(الصفحة 397)
و في روايـة اُخرى لزرارة قال: سأ لـت أباجعفر (عليه السلام) عن الـتيمّم، فضرب بيده على الأرض، ثمّ رفعها فنفضها، ثمّ مسح بها جبينه و كفّيه مرّة واحدة.
و غير ذلك من الـروايات الـظاهرة في اعتبار الـضرب.
و طائفـة منها ظاهرة في الاكتفاء با لـوضع أو لزومه:
مثل: موثّقـة سماعـة قال: سأ لـته كيف الـتيمّم؟ فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه و ذراعيه إلى الـمرفقين.
ولكنّها بلحاظ ذيلها قد حملها الـشيخ (قدس سره) على الـتقيّـة.
و الـروايات الـمشتملـة على حكايـة قصّـة عمّار الـمعروفـة، الـمتضمّنـة لكيفيـة تيمّم رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقام تعليم عمّار، أو لكيفيـة تيمّم الإمام (عليه السلام) بعد نقل قصّـة عمّار.
فمن الاُولى: صحيحـة زرارة قال: قال أبوجعفر (عليه السلام): «قال رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم لعمّار في سفرله: يا عمّار، بلغنا أنّك أجنبت فكيف صنعت؟ قال: تمرّغت يا رسول ا للّه في الـتراب.
قال: فقال له: كذلك يتمرّغ الـحمار، أفلا صنعت كذا، ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الـصعيد، ثمّ مسح جبينه (جبينيه) بأصابعه و كفّيه إحداهما بالاُخرى، ثمّ لم يعدّ ذلك».
نعم، في الـنقل الآخر الـذي رواه زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) بهذه الـكيفيـة
(الصفحة 398)
ا لـتعبير با لـضرب، حيث قال (عليه السلام): «أتى عمّار بن ياسر رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه، إنّي أجنبت الليلـة فلم يكن معي ماء.
قال: كيف صنعت؟
قال: طرحت ثيابي و قمت على الـصعيد فتمعّكت فيه.
فقال: هكذا يصنع الـحمار، إنّما قال اللّه عزّوجلّ: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) . فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى، ثمّ مسح بجبينه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على الاُخرى، فمسح الـيسرى على الـيمنى و الـيمنى على الـيسرى»
.
فإنّ الـظاهر أنّ قوله: «ثمّ أهوى بيديه ...» في الـنقل الأوّل، و قوله: «فضرب بيديه ...» في الـنقل الـثاني من كلام أبي جعفر (عليه السلام)، و الـفاعل هو الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و ربّما يقال: إنّ وجه اختلاف الـحكايـة أنّ واقع فعل الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الـضرب، لكن لمّا كان الـعنوان الـمفيد للأمر الـزائد عن حقيقـة الـوضع غير دخيل في صحّـة الـتيمّم، و كان متقوّماً بمطلق الـوضع بأيّ نحو كان، ذكره أبوجعفر (عليه السلام) لإفادة عدم دخا لـة شيء غيره، و لمّا كان الـضرب وضعاً أيضاً مع قيد لا يكون الـنقل خلاف الـواقع، كما لو كان مجيء إنسان موضوعاً لحكم فجاء زيد مثلاً، فيصحّ أن يقال: جاء زيد، و أن يقال: جاء إنسان.
و با لـجملـة: حكى أبوجعفر (عليه السلام) تارة واقع الـقضيـة مع بعض الـخصوصيات غير الـدخيلـة في صحّـة الـتيمّم و كيفيته، كقوله (عليه السلام): «أهوى بيديه إلى الأرض»، و كقوله: «ضرب بيديه»، و اُخرى ما هو دخيل في الـحكم، كقوله (عليه السلام): «وضع يديه»، إفادة لعدم دخا لـة الـخصوصيـة الـزائدة، و ليس هذا من قبيل الـمطلق و الـمقيّد، بل
(الصفحة 399)
هو حكايـة قضيـة شخصيـة لابدّ في ترك الـقيد الـزائد الـذي اشتملت عليه من نكتـة، و الـمحتمل أن تكون ما ذكرت.
و يرد عليه: أوّلاً أنّه من الـواضح عدم تعدّد الـروايتين و كون الـروايـة واحدة، بمعنى أنّ زرارة قد حكى قول أبي جعفر (عليه السلام) في قصّـة عمّار و ما صنع رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم)لبيان الـتيمّم مرّة واحدة، و أنّ الـحكايـة له كانت كذلك، غايـة الأمر اختلاف الـنقل عن زرارة، و لم يعلم أنّه كان على الـنحو الأوّل، أو على الـنحو الـثاني.
و با لـجملـة: لا تكون هنا روايتان مختلفتان لابدّ من ملاحظتهما و الـجمع بينهما بحمل الـمطلق على الـمقيّد، أو بذكر الـنكتـة للاختلاف، بل هنا روايـة واحدة، لم يعلم أنّ الصادر عن الإمام(عليه السلام) هل كان على الطريق الأوّل أو الثاني، فلا مجال حينئذ لما ذكر.
و ثانياً: أنّ الـجمع بين كون واقع فعل الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الـضرب، و بين عدم مدخليـة الـخصوصيـة الـزائدة عن الـوضع في صحّـة الـتيمّم ممّا لا يتمّ، بعد وضوح كون عمل الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما كان في مقام تعليم عمّار الـذي اشتبه في الـمراد من آيـة الـتيمّم، فإنّ الـضرب في هذا الـمقام ظاهر في الـمدخليـة، و ليس مثل الـمثال الـمذكور في الـكلام.
