(الصفحة 303)
في الـسفر، و ليس معه إلاّ ماء قليل، و يخاف إن هو اغتسل أن يعطش.
قال:
«إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة، و ليتيمّم با لـصعيد، فإنّ الـصعيد أحبّ إليّ».(1)
و روايـة ابن أبي يعفور قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يجنب و معه من الـماء قدر ما يكفيه لشربه، أو يتيمّم أو يتوضّأ به؟
قال:
«يتيمّم أفضل، ألاترى أنّه إنّما جعل عليه نصف الـطهور».(2)
و يمكن أن يقال: إنّ صحيحـة ابن سنان و إن كانت ظاهرة في تعيّن الـتيمّم من جهـة الـنهي عن إهراق قطرة من الـماء، و الأمر با لـتيمّم الـظاهر في الـتعيّن، لكنّ الـتعليل بأنّ الـصعيد أحبّ له ظهور أقوى في بقاء الـمحبوبيـة في الـغسل أيضاً، كما هو مقتضى ظاهر صيغـة الـتفضيل، و روايـة ابن أبي يعفور صريحـة في أفضليـة الـتيمّم، فهاتان الـروايتان لاتجتمعان مع الـسابقتين الـظاهرتين في الـعزيمـة، كما عرفت.
و الـجواب عنه: أنّ الـتعبير بالأحبّيـة لاينافي الـتعيّن، كما يدلّ عليه ملاحظـة موارد استعمالاتها، مثل قوله (عليه السلام) في الإفطار تقيّـة:
«أي وا للّه أفطر يوماً من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي».(3)
مع أنّ شمول خوف الـعطش لصورة خوف الـهلاك قطعاً، يمنع عن كون الـمراد ذلك، و منه يظهر عدم دلالـة روايـة ابن أبي يعفور على الـرخصـة، خصوصاً مع ملاحظـة أنّ محطّ الـسؤال فيها إنّما هو أنّ الـمتعيّن هل هو الـتيمّم أو الـوضوء؟
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 25، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 25، الـحديث 4.
- (3)
وسائل الـشيعـة، الـصوم، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 57، الـحديث 4.
(الصفحة 304)
و مع ملاحظـة الـتعليل بأنّه إنّما جعل عليه نصف الـطهور، الـظاهر في أنّ الـمجعول هو خصوص الـتيمّم، و لايجتمع ذلك مع كونه أفضل فردي الـواجب الـتخييرى، كما هو ظاهر، هذا تمام الـكلام في الـمقام الأوّل.
ا لـمقام الـثاني: في أنّه لو خا لـف من كان فرضه الـتيمّم على نحو الـتعيّن و الـعزيمـة فتوضّأ أو اغتسل، فهل تكون طهارته باطلـة مطلقاً، أم لا كذلك، أو فيه تـفصيل؟
و الـكلام فيه يقع تارة فيما هو مقتضى الـقواعد الـعامّـة، و اُخرى فيما تقتضيه الأدلّـة الـخاصّـة، فا لـبحث يقع من جهتين:
أمّا من الـجهـة الاُولى فنقول: لاينبغي الإشكال في الـصحّـة إذا كان الـتعيّن لأجل الـتوقّف على مقدّمـة محرّمـة منحصرة، كطيّ طريق مغصوب أو مخوف، فإنّه مع الـمخا لـفـة و الـعصيان و سقوط الـنهي، تجب عليه الـطهارة الـمائيـة، و تصير مأموراً بها، فلا مانع من صحّتها أصلاً، كما لايخفى.
و أمّا إذا كان الـمحرّم من الـعناوين الـمتّحدة مع الـطهارة الـمائيـة، فربّما يقال فيه با لـبطلان، و الـوجه فيه أحد اُمور:
الأوّل: امتناع تعلّق الأمر و الـنهي با لـفعل الـواحد الـشخصي; إمّا للتضادّ بين الـحكمين الـموجب للامتناع الـذاتي لاستحا لـة اجتماع الـضدّين، و إمّا لتعذّر الامتثال الـمستلزم لثبوت الامتناع الـعرضي في الـبين، و على أيّ تقدير فلا مجال لاجتماع الـتكليفين.
