(الصفحة 31)
لاوجه للحمل على خصوص الـثوب الـمختصّ، و الإضافـة لاتقتضي ذلك بعد توقّفها على أدنى الـملابسـة. ولكن دلالـة الـروايـة على عدم وجوب الـغسل في هذه الـصورة، لا إشكال فيها على كلّ تقدير.
نعم، تعارضها روايتان اُخريان:
إحداهما: موثّقـة سَماعـة قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل ينام و لم ير في نومه أنّه احتلم، فوجد في ثوبه و على فخذه (جسده خ ل) الـماء، هل عليه غسل؟
قال:
«نعم».(1)
و الاُخرى: موثّقته الاُخرى، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـرجل يرى في ثوبه الـمنيّ بعد ما يصبح، و لم يكن رأى في منامه أنّه قد احتلم.
قال:
«فليغتسل، و ليغسل ثوبه، و يعيد صلاته».(2)
وقد أفتى على طبقهما جماعـة، فحكموا بوجوب الـغسل في الـصورة الـمفروضـة، و قد عرفت أنّه جمع الـشيخ بينهما و بين روايـة أبي بصير; بحملهما على الـثوب الـمختصّ، و حملها على الـثوب الـمشترك.
هذا، ولكنّ الـظاهر أنّ مورد الـموثّقتين ـ اللتين لايبعد كونهما روايـة واحدة; و أنّ الاختلاف إنّما يكون ناشياً عن الـرواة ـ صورة الـعلم بخروج الـمنيّ منه، خصوصاً مع رؤيته على فخذه، ومع الـتعبير عنه با لـماء الظاهر في كونه رطباً ومنشأ شكّه في وجوب الـغسل، هو تخيّله كون رؤيـة الاحتلام دخيلـة في وجوب الاغتسال، لفتوى بعض العامّة باشتراط تذكّر احتلامه في النوم، أو لفتوى أبي حنيفة باشتراط خروجه من شهوة،
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 10، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 10، الـحديث 2.
(الصفحة 32)
وتحقّق الـشرط مشكوك; لأنّه لم ير في نومه الاحتلام، أومقطوع الـعدم. وعليه فموردهما يختلف مع مورد روايـة أبي بصير، الـواردة في مورد الـشكّ في كون الـمنيّ منه.
إن قلت: إنّ الـنسبـة بينها و بينهما عموم من وجه; لاختصاصهما بمن رأى الـمنيّ في ثوبه بعد الانتباه بلا فصل، و عموميتها من هذه الـجهـة، لأنّ موردها مطلق الـشاكّ في الاحتلام، و عدم اختصاصهما بخصوص الـعا لـم; لأنّ ظاهر الـسؤال فيهما أعمّ من صورة الـعلم و الـشمول لصورة الـشكّ مع الـعلم بعدم الاغتسال منه، و أمّا روايـة أبي بصير فتختصّ با لـشاكّ، فا لـنسبـة هي الـعموم من وجه.
قلت: ـ مضافاً إلى أنّك عرفت عدم شمول الـموثّقتين لصورة الـشكّ أصلاً، و أنّ الـظاهر اختصاصهما بصورة الـعلم، و إلى عدم اختصاص الـروايـة بصورة الـشكّ أيضاً، لشمولها لما إذا علم أنّه منه، و شكّ في وجوب الـغسل عليه، لاحتمال كونه من الـجنابـة الـسابقـة الـتي اغتسل منها ـ إنّه على تقدير كون الـنسبـة كذلك، تكون أقوائيـة ظهور الـروايـة في الإطلاق موجبـة لتقدّمها عليهما.
و قد انقدح من ذلك: أنّ الـقول بكون رؤيـة الـمنيّ في الـثوب الـمختصّ ـ مطلقاً أوبعد الانتباه من الـنوم ـ أمارة شرعيـة تعبّديـة، حاكمـة على استصحاب عدم الـجنابـة، في غايـة الـضعف، سواء كان مستنداً إلى الـروايات الـتي قد عرفت وجه الـجمع بينها، أو إلى تعرّض الـعلماء لذكر هذا الـفرع با لـخصوص; نظراً إلى أنّه لولا كونها أمارة تعبّديـة، لكان الـتعرّض له بعد بيان وجوب الـغسل بخروج الـمنيّ مطلقاً مستدركاً، فإنّ منشأ الـتعرّض له هو تعرّض الـروايات له و وقوع الـخلاف فيه، مع أنّ الـمحكي عن كثير منهم تعليل ذلك بما يناسب الـقاعدة الـظاهر في اقتضائها له، فراجع. فكيف يمكن أن يكون حكماً تعبّدياً مخا لـفاً لها؟! كما لايخفى.
(الصفحة 33)
ما إذا علم بكون الـمنيّ منه و أنّه لم يغتسل بعده
ا لـصورة الـثانيـة: ما إذا علم بكون الـمنيّ منه، و أنّه لم يغتسل بعده، و الـحكم فيه وجوب إعادة خصوص الـصلوات الـتي تيقّن وقوعها حال الـجنابـة; لأنّ انكشاف الـخلاف في الـطهارة الـحدثيّـة موجب للإعادة كما قد تقدّم.
و أمّا الـصلوات الـتي يحتمل وقوعها حا لـها فلا تجب الإعادة فيها، لقاعدة الـفراغ، و استصحاب الـطهارة الـسابقـة، الـتي لم يعلم بارتفاعها حين الإتيان با لـصلوات الـتي احتمل سبقها على الـجنابـة.
