(الصفحة 291)
ا لـوقت ...»(1)
فإنّ الـظاهر منها الـخوف الـحاصل من ضيق الـوقت، كما هو واضح.
و أمّا دليل نفي الـحرج: فقد يمكن أن يقال بصدقه فيما إذا خاف على نفسه من أيّ منشأ كان، فيكون الـتكليف با لـوضوء حرجياً على الـمكلّف مع اعتقاد معرضيـة الـمحلّ للخطر ولو كان اعتقاده خطأً، لكنّه أيضاً مشكل; لأنّ الـظاهر منه عدم جعل الـحرج في الـدين، و غايـة ما يمكن الاستفادة منه أنّ ما يلزم منه الـحرج و الـمشقّـة سواء كان في مقدّماته أو ما يترتّب عليه فهو أيضاً غير مجعول. و أمّا الـحرج الـحاصل من تخيّل باطل أو تخيّل الـحرج، فليس مشمولاً لدليل نفيه; لعدم الـحرج في الـدين و لا من قبله واقعاً، و لا مجال لإلغاء الـخصوصيـة با لـنسبـة إلى ما يلزم من اعتقاد باطل».
أقول: الـظاهر أنّه لافرق بلحاظ دليل نفي الـحرج بين أن يكون الـخوف ناشياً من أمر يقتضيه عادة، أو من مثل الـجبن كما صرّح به غير واحد، لأنّه لافرق في كون الـتكليف لدى الـخوف حرجياً بين الـصورتين، بل كونه كذلك في الـجبان أظهر; لأنّه ربّما يؤدّي ذلك إلى ذهاب عقله لما فيه من ضعف الـقوّة.
و بعبارة اُخرى: بعد كون الـملاك في دليل الـحرج هو الـحرج الـشخصي، و بعد ثبوته في الـمقام ولو كان منشأه مجرّد الـتخيّل و الاعتقاد الـباطل، لا مجال لدعوى عدم جريانه في الـمقام، و بطلان الاعتقاد إنّما هو بحسب الـواقع، لا بلحاظ الـشخص الـمعتقد، ضرورة أنّه لايرى بطلان اعتقاده، و با لـجملـة فا لـحرج في مورد الـتخيّل واقعي و إن كان منشأه لاواقعيـة له.
و أمّا الـروايات: فمضافاً إلى إمكان الـمناقشـة في استفادة ما ذكر من بعضها، نقول: لا دلالـة لها على اختصاص الـحكم بخصوص صورة ثبوت الـمنشأ الـواقعي للخوف،
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 3.
(الصفحة 292)
بل غايتها الـدلالـة على الانتقال فيها، و الـدليل حينئذ عليه في غيرها نفس الآيـة الـمشتملـة على الـتعليل بعدم تعلّق إرادة اللّه تعا لـى بجعل الـحرج، فا لـظاهر حينئذ هو الاحتمال الأوّل.
و من تلك الاُمور: أنّه هل الـخوف الـمأخوذ في موضوع الأدلّـة على نسق واحد، بمعنى أنّ الـموضوع في جميع الـموارد هو الـخوف بعنوانه، أو أنّ الـموضوع ليس عنوان الـخوف أصلاً، بل الـواقع الـذي خاف منه، فإذا تيمّم من خوف الـعطش ولو في محلّ مخوف، ثمّ تبيّن عدم حصول الـعطش على فرض استعما لـه في الـطهارة الـمائيـة بطل على الـثاني دون الأوّل، أو يفصّل بين الـمقامات؟
وجوه و احتمالات، اختار الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» الـوجه الـثا لـث، و أفاد في تحقيقه ما ملخّصه: «أنّ الـظاهر من الأدلّـة ـ غير دليل ضيق الـوقت ـ أنّ مجرّد الـمعرضيـة للخطر الـموجبـة للخوف موضوع للانتقال إلى الـتيمّم، فقوله (عليه السلام) في صحيحـة ابن سنان:
«إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة و ليتيمّم با لـصعيد، فإنّ الـصعيد أحبّ إليّ»(1)
ظاهر في أنّ مجرّد خوف الـعطش يوجب محبوبيـة الـصعيد.
و قوله (عليه السلام) في موثّقـة سماعـة، بعد فرض خوف قلّـة الـماء:
«يتيمّم با لـصعيد و يستبقى الـماء، فإنّ اللّه عزّوجلّ جعلهما طهوراً، الـماء و الـصعيد».(2)
و قوله (عليه السلام) في روايـة ابن أبي يعفور، بعد فرض انحصار الـماء بمقدار شربه:
«يتيمّم أفضل، ألا ترى أنّه إنّما جعل عليه نصف الـطهور».(3)
ظاهران في مشروعيـة الـتيمّم،
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 25، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 25، الـحديث 3.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 25، الـحديث 4.
(الصفحة 293)
و أنّه أحد الـطهورين.
و با لـجملـة: الـظاهر من تلك الـموارد أنّ الـشارع لاحظ حال الـمكلّف; لئلاّ يقع في معرض الـخطر، و هذه الـمعرضيـة أوجبت الانتقال، بل الـظاهر أنّ رفع الـوضوء فيها إنّما هو لنكتـة رفع الـحرج، و لاشبهـة في ثبوته في موارد الـمعرضيـة و إن لم يكن خطر واقعاً.
و أمّا خوف فوت الـوقت، فا لـظاهر أنّه ليس على نسق غيره; لأنّ الـشارع لاحظ فيه حفظ الـتكليف الأهمّ، و أمر با لـتيمّم لا لأجل صيرورة خوف الـفوت موجباً بنفسه للانتقال، بل لأجل الاعتناء باحتمال فوت الأهمّ في مقابل الـمهمّ، بل يمكن أن يقال بعدم تشريع الـتيمّم في هذا الـحال.
