(الصفحة 269)
ا لـمطلوب الـمطلق، و الانتقال إلى الـمطلوب الاضطراري، الـذي لايشتمل على ما اشتمل عليه الأوّل من الـمصلحـة الـكاملـة الـتي تجب رعايتها.
و با لـجملـة: الاضطرار الـذي يسوّغ الـتيمّم، و يوجب الانتقال إلى الـمرتبـة الـناقصـة، و الاكتفاء بها إنّما هو لأجل حفظ الـوقت و إدراكه، ضرورة عدم استدامـة الـمرض نوعاً، و عدم كون الـفقدان باقياً كذلك; فتشريع الـتيمّم إنّما هو لئلاّ يفوت من الـمكلّف مصلحـة الـوقت، مع أنّ الـفحص و الـتتبّع في موارد مزاحمـة الـوقت مع سائر الأجزاء و الـشرائط، يقضي بأنّ الـشارع لم يرفع الـيد عن الـصلاة في وقتها لأجل عذر من الأعذار إلاّ فيما هو في غايـة الـقلّـة و الـندرة، و يشعر بذلك الـتعبير عن تركها في الـوقت بـ«ا لـفوت» في دليل الـقضاء و نحوه، و لم يعهد هذا الـتعبير في الإخلال بغيره.
كما أنّ الـروايات الـواردة في تارك الـصلاة، و أنّه كافر إذا كان متعمّداً، و أنّ تركها أعظم من سائر الـكبائر، ناظرة إلى عدم الإتيان بها في وقتها، و إلاّ فلم يعلم لها مصداق إلاّ نادراً.
و ممّا ذكرنا يظهر: أنّه لامجال للمناقشـة فيما ذكرنا بأنّ ضيق الـوقت إنّما يوجب سقوط الـطهارة الـمائيـة، و أمّا مشروعيـة الـتيمّم فلابدّ و أن تثبت من طريق الإجماع، و هو غير ثابت، و لا ملازمـة بين الأمرين.
فإنّ الـتأمّل في الآيه با لـكيفيـة الـمذكورة، يقضي بكون الـمراد أن لايفوت على الـمكلّف مصلحـة الـوقت أصلاً; إمّا بالإتيان بما هو الـمطلوب الـمطلق، و إمّا بالإتيان بما هو مرتبـة ناقصـة له، و ذلك في حال الاضطرار و الإلجاء، فنفي الـملازمـة في غايـة الـسقوط و الـمهانـة.
(الصفحة 270)
و ثانياً: صحيحـة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال:
«إذا لم يجد الـمسافر الـماء فليطلب مادام في الـوقت، فإذا خاف أن يفوته الـوقت فليتيمّم، و ليصلّ في آخر الـوقت ...»(1)
، وفي روايـة الـشيخ (قدس سره) بدل «فليطلب» «فليمسك».
فإنّ الـظاهر منها أنّ وجوب الـطلب أو استحبابه إنّما هو للتوصّل إلى الـمطلوب الـمطلق، لا لأجل دخا لـته في موضوع الـصلاة مع الـترابيـة، و أنّ الأمر بها معها إنّما هو لتقديم الـشارع حفظ الـوقت على الـطهارة الـمائيـة، و إلاّ فلا وجه لرفع الـيد عن الـمطلوب الـمطلق، و معه لامجال لاحتمال أن يكون وجدان الـماء الـمفوّت للوقت موجباً لترك الـصلاة فيه رأساً، و منه يعلم أنّ تمام الـموضوع لوجوب الـتيمّم هو مخافـة فوت الـوقت، و لايكون عدم الـوجدان بعنوانه قيداً للموضوع.
و دعوى: أنّ الـمفروض في الـروايـة هو الـفاقد، و لامانع من أن يكون فوت الـوقت منضمّاً إليه، فشرعيـة الـتيمّم إنّما هي في مورد الـفاقد الـذي يخاف الـفوت كما هو ظاهرها، مدفوعـة: بأنّ الانتقال إلى الـتيمّم إنّما هو لرعايـة الـوقت، فإذا كان حفظه مورداً لاهتمام الـشارع، فكيف يحتمل تجويزه ترك الـصلاة رأساً عند الـضيق وا لـوجدان؟! و هذا من الـوضوح بمكان.