و الـجواب: أنّا قد حقّقنا في محلّه بما لامزيد عليه أنّه يجوز اجتماع الأمر و الـنهي، و لايلزم الامتناع الـذاتي و لاا لـعرضي بوجه; لأنّ متعلّقهما هو الـماهيات
(الصفحة 305)
و الـطبائع و هي متعدّدة في مثل الـمقام، فإنّ ماهيـة الـوضوء و الـغسل و طبيعتهما تغاير ماهيـة الـغصب و الـتصرّف في مال الـغير مثلاً.
و أمّا الـوجود الـعنواني لها كعنوان وجود الـوضوء و وجود الـغصب و كذا الـوجود الـخارجي، فلا يكون شيء منهما متعلّقاً للحكم أصلاً; لعدم مدخليـة الـوجود في معاني الألفاظ الـواقعـة متعلّقـة للأحكام، مع أنّه على تقديره يكون هنا عنوانان; أحدهما وجود الـوضوء، و الآخر وجود الـغصب.
و أمّا الـوجود الـخارجي فلا يعقل أن يتعلّق به الـحكم; لأنّ الـخارج ظرف الـسقوط لا الـثبوت، لاستلزامه تحصيل الـحاصل، أو الـزجر عنه.
و من هنا يظهر: أنّه لامجال لأن يقال إنّ الـماهيات إنّما تتعلّق بها الأحكام بما أ نّها مرآة للمصاديق و الـوجودات الـخارجيـة، و ذلك لأ نّه مضافاً إلى ما عرفت من امتناع كون الـوجود الـخارجي متعلّقاً للحكم ولو كان واحداً، يدفعه أنّ الـمرآتيـة ممتنعـة، فإنّ اللفظ الـموضوع للطبيعـة لايكاد يحكي إلاّ عن نفسها، و لايعقل أن يكون مرآتاً للوجود الـخارجي، و على تقديره فا لـمحكيّ به إنّما هو مصداقها بما هو كذلك، لا الـمقارنات و الـمتّحدات، كما هو ظاهر.
و ممّا ذكرنا يظهر: بطلان دعوى الامتناع عرضاً لتعذّر الامتثال، فإنّه بعد اختلاف الـمتعلّقين، و تغاير الـماهيتين، و ثبوت الـمندوحـة في الـبين لإمكان الـتيمّم على ما هو الـمفروض، لا يتعذّر الامتثال.
ا لـثاني: أنّ تعلّق الـنهي بشيء يكشف عن قبح ذلك الـشيء بلحاظ مفسدته، و مع اتّصافه با لـقبح يمتنع تعلّق الأمر به; لأنّ الأمر بما هو قبيح قبيح، كما هو واضح.
وا لجواب: ما ذكرنا من أنّ الأمر لم يتعلّق بما تعلّق به الـنهي حتّى يلزم ما ذكر، لما
(الصفحة 306)
عرفت من تغاير الـمتعلّقين، لأنّ الـمتعلّق هي الـطبيعـة و الـماهيـة، فلا وجه لذلك.
ا لـثا لـث: أنّ الـفرد الـخارجي إنّما يعرضه صفـة الـحسن أو الـقبح باعتبار جهته الـقاهرة، فما يوجده الـمكلّف ليس من حيث صدوره عنه إلاّ حسناً أو قبيحاً على سبيل مانعـة الـجمع، لامتناع توارد الـوصفين الـمتضادّين على الـفعل الـخاصّ، الـصادر من الـمكلّف من حيث صدوره منه، فا لـفرد الـخارجي من الـصلاة الـذي يتحقّق به الـغصب الـمحرّم على الإطلاق، يمتنع أن يطلبه الـشارع، ضرورة أنّ الأمر بشيء في الـجملـة ينافي الـنهي عنه على الإطلاق.