و الـعمدة: ما ذكر من عدم كون الـروايتين متعدّداً، و أنّ الـصادر عن الإمام (عليه السلام)في مقام الـحكايـة غير معلوم أنّه هل كان مشتملاً على كلمـة الـضرب، أو الـوضع؟!
و من الـثانيـة: صحيحـة أبي أيّوب الـخزاز، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـتيمّم.
فقال: «إنّ عمّاراً أصابته جنابة فتمعّك كما تتمعّك الدابّة. فقال له رسول ا للّه(صلى الله عليه وآله وسلم): يا عمّار، تمعّكت كما تتمعّك الـدابّـة. فقلت له: كيف الـتيمّم، فوضع يده على الـمسح،
(الصفحة 400)
ثمّ رفعها فمسح وجهه، ثمّ مسح فوق الـكفّ قليلاً»
.
و صحيحـة داود بن الـنعمان قال: سأ لـت أباعبدا لله (عليه السلام) عن الـتيمّم.
فقال: «إنّ عمّاراً أصابته جنابـة فتمعّك كما تتمعّك الـدابّـة. فقال له رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو يهزأ به: يا عمّار، تمعّكت كما تتمعّك الـدابّـة. فقلنا له: فكيف الـتيمّم؟ فوضع يديه على الأرض ثمّ رفعهما فمسح وجهه و يديه و فوق الـكفّ قليلاً»
.
وصحيحة زرارة قال: سمعت أباجعفر(عليه السلام) يقول: وذكر التيمّم وما صنع عمّار، فوضع أبوجعفر(عليه السلام) كفّيه على الأرض، ثمّ مسح وجهه و كفّيه و لم يمسح الـذراعين بشيء
.
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّه ربّما يقال: بأنّ الـنسبـة بين الـطائفتين من الـروايات الـواردة في الـباب هي الـنسبـة بين الـمطلق و الـمقيّد; لأنّ الـضرب أخصٍّ مفهوماً من الـوضع، لأنّه عبارة عن الـوضع مع الـدفع و اللطم، فا لـلازم حمل الـطائفـة الـثانيـة الـظاهرة في الاكتفاء با لـوضع على الـمقيّد، و هو الـضرب، كما في سائر موارد حمل الـمطلق على الـمقيّد.
ولكنّ الـظاهر عدم كون الـمقام من هذا الـقبيل، فإنّ الـمتفاهم الـعرفي من قول الـراوي في مقام حكايـة فعل الإمام (عليه السلام) الـواقع في مقام تعليم الـتيمّم: «وضع يده على الأرض» أنّه كان وضعها خا لـياً عن الـدفع و اللطم الـمذكور، و إلاّ كان على الراوي ذكر الخصوصيـة الـزائدة، خصوصاً مع أنّها من الاُمور الـخارجـة عن الـعادة، ولا تتحقّق نوعاً مع عدم تحقّق داع قويّ عقلائي.
(الصفحة 401)
و احتمال الـغفلـة ممّا لا يعتنى به، خصوصاً مع تعدّد الـناقل، و كون الـناقلين مثل زرارة و الـخزاز و أشباههما، فإذا كان عمل الـمعصوم (عليه السلام) في مقام الـتعليم هو الـوضع الـذي لا ينطبق عليه عنوان الـضرب، فكيف يمكن حمله على الـضرب؟! و ليس الـفعل مثل الـقول له إطلاق قابل للحمل على الـمقيّد، خصوصاً مع أنّه يحتمل في الـمقام ثبوت الـمباينـة بين الـضرب و الـوضع، بحيث كان الـخلوّ عن الـخصوصيـة الـزائدة مأخوذاً في معنى الـوضع، فإنّه حينئذ كيف يمكن دعوى الـحمل با لـنحو الـمذكور؟! فلا محيص إمّا عن الالتزام بأنّ للتيمّم كيفيتين إحداهما وضع الـيد، و الاُخرى ضربها كما احتمله الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة»، غايـة الأمر أنّ الـضرب له رجحان و مزيّـة للأمر به في الـروايات الـمتقدّمـة، و إمّا عن الـقول بثبوت الـتعارض بين الـطائفتين، و عدم إمكان الـجمع بينهما، و لزوم الـرجوع إلى الـمرجّحات، و حيث إنّ أوّل الـمرجّحات هي الـشهرة الـفتوائيـة على ما يستفاد من مقبولـة ابن حنظلـة كما حقّق في محلّه، و هي مطابقـة للطائفـة الـظاهرة في تعيّن الـضرب، فا لـلازم الأخذ بها و الـحكم بتعيّنه، و عدم الاكتفاء با لـوضع، و هذا هو الـظاهر.
بقي الـكلام في هذه الـجهـة في أنّ اعتبار الـضرب أو الـمسح هل يكون على نحو الـجزئيـة كا لـمسح على الـوجه مثلاً، فيكون من أجزاء الـتيمّم، أو يكون على نحو الـشرطيـة لحصول الـمسح، نظراً إلى اعتبار حصول الـمسح با لـيد فيه؟ وجهان:
ظاهر الآيـة الـواردة في الـتيمّم هو الـثاني، فإنّ قوله تعا لـى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)مع الـتفريع عليه بقوله تعا لـى: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ) ظاهر في أنّ قصد الـصعيد إنّما هو لأجل الـمسح و الـتوصّل إليه، و إلاّ لم يكن وجه لتفريع الـمسح، خصوصاً بعد كون الـعطف في غيره با لـواو.