(الصفحة 324)
(الصفحة 325)
ا لـقول فيما يتيمّم به
مسأ لـة 1: يعتبر فيما يتيمّم به أن يكون صعيداً، و هو مطلق وجه الأرض من غير فرق بين الـتراب، و الـرمل، و الـحجر، و الـمدر، و أرض الـجصّ، و الـنورة قبل الاحتراق، و تراب الـقبر، و الـمستعمل في الـتيمّم، و ذي اللون، و غيرها ممّا يندرج تحت اسمها، و إن لم يعلّق منه شيء با لـيد.
لكن الأحوط الـتراب بخلاف ما لايندرج تحته و إن كان منها، كا لـنبات، و الـذهب، و الـفضّـة، و غيرها من الـمعادن الـخارجـة عن اسمها، و كذا الـرماد و إن كان منها1 .
(1) لا إشكال في اشتراط كون ما يتيمّم به أرضاً، و اتّفقت كلمـة أصحابنا في ذلك، و قد ادّعى الإجماع أو ما يرجع إليه جماعـة من أعاظمهم، و قد نسب إلى أبي حنيفـة جواز الـتيمّم با لـثلج، و إلى ما لـك جوازه با لـنبات، لكن يظهر من بعض الـكتب أنّه لم يجوّز أبوحنيفـة ذلك، و الأمر سهل.
و أمّا أصحابنا فقد اختلفوا ـ بعد الاتّفاق على ما ذكر ـ على أقوال:
فقيل: إنّ الـمراد بالأرض هو الـتراب الـخا لـص، و قد حكي ذلك عن الإسكافي و الـسيّد في «شرح الـرسا لـة» و «ا لـناصريات»، و الـمفيد في «ا لـمقنعـة»، و أبي ا لـصلاح، بل عن ظاهر «ا لـناصريات» الإجماع عليه، و قد تنظّر بعض الأعلام في الـحكايـة عنهم.
و قيل: إنّه كلّ ما يقع عليه اسم الأرض، و هو الـمشهور تحصيلاً، كما في «ا لـجواهر».
و اختار غير واحد من الـمتأخّرين ـ تبعاً للمحكيّ عن جماعـة من الـقدماء ـ
(الصفحة 326)
ا لـتفصيل بين حا لـتي الاختيار و الـضرورة، فمنع ممّا عدا الـتراب في الاُولى، و جوّزه في الـثانيـة، و ربّما نسب هذا الـتفصيل إلى أكثر الـفقهاء، بل في «حاشيـة الـمحقّق الـبهبهاني» (قدس سره)على «ا لـمدارك» نسبته إلى معظمهم، إلاّ من شذّ منهم، ولكنّه قد نوقش في هذه الـنسبـة، لعدم تماميـة منشأها، و حيث إنّ الـشهرة و الإجماع على فرض ثبوتهما ممّا لا اعتباربها في هذه الـمسأ لـة الاجتهاديـة الـمبتنيـة على الـكتاب و الـسنّـة، فا لـبحث في الـثبوت و الـعدم لايترتّب عليه فائدة، و الـمهمّ ملاحظـة حال الـكتاب و الـسنّـة.
فنقول: أمّا الـكتاب فقد عرفت أنّه نزلت في الـتيمّم آيتان كريمتان:
إحداهما: في سورة الـنساء، و هي تشتمل على قوله تعا لـى:
(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ).
و ثانيتهما: في سورة الـمائدة بعينها مع زيادة لفظـة
(منه) بعد
(أيديكم)، فالآيتان مشتركتان في لزوم الـتيمّم با لـصعيد، فا لـلازم ملاحظـة معنى الـصعيد.
في معنى الـصعيد
و نقول: قد اختلفت كلمـة اللغويين و أهل الـعربيـة في الـمراد من الـصعيد، فعن «ا لـعين» و «ا لـمحيط» و «الأساس» و «مفردات الـراغب» و جمع آخر، بل الـمشهور بين أهل اللغـة أنّه وجه الأرض، و عن «ا لـمنتهى» و «ا لـنهايـة» نسبته إليهم، و عن الـطبرسي في «مجمع الـبيان» أنّه نقل من الـزجاج أنّه قال: لا أعلم خلافاً بين أهل اللغـة في أنّ الـصعيد مطلق وجه الأرض.