فالإنصاف: أنّ جواز الـتيمّم عند ضيق الـوقت غير قابل للمناقشـة، نعم الـقدر الـمتيقّن من مورده ما إذا دار الأمر بين إدراك تمام الـوقت مع الـترابيـة، و عدم إدراك شيء من الـوقت مع الـمائيـة.
و أمّا إذا دار الأمر بين إدراك تمام الـوقت مع الـترابيـة، و إدراك ركعـة من الـوقت مع الـمائيـة، فقد يقال: بتقدّم الـثاني لقاعدة «من أدرك» الـمعروفـة، ولكنّه لابدّ أوّلاً من
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 3.
(الصفحة 271)
تحقيق مفاد الصحيحة التي علّق فيها التيمّم على خوف فوات الوقت، وثانياً من ملاحظة دليل «من أدرك» و بيان مفاده، و ثا لـثاً من الـنظر في الـنسبـة بينه و بين الـصحيحـة.
فنقول: هل الـمراد بقوله (عليه السلام) في الـصحيحـة:
«فإذا خاف أن يفوته الـوقت ...» هو خوف فوت جميع الـوقت و عدم إدراك شيء منه، بحيث لو علم إدراك بعضه لاستمرّ وجوب الـطلب أو استحبابه، فتكون غايـة الـطلب و الـموضوع للزوم الـتيمّم خوف فوت تمام الـوقت، و عليه فلا حاجـة إلى دليل «من أدرك»، بل مفادها أعمّ منه; لشمولها لإدراك أقلّ من الـركعـة أيضاً؟
أو أنّ الـمراد به خوف فوت الوقت الـمضروب للصلاة، أي خوف أن لاتقع الصلاة بتمامها في ظرفها الزماني، فمع خوف وقوع جزء منها خارج الوقت فقد خاف أن يفوته الوقت، فتدلّ الـصحيحة على أنّه مع خوف فوت الوقت ولو بجزء منه لابدّ من الـتيمّم؟
هذا، و الـظاهر هو الاحتمال الـثاني; لأنّه مضافاً إلى ظهوره في نفسه، يؤيّده، بل يدلّ عليه قوله (عليه السلام):
«و ليصلّ في آخر الـوقت» بعد قوله:
«فليتيمّم»، و الـظاهر في وقوع صلاته مع الـتيمّم بأجمعها في الـوقت، كما لايخفى.
و أمّا دليل «من أدرك» فقد أفاد الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» في مقام اعتباره و لفظه الـوارد و مفاده: «أنّ ما روي عن الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
«من أدرك ركعـة من الـصلاة فقد أدرك الـصلاة».(1)
و عنه أيضاً:
«من أدرك ركعـة من الـعصر قبل أن تغرب الـشمس فقد أدرك الـعصر».(2)
و عن الـوصي:
«من أدرك من الـغداة ركعـة قبل طلوع الـشمس فقد أدرك
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـمواقيت، الـباب 30، الـحديث 4.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـمواقيت، الـباب 30، الـحديث 5.
(الصفحة 272)
ا لـغداة تامّـة».(1)
و في لفظ آخر:
«من أدرك ركعـة من الـوقت فقط أدرك الـوقت» على ما في «ا لـمنتهى» و «ا لـمدارك» روايات ضعاف، بعضها بالإرسال، و بعضها بضعف الـسند، و دعوى الـجبر بالاشتهار بين الأصحاب مشكلـة، لعدم ثبوت كون اتّكا لـهم في صحّـة الـصلاة مع إدراك ركعـة من الـوقت بتلك الـروايات، لورود موثّقـة عمّار بن موسى، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«فإن صلّى ركعـة من الـغداة، ثمّ طلعت الـشمس فليتمّ، و قد جازت صلاته».(2)
و احتمال اتّكا لـهم بها مع إلغاء الـخصوصيـة، إلاّ أن يقال: ليس بناء أصحابنا ـ خصوصاً قدمائهم ـ على الـتعدّي من مثل الـموثّقـة الـواردة في الـغداة إلى غيرها، فلا محا لـة يكون مستندهم تلك الـروايات.
