(الصفحة 374)
با لـعذر» و بقرينـة جعله متأخّراً عن الـغبار الـذي هو مصداق اضطراري و ظاهر الـصحيحـة.
و بعبارة اُخرى: أنّ إطلاق صدرها و إن كان يشمل مطلق الـطين إلاّ أنّ الـتعليل يمنع عن إطلاقه، خصوصاً مع ضميمـة الـحكم بتأخّره عن الـغبار.
و عليه فا لـمراد با لـطين هو ما يصدق عليه عنوان الأرض، و با لـوحل مالايصدق عليه هذا الـعنوان، و لعلّ تعبير الـفقهاء با لـوحل مع تطابق الـنصوص على الـتعبير با لـطين إنّما هو لأجل ذلك من تغايرهما معنىً، خصوصاً مع ملاحظـة اللغـة و تفسير أئمّتها، فإنّه يظهر منهم اختصاص الـوحل با لـطين الـرقيق، بل لايكفي مجرّد الـرقّـة، فإنّ الـلازم كونه بحيث يمكن أن يفرق فيه الإنسان أو الـدابّـة، و من الـمعلوم أنّ الـطين بهذه الـكيفيـة لا يصدق عليه عنوان الأرض، فمقتضى الـتأمّل في الـروايات، و في معنى الـكلمتين أنّ الـطين إذا كان غليظاً متماسكاً بحيث يصدق عليه عنوان الأرض يصحّ الـتيمّم به اختياراً، و لا وجه لدعوى تأخّره عن الـغبار الـذي هو فرد اضطراري و إن سلّمنا تأخّره عن الـتراب، و لايمكن دعوى الإجماع أو الـشهرة على خلافه بعد ما عرفت من تعبير الأصحاب بالوحل ومغايرته للطين من حيث المعنى، وتفسير المتأخّرين الـشارحين للمتون الـوحل با لـطين إنّما هو مبني على الـمسامحـة، أو اجتهاد أنفسهم، أو تخيّل كونه هو الـمراد با لـطين الـمذكور في الـروايات، و إلاّ فا لـوحل هو الـطين الـرقيق، و قد حكاه في «مفتاح الـكرامـة» عن نصّ جماعـة من الأصحاب.
و قد انقدح ممّا ذكرنا: أنّ الـمراد با لـوحل في عبارة الـمتن ليس مطلق الـطين، و إلاّ لايكون وجه لتأخّره عن الـغبار، كما أنّه ظهر أنّه مع إمكان تجفيف الـوحل ولو بمقدار يصدق عليه عنوان الأرض يجب ذلك; لأنّ ذلك يوجب تحقّق الـفرد الاختياري،
(الصفحة 375)
و ثبوت مصداق الـصعيد حقيقـة، و إذا لم يكن مطلق الـطين خارجاً عن عنوان الأرض، فالأرض الـنديـة و الـتراب الـندي لايكونان خارجين عن هذا الـعنوان بطريق أولى، فهما من الـمرتبـة الاُولى الاختياريـة الـتي لايصل معها الـنوبـة إلى الـغبار أيضاً.
بقي الـكلام في الـتيمّم با لـوحل في أمرين:
الأوّل: أنّه إذا ضرب بيديه على الـوحل فلصق بها فهل تجب إزا لـته أوّلاً ثمّ الـمسح بها كما صرّح به في «ا لـعروة»، أم لاتجب الإزا لـة كما هو مختار الـمتن؟
و الـظاهر أنّ منشأ توهّم الـوجوب أنّه بدون الإزا لـة لايتحقّق الـمسح با لـيد الـمعتبر فيه الـمباشرة و عدم الـحائل مع أنّه ممنوع; لأنّ الـظاهر أنّ الـمراد با لـحائل الـذي يمنع عن تحقّق الـمسح با لـيد هو الـحائل الـذي لايكون من مصاديق الـصعيد، لظهور أنّ الـمراد وصول الـصعيد إلى محالّ الـتيمّم ولو بأثره، فكيف يمكن أن يكون حائلاً مع أنّ مقتضى إطلاق الأدلّـة أنّه ليس للتيمّم با لـوحل كيفيـة خاصّـة، بل كيفيته هي الـمعهودة الـمتداولـة في الـتيمّم بالأرض؟! نعم لامانع من فرك الـطين من الـيد، بل لايبعد استحبابه، لالرفع الـحائل بل للاستفادة من أدلّـة استحباب الـنفض إن قلنا باستحبابه.