و ليس الـمقام من صغريات مسأ لـة من عليه فرائض لم يحص عددها، الـتي نسب إلى الـمشهور فيها أنّه يقضيها حتّى يحصل له الـقطع با لـبرائـة، أو الـظنّ بها على الـخلاف، ضرورة أنّ موضوعها صورة الـعلم الإجما لـي بفوت بعض الـصلوات، أو بطلانها، لا ما لـو علم تفصيلاً ببطلان بعضها با لـخصوص، و شكّ في بطلان غيره.
و عن «ا لـمبسوط» في الـمقام وجوب قضاء كلّ صلاة صلاّها بعد آخر غسل واقع، ولكن تعليله بالاحتياط يوجب الـوهن فيه; لعدم كونه من موارد الاحتياط الـلازم.
فيما إذا لـم يعلـم بكونـه ممّا اغتسل منـه
ا لـصورة الـثا لـثـة: ما إذا علم بكون الـمنيّ منه، ولكن لم يعلم أنّه من جنابـة سابقـة اغتسل منها، أو جنابـة اُخرى لم يغتسل منها، و قد استظهر في الـمتن عدم وجوب الـغسل عليه، و إن كان هو أحوط.
و الـوجه فيه هو استصحاب الـطهارة، و عدم الـجنابـة، و لايجري فيه ما ذكروه
(الصفحة 34)
في مسأ لـة من تيقّن الـطهارة و الـحدث و شكّ في الـمتقدّم منهما، لما أفاده في «ا لـجواهر» من الـفرق الـواضح بين ما نحن فيه و بين تلك الـمسأ لـة; لأنّه في الـمقام لايعلم حدوث جنابـة غير الاُولى، فكان الأصل عدمها، كما هو الـحال في كلّ ما شكّ في تعدّده و اتّحاده، بخلاف تلك الـمسأ لـة، فإنّ من الـمعلوم وقوع الـحدث و الـطهارة معاً، لكنّه جهل صفـة الـسبق و اللحوق، و هنا لم يعلم أصل الـوجود، فضلاً عن الـسبق و اللحوق.
ولكن ربّما يقال ـ كما في «ا لـمصباح» ـ : بأنّ استصحاب الـطهارة معارض باستصحاب الـحدث الـمتيقّن عند خروج الـمنيّ الـموجود في الـثوب، و لايقدح عدم الـعلم بكونه مؤثّراً في إثبات الـتكليف; نظراً إلى احتمال حدوثه قبل الـغسل، لأنّ الـمناط في الاستصحاب إحراز وجوده في هذا الـحين، سواء حدث الـتكليف به، أو بسبب سابق.
و لاشبهـة في ثبوت الـجنابـة حال خروج هذا الـمنيّ، و وقوع الـغسل عقيب الـجنابـة الـمعلوم ثبوتها في هذا الـحين غير معلوم، و بعد تعارض الاستصحابين لابدّ من الـرجوع إلى قاعدة الاشتغال، الـقاضيـة بوجوب تحصيل الـقطع با لـطهارة، الـتي هي شرط في الـصلاة، فلا محيص عن الـغسل.
و أنت خبير بأنّه لايكون حكم الـمقام أشدّ ممّا إذا علم بوجود جنابـة جديدة، و احتمل كونها قبل الـغسل أو بعده، و قد مرّ في مبحث توارد الـحا لـين أنّ الـحكم في هذه الـصورة ـ الـتي يعلم تأريخ الـغسل، و يجهل تأريخ الـجنابـة، و كانت الـحا لـة الـسابقـة على الـحا لـتين هي الـجنابـة ـ هو الـرجوع إلى استصحاب الـطهارة، و أنّه لايعارضه استصحاب الـجنابـة، بعد كون أمرها دائراً بين وقوعها قبل الاغتسال فلا يؤثّر،
(الصفحة 35)
و بعده فيؤثّر. فا لـعلم الإجما لـي إنّما تعلّق با لـسبب الأعمّ من الـفعلي و الاقتضائي، فلا يترتّب عليه الأثر أصلاً.
إلاّ أن يقال في مقام الإشكال على كلا الـموردين: بأنّه ليس الـكلام في الـرجوع إلى الـعلم الإجما لـي حتّى يقال بأنّه إنّما تعلّق با لـسبب الأعمّ من الـفعلي و الاقتضائي، بل الـكلام إنّما في الـرجوع إلى الاستصحاب، و لايعتبر في جريانه أن يكون الـمستصحب مترتّباً عليه الأثر الـشرعي في حال وجوده، بل يكفي ترتّب الأثر عليه، بالإضافـة إلى زمان الاستصحاب، و هو زمان الـشكّ، و من الـمعلوم أنّ بقاء الـحدث في هذا الـزمان يترتّب عليه وجوب الـغسل في الـمقام، و الـتحقيق في محلّه.
هذا، و يمكن استفادة عدم وجوب الـغسل في الـمقام من روايـة أبي بصير الـمتقدّمـة في الـصورة الاُولى، بناء على عدم اختصاص موردها بخصوص مورد الـشكّ، و شمولها لما إذا كانت الـجنابـة معلومـة، غايـة الأمر أنّه يحتمل كونها ممّا اغتسل منه و لايعارضها الـموثّقان بعد اختصاص موردهما بصورة الـعلم و عدم الاغتسال، كما لايخفى.
هذا، ولكن لاينبغي ترك الاحتياط بالاغتسال; لعدم وضوح شمول الـروايـة، و عدم ظهور اختصاص جريان الاستصحاب با لـطهارة.