و الـجواب: أنّه إن كان الـنظر إلى اجتماع الـحكمين ولو في مورد، فقد عرفت أنّ الـحكمين لايجتمعان بوجه; لاختلاف الـمتعلّقين دائماً لأجل تغاير الـحقيقتين، و إن كان الـنظر إلى امتناع عروض صفتي الـحسن و الـقبح معاً على الـفرد الـخارجي، لأنّهما وصفان متضادّان.
فيرد عليه: أنّ الـحسن و الـقبح ليسا من الأعراض الـخارجيـة الـحالّـة في الـموضوع، كا لـسواد و الـبياض حتّى لايكفي اختلاف الـجهـة في رفع الـتضادّ بينهما، ضرورة أنّ قبح الـظلم مثلاً لايكون له صورة خارجيـة حالّـة فى الـجسم، بل هو أمر اعتباري عقلي، و كذا حسن الـعدل مثلاً.
و عليه فيمكن أن يكون شيء واحد ذا عناوين حسنـة و قبيحـة، و لايسري الـقبح من عنوانه إلى عنوان الـحسن، فإنّ الـجهات في الاُمور الـعقليـة تقييديـة، فتكون الـحيثيات بما هي موضوعـة للحسن و الـقبح.
و ممّا ذكرنا يظهر: الـنظر فيما قيل من وقوع الـكسر و الانكسار، في الـجهات الـمقتضيـة، و تمحّض الـفعل في الـجهـة الـقاهرة، فا لـفعل الـواحد الـصادر من
(الصفحة 307)
ا لـمكلّف لايكون إلاّ حسناً أو قبيحاً على الـنحو الـمذكور، و هو منع الـجمع.
وجه الـنظر: ما عرفت من أنّ الـفعل الـخارجي مجمع الـعناوين الـمتعدّدة، و مع فرض كون بعضها قبيحاً، و الـبعض الآخر حسناً، و فرض قاهريـة أحد الأمرين على الآخر، لايلزم خروج الـجهـة الـمقهورة عن وصفها الاُولى، فإنّ مرجع الـقاهريـة ليس إلى الـسرايـة و فناء وصف الـمقهور، بل إلى الأهمّ و الـمهمّ، فلا يعقل أن تكون نتيجـة الـكسر و الانكسار إعدام الـجهـة الـمقهورة، بل هي باقيـة على ما كانت و إن كان مقتضى حكم الـعقل هو لزوم الأخذ با لـجهـة الـقاهرة; لأنّها أهمّ.
ا لـرابع: امتناع كون شيء واحد شخصي مقرّباً و مبعّداً معاً، و ذا مصلحـة و مفسدة كذلك، فلامحيص إلاّ من ثبوت إحدى الـجهتين.
و الـجواب يظهر ممّا ذكرنا، فإنّ الـمقرّبيـة و إن كانت من لوازم الـوجود الـخارجي، إلاّ أنّ اتّصاف الـوجود الـخارجي بها إنّما هو لأجل كونه مصداقاً لعنوان كذلك، فلا ينافي ثبوت عنوان الـمبعّديـة لذلك الـوجود باعتبار كونه مصداقاً لعنوان آخر، و ليست الـمقرّبيـة و الـمبعّديـة كالأعراض الـخارجيـة الـمتضادّة حتّى لايكفي اختلاف الـعنوان في الـجمع بينهما.
و من هنا يورد على بعض الأعاظم (قدس سره) حيث جمع بين الـقول بجواز اجتماع الأمر و الـنهي، و بين الـقول ببطلان الـمجمع إذا كان عبادة كا لـصلاة في الـدار الـمغصوبـة; نظراً إلى امتناع كون شيء واحد مقرّباً و مبعّداً، فإنّه مع الالتزام باختلاف الـمتعلّقين، و جواز اجتماع الـحكمين، لاوجه للإشكال في صحّـة الـعبادة بعد ثبوت وصف الـمقرّبيـة لها بما هي صلاة و إن كانت مبعّدة بما هي غصب، فتدبّر.
هذا كلّه فيما إذا كان الـمحرّم من الـعناوين الـمتّحدة مع الـطهارة الـمائيـة. و أمّا