ا لـثاني: أنّه هل تجوز الإزا لـة با لـغسل، أم لا؟ و قد نفى الإشكال عن عدم الـجواز في الـمتن، و الـوجه فيه وضوح أنّ لزوم الـضرب با لـيدين على الـوحل ثمّ الـمسح بهما إنّما هو لانتقال أثر الأرض و الـوحل بسبب الـمسح، و الـغسل يمنع عن تحقّق الانتقال و صدق الـمسح بأثر الأرض، و دعوى منافاة ذلك للإطلاق مدفوعـة، ضرورة أنّ الارتكاز الـعرفي يفسّر الإطلاق، و يحكم بلزوم بقاء الأثر عرفاً، فلا مجال لجواز الإزا لـة با لـغسل.
(الصفحة 376)مسأ لـة 7: لا يصحّ الـتيمّم با لـثلج، فمن لم يجد غيره ممّا ذكر، و لم يتمكّن من حصول مسمّى الـغسل به، أو كان حرجياً يكون فاقد الـطهورين، و الأقوى له سقوط الأداء، و الأحوط ثبوت الـقضاء، و الأحوط منه ثبوت الأداء أيضاً، بل الأحوط هنا الـتمسّح با لـثلج على أعضاء الـوضوء و الـتيمّم به، و فعل الـصلاة في الـوقت، ثمّ الـقضاء بعده إذا تمكّن1 .
في عدم صحّـة الـتيمّم با لـثلج
(1) قد صرّح جماعـة بانحصار ما يتيمّم به ولو اضطراراً با لـمذكورات في الـمسائل الـسابقـة، فمع فقدها بأجمعها يكون فاقداً للطهورين، من غير فرق بين أن يجد الـثلج و عدمه، بل يظهر من «ا لـمدارك» نسبته إلى أكثر الأصحاب، حيث نسب إليهم الـقول بسقوط فرض الـصلاة أداءً عند فقد الـوحل الـذي هو آخر الـمراتب.
لكن قد حكي عن ظاهر الـسيّد و ابن الـجنيد و سلاّر أنّه يتيمّم با لـثلج، و عن الـمفيد(قدس سره) في «ا لـمقنعـة» أنّه قال: «و إن كان قد عظّاها الـثلج، و لا سبيل له إلى الـتراب، فليكسره و ليتوضّأ به مثل الـدهن».
و اعترض عليه: بأ نّه إن تحقّق به الـغسل الـشرعي كان مقدّماً على الـتراب و مساوياً للماء في جواز الاستعمال، و إن قصر عن ذلك سقط اعتباره مطلقاً، أمّا في الـوضوء و الـغسل فلعدم إمكان الـغسل الـمعتبر في ماهيتهما به كما هو الـمفروض، و أمّا في الـتيمّم فلأ نّه ليس أرضاً، فلا يجوز الـتيمّم به، و بهذا الأخير اعترض على الـقائلين با لـتيمّم با لـثلج.
لكنّهم استندوا في ذلك بصحيحـة محمّد بن مسلم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـت عن رجل أجنب في سفر، و لم يجد إلاّ الـثلج أو ماء جامداً.
(الصفحة 377)
فقال:
«هو بمنزلـة الـضرورة يتيمّم، و لا أرى أن يعود إلى هذه الأرض الـتي يوبق دينه»(1)
.
