(الصفحة 385)
ا لـقطع بثبوت هذا الـتقدّم بالإضافـة إلى جميع الـشرائط.
فالإنصاف: أنّه لابدّ في الـمقام من الـرجوع إلى إطلاق دليل الاشتراط من الآيـة و الـروايـة، و هي قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» لكن ربّما يناقش في الـروايـة بأنّ صاحب «ا لـوسائل» (قدس سره) قد أوردها في أبواب مختلفـة بصور متعدّدة، فقد رواها في الـباب الأوّل من أبواب الـوضوء عن الـشيخ بإسناده عن الـحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) هكذا قال: «لا صلاة إلاّ بطهور».
و في الـباب الـرابع من أبواب الـوضوء، و كذا في الـباب الـرابع عشر من أبواب الـجنابـة بذلك الـسند عنه (عليه السلام) هكذا قال: «إذا دخل الـوقت وجب الـطهور و الـصلاة، و لا صلاة إلاّ بطهور» و حكي في الـبابين أنّ الـصدوق رواه مرسلاً.
و في الـباب الـتاسع من أبواب أحكام الـخلوة بذلك الـسند عنه (عليه السلام) هكذا قال: «لا صلاة إلاّ بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثـة أحجار، بذلك جرت الـسنّـة من رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمّا الـبول فإنّه لابدّ من غسله».
و الـظاهر خصوصاً مع وحدة الـسند أنّها لا تكون روايات متعدّدة، بل روايـة واحدة قطّعها صاحب «ا لـوسائل» كما هو دأبه في موارد كثيرة، حيث يقطّع الـروايـة الـمشتملـة على أزيد من حكم واحد، و يورد كلّ قطعـة في الـباب الـمناسب لها، فا لـروايـة واحدة، و عليه يكون ذيلها الـوارد في الاستنجاء و غسل الـبول شاهداً على أنّ الـمراد با لـطهور الـذي لا صلاة إلاّ به هي الـطهارة الـخبثيـة، لا الـحدثيـة الـمبحوث عنها في الـمقام، فلا مجال للاستدلال بها فيه.
و تندفع الـمناقشـة: بأنّ الـتذيّل بذلك الـذيل إن كان فيه شهادة فهي الـشهادة على دخول الـطهارة الـخبثيـة في قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» لا خروج الـطهارة
(الصفحة 386)
ا لـحدثيـة عنه، مع أنّ تلك الـشهادة ممنوعـة أيضاً; لأنّه يحتمل قويّاً أن يكون الـذيل مشتملاً على حكم الـطهارة الـخبثيـة، و الـصدر مختصّاً بغيرها.
و كيف كان: لا دلالـة للذيل على الاختصاص بها، و يؤيّده الاستشهاد بهذا الـقول في الـطهارة الـحدثيـة كثيراً، و أنّ صاحب «ا لـوسائل» أوردها في مثل باب الـوضوء و الـجنابـة أيضاً.
وقد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ مقتضى القاعدة سقوط الأداء بالإضافة إلى فاقد الطهورين، بل ربّما يحتمل الحرمة النفسية في الدخول فيها جنباً، بل ومن غير وضوء لقوله تعا لى: لاتَقْرَبُوا الـصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيل حَتّى تَغْتَسِلُوا)(1)
بناء على أنّ الـمراد من الـصلاة نفسها لا محالّها، كما هو الأظهر في الآية.
و الـظاهر من الـتعبير بـ (لا تَقْرَبُوا) هي الـحرمـة الـذاتيـة، لا الإرشاد إلى الـمانعيـة، للفرق بين قوله: «لا تصلّ جنباً»، و بين قوله: «لا تقربوا الـصلاة جنباً»، فإنّ الـتعبير الـثاني ظاهر في الـمبغوضيـة، مثل قوله: «لا تقربوا الـزنا»، و لموثّقـة مسعدة بن صدقـة أنّ قائلاً قال لجعفر بن محمّد (عليهما السلام): جعلت فداك، إنّي أمرّ بقوم ناصبيـة، و قد اُقيمت لهم الـصلاة و أنا على غير وضوء، فإن لم أدخل معهم في الـصلاة قا لـوا ما شاؤا أن يقولوا، أفاُصلّي معهم ثمّ أتوضّأ إذا انصرفت و اُصلّي؟
فقال جعفر بن محمّد (عليه السلام): «سبحان اللّه، أفما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفاً»
.
و صحيحـة صفوان بن مهران الـجمّال، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «أقعد رجل من
(الصفحة 387)
الأحبار في قبره فقيل له: إنّا جا لـدوك مأة جلدة من عذاب اللّه عزّوجلّ.
فقال: لا اُطيقها، فلم يزا لـوا به حتّى انتهوا إلى جلدة واحدة.
فقال: لا اُطيقها.
فقا لـوا: ليس منها بدّ.
فقال: فيما تجلّدونيها؟
قا لـوا: نجلّدك أنكّ صلّيت يوماً بغير وضوء، و مررت على ضعيف فلم تنصره.