فقوله (عليه السلام) في صحيحـة زرارة:
«إذا خاف أن يفوته الـوقت فليتيمّم»، إرشاد إلى أهمّيـة الـوقت، و أنّه مع الـدوران بين احتمال فوت الـوقت و فوت الـطهارة الـمائيـة، توجب أهمّيـة الـوقت تقديمه من غير تشريع للتيمّم في هذا الـحال، و معه لا وجه للإجزاء، بل لامعنى للتشريع بعد حكومـة الـعقل، بل يكفي في عدم الإجزاء احتمال ما ذكرناه; لأنّ الإجزاء متقوّم با لـتشريع».
أقول: إن استفدنا أصل مشروعيـة الـتيمّم عند الـضيق واقعاً من الآيـة الـشريفـة من دون حاجـة إلى دلالـة اُخرى، لأمكن أن يقال بعدم دلالـة الـصحيحـة على الـمشروعيـة، بل مفادها الإرشاد.
و أمّا إن كان الـمستند في ذلك هي الـصحيحـة كما مرّ تقريب الاستدلال بها، فكيف يمكن أن تكون للإرشاد؟ فإنّ الأهمّيه لاتتحقّق بدون الـمشروعيـة، و الـمفروض ثبوتها بها، كما لايخفى.
(الصفحة 294)مسأ لـة 16: لافرق بين عدم الـماء رأساً و وجود ما لايكفي لتمام الأعضاء و كان كافياً لبعضها في الانتقال إلى الـتيمّم، ولو تمكّن من مزج الـماء الـذي لايكفيه لطهارته بما لايخرجه عن الإطلاق و يحصل به الـكفايـة فالأحوط وجوبه1 .
مسأ لـة 17: لو خا لـف من كان فرضه الـتيمّم فتوضّأ أو اغتسل، فطهارته باطلـة على الأحوطو إن كان فيه تفصيل، ولو أتى بها في مقام ضيق الـوقت بعنوان الـكون على الـطهارة أو لغايات اُخر صحّت، كما صحّت أيضاً لو خا لـف و دفع ثمناً عن الـماء مضرّاً بحا لـه، أو تحمّل الـمنّـة و الـهوان أو الـمخاطرة في تحصيله و نحو ذلك ممّا كان الـممنوع منه مقدّمات الـطهارة لا نفسها، و أمّا لو كانت بنفسها ضرريـة أو حرجيـة فا لـظاهر بطلانها، نعم لو كان الـضرر أو الـحرج على الـغير فخا لـف و تطهّر فلايبعد الـصحّـة.2
و إذ فرضنا ذلك فيمكن أن يقال: إنّ الـموضوع هو خوف الـفوات، فلا فرق بينه، و بين سائر الـموارد، لكنّ الـتحقيق يوافق ما اُفيد، فتدبّر.
(1) قد تقدّم الـبحث في الـفرع الأوّل من هذه الـمسأ لـة في الأمر الـخامس من الاُمور الـباقيـة الـتي ذكرناها في مسوّغيـة عدم وجدان الـماء، و الـفرع الـثاني منها في الأمر الـسادس من تلك الاُمور، فراجع.
(2) في هذه الـمسأ لـة فروع:
فيما لو خا لـف من كان فرضه الـتيمّم
ا لـفرع الأوّل ـ و هو عمدتها ـ : أنّه لو خا لـف من كان فرضه الـتيمّم فتوضّأ أو
(الصفحة 295)
اغتسل، فهل تكون طهارته باطلـة مطلقاً، أم صحيحـة كذلك، أو فيه تفصيل؟ و الـكلام فيه يقع في مقامين:
ا لـمقام الأوّل: في أنّ سقوط الـطهارة الـمائيـة في موارده، هل يكون بنحو الـعزيمـة، أو الـرخصـة؟
و الـكلام فيه تارة بلحاظ دليل نفي الـحرج، و اُخرى با لـنظر إلى الـروايات الـخاصّـة الـواردة في الـموارد الـمختلفـة، الـدالّـة على السقوط فيها.
أمّا بلحاظ دليل نفي الـحرج: فربّما يقال ـ كما قيل، بل اشتهر بينهم، بل صار كالاُصول الـمسلّمـة ـ إنّ دليل نفي الـحرج لايدلّ إلاّ على عدم الـوجوب، و لا دلالـة له على نفي الـجواز، لوروده في مقام الامتنان، و بيان توسعـة الـدين، فثبوت الـتيمّم في موارده إنّما هو على سبيل الـرخصـة لا الـعزيمـة; لأنّ الـعزيمـة كلفـة على خلاف الامتنان.
و اُورد عليه: بأنّ غايـة ما يمكن ادّعائه هو عدم دلالـة دليل نفي الـحرج على كون الـرفع على وجه الـعزيمـة، لا أنّه يدلّ على كونه على نحو الـرخصـة، فلا ينافيه ما يظهر منه الـعزيمـة كقوله تعا لـى:
(وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لايُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(1)
حيث إنّ اللّه إذا أراد بنا اليسر في أحكامه لايجوز لنا مخا لـفـة إرادته، فكما أنّه لو أراد منّا شيئاً لايجوز لنا الـتخلّف عن إرادته، كذلك لو أراد بنا و في حقّنا شيئاً، خصوصاً مع وقوعه عقيب قوله:
(وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر)حيث إنّ الـصوم على الـمسافر، بل الـمريض الـذي يضرّ به الـصوم حرام، فيدلّ على أنّ الـسقوط إنّما هو على نحو الـعزيمـة، و أنّ تعلّق إرادة اللّه تعا لـى با لـيسر إنّما هو