(الصفحة 359)
و يلحق بذلك بعض الأجزاء الـضعيفـة الـتي لاتقبل الاستهلاك حتّى عند الـعرف، كا لـشعرة مثلاً، و كذا مثلها من الاُمور الاُخرى، الـذي لاينفكّ عن الأرض نوعاً كبعض ذرّات الـتبن; لأنّه لايفهم الـعرف من الـصعيد و الأرض إلاّ تلك الأراضي الـمتعارفـة.
و قد فرّق بعض بين صورة الاستهلاك، و بين الـصورة الأخيرة، با لـمنع في الـثاني دون الأوّل، نظراً إلى اشتراط استيعاب ملاصقـة الـكفّ لما يضرب عليه من الـصعيد، لظهور الأدلّـة في ذلك و هو لايحصل فيما إذا امتاز الـخليط و إن قلّ كشعرة و نحوها، لا لعدم صدق اسم الـصعيد على الـمضروب عليه، بل لعدم تحقّق ملاصقـة جميع أجزاء الـكفّ للصعيد بواسطـة حاجبيـة الـخليط الـمتمايز.
و أورد عليه صاحب «ا لـمصباح» (قدس سره): بأنّ الـمعتبر إنّما هو ضرب باطن الـكفّ و ملاصقته لما يسمّى في الـعرف صعيداً، و هو حاصل في الـفرض ما لم يكن الـجزء الـمختلط ملحوظاً لدى الـعرف بحيا لـه، لكون الـمجموع من حيث الـمجموع مصداقاً للصعيد في الـفرض، و لايعتبر فيه كون كلّ جزء جزء يفرض منه ممّا يقع عليه الاسم، و إلاّ لامتنع تحقّقه على سبيل الـتحقيق في الـفرض الأوّل أيضاً، و لايدور الأحكام الـشرعيـة مدار الـتدقيقات الـحكميـة، و لذا لايرتاب أحد في حصول امتثال الأمر بوضع الـيد على الـحنطـة مثلاً عند وضعها على ما يسمّى في الـعرف حنطـة، فهل ترى فرقاً بين ما لو قال: اضرب يدك على الـحنطـة، أو تصدّق با لـحنطـة على الـفقير، فكلّ طبيعـة يحصل بدفعها للفقير برائـة الـذمّـة عن الأمر با لـتصدّق، يتحقّق بوضع الـيد عليها امتثال الأمر با لـضرب بلاشبهـة.
و يمكن الإيراد على كليهما ـ بعد اشتراكهما في تسليم صدق اسم الـصعيد على الـمضروب في الـصورة الأخيرة حقيقـة عند الـعرف ـ بمنع الـصدق الـحقيقي عندهم،
(الصفحة 360)
و كونه مبيّناً على نحو من الـمسامحـة، و هو يكفي، فإنّ تشخيص موضوعات الأحكام مفهوماً و مصداقاً و إن كان بنظر الـعرف إلاّ أنّ الـمعتبر هي الـدقّـة الـعرفيّـة، لا الـمسامحـة عندهم، من غير فرق بين الـتحديدات و غيرها.
و ما أفاده الـمورد من أنّ الأجزاء الـصغار لاتكون ملحوظـة لدى الـعرف بحيا لـها، لكون الـمجموع مصداقاً للصعيد في الـفرض، و لايعتبر أن يكون كلّ جزء جزء يفرض منه ممّا يقع عليه الاسم، مخدوش بأنّ كلّ جزء إذا لم يكن أرضاً فكيف يمكن أن يكون الـمجموع أرضاً إلاّ با لـمسامحـة و الـتأويل؟!
و الـميزان فيما إذا لم يكن هناك قرينـة هو تشخيص الـعرف با لـنظر الـدقيق، و لاريب في أنّ الأرض إذا خا لـطها أجزاء صغار غير أرضيـة تدرك با لـبصر، لايصدق على مجموعها الأرض حقيقـة، بل الإطلاق إنّما هو بنحو من الـمسامحـة، و تنزيل الـموجود الـصغير منزلـة الـمعدوم.
