(الصفحة 309)
ا لـعزم على الـوضوء متقرّباً به إلى اللّه، و ما هو قبيح هو الـعزم على الـمعصيـة و الـتصرّف في الآنيـة الـمغصوبـة.
مع أنّ ما ذكره أخيراً: من كون الـعزم على ذي الـمقدّمـة عزم على إيجاد مقدّمته، ممّا لايمكن الـمساعدة عليه، فإنّ الـعزم و الإرادة من الأوصاف ذات الإضافـة، و يكون تشخّصها بمتعلّقها، و مع تعدّد الـمتعلّق لاتعقل وحدة الـصفـة، مضافاً إلى أنّ الإرادة تتوقّف على مبادئ مخصوصـة، و الـمبادئ فيهما مختلفـة، و مع اختلاف الإرادتين لايبقى مجال للقول بقبح الـعزم على إتمام الـوضوء.
و بما ذكرنا ظهر: فساد ما ربّما يقال من أنّه لايعقل الأمر با لـوضوء مع الـمقدّمـة الـمحرّمـة الـمنحصرة، للزوم الأمر بما يلازم الـحرام و هو قبيح، بل محال مع بقاء الـنهي على فعليته، كما هو الـمفروض، لما عرفت من تعلّق الأمر و الـنهي با لـعناوين، و لايسري حكم عنوان إلى آخر و إن اتّحد الـعنوانان في الـخارج، و الـحاكم في مقام الامتثال من جهـة كيفيته، و ترجيح الـراجح على الـمرجوح إنّما هو الـعقل، ولو فرض ورود حكم من الـشارع بلحاظ هذا الـمقام، فلابدّ أن يكون إرشاداً إلى حكم الـعقل، نعم إذا كان بين الـعنوانين تلازم، فلا مجال لجعل الـحكمين الـمتضادّين عليهما، ولكنّه خارج عن محلّ الـبحث.
و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّه لا حاجـة في إثبات الأمر با لـوضوء مع مزاحمته بالأهمّ إلى الـتشبّث بذيل مسأ لـة الـترتّب الـمعروفـة، بناء على صحّته في نفسه; لثبوت الإطلاق لدليل الـمتزاحمين الـشامل لحال الـتزاحم من غير تقييد، و إنّما يحكم الـعقل بلزوم الأخذ بالأهمّ و ترك الـمهمّ مع كونه مأموراً به، و يكون الـمكلّف معذوراً في ترك الـمهمّ، إذا اشتغل بالأهمّ، و مع الـعكس أتى با لـمأمور به و يثاب عليه، ولكنّه لايكون معذوراً
(الصفحة 310)
في ترك الأهمّ، كما أنّه إذا تركهما يستحقّ الـعقوبـة على كليهما.
هذا كلّه بناء على احتياج صحّـة الـعبادة إلى الأمر، ولكنّ الـحقّ خلافه، بل لايبعد الـقول با لـصحّـة مع الالتزام بكون الأمر با لـشيء يقتضي الـنهي عن ضدّه; لعدم اقتضاء الـنهي الـغيري للفساد، كما هو ظاهر، و على أيّ تقدير لاإشكال في صحّـة الـوضوء في الـفرض الـذي هو مورد الـبحث با لـنظر إلى الـقاعدة الـعقليـة.
و أمّا من الـجهـة الـثانيـة: فيقع الـكلام تارة في الـبطلان في الـموارد الـتي سقط الـتكليف الأوّلي بدليل الـعسر و الـحرج، و اُخرى فيه في الـموارد الـتي دلّت على الـسقوط فيها الـروايات الـخاصّـة، فهنا مقامان:
الأوّل: في الـبطلان في موارد جريان دليل الـعسر و الـحرج، و قد حقّق الـكلام في هذا الـمقام الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» بما لامزيد عليه، و ملخّصه مع تقريب و تقديم و تأخير منّا: «أنّ الأقرب هو الـبطلان، للتعليل الـمستفاد من الآيـة الـكريمـة الـواردة في الـصوم، قال اللّه تعا لـى:
(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَ بَيِّنات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).(1)
فإنّه يجري فيه احتمالات:
أحدها: أن يكون متعلّق الـتكليف هو نفس عنوان صوم الـمريض و الـمسافر، فهو بهذا الـعنوان موضوع للحرمـة، و إرادة الـيسر أو عدم إرادة الـعسر يكون واسطـة في ثبوت الـحكم لموضوعه.
