(الصفحة 367)
على فرض تسليمه، لايوجب تقييد الإطلاق و رفع الـيد عن الـتعليل بعد عدم فرض فقدان الـماء، هذا بالإضافـة إلى الـصحيحـة.
و أمّا الـموثّقـة، فهي و إن كانت ظاهرة بدواً في الـترتيب بلحاظ كون الـتقدير واقعاً في كلام الإمام (عليه السلام)، إلاّ أنّه يحتمل أن يكون الـمقصود الـتنبيه على فرد مغفول عنه، و الإرشاد إلى صحّـة الـتيمّم با لـغبار لئلاّ يتوهّم أنّه مع إصابـة الـثلج يكون فاقداً للمتيمّم به أيضاً، كفقدانه للماء، فتدبّر.
و يؤيّده بل يدلّ عليه: أنّه لو كان بصدد إفادة الـترتيب كان الـمناسب أن يقول: إن لم يجد الـتراب، لأنّ إصابـة الـثلج لاتكون مانعـة من تحصيل الـتراب و الأرض الـيابسـة نوعاً، من دون أن تكون هناك مشقّـة رافعـة للتكليف، خصوصاً في الـمناطق الـباردة الـتي تكون الأرض تحت الـثلج يابسـة، و خصوصاً مع أن الـتيمّم بالأرض الـنديـة جائز قد ادّعي عليه اتّفاق الأصحاب، و يأتي الـبحث فيه في ذيل هذه الـمسأ لـة.
فتجويز الـتيمّم بلبد الـسرج، أو شيء معه، أو مغبر، دليل على كون الـغبار من الـمصاديق الاختياريـة لما يتيمّم به، فجعل إصابـة الـثلج كنايـة عن عدم وجدان الـتراب و الأرض خلاف الـظاهر، فلايبعد أن يكون الـتعليق على إصابته إنّما هو للتنبيه على أنّه لايلزم مع إصابته أن يتكلّف برفعه من الأرض و يتيمّم بها، بل يجوز الـتيمّم بغبار الـثوب و نحوه.
و يؤيّد ما ذكر من احتمال كون الـتعليق للإرشاد إلى مصداق آخر اختياري مغفول عنه، صحيحـة رفاعـة الـمتقدّمـة، نظراً إلى أنّه لايراد منها الـترتيب بين الـتراب، و بين أجفّ موضع من الأرض الـمبتلّـة، بل الـمراد دفع توهّم عدم جواز الـتيمّم بالأرض
(الصفحة 368)
ا لـمبتلّـة و الإرشاد إلى مصداقيتها، فيمكن الاستيناس به للفرض الـثاني الـذي هو بعينه الـفرض الأوّل في الـموثّقـة.
فالإنصاف: أنّه لو لا مخافـة مخا لـفـة الأصحاب لعدم ثبوت مخا لـف في الـمسأ لـة حتّى الـسيّد كما عرفت، لكان الـجواز اختياراً غير بعيد، لكن بعد تسلّم الـمسأ لـة بينهم و ظهور الآيـة و طائفـة من الـروايات في تعيّن الـتيمّم با لـصعيد، يمكن دعوى أنّ الـتجويز با لـغبار إنّما هو من جهـة كونه ميسور الأرض. لكونه أثرها، و لذا ترى أنّ أدلّـة تجويزه قد وردت في موارد خاصّـة، كغير الـقادر على الـنزول، و الـمصاب با لـثلج، و أشباههما، و لايكون في الـروايات الـكثيرة الـعامّـة عين منه و لاأثر، مع أنّ الـورود في مقام الامتنان يقتضي الـتعرّض له أيضاً على تقدير الـجواز اختياراً، فيحصل الاطمئنان بما عليه الـمشهور بل الـجميع، كما مرّ.
