(الصفحة 383)
هذا، و الـظاهر أنّ مقتضى الـقاعدة هو الـسقوط، و توضيحه أنّه قد تقرّر في محلّه أنّه لو علم بجزئيـة شيء أو شرطيته في الـجملـة، و دار الأمر بين أن يكون جزء أو شرطاً مطلقاً، وبين أن يكون كذلك في خصوص حال التمكّن وا لقدرة، فإن كان لدليل المركّب أو الـمشروط إطلاق فقط، يجب الإتيان به في صورة الـعجز عن ذلك الـشيء أيضاً، و إن كان لدليل ذلك الـشيء الـمشكوك إطلاق فقط، فا لـلازم سقوط الأمر با لـكلّ أو الـمشروط مع تعذّره، و لو كان لكلا الـدليلين إطلاق من غير ترجيح، أو لم يكن لواحد منهما إطلاق، فا لـلازم
و في الـمقام نقول: مقتضى دليل الـشرط مدخليته في الـمأمور به، و هي الـصلاة مطلقاً من دون فرق بين مثل قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» بناء على اختصاصه با لـطهارة الـحدثيـة أو شموله لها، و بين الآيـة الـواردة في الـوضوء الـمبنيـة للاشتراط بنحو الأمر و الـتكليف.
أمّا الأوّل: فدلالته على الـشرطيـة الـمطلقـة واضحـة بعد كونه بنحو الإخبار أوّلاً، و بنحو نفي الـحقيقـة و الـماهيـة بدونه ثانياً.
و أمّا الـثاني: فقد نوقش في دلالته بقصور الأمر عن إثبات الـشرطيـة حال الـعجز لعدم إمكان توجيه الـخطاب إلى الـعاجز، و اُجيب عن هذه الـمناقشـة بأنّ مثل هذه الأوامر إرشاديـة لا يعتبر فيها الـقدرة على الـمأمور بها فيها، لأنّ مفادها مجرّد الإرشاد إلى مدخليـة الـمتعلّق في متعلّق الـخطاب الـنفسي من دون أن تكون متضمّنـة للبعث و الـتحريك.
ولكن قد حقّقنا في محلّه عدم صحّـة هذا الـجواب، فإنّ الأوامر الإرشاديـة كغيرها لا تستعمل إلاّ في الـبعث و الإغراء الـذي هو الـموضوع له لهيئـة إفعل، غايـة الأمر
(الصفحة 384)
انتزاع الـنفسيـة و الـغيريـة و الـمولويـة و الإرشاديـة عن نفس هذا الـبعث باعتبار اختلاف الـموارد و الـمقامات، و إلاّ فا لـهيئـة في الـجميع مستعملـة في معناها الـذي ليس إلاّ الـبعث و الـتحريك.
و الـتحقيق في الـجواب عن الـمناقشـة ما حقّقه الاُستاذ الـعلاّمـة الـماتن دام ظلّه في محلّه ممّا يرجع إلى أنّ الأوامر الـكلّيـة الـقانونيـة لا تنحلّ إلى خطابات شخصيـة و أوامر متعدّدة فرديـة، بحيث كان لكلّ مأمور خطاب مستقلّ مشروط بشرائطه، و الـوجه فيه لزوم مفاسد كثيرة مذكورة في محلّه، بل هي أمر واحد و قانون فارد ثابت على الـجميع، و لا يكون مشروطاً بثبوت الـقدرة لكلّ فرد فرد.
و عليه فا لـعجز في بعض الأفراد لا يوجب سقوط الأمر الـكلّي و ارتفاع الـقانون الـعامّ، و في الـمقام نقول آيـة الـوضوء و إن كانت بلسان الـتكليف إلاّ أنّ مقتضاها ثابت في حقّ الـعاجز عنه، و لازمه سقوط الـصلاة; لعدم إمكان تحصيل شرطها.
نعم، يبقى في الـمقام ملاحظـة دليل الـمشروط، و أنّه هل يكون له إطلاق، أم لا؟
و الـظاهر عدم ثبوت إطلاق معتدّ به في أدلّـة تشريع الـصلاة، و لم يثبت من طريقنا قوله: «ا لـصلاة لا تترك بحال»، و ما ورد في بعض الـروايات الـصحيحـة فى باب الـنفاس من قوله (عليه السلام):
«و لا تدع الـصلاة على حال، فإنّ الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الـصلاة عماد دينكم»
لايرتبط با لـمقام، و ليس قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) علّـة يستكشف منها صحّـة الـصلاة في مورد الـشكّ في شرطيـة شيء لها أو جزئيته، كما لايخفى.
و الاستقراء و إن اقتضى تقدّم الـوقت من بين الـشرائط على غيره من الأجزاء و الـشرائط عند دوران الأمر بين رعايته و رعايـة غيره، إلاّ أنّه ليس بنحو يحصل منه
(الصفحة 385)
ا لـقطع بثبوت هذا الـتقدّم بالإضافـة إلى جميع الـشرائط.
فالإنصاف: أنّه لابدّ في الـمقام من الـرجوع إلى إطلاق دليل الاشتراط من الآيـة و الـروايـة، و هي قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» لكن ربّما يناقش في الـروايـة بأنّ صاحب «ا لـوسائل» (قدس سره) قد أوردها في أبواب مختلفـة بصور متعدّدة، فقد رواها في الـباب الأوّل من أبواب الـوضوء عن الـشيخ بإسناده عن الـحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) هكذا قال: «لا صلاة إلاّ بطهور».