ثانيها: أن يكون الـمتعلّق للحكم هو عنوان إبقاء الـيسر و عدم هدمه، فا لـحكم
(الصفحة 311)
ا لـمتحقّق في الـمقام هو الـحكم الـوجوبي الـثابت على هذا الـعنوان، و لايكون شيء آخر متعلّقاً للحكم، و لايكون هنا حكم آخر أصلاً.
ثا لـثها: أن يكون الـحكم هو الـحرمـة، و متعلّقها عنوان إيقاع الـعسر على الـنفس، من دون أن يكون متعلّقاً بشيء آخر، أو يكون هنا حكم آخر.
و الـثمرة تظهر في بطلان الـعبادة و عدمه، فعلى الأخيرين لا يلزم الـبطلان; لعدم كون الاتّحاد مع الـعنوان الـمحرّم أو الـمضادّة للواجب الأهمّ موجباً للبطلان بوجه، و على الأوّل تبطل; لتعلّق الـحرمـة بنفس عنوان الـعبادة.
و أقرب الاحتمالات هو الأوّل لأحد الأمرين:
الأمر الأوّل: مفهوم قوله تعا لـى:
(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الـشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، بناء على ثبوت الـمفهوم أوّلاً، و كون الـمفهوم في مثله ممّا كان الـجزاء هي الـهيأة الـدالّـة على الـبعث هي الـهيأة الـدالّـة على الزجر ثانياً، و كلا الأمرين و إن كانت فيهما مناقشـة مذكورة في محلّه، إلاّ أ نّه لايبعد دعوى مساعدة الـعرف عليهما في مثل الآيـة ممّا كان الـجزاء من قبيل الـهيأة دون الـمعنى الاسمي، فا لـمفهوم في الـمقام: و من لم يشهد منكم الـشهر فلا يصمه.
و تؤيّده، بل تدلّ عليه في الـمورد روايـة عبيد بن زرارة ـ الـتي لايبعد أن تكون حسنـة على روايـة الـصدوق ـ قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام): قوله عزّوجلّ:
(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الـشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
قال:
«ما أبينها، من شهد فليصمه، و من سافر فلا يصمه».(1)
و روايـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، الـتي رواها في «مجمع الـبيان»، أ نّه قال لمّا
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب من يصحّ منه الـصوم، الـباب 1، الـحديث 8.
(الصفحة 312)
سئل عن هذه الآيـة:
«ما أبينها لمن عقلها قال: من شهد شهر رمضان فليصمه، و من سافر فيه فليفطر»، و مع الأمر بالإفطار في هذه الـروايـة كالأمر با لـصيام، لايبقى مجال لتوهّم أنّ الـنهي عن الـصوم ـ كما في الـروايـة الـسابقـة ـ لعلّه وارد مورد توهّم الـوجوب، فلا دلالـة له على أزيد من نفي الـوجوب، فتدبّر.
الأمر الـثاني: إطلاق قوله تعا لـى:
(وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ)، حيث يدلّ على أنّ نفس الـمرض و الـسفر توجب عدّة من أيّام اُخر، من غير دخا لـة شيء آخر من إفطار أو غيره فيه، و لاشبهـة في أنّ هذه الـعدّة بدل و قضاء لشهر رمضان; لأنّ الـمستفاد من الـكريمـة أنّ الـواجب الأصلي هو صوم الـشهر، فإذا وجب الـقضاء بمجرّد طروّ أحد الـعنوانين مطلقاً، فلابدّ و أن يكون صومهما في الـشهر باطلاً، و إلاّ يلزم أن يكون وجوب الـقضاء مقيّداً بعدم الـصوم فيه، و هو خلاف إطلاق الآيـة، فتدبّر.