فجلّدوه جلدة من عذاب اللّه فامتلأ قبره ناراً»
.
ولكنّ الـظاهر عدم إفادة الآيـة و الـروايتين للحرمـة الـنفسيـة; و ذلك لأنّ الآيـة قد ورد في تفسيرها ممّن نزل في بيوتهم الـكتاب، و تكون آرائهم حجّـة بلا ارتياب، ما يدلّ على أنّ الـمراد با لـصلاة فيها هي الـمساجد الـتي هي مواضع الـصلاة لانفسها، ففي صحيحـة زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قالا: قلنا له: الـحائض و الـجنب يدخلان الـمسجد، أم لا؟
قال: «ا لـحائض و الـجنب لا يدخلان الـمسجد إلاّ مجتازين، إنّ اللّه تبارك و تعا لـى يقول: (وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيل حَتّى تَغْتَسِلُوا ...)»
.
و بعد ذلك لا مجال للتمسّك بظاهرها.
و أمّا الـروايتان، فا لـظاهر أنّ الـمراد من الـصلاة من غير وضوء فيهما هي الـصلاة مع إمكان الـوضوء، غايـة الأمر وجود الـتقيّـة أو غيرها، فلا تشملان ما إذا كان فاقداً للطهورين، هذا كلّه با لـنسبـة إلى الأداء.
(الصفحة 388)
في حكم الـقضاء
و أمّا الـقضاء: ففي «ا لـجواهر» أنّ وجوبه هو الأشهر بين الـمتقدّمين و الـمتأخّرين، و عن «كشف الالتباس» أنّه الـمشهور، لعموم أدلّـة الـقضاء كقوله: «من فاتته فريضـة فليقضها كما فاتته»، و في الـنبوي الـمشهور كما في «ا لـرياض»: «من فاتته فريضـة فليقضها إذا ذكرها، فذلك وقتها»، و قد ورد أخبار مستفيضـة في أبواب متفرّقـة من طريق الإماميـة.
مثل صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: «أربع صلوات يصلّيها الـرجل في كلّ ساعـة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أدّيتها ...»
.
و صحيحـة الـحلبي قال: سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) عن رجل فاتته صلاة الـنهار متى يقضيها؟
قال: «متى شاء»
.
و صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): «و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها»
.
و صحيحـة الاُخرى عنه (عليه السلام): سئل عن رجل صلّى بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلّها، أو نام عنها.
قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعـة ذكرها»
.
و غير ذلك من الـروايات الـظاهرة في ثبوت الـقضاء.
(الصفحة 389)
و دعوى أنّه مع عدم وجوب الأداء عليه كما عرفت كيف يجب عليه الـقضاء مع تبعيـة الـقضاء للأداء؟! مندفعـة، أوّلاً بعدم ثبوت الـتبعيـة، و ثانياً بأنّ الأداء أيضاً فريضـة، إمّا لما احتمله الـشهيد (قدس سره) من كون عنوان الـفريضـة اسماً لتلك الـصلوات، لا وصفاً لها، و إمّا لما اختاره الـعلاّمـة الـماتن دام ظلّه من كون وصف الـفريضـة ثابتاً لها با لـفعل، غايـة الأمر كون الـمكلّف معذوراً في الـترك، و هو لا يوجب انتفاء الـوصف.
كما أنّ دعوى عدم صدق الـفوت مع عدم وجوب الأداء غير مسموعـة أيضاً، بعد فوات الـمصلحـة، كما هو ظاهر.
هذا، ولكن في الـجميع نظر، بل منع:
أمّا الـنبوي الأوّل: فمع الـغضّ عن سنده يكون في مقام بيان حكم آخر، و هي مطابقـة الـقضاء للأداء، و الـظاهر أنّ الـمراد منها هي الـمطابقـة و الـمماثلـة في الـقصر و الإتمام، دفعاً لتوهّم كون الـمناط ملاحظـة زمان الـقضاء و إرادة الإتيان بها، كما هو الـمرتكز في أذهان كثير من الـعوام، فلا ارتباط له با لـمقام.
و أمّا الـنبوي الـثاني: فمع الـغضّ الـمذكور، و الـغضّ عن احتمال الاختصاص با لـناسي، كما يشعر به قوله (عليه السلام): «إذا ذكرها» فهو أيضاً في مقام بيان حكم آخر، و هو عدم ثبوت الـوقت للقضاء وسعـة دائرتها، بحيث يجوز الإتيان بها متى ذكرها، ليلاً كان أو نهاراً، و كذا لا فرق بين الـمواقع من جهات اُخر.
و هذا يجري في جميع الـروايات الـمرويـة من طرقنا، فإنّها أيضاً غير مسوقـة لإفادة إيجاب الـقضاء بنحو الإطلاق، حتّى يمكن الاستدلال بها في مثل الـمقام من موارد الـشكّ، بل مسوقـة لبيان حكم آخر، و هو عدم كون الـقضاء متوقّتـة، و عدم كون الأزمنـة مختلفـة من هذه الـجهـة، حتّى من حيث الـكراهـة أيضاً.