ا لـثا لـث: لا إشكال في اعتبار كون الـغبار محسوساً على ذي الـغبار بحيث يرى ظاهره مغبراً، و لايكفي ضرب الـيد على ما يكون الـغبار كامناً فيه و إن أثار الـغبار منه با لضرب عليه; لعدم صدق التيمّم با لغبار المأمور به في موثّقـة زرارة وصحيحـة رفاعة.
و دعوى صدق الـتيمّم به إذا ضرب يده على ذي غبار كامن فيه فأثار منه مدفوعـة بمنعها; لأنّ الـظاهر من الأمر با لـتيمّم على الـغبار أن يضرب يده عليه، و مع عدم كون ظاهره مغبراً لايقع الـضرب عليه، نظير الـضرب على ما يقع با لـضرب عليه أرضاً بعد ما لم يكن كذلك، فإنّه لايتحقّق به الـتيمّم على الـصعيد.
و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ الـمراد من صحيحـة أبي بصير الـدالّـة على النفض هو النفض بحيث يظهر الـغبار على الـثوب أو اللبد بعد كمونه فيهما و عدم ظهوره، لا الـنفض بحيث يتحقّق الافتراق بينهما و يصير الـغبار خارجاً، ضرورة أنّ ظاهرها الـتيمّم
(الصفحة 369)
با لـثوب أو اللبد لاتّحاد مرجع الـضميرين، مع أنّه لايوجد ثوب أو لبد يمكن أن ينفض منه مقدار من الـغبار يصحّ الـتيمّم به اختياراً، فا لـحمل عليه يوجب اللغويـة، بل الـنفض إنّما هو لأن يظهر الـغبار على الـظاهر و يتيمّم به، فا لـصحيحـة مؤيّدة لما يستفاد من الـروايتين الـمتقدّمتين.
نعم، يبقى الـكلام في صحيحـة زرارة الـمشتملـة على الـتعليل بأنّ فيها غباراً، الـظاهرة في كفايـة وجود الـغبار في باطن الأشياء الـمذكورة فيها، و لابدّ من الـحمل على ما إذا صار ظاهراً ولو بعد الـضرب; لعدم جواز الاكتفاء با لـغبار الـكامن غير الـظاهر حتّى با لـضرب، كما هو واضح.
هذا، ولكن ظهور الروايات الثلاثة الـمتقدّمة في اعتبار ظهور الـغبار قبل الضرب و وقوع الـتيمّم به، يقتضي حمل الـصحيحـة عليه أيضاً، خصوصاً مع أنّ الـمرتكز هو كون الـغبار ميسور الـصعيد، و لأجله لابدّ من حمل إطلاق الـغبار في الـروايات على الـغبار الـذي يصحّ الـتيمّم به، فلايصحّ بغبار الـدقيق و شبهه، مضافاً إلى انصراف الأدلّـة أيضاً، نعم لافرق بعد كون الـغبار كذلك بين مراتبه من حيث الـكثرة و الـقلّـة.
و قد انقدح من ذلك: أنّه إذا تمكّن من نفض الـثوب و نحوه و جمع الـغبار بحيث يصدق الـتيمّم با لـتراب الـواجب أوّلاً، لايبقى مجال للتيمّم با لـثوب و نحوه.
في الـتيمّم با لـوحل
بقي الـكلام في هذه الـمسأ لـة في الـتيمّم با لـوحل الـذي ينتقل إليه مع فقد الـغبار كما هو ظاهر الـمتن، و نقول: لا إشكال نصّاً و فتوىً في جواز الـتيمّم به إجمالاً، و إنّما الإشكال في أمرين:
(الصفحة 370)
أحدهما: أنّ مقتضى الأدلّـة هل هو جواز الـتيمّم به في حال الاختيار، أو أنّه مصداق اضطراري لما يصحّ الـتيمّم به؟
ثانيهما: أنّ مقتضاها هل هو تقدّمه على الـغبار، أو تأخّره عنه، أو وقوعهما في رتبـة واحدة من دون أن يكون هناك رجحان و تقدّم؟
أمّا الأمر الأوّل فنقول: مقتضى الـكتاب و الـسنّـة الآمرين با لـتيمّم با لـصعيد و الأرض جواز الـتيمّم بما يصدق عليه عنوانهما، و لاريب في أنّ الـطين إذا كان غليظاً غير رقيق يصدق عليه الأرض و إن لم يصدق عليه الـتراب، و مجرّد خروجه عن صدق الـتراب لايوجب الـخروج عن صدق الأرض، ضرورة أنّ اللبنـة قبل جفافها و بعده أرض و ليست بتراب مطلقاً حتّى بعد الـجفاف.