و يدلّ على ثبوت الإطلاق ـ مضافاً إلى ظهور الآيـة في نفسها ـ روايـة الـزهري، عن علي بن الـحسين (عليهما السلام) في حديث قال:
«و أمّا صوم الـسفر و الـمرض، فإنّ الـعامّـة قد اختلفت في ذلك، فقال قوم: يصوم، و قال آخرون: لايصوم، و قال قوم: إن شاء صام و إن شاء أفطر، و أمّا نحن فنقول: يفطر في الـحا لـين جميعاً، فإن صام في حال الـسفر أو في حال الـمرض فعليه الـقضاء، فإنّ اللّه عزّوجلّ يقول: (وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ) فهذا تفسير الـصيام».(1)
فإنّ الاستشهاد بالآيـة، سيّما في مقابل الـعامّـة، يدلّ على دلالتها على الـبطلان في نفسها من دون إعمال تعبّد.
و يدلّ على بطلان الـصوم في الـسفر روايات كثيرة بتعابير مختلفـة، كتسميـة
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب من يصحّ منه الـصوم، الـباب 1، الـحديث 2.
(الصفحة 313)
ا لـصائم فيه عاصياً، أو أنّه لايصلّي على من مات صائماً في الـسفر، أو أنّ الـصوم فيه ليس من الـبرّ، أو أنّ الـصائم في شهر رمضان في الـسفر كا لـمفطر فيه في الـحضر، و مثل ذلك من الـتعبيرات الـظاهرة في كونه بنفسه محرّماً و باطلاً.
هذا بالإضافـة إلى الـصوم و أمّا الـتطبيق على الـمقام فمن وجهين:
ا لـوجه الأوّل: اشتراك الآيتين في الـتعبيرات و بيان الـحكم، فإنّ قوله تعا لـى في آيـة الـتيمّم:
(وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَر) إلى قوله:
(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)، إنّما هو كقوله تعا لـى في آيـة الـصوم:
(وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ)فكما أنّ مقتضى إطلاقه وجوب الـقضاء ولو مع الـصوم في الـشهر، فكذلك مقتضى إطلاقه وجوب الـتيمّم ولو مع الـوضوء، و هذا لايجتمع مع صحّـة الـوضوء، كما لايخفى.
مع أنّ تمسّك الأئمّـة (عليهم السلام) بآيـة الـصوم للحرمـة تارة بمفهوم قوله تعا لـى:
(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الـشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) كما في روايـة الـزهري، و اُخرى بقوله تعا لـى:
(فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام اُخَرَ)كما في روايتي زرارة و ابنه، مع كونها في مقام الامتنان، و سياقها كسياق آيـة الـتيمّم دليل على بطلان ما ذكره الـمتأخّرون من أنّ الـرفع في مقام الامتنان لا دلالـة له على الـعزيمـة و الـبطلان على فرض الـتخلّف، ضرورة أنّه معه لا موقع للتمسّك، فيدلّ ذلك على أنّ جعل الـتيمّم بدل الـوضوء أيضاً يكون كذلك.
ا لـوجه الـثاني: أنّ الـقضايا الـمشتملـة على الـتعليل الـمعمّم لاظهور لها في أنّ موضوع الـحكم حقيقـة إنّما هو حيثيـة الـعلّـة، بحيث لايكون مااُخذ في ظاهر الـقضيّـة موضوعاً عنواناً للموضوع أصلاً، بل الـظاهر بحسب نظر الـعرف كون الـموضوع هو نفس ذلك الـعنوان، غايـة الأمر أنّ حيثيـة الـعلّـة واسطـة في ثبوت