هو الأمارة الـمعتبرة شرعاً، كا لـبيّنـة و خبر الـواحد على مبناه، ولكنّه خلاف الـظاهر.
(الصفحة 246)مسأ لـة 9: إذا لم يكن عنده إلاّ ماء واحد يكفي الـطهارة، لاتجوز إراقته بعد دخول الوقت، ولو كان على وضوء، ولم يكن عنده ماء، لايجوز إبطاله. ولو عصى فأراق أو أبطل صحّ تيمّمه و صلاته، و إن كان الأحوط قضائها، بل عدم جواز الإراقة والإبطال قبل الوقت مع فقد الـماء حتّى في الـوقت لايخلو من قوّة1 .
(1) قد تقدّم الـبحث في هذه الـمسأ لـة في بعض الاُمور الـتي قدّمناها على الـورود في شرح فصل الـتيمّم، و ذكرنا هناك أنّ الـمطلوب الـمطلق هي الـصلاة مع الـطهارة الـمائيـة، و أنّ الانتقال إلى الـتيمّم إنّما هو في حال الاضطرار و الـعجز عن تحصيل الـمطلوب الـمطلق.
و ذكرنا أيضاً: أنّ الـصلاة مع الـترابيـة لاتفي بتمام ما عليه الـصلاة مع الـمائيـة من الـمصلحـة الـواجبـة الـرعايـة، و عليه فلايجوز الإبطال أو الإراقـة من دون فرق بين ما إذا دخل الـوقت، و ما إذا لم يدخل; لعدم كون الـمقدّمـة واجبـة من أجل الـتبعيـة، بل عدم كونها واجبـة شرعاً با لـمرّة; لأنّ وجوب الإتيان بها عقلي محض، ولا فرق في لزوم تحصيل الـمقدّمـة و حفظها بين الـوقت و قبله.
و لاينافي ما ذكرنا صحّـة الـتيمّم و الـصلاة على فرض الإبطال و الإراقـة، لأنّه على هذا الـفرض يتحقّق موضوع الـتيمّم و الـمشروعيـة، و قد مرّ أنّه لايختصّ عدم الـوجدان بما إذا لم يتحقّق هناك معصيـة، فا لـصحّـة في الـمقام بلامناقشـة.
ولكنّه وقع الإشكال و الـخلاف في الـقضاء و الإعادة، فعن الأكثر عدم الـوجوب با لـكلّيـة، و عن «ا لـمقنعـة» و «ا لـدروس» و «ا لـبيان» وجوب الإعادة.
ولكنّه ضعيف، لما سيأتي في الـمسأ لـة الآتيـة من الاجتزاء با لـصلاة مع الـتيمّم الـصحيح، للنصوص الـواردة، ولكنّ الاحتياط لاينبغي أن يترك خروجاً من خلاف من أوجب الإعادة.
(الصفحة 247)مسأ لـة 10: لو تمكّن من حفر الـبئر بلا حرج وجب على الأحوط1 .
و منها: الـخوف من الـوصول إليه من اللصّ، أو الـسبع، أو الـضياع، أو نحو ذلك ممّا يحصل معه خوف الـضرر على الـنفس، أو الـعرض، أو الـمال الـمعتدّ به، بشرط أن يكون الـخوف من منشأ يعتني به الـعقلاء.2
(1) و الـوجه في الـوجوب ما مرّ من تمكّنه من تحصيل الـصلاة مع الـطهارة الـمائيـة، الـتي هي الـمطلوب الـمطلق، الـوافي با لـمصلحـة الـكاملـة الـتي تجب رعايتها.
و بعبارة اُخرى: أنّه مع الـتمكّن من حفر الـبئر بلا حرج لايكون عنوان عدم وجدان الـماء محقّقاً بالإضافـة إليه; لأنّه يقدر على الـوصول إليه و إيجاده من غير حرج، كما هو الـمفروض.
و أمّا جعل الـوجوب أحوط من دون الـفتوى به جزماً; فلأ نّه يمكن أن يقال بانصراف الـدليل عن مثل ذلك، و أنّ الـقدرة على تحصيل الـماء كذلك لاينسبق إليها ذهن الـعرف، بل يكون مثل هذا الـمورد عندهم من مصاديق عدم الـوجدان، و يمكن أن يقال با لـفرق بينه، و بين ما إذا وهبه غيره بلا منّـة و لا ذلّـة، و إن جعلهما الـسيّد (قدس سره)في «ا لـعروة» في صفّ واحد، فتدبّر.
ا لـثاني: في الـخوف من الـوصول إلى الـماء
(2) هذا هو الـمسوّغ الـثاني للتيمّم، و كان ينبغي أن يجعل عنوان هذا الـمسوّغ عدم الـوصلـة إلى الـماء الـموجود ـ كما صنعه في «ا لـرسا لـة» ـ ليشمل ما إذا كان غير قادر على الـوصول إلى الـماء للتعذّر الـعقلي أو الـعادي، كما لو كان في بئر لايمكنه إخراجه و الـوصول إليه بوجه، أو كان في محلّ لايمكنه الـوصول إليه لكبر و نحوه، و منه
|