(الصفحة 251)
و أمّا فيما إذا تحقّق الـخوف على الـمال، ففيما إذا حصل الـحرج فا لـدليل على الانتقال إلى الـتيمّم هو ما يدلّ على عدم مجعوليـة الـحرج في الـدين، و فيما إذا لم يحصل، بل يكون في الـوصول إلى الـماء خوف مجرّد ضرر ما لـي، فقد استدلّ على سقوط الـطهارة الـمائيـة بدليل نفي الـضرر، و بالإجماع الـمحكيّ عن جمع من الـكتب الـفقهيـة، و با لـطائفـة من الـروايات الـتي اُشير إليها، الـواردة في الـنهي عن الـطلب أو نفي وجوبه، و باستقراء أخبار الـتيمّم الـكاشف عن الـسقوط بأقلّ من ذلك.
ولكن قد حقّق في محلّه: أنّ دليل نفي الـضرر لايكون كدليل نفي الـحرج بصدد رفع الأحكام الـضرريـة، بل هو حكم سياسي سلطاني صادر من الـرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بما هو سلطان على الـناس و زعيم با لـنسبـة إليهم، لا بما هو واسطـة في تبليغ أحكام اللّه تعا لـى و مبيّن للتكا لـيف الـمجعولـة الإلهيـة، نعم لو كان إفادته با لـكتاب أو بلسان الـرسول، لابما هو سلطان و حاكم، لكان كدليل نفي الـحرج ناظراً إلى الأحكام، و مبنياً لرفع الـضرريـة منها.
و الإجماع الـمحكيّ في مثل هذه الـمسأ لـة ـ الـتي يجري فيها دليل نفي الـحرج، أو الـضرر باعتقادهم، و ورد فيها روايات ـ لا أصا لـة له أصلاً لو سلّم حجّيته بنفسه.
و الـطائفـة الـمذكورة و إن كان بعضها مشتملاً على ذكر اللصّ، إلاّ أنّه يحتمل قويّاً أن يكون الـنظر فيه إلى اللصّ الـمتعرّض للنفس، لا الـمتعرّض للمال فقط، و على تقديره فلا دلالـة لها على خوف الـضرر الـما لـي من غير ناحيـة اللصّ، و الـفرق بينهما أنّ لأخذ اللصّ الـمال و الـتسلّط عليه مهانـة و ذلّـة، تأبى عنها الـنفوس غا لـباً، و لأجله يكون تحمّله حرجياً، بخلاف مجرّد ترتّب الـضرر الـما لـي من غير هذه الـناحيـة.
(الصفحة 252)و منها: خوف الـضرر من استعما لـه لمرض، أو رمد، أو ورم، أو جرح، أو قرح، أو نحو ذلك ممّا يتضرّر معه باستعمال الـماء على وجه لايلحق با لـجبيرة و ما في حكمها، و لافرق بين الـخوف من حصوله أو الـخوف من زيادته و بطوء برئه، و بين شدّة الألم باستعما لـه على وجه لايتحمّل للبرد أو غيره1 .
و الـتمسّك بالاستقراء في غير محلّه، بعد ورود وجوب شراء ماء الـوضوء با لـغاً ما بلغ، كما مرّ، و يأتي إن شاء اللّه تعا لـى.
و قد انقدح بذلك: أنّه لادليل على سقوط الـمائيـة بمجرّد خوف الـضرر الـما لـي إلاّ إذا كان بقاء وجوبها حرجياً، فتدبّر جيّداً.
ا لـثا لـث: في خوف الـضرر من استعمال الـماء
(1) و الـدليل على مشروعيـة الـتيمّم في هذه الـموارد اُمور:
أحدها: الآيـة الـكريمـة الـواردة في الـتيمّم، الـدالّـة على مشروعيته بالإضافـة إلى الـمريض، فإنّ إطلاق عنوان «ا لـمرض» و إن كان يشمل الـمرض الـذي لايضرّه استعمال الـماء، إلاّ أنّ الـمناسبـة بين الـحكم و الـموضوع، و كذا ذكر الـمرض عقيب إيجاب الـطهارة الـمائيـة، توجب الانصراف إلى خصوص ما كان استعمال الـماء مضرّاً به و منافياً له.
كما أنّه يستفاد من هذه الـمناسبـة مشروعيـة الـتيمّم في مثل الـقرح و الـجرح، ممّا لايعدّ مرضاً عرفاً إذا كان استعمال الـماء مضرّاً به، فالآيه بلحاظ اشتما لـها على ذكر الـمرض، و مناسبـة الـحكم و الـموضوع الـمذكورة، من أدلّـة الـمقام.
ثانيها: الآيـة الـكريمـة بلحاظ اشتما لـها على الـتعليل بقوله تعا لـى:
(ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج ...) نظراً إلى لزوم الـحرج من وجوب الـطهارة الـمائيـة
(الصفحة 253)
في الـموارد الـمذكورة، و الآيـة بهذا اللحاظ تدلّ على مشروعيـة الـتيمّم حتّى فيما لم يكن مرضاً بوجه، بل كان مثل الـبرد الـذي لايتحمّل.
