(الصفحة 335)
تكون كلمـة «من» ابتدائيـة، و لا وجه للتبعيض، غايـة الأمر اختصاصها بخصوص الأيدي، كما لايخفى.
ثمّ إنّ الـصحيحـة مع إرجاعها الـضمير إلى الـتيمّم أفاد كون الآلـة في الـمسح هي الـكفّ، و هو يدلّ على أنّ دلالـة الآيـة على لزوم آليّـة الـكفّ لاتتوقّف على ثبوت كلمـة «منه»، بل الآيـة الـخا لـيـة عن هذه الـكلمـة أيضاً تدلّ على ذلك، فمن ذلك يستكشف صحّـة ما ذكرنا من عدم الـفرق في هذه الـجهـة بين الآيتين، و أنّ لزوم وساطـة الـكفّ لايتوقّف على ثبوت هذه الـكلمـة، كما أصرّ عليه الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» فتدبّر.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: عدم دلالـة الـكتاب على اعتبار خصوص الـتراب لو لم نقل بدلالته على الـعدم، بلحاظ مادّة كلمـة «ا لـصعيد» على ما عرفت.
و أمّا الـسنّـة: ففيها طوائف من الـروايات الـمشتملـة على الـصحيحـة و الـموثّقة، تدلّ على أنّ الـمراد با لصعيد ما عليه الـمشهور من كونه مطلق وجه الأرض:
الاُولى: الـنبوي الـمعروف:
«جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً»(1)
و هي روايـة مشهورة مستفيضـة، بل متواترة، و قد نسبها الـصدوق إلى الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على سبيل الـجزم، و قد رواها الـكليني، و «محاسن» الـبرقي، و الـصدوق في «ا لـفقيه»، و في «ا لـخصال» بسندين، و جماعـة كثيرة اُخرى.
نعم، عن «ا لـعلل» روايتها بذكر «و ترابها طهوراً» مسندة إلى جابر بن عبدا للّه، عن الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسند جلّ رواتها من الـعامّـة، فلاينبغي الـتعويل عليها.
و عن الـمرتضى أنّه استدلّ لكون الـمراد با لـصعيد هو الـتراب بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمم، الـباب 7، الـحديث 2.
(الصفحة 336)
«جعلت لي الأرض مسجداً و ترابها طهوراً» قائلاً: بأنّه لو جاز الـتيمّم بمطلق الأرض لكان لفظ «ترابها» لغواً.
و قال الـمحقّق في «ا لـمعتبر» في مقام الـجواب عن الـمرتضى: إنّ الـتمسّك به تمسّك بدلالـة الـخطاب، و هي متروكـة في معرض الـنصّ إجماعاً.
و يظهر منه وجود هذه الـروايـة و اعتبارها، نعم في محكيّ «مجا لـس» ابن ا لـشيخ في حديث:
«جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً أينما كنت، أتيمّم من تربتها و اُصلّي عليها». ولكنّه لايخا لـف الـروايات الـمتقدّمـة; لأنّ عمله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمكن أن يكون لأجل أفضليـة الـتراب، لالتعيّنه، فلاينافي صدرها، و لايصلح لتقييد إطلاقه، فضلاً عن سائر الـمطلقات.
و الـظاهر أنّه بعد عدم إمكان الـمناقشـة في الـروايـة با لـنقل الـمعروف، و كون صدورها بغير ذلك الـنقل أيضاً، بأن صدر من الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّتين: مرّة مع وجود لفظ «ترابها»، و اُخرى بدون هذا اللفظ، بعيداً جدّاً، لظهور كون الـصادر منه نحواً واحداً، ينقدح في الـذهن وقوع اشتباه في الـنقل الـثاني، خصوصاً مع كون رواة الـسند جلّهم من الـعامّـة، و لم ينقله الـمرتضى (قدس سره) إلاّ مرسلاً، و إن كانت كيفيـة إرسا لـه بنحو يمكن دعوى اعتبار الـمرسلـة معها، لكنّه لايقاوم مع الـنقل الـمستفيض، بل الـمتواتر با لـنحو الـمعروف.
و كيف كان: فلا يبقى اعتماد على هذا الـنقل، و لايكون واجداً لشرائط الـحجيّـة حتّى يعامل معه، و مع الـنقل الآخر معاملـة الـخبرين الـمعتبرين، فيجمع بينهما، أو يرجع إلى قواعد الـتعارض، فا لـلازم الأخذ با لـروايـة بهذه الـكيفيـة الـظاهرة في أنّ الـطهور إنّما هو نفس الأرض، لاخصوص ترابها.
(الصفحة 337)
نعم، ربّما يناقش في دلالتها، لاحتمال كون الـمراد هي الـطهوريـة من الـخبث الـثابتـة للأرض في الـجملـة، ولكنّها مندفعـة بأ نّه إن كان الـمراد هو الاختصاص بها، فهو مقطوع الـبطلان بعد معروفيـة الـتيمّم، و كونه أحد الـطهورين، و إن كان الـمراد هو الـشمول لها أيضاً، فلايمنع من الـدلالـة على ما عليه الـمشهور.
ا لـثانيـة: ما وردت في قضيـة عمّار، ففي موثّقـة زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال:
«أتى عمّار بن ياسر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه، إنّي أجنبت الليلـة، فلم يكن معي ماء.
قال: كيف صنعت؟
قال: طرحت ثيابي و قمت على الـصعيد فتمعّكت فيه.