و قال الـمحقّق في «ا لـمعتبر»: «ا لـصعيد هو وجه الأرض با لـنقل عن فضلاء
(الصفحة 327)
ا للغـة، ذكر ذلك الـخليل، و ثعلب، عن ابن الأعرابي، و يدلّ عليه قوله تعا لـى:
(فَتُصْبِحُ صَعِيداً زَلَقاً)أي أرضاً ملسـة مزلقـة، و مثله قوله (عليه السلام):
«يحشر الـناس يوم الـقيامـة عراة حفاة على صعيد واحد» أي أرض واحدة».
و عن «ا لـوسيلـة»: قد فسرّ كثير من علماء اللغـة الـصعيد بوجه الأرض.
و عن «ا لـبحار»: أنّ الـصعيد يتناول الـحجر، كما صرّح به أئمّـة اللغـة و الـتفسير.
و عن جمع من أهل اللغـة: أنّه الـتراب، أو بضميمـة وصف الـخلوص، كـ «ا لـصحاح»، و الأصمعي، و أبي عبيدة، و عن ظاهر جمع آخر، بل عن الـسيّد في «ناصرياته» أنّ الـصعيد هو الـتراب با لـنقل من أهل اللغـة، حكاه ابنوريد، عن أبي عبيدة.
و يظهر من بعضهم الاشتراك اللفظي بين الـتراب الـخا لـص و مطلق وجه الأرض، بل و بينهما و بين الـطريق لانبات فيها.
قال في «مجمع الـبحرين»: «و الـصعيد الـتراب الـخا لـص الـذي لايخا لـطه سبخ و لارمل، نقلاً عن «ا لـجمهرة»، و الـصعيد أيضاً وجه الأرض تراباً كان أو غيره و هو قول الـزجاج» إلى أن قال: «و الـصعيد أيضاً الـطريق لانبات فيها».
ولكن الاشتراك اللفظي في غايـة الـبعد، خصوصاً مع ملاحظـة الـنكتـة في ثبوت الاشتراك اللفظي الـتي مرجعها إلى ضمّ الـطوائف بعضها ببعض و اختلاط اللغات، كما لايخفى، فيبقى الاحتمالان الاُوليان.
و الـظاهر أنّه لامجال في مقام الـترجيح للاتّكال على قول أهل اللغـة، بعد ما عرفت من الاختلاف الـفاحش بينهم، فلابدّ له من الاستفادة من طريق آخر مثل موارد استعما لـه.
(الصفحة 328)
و نقول: قد استعمل في الـكتاب الـعزيز في موضعين اُخريين أيضاً:
إحداهما: ما نقله «ا لـمعتبر» في عبارته الـمتقدّمـة من قوله تعا لـى:
(فَتُصْبِحُ صَعِيداً زَلَقاً).(1)
و ثانيتهما: قوله تعا لـى:
(وَ إِنّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً).(2)
و الـظاهر أنّ الـمراد من الأوّل هو نفس الأرض، كما في الـنبوي الـمحكيّ في «ا لـمعتبر» أيضاً، و من الـثاني هو الـتراب الـموصوف بكونه جرزاً، أي مستوياً بالأرض، أو خا لـياً من الـنبات.
لكن ربّما يقال: إنّ الاستعمال لا دلالـة له على الـحقيقـة، لكونه أعمّ منها، و أصا لـة الـحقيقـة إنّما تكون مرجعاً في مقام تشخيص الـمراد، لا في كيفيـة الاستعمال.
و الـذي يناسب مع مادّة (ص ع د) الـتي هي بمعنى الارتفاع و الـعلوّ هو الـمعنى الـعامّ; لأنّ جميع ما على الأرض يصدق عليه أنّه في الـسطح الـعا لـي منها، الـذي يعبّر عنه بوجه الأرض، أو ظهرها، و لا اختصاص لذلك با لـتراب.
و يؤيّد الـتعميم ما اُفيد من أنّ الـمتبادر من قوله تعا لـى:
(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)إرادة الـقصد إلى صعيد طيّب با لـمضيّ إلى نحوه، لامجرّد الـعزم على استعما لـه بأن يكون الـمراد من قصده قصد استعما لـه، و هذا الـمعنى لايناسب إرادة الـتراب الـذي هو في حدّ ذاته من الـمنقولات كا لـماء، بخلاف ما لو اُريد به أرضاً نظيفاً بإرادة معناه الـوصفي.
لكن قد يقال: إنّه لامحيص من حمل الـكريمـة الـواردة في سورة الـمائدة على
- (1)
ا لـكهف / 40.
- (2)
ا لـكهف / 8.