و عن «ا لـمدارك» بعد أن نقل الـروايات قال: و هذه الأخبار و إن ضعف سندها إلاّ أنّ عمل الـطائفـة عليها، و لا معارض لها، فتعيّن الـعمل بها، و الإنصاف أنّ الـمناقشـة فيها من هذه الـجهـة غير وجيهـة.
و أمّا قوله في الـنبوي:
«من أدرك ركعـة من الـصلاة فقد أدرك الـصلاة»، و كذا ما في الـعلوي، يحتمل في بادي الأمر أحد معان: إمّا توسعـة الـوقت حقيقـة لمن أدرك الـركعـة، فيكون خارج الـوقت وقتاً اضطرارياً، و إمّا تنزيل الـصلاة الـناقصـة بحسب الـوقت منزلـة الـتامّـة، و إمّا تنزيل مقدار ركعـة من الـوقت منزلـة تمام الـوقت، و إمّا تنزيل خارج الـوقت منزلـة الـوقت».
هذا، و الـظاهر هو الاحتمال الـثاني، و أنّ الـصلاة الـناقصـة بحسب الـوقت الـواقعـة ركعـة منها فيه، تكون بمنزلـة الـتامّـة الـواقعـة بأجمعها فيه، نعم ظاهر ما عن
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـمواقيت، الـباب 30، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـمواقيت، الـباب 30، الـحديث 1.
(الصفحة 273)
«ا لـمنتهى» و «ا لـمدارك» هو الاحتمال الـثا لـث، فتدبّر.
و أمّا الـنسبـة بين دليل «من أدرك»، و بين الـصحيحـة الـمتقدّمـة، فنقول بعد ما استظهرنا منها: إنّ الـمراد بخوف أن يفوته الـوقت هو خوف أن لاتقع الـصلاة بتمامها في ظرفها الـزماني الـمضروب لها.
فتارة يقال: بانصراف الـوقت الـمأخوذ فيها إلى خصوص الـوقت الاختياري، و لايشمل الـوقت الاضطراري الـثابت بدليل «من أدرك»، بناءً على الاحتمال الأوّل.
واُخرى يقال: بمنع الانصراف، وأنّ الـمراد منه مطلق الوقت وإن لم يكن اختيارياً.
فعلى الـثاني: يكون دليل «من أدرك» حاكماً على الـصحيحـة، بناءً على الاحتمال الأوّل; لأنّ الـمفروض دلالته على توسعـة الـوقت، و عدم انصراف الـوقت الـمأخوذ فيها إلى خصوص الاختياري، بل على هذا الـتقدير يكون وارداً عليها; لدلالته على توسعـة الـوقت حقيقـة، و ورودها في مورد خوف فوات الـوقت مطلقاً.
و على الأوّل: لامجال للورود أو الـحكومـة; لاختصاص الـصحيحـة بخصوص الـوقت الاختياري على ما هو الـمفروض، فتقع الـمعارضـة بينهما، إلاّ أن يقال: بأنّ دليل «من أدرك» لايكون ناظراً إلاّ إلى إدراك ركعـة مع الـشرائط الـمعتبرة فيها، و أمّا خصوصيّات الـشرائط فلابدّ من أن تستفاد من دليل آخر، و الـمفروض دلالـة الـصحيحـة على أنّ خوف فوات الـوقت الاختياري يوجب الانتقال إلى الـتيمّم، فهي متعرّضـة لبيان الـشرط، و أنّه في أيّـة صورة يكون الـشرط هي الـطهارة الـمائيـة، و في أيّـة صورة هي الـترابيـة، و أمّا دليل «من أدرك» فلا يكون ناظراً إلاّ إلى خصوصيـة الـوقت مع حفظ سائر الـشرائط، فهي ناظرة إلى خصوصيـة الـشرط، و هو دالّ على وجوده، هذا على تقدير الاحتمال الأوّل.