لكن قد يشتمل بعض الـمقامات على وجود قرينـة تدلّ على أنّ الـموضوع للحكم الـشرعي هو الـموضوع الـذي يتسامح فيه الـعرف، كما في الـمقام الـذي ينصرف الأمر با لـتيمّم على الـصعيد و الـتراب إلى ما هو الـمتعارف الـذي لاينفكّ عن الـخليط بما ذكرنا، و إن لم يصدق عليه الـصعيد أو الـتراب من غير تسامح، و لهذا لو كان الـخليط غير متعارف مقداراً أو جنساً، كوقوع ذرّات من الـذهب على الأرض، لايصحّ الـتيمّم به; لعدم تعارف مثل هذا الاختلاط بالأجنبي.
فانقدح ممّا ذكرنا: جواز الـتيمّم با لـتراب و الأرض الـمتعارف ممّا هو مخلوط بصغار الـتبن و الـحشيش و غيرهما ممّا لاينفكّ منها غا لـباً.
(الصفحة 361)
في حكم الـمشتبه
ا لـرابع: في حكم الـمشتبه، و نقول: إن كان مشتبهاً با لـمغصوب أو با لـممتزج فحكمه حكم الـماء با لـنسبـة إلى الـوضوء أو الـغسل، لعدم الـفرق كما هو واضح، و إن كان مشتبهاً با لـنجس و فرض الانحصار، كما إذا لم يكن هناك غير الـترابين اللذين يعلم بنجاسـة أحدهما إجمالاً، فيختلف حكمه مع حكم الـماء، و يجب الـتيمّم بهما هنا; لأنّه ـ مضافاً إلى وجود الـنصّ الـمانع في الـطهارة الـمائيـة، و عدمه هنا، و لامجال للقياس، خصوصاً بعد وجود الـفارق من جهـة ثبوت الـبدل هناك، و عدمه هنا ـ نقول: إنّه يمكن أن يقال: باقتضاء الـقاعدة هناك الـمنع أيضاً لما عرفته في محلّه مفصّلاً، و لامجال لهذا الاحتمال هنا بعد عدم الابتلاء بنجاسـة الـبدن أصلاً، كما لايخفى، فلاريب في لزوم الـتيمّم با لـترابين مع الانحصار، و جوازه بهما مع عدمه، فتدبّر.
ا لـعلم الإجما لـي بنجاسـة الـماء أو الـتراب
ا لـخامس: فيما لو كان عنده ماء و تراب و علم بنجاسـة أحدهما و فرض الانحصار، فمقتضى الـعلم الإجما لـي بوجوب الـطهارة الـمائيـة أو الـترابيـة هو الـجمع بين الأمرين و تحصيل الـطهارتين.
لكن ربّما يقال: إنّ هذا فيما لايختصّ الابتلاء با لـتراب با لـتيمّم به; لأنّه مع الاختصاص تكون أصا لـة الـطهارة في الـماء بلامعارض، لأنّه ترفع الابتلاء با لـتيمّم، فلامجال لجريان أصا لـة الـطهارة في الـتراب كي تعارضها.
وا لـتحقيق قد مرّ في بحث الابتلاء، واعتباره، أو عدمه في تأثير الـعلم الإجما لي، فراجع.
(الصفحة 362)مسأ لـة 5: الـمحبوس في مكان مغصوب يجوز أن يتيمّم فيه بلا إشكال إن كان محلّ الـضرب خارج الـمغصوب، و أمّا الـتيمّم فيه مع دخول محلّ الـضرب أو به فالأقوى جوازه و إن لايخلو من إشكال، و أمّا الـتوضّوء فيه فإن كان بماء مباح فهو كا لـتيمّم فيه لابأس به، خصوصاً إذا تحفّظ من وقوع قطرات الـوضوء على أرض الـمحبس، و أمّا با لـماء الـذي في الـمحبس فإن كان مغصوباً لايجوز الـتوضّوء به ما لم يحرز رضا صاحبه كخارج الـمحبس، و مع عدم إحرازه يكون كفاقد الـماء يتعيّن عليه الـتيمّم1 .