و يشهد لما ذكرنا من صدق الأرض على الـطين موثّقـة عمّار، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام)قال: سأ لـته عن حدّ الـطين الـذي لايسجد عليه ما هو؟
فقال:
«إذا غرقت الـجبهـة و لم تثبت على الأرض».(1)
فإنّ ظاهرها جواز الـسجدة على الـطين الـغليظ الـمتماسك بحيث تستقرّ الـجبهـة عليه و لم تغرق للأرضيـة و الاستقرار، و أنّ الـمانع من الـسجدة على غيره من أفراد الـطين هو عدم الاستقرار، لا عدم الـمقتضي و هي الأرضيـة، كما لايخفى.
و أظهر منها روايـة زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت: رجل دخل الأجمّـة ليس فيها ماء، و فيها طين ما يصنع؟
قال:
«يتيمّم فإنّه الـصعيد».(2)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب مكان الـمصلّي، الـباب 9، الـحديث 9.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 5.
(الصفحة 371)
نعم، ربّما يشعر قوله (عليه السلام) في مرسلـة علي بن مطر الـمتقدّمـة:
«صعيد طيّب و ماء طهور»(1)
بخلاف ما ذكر، بناء على كون الـمراد تركّب الـطين من الـصعيد و الـماء لدلالتها على عدم كونه صعيداً محضاً، ولكن قد عرفت أنّ حمل الـروايـة على هذا الـمعنى غير صحيح; لأنّ الـتركّب لايوجب جواز الـتيمّم كما لايخفى، فلابدّ من الـحمل على أنّ الـطهور أحد الأمرين على سبيل منع الـخلوّ، و أنّ الـطين هو الـصعيد لعدم كونه ماء، و لايكون خارجاً عن عنوان الـصعيد، فتدبّر.
و با لـجملـة: لاخفاء في صدق الأرض على بعض مراتب الـطين، فيجوز الـتيمّم به اختياراً لظاهر الـكتاب و الـسنّـة، فلابدّ من قيام دليل على عدم الـجواز في حال الاختيار لو قيل به، و كونه مصداقاً اضطرارياً، نعم بعض مراتبه الاُخر يكون خارجاً عن صدق الأرض عليه، أو يشكّ فيه، فلابدّ من قيام دليل خاصّ على الـجواز به لو قيل به.
و أمّا الأمر الـثاني: فقد استدلّ على ما في الـمتن من تأخّر الـطين عن الـغبار بروايات، مثل موثّقـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) الـمتقدّمـة في الـغبار قال:
«إن كان أصابه الـثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو من شيء معه، (مغبر ظاهراً)، و إن كان في حال لايجد إلاّ الـطين فلا بأس أن يتيمّم منه».(2)
و قريب منها صحيحـة رفاعـة الـمتقدّمـة أيضاً، نظراً إلى ظهورهما في أنّ جواز الـتيمّم با لـطين مشروط بكون الـمكلّف في حال لايجد إلاّ الـطين، فمقتضاهما تأخّر رتبته عن رتبـة الـغبار الـتي دلّت الـموثّقـة و الـصحيحـة على جواز الـتيمّم به أوّلاً.
و فيه ـ مضافاً إلى أنّ الـغبار كما عرفت مصداق اضطراري، و الـطين كما مرّ من
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 6.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 2.