ثا لـثها: الـروايات الـواردة الـمستفيضـة لو لم تكن متواترة:
منها: صحيحـة محمّد بن سكّين، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: قيل له: إنّ فلاناً أصابته جنابـة و هو مجدور، فغسّلوه فمات.
قال:
«قتلوه ألاّ سأ لـوا، ألاّ يمّموه؟! إنّ شفاء الـحيّ الـسؤال».(1)
و منها: صحيحـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباجعفر (عليه السلام) عن الـرجل يكون به الـقرح و الـجراحـة يجنب.
قال:
«لابأس بأن لايغتسل، يتيمّم».(2)
و منها: صحيحـة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الـرضا (عليه السلام) في الـرجل تصيبه الـجنابـة، و به قروح أو جروح، أو يكون يخاف على نفسه من الـبرد.
فقال:
«لايغتسل و يتيمّم».(3)
و مثلها صحيحـة داود بن سرحان، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام).(4)
و منها: مرسلـة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«يؤمّم الـمجدور و الـكسير إذا أصابتهما الـجنابـة».(5)
و غير ذلك من الـروايات الـواردة، الـدالّـة على الانتقال إلى التيمّم في مورد
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 5.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 7.
- (4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 8.
- (5)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 5، الـحديث 10.
(الصفحة 254)
خوف الـضرر من استعمال الـماء.
لكن في مقابلها روايات تدلّ على خلاف ذلك، كصحيحـة سليمان بن خا لـد و أبي بصير، و عبدا للّه بن سليمان جميعاً عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) أنّه سأل عن رجل كان في أرض باردة، يتخوّف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الـغسل، كيف يصنع؟
قال:
«يغتسل و إن أصابه ما أصابه».
قال: و ذكر أنّه كان وجعاً شديد الـوجع، فأصابته جنابـة و هو في مكان بارد، و كانت ليلـة شديدة الـريح باردة
«فدعوت الـغلمـة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقا لـوا: إنّا نخاف عليك، فقلت لهم: ليس بدّ، فحملوني و وضعوني على خشبات، ثمّ صبّوا عليّ الـماء فغسلوني».(1)
و صحيحـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن رجل تصيبه الـجنابـة في أرض باردة، و لايجد الـماء، و عسى أن يكون الـماء جامداً.
فقال:
«يغتسل على ما كان».
حدّثه رجل أنّه فعل ذلك فمرض شهراً من الـبرد.
فقال:
«اغتسل على ما كان، فإنّه لابدّ من الـغسل».
و ذكر أبوعبدا للّه (عليه السلام) أنّه اضطرّ إليه و هو مريض، فأتوة به مسخّناً، فاغتسل و قال:
«لابدّ من الـغسل».(2)
و قد يجمع بين الـصحيحتين و الـطائفـة الـمتقدّمـة بحملهما على الـجنابـة الاختياريـة، و حمل تلك الـطائفـة على الاحتلام، و اختاره صاحب «ا لـوسائل» حيث
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 17، الـحديث 3.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 17، الـحديث 4.
(الصفحة 255)
جعل عنوان الـباب الـسابع عشر وجوب تحمّل الـمشقّـة الـشديدة في الـغسل لمن تعمّد الـجنابـة دون من احتلم، و عدم جواز الـتيمّم للمتعمّد حينئذ، و ربّما يستشهد لهذا الـجمع بمرفوعـة علي بن أحمد، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن مجدور أصابته جنابـة.
قال:
«إن كان أجنب هو فليغتسل، و إن كان احتلم فليتيمّم».(1)
و مرفوعـة إبراهيم بن هاشم قال:
«إن أجنب فعليه أن يغتسل على ما كان منه، و إن احتلم تيمّم».(2)
و قد حكي عن «ا لـخلاف» دعوى إجماع الـفرقـة على وجوب الـغسل على من أجنب اختياراً، و عن الـمفيد و الـصدوق اختياره.
و يرد على هذا الـجمع: أنّ مرفوعـة ابن هاشم لاتكون متعرّضـة لنقل الـحكم عن الإمام (عليه السلام)، و لايبعد أن يكون فتواه و منشأها تخيّل اقتضاء الـجمع بين الـروايات لذلك.
و أمّا مرفوعـة علي بن أحمد فهي لاتكون شاهدة للجمع، بعد عدم حجّيتها في نفسها للرفع و الـجها لـة، مع أنّ الـتعبير بإصابـة الـجنابـة في أكثر روايات تلك الـطائفـة، و كذا في الـصحيحتين، لايبعّد دعوى كونه ظاهراً في الـجنابـة غير الاختياريـة، فإنّ الـتعبير الـشايع فيها هو مثل
«اجنب» كما في الـمرفوعـة، فكيف يمكن الـتفكيك بينهما و حملهما على الاختياريـة دونها؟
و دعوى أنّ قرينـة تنزّه الإمام (عليه السلام) عن الاحتلام دليل على كون الـمراد بإصابـة
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 17، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 17، الـحديث 2.