ثمّ إنّ الـلازم هو تقديم الـتيمّم كما صرّح به في الـمتن، لأنّه لو توضّأ أوّلاً يعلم بعدم صحّـة الـتيمّم بعده، إمّا لنجاسـة أعضائه، و إمّا لنجاسـة الـتراب الـملازمـة لصحّـة الـوضوء و عدم مشروعيـة الـتيمّم، و نجاسـة الأعضاء و إن لم تمنع من صحّـة الـتيمّم عند الاضطرار لكنّها توجب نقصه بنحو لايجوز إيقاع الـنفس فيه.
في تيمّم الـمحبوس في مكان مغصوب
(1) لاإشكال في صحّـة تيمّم الـمحبوس في مكان مغصوب إن كان محلّ الـضرب خارج الـمغصوب، و إن كان الـفضاء الـذي يقع فيه الإمرار و يتحقّق فيه الـمسح هو الـفضاء الـمرتبط با لـمغصوب، إلاّ أنّ الإمرار لايعدّ تصرّفاً فيه محرّماً، مع أنّ الـيد لابدّ أن تشغل الـمقدار الـذي يسعها من الـفضاء، سواء كان بنحو الإمرار أو بغيره، و الـمفروض عدم كون محلّ الـضرب الـذي يكون الـضرب عليه تصرّفاً فيه مغصوباً، أو تصرّفاً فيه بغير رضا صاحبه، فلا وجه لبطلان هذا الـتيمّم.
و أمّا الـتيمّم فيه مع دخول الـضرب، فقد قال في «جامع الـمقاصد»: «ولو حبس الـمكلّف في مكان مغصوب، و لم يجد ماء مباحاً، أو لزم من استعما لـه إضرار با لمكان،
(الصفحة 363)
يتيمّم بترابه الـطاهر و إن وجد غيره، لأنّ الإكراه أخرجه عن الـنهي، فصارت الأكوان مباحـة، لامتناع الـتكليف بما لايطاق، إلاّ ما يلزم منه ضرر زائد على أصل الـكون، و من ثمّ جاز له أن يصلّي و ينام و يقوم».
و مرجعه إلى أنّ الإكراه على الـكون في مكان كما يرفع الـحرمـة الـمتعلّقـة بنفس الـكون فيه، كذلك يرفع حرمـة الـتصرّفات الـملازمـة عادة أو شرعاً للكون فيه، كا لـقيام و الـنوم و الـصلاة و الـتيمّم، و يمكن الاستشكال في الـتصرّفات الـشرعيـة بأنّ جوازها متوقّف على ثبوت الإكراه الـمسوّغ بالإضافـة إليها، و ثبوته متفرّع على جوازها في هذه الـحال، فكيف يمكن الاستدلال؟!
و لعلّه لذا اُورد على «جامع الـمقاصد» بأنّ ما أفاده إنّما يتمّ بالإضافـة إلى الـفضاء، و أمّا با لـنسبـة إلى الأرض فلايتمّ; لأنّ الـضرب على الأرض تصرّف فيها زائد على الـتصرّف في الـفضاء، فلايجوّزه الاضطرار إلى شغل الـفضاء با لـجسم، هذا بالإضافـة إلى الـتيمّم فيه. و أمّا الـتيمّم به فجوازه مبنيّ على خروج الـضرب على الأرض عن حقيقـة الـتيمّم و ماهيـة، كما مرّت الإشارة إليه.
و أمّا الـتوضّوء في ذلك الـمكان فإن كان بماء مباح فهو كا لـتيمّم فيه، و قد عرفت عدم كون هذا الـنحو من الـتصرّف في الـفضاء محرّماً، فلا إشكال فيه، خصوصاً إذا تحفّظ من وقوع قطرات الـوضوء على أرض الـمحبس، و مع عدم الـتحفّظ لايتحقّق قدح في الـوضوء; لأنّ غايته حرمـة الـوقوع عليها، و هي لاتستلزم بطلان الـوضوء بعد عدم اتّصاف نفس الـكون فيها محرّماً بلحاظ الإكراه على الـحبس فيها، كما لايخفى.
نعم، مع عدم إباحـة الـماء لأجل عدم إحراز رضا صاحبه يصير كفاقد الـماء، و يتعيّن عليه الـتيمّم، كما هو ظاهر.
|