و في الـباب الـرابع من أبواب الـوضوء، و كذا في الـباب الـرابع عشر من أبواب الـجنابـة بذلك الـسند عنه (عليه السلام) هكذا قال: «إذا دخل الـوقت وجب الـطهور و الـصلاة، و لا صلاة إلاّ بطهور» و حكي في الـبابين أنّ الـصدوق رواه مرسلاً.
و في الـباب الـتاسع من أبواب أحكام الـخلوة بذلك الـسند عنه (عليه السلام) هكذا قال: «لا صلاة إلاّ بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثـة أحجار، بذلك جرت الـسنّـة من رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمّا الـبول فإنّه لابدّ من غسله».
و الـظاهر خصوصاً مع وحدة الـسند أنّها لا تكون روايات متعدّدة، بل روايـة واحدة قطّعها صاحب «ا لـوسائل» كما هو دأبه في موارد كثيرة، حيث يقطّع الـروايـة الـمشتملـة على أزيد من حكم واحد، و يورد كلّ قطعـة في الـباب الـمناسب لها، فا لـروايـة واحدة، و عليه يكون ذيلها الـوارد في الاستنجاء و غسل الـبول شاهداً على أنّ الـمراد با لـطهور الـذي لا صلاة إلاّ به هي الـطهارة الـخبثيـة، لا الـحدثيـة الـمبحوث عنها في الـمقام، فلا مجال للاستدلال بها فيه.
و تندفع الـمناقشـة: بأنّ الـتذيّل بذلك الـذيل إن كان فيه شهادة فهي الـشهادة على دخول الـطهارة الـخبثيـة في قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» لا خروج الـطهارة
(الصفحة 386)
ا لـحدثيـة عنه، مع أنّ تلك الـشهادة ممنوعـة أيضاً; لأنّه يحتمل قويّاً أن يكون الـذيل مشتملاً على حكم الـطهارة الـخبثيـة، و الـصدر مختصّاً بغيرها.
و كيف كان: لا دلالـة للذيل على الاختصاص بها، و يؤيّده الاستشهاد بهذا الـقول في الـطهارة الـحدثيـة كثيراً، و أنّ صاحب «ا لـوسائل» أوردها في مثل باب الـوضوء و الـجنابـة أيضاً.
وقد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ مقتضى القاعدة سقوط الأداء بالإضافة إلى فاقد الطهورين، بل ربّما يحتمل الحرمة النفسية في الدخول فيها جنباً، بل ومن غير وضوء لقوله تعا لى: لاتَقْرَبُوا الـصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيل حَتّى تَغْتَسِلُوا)(1)
بناء على أنّ الـمراد من الـصلاة نفسها لا محالّها، كما هو الأظهر في الآية.
و الـظاهر من الـتعبير بـ (لا تَقْرَبُوا) هي الـحرمـة الـذاتيـة، لا الإرشاد إلى الـمانعيـة، للفرق بين قوله: «لا تصلّ جنباً»، و بين قوله: «لا تقربوا الـصلاة جنباً»، فإنّ الـتعبير الـثاني ظاهر في الـمبغوضيـة، مثل قوله: «لا تقربوا الـزنا»، و لموثّقـة مسعدة بن صدقـة أنّ قائلاً قال لجعفر بن محمّد (عليهما السلام): جعلت فداك، إنّي أمرّ بقوم ناصبيـة، و قد اُقيمت لهم الـصلاة و أنا على غير وضوء، فإن لم أدخل معهم في الـصلاة قا لـوا ما شاؤا أن يقولوا، أفاُصلّي معهم ثمّ أتوضّأ إذا انصرفت و اُصلّي؟
فقال جعفر بن محمّد (عليه السلام): «سبحان اللّه، أفما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفاً»
.
و صحيحـة صفوان بن مهران الـجمّال، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «أقعد رجل من
(الصفحة 387)
الأحبار في قبره فقيل له: إنّا جا لـدوك مأة جلدة من عذاب اللّه عزّوجلّ.
فقال: لا اُطيقها، فلم يزا لـوا به حتّى انتهوا إلى جلدة واحدة.
فقال: لا اُطيقها.
فقا لـوا: ليس منها بدّ.
فقال: فيما تجلّدونيها؟
قا لـوا: نجلّدك أنكّ صلّيت يوماً بغير وضوء، و مررت على ضعيف فلم تنصره.
فجلّدوه جلدة من عذاب اللّه فامتلأ قبره ناراً»
.
ولكنّ الـظاهر عدم إفادة الآيـة و الـروايتين للحرمـة الـنفسيـة; و ذلك لأنّ الآيـة قد ورد في تفسيرها ممّن نزل في بيوتهم الـكتاب، و تكون آرائهم حجّـة بلا ارتياب، ما يدلّ على أنّ الـمراد با لـصلاة فيها هي الـمساجد الـتي هي مواضع الـصلاة لانفسها، ففي صحيحـة زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قالا: قلنا له: الـحائض و الـجنب يدخلان الـمسجد، أم لا؟
قال: «ا لـحائض و الـجنب لا يدخلان الـمسجد إلاّ مجتازين، إنّ اللّه تبارك و تعا لـى يقول: (وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيل حَتّى تَغْتَسِلُوا ...)»
.
و بعد ذلك لا مجال للتمسّك بظاهرها.
و أمّا الـروايتان، فا لـظاهر أنّ الـمراد من الـصلاة من غير وضوء فيهما هي الـصلاة مع إمكان الـوضوء، غايـة الأمر وجود الـتقيّـة أو غيرها، فلا تشملان ما إذا كان فاقداً للطهورين، هذا كلّه با لـنسبـة إلى الأداء.