نظراً إلى أنّ الـظاهر منها عدم وجدان شيء ممّا يتيمّم به مطلقاً اختياراً و اضطراراً، فيكون الـمراد من قوله (عليه السلام):
«يتيمّم» هو لزوم الـتيمّم با لـثلج مع فقدان جميع الـمراتب، و يؤيّده قوله (عليه السلام):
«و لا أرى أن يعود ...» فإنّ الـتراب أحد الـطهورين، و معه لا تكون الأرض موبقـة لدينه.
و فيه ما عرفت سابقاً في معنى الـصحيحـة من أنّه ليس الـمراد بعدم وجدان غير الـثلج و الـماء الـجامد عدم وجدان شيء من الـطهورين، بل خصوص عدم وجدان الـماء و ما هو من سنخه إلاّ الـثلج و شبهه.
و عليه فا لـمراد با لـجواب هو سقوط الـطهارة الـمائيـة و الانتقال إلى الـتيمّم، و أمّا عدم الـتعرّض لما يتيمّم به فلوضوحه عند الـسائل و هو محمّد بن مسلم، و يؤيّده قوله (عليه السلام):
«هو بمنزلـة الـضرورة» فإنّه إشارة إلى أنّ الانتقال إلى الـتيمّم إنّما هو في مورد الـضرورة، و هي ثابتـة في مفروض الـسؤال.
و أمّا كون الأرض موبقـة مع وجود ما يتيمّم به، فلما عرفت في أوّل مبحث الـتيممّ من عدم جواز تحصيل الاضطرار، و أنّ الـتيمّم لا يفي با لـمصلحـة الـكاملـة الـتي تشتمل عليها الـطهارة الـمائيـة، فراجع.
و كيف كان: فا لـروايـة أجنبيـة عن الـدلالـة على الـتيمّم با لـثلج، خصوصاً مع أ نّه كان الـلازم على هذا الـتقدير الـتصريح به، مع بعده عن الأذهان، و مخا لـفته للكتاب و الـسنّـة الـظاهرين في حصر الـتيمّم في غيره.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 9.
(الصفحة 378)
نعم، ربّما يتمسّك بقاعدة الاشتغال، و قوله:
«ا لـصلاة لا تترك بحال» مع أ نّه كما ترى مضافاً إلى حكومـة قوله:
«لا صلاة إلاّ بطهور» على مثله لو سلّم وروده، مع أ نّه لايقتضي طهوريـة الـثلج; لأنّ غايـة مفاده عدم سقوط الـصلاة مع فقد الـطهور، لاجعل ما ليس بطهور طهوراً.
ثمّ إنّه ربّما يقال بجواز الاغتسال و الـتوضّي با لـثلج، غايـة الأمر تبدلّ الـغسل الـمعتبر في الأمرين با لـمسح، و يستند في ذلك بأمرين:
الأوّل: قاعدة الـميسور، و أنّ الـمسح ميسور الـغسل، لأنّ الـغسل عبارة عن إيصال الـماء على الـمغسول و إجرائه عليه، و الـمسح ميسور هذا الـمعنى.
و يرد عليه: أنّ عنوان الـمسح مقابل بل مباين للغسل، و لا يكون ميسوره عرفاً، و لا تكون هذه الـتحليلات الـعقليـة معتنى بها عندا لـعرف بوجه.
ا لـثاني: طائفـة من الـروايات الـتي توهّمت دلالتها على جواز الاغتسال و الـتوضّي مسحاً بدل الـغسل، و هي كثيرة:
منها: روايـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يجنب في الـسفر لا يجد إلاّ الـثلج.
قال:
«يغتسل با لـثلج أو ماء الـنهر»(1)
.
و هذه الـروايـة مضافاً إلى الاضطراب الـواقع فيها لأنّ الـمفروض في سؤا لـها عدم وجدان غير الـثلج، و الـجواب ظاهر في الاغتسال به أو بماء الـنهر، و لذا ذكر صاحب «ا لـوسائل» بعد نقلها: «ا لـمراد أ نّه يذيب الـثلج با لـنار و يغتسل بمائه إن أمكن، أو يدلك جسده با لـثلج إن كان كثير الـرطوبـة بحيث يحصل مسمّى الـغسل،
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 10، الـحديث 1.