فقال: هكذا يصنع الـحمار، إنّما قال اللّه عزّوجلّ: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى، ثمّ مسح بجبينه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على الاُخرى، فمسح الـيسرى على الـيمنى، و الـيمنى على الـيسرى».(1)
و في صحيحـة زرارة قال: قال أبوجعفر (عليه السلام):
«قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم لعمّار في سفر له: ياعمّار، بلغنا أنّك أجنبت فكيف صنعت؟
قال: تمرّغت يا رسول اللّه في الـتراب».
قال: «فقال له: كذلك يتمرّغ الـحمار، أفلا صنعت كذا، ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض. فوضعهما على الـصعيد، ثمّ مسح جبينه (جبينيه) بأصابعه و كفّيه إحداهما بالاُخرى، ثمّ لم يعد ذلك».(2)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 9.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 8.
(الصفحة 338)
و قد تتوهّم دلالـة الـصحيحـة أو إشعارها بمخا لـفـة الـصعيد للأرض، حيث قال الإمام (عليه السلام) فيها في مقام الـحكايـة:
«ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الـصعيد» ولو كان الـصعيد بمعنى مطلق وجه الأرض، لكان الـمناسب أن يقول: فوضعهما عليها.
ولكن الـتوهّم مندفع: بأنّه من الـمحتمل أن يكون ذلك لأجل إفادة تفسير الآيـة، و بيان أنّ الـمراد با لـصعيد الـواقع فيها هو الأرض.
ثمّ إنّه يمكن أن يقال: بأنّ هذه الـطائفـة ـ مضافاً إلى دلالتها بنفسها على الـمذهب الـمشهور ـ يمكن الاستشهاد بها على كون الـصعيد في الآيـة هو الأرض، لا الـتراب خاصّـة، ضرورة أنّ قصّـة عمّار لم تكن إلاّ قضيـة واحدة، و قد نقلها الأئمّـة (عليهم السلام)بتعبيرات مختلفـة، مع وضوح كون الـغرض من الـنقل بيان الـحكم و إفادة كيفيـة الـتيمّم، ففي أكثرها وقع الـتعبير بالأرض، و في روايـة:
«وضع يده على الـمسح»، و في ثا لـثـة ما عرفت في صحيحـة زرارة من الـجمع بين الأرض و الـصعيد.
فيظهر من جميع ذلك: أنّ الأرض و الـصعيد واحد، و أنّ الـمراد با لـثاني هو الأوّل; إذ لامجال لتوهّم كون دائرة الـتيمّم أوسع من الـصعيد، خصوصاً مع وقوع الاستشهاد بالآيـة في بعضها.
ثمّ الـظاهر أنّ اعتراض الـرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على عمّار، و الاستشهاد بالآيـة إنّما هو لأجل دلالـة الآيـة على وجوب الـمسح با لـوجوه و الأيدي بدلاً عن الـوضوء و الـغسل معاً، لاشتمال صدر الآيـة على بيان الأمرين، و دلالـة ذيلها على الانتقال إلى الـتيمّم با لـكيفيـة الـمذكورة فيها في كلا الـموردين، فلم يكن وجه لعمل الـعمّار و ما صنعه.
(الصفحة 339)
نعم، الـوجه فيه هو تخيّل أنّ الـتيمّم با لـنحو الـمذكور في الآيـة، حيث لايتجاوز عن الـوجوه و الأيدي اللتين قد أمر بغسلهما في الـوضوء، يكون منحصراً بما هو بدل عن الـوضوء، و أمّا الـبدل عن الـغسل فيكون با لـنحو الـذي صنع، فمنشأ الاعتراض ما ذكر، لا أنّ الآيـة تدلّ على أنّ الـمسح من الـصعيد، لامسح الـجسد على الأرض، ضرورة أنّه لو كان يمسح الـصعيد على جميع أجزاء بدنه لكان الاعتراض عليه باقياً بحا لـه أيضاً، كما هو ظاهر.
ا لـثا لـثـة: عدّة روايات اُخر، كصحيحـة الـحلبي قال: سمعت أباعبدا للّه (عليه السلام)يقول:
«إذا لم يجد الـرجل طهوراً و كان جنباً فليتمسّح من الأرض، و ليصلّ، و إذا وجد ماءً فليغتسل، و قد أجزأته صلاته الـتي صلّى».(1)
و قد نوقش فيها باحتمال كونها بصدد بيان أجزاء الـصلاة الـتي صلّى مع الـتيمّم، لا في مقام بيان ما يتيمّم به، كما أنّه يحتمل أن تكون بصدد بيان أنّه مع عدم وجدان الـماء يصحّ الـتيمّم ولو في سعـة الـوقت، و لايجب الـصبر إلى آخره.
ولكنّ الـمناقشـة مندفعـة بظهور كون الـروايـة في مقام بيان حكمين:
الأوّل: الانتقال إلى الـتيمّم مع عدم وجدان الـماء.
ا لـثاني: أجزاء الـصلاة الـتي صلاّها معه.
و قد اقتصر في بيان الـحكم الأوّل على ذكر الأرض، فيظهر منها أنّه هو ما يتيمّم به لا أمر أخصّ منه. و نظيرها صحيحـة ابن سنان.(2)
و صحيحـة ليث الـمرادي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في الـتيمّم قال:
«تضرب بكفّيك
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 4.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 7.