(الصفحة 401)
و احتمال الـغفلـة ممّا لا يعتنى به، خصوصاً مع تعدّد الـناقل، و كون الـناقلين مثل زرارة و الـخزاز و أشباههما، فإذا كان عمل الـمعصوم (عليه السلام) في مقام الـتعليم هو الـوضع الـذي لا ينطبق عليه عنوان الـضرب، فكيف يمكن حمله على الـضرب؟! و ليس الـفعل مثل الـقول له إطلاق قابل للحمل على الـمقيّد، خصوصاً مع أنّه يحتمل في الـمقام ثبوت الـمباينـة بين الـضرب و الـوضع، بحيث كان الـخلوّ عن الـخصوصيـة الـزائدة مأخوذاً في معنى الـوضع، فإنّه حينئذ كيف يمكن دعوى الـحمل با لـنحو الـمذكور؟! فلا محيص إمّا عن الالتزام بأنّ للتيمّم كيفيتين إحداهما وضع الـيد، و الاُخرى ضربها كما احتمله الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة»، غايـة الأمر أنّ الـضرب له رجحان و مزيّـة للأمر به في الـروايات الـمتقدّمـة، و إمّا عن الـقول بثبوت الـتعارض بين الـطائفتين، و عدم إمكان الـجمع بينهما، و لزوم الـرجوع إلى الـمرجّحات، و حيث إنّ أوّل الـمرجّحات هي الـشهرة الـفتوائيـة على ما يستفاد من مقبولـة ابن حنظلـة كما حقّق في محلّه، و هي مطابقـة للطائفـة الـظاهرة في تعيّن الـضرب، فا لـلازم الأخذ بها و الـحكم بتعيّنه، و عدم الاكتفاء با لـوضع، و هذا هو الـظاهر.
بقي الـكلام في هذه الـجهـة في أنّ اعتبار الـضرب أو الـمسح هل يكون على نحو الـجزئيـة كا لـمسح على الـوجه مثلاً، فيكون من أجزاء الـتيمّم، أو يكون على نحو الـشرطيـة لحصول الـمسح، نظراً إلى اعتبار حصول الـمسح با لـيد فيه؟ وجهان:
ظاهر الآيـة الـواردة في الـتيمّم هو الـثاني، فإنّ قوله تعا لـى:
(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)مع الـتفريع عليه بقوله تعا لـى:
(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ) ظاهر في أنّ قصد الـصعيد إنّما هو لأجل الـمسح و الـتوصّل إليه، و إلاّ لم يكن وجه لتفريع الـمسح، خصوصاً بعد كون الـعطف في غيره با لـواو.
(الصفحة 402)
و بعبارة اُخرى: لو كان قصد الـصعيد ضرباً أو وضعاً من أجزاء الـتيمّم كسائر الأجزاء، لم يكن وجه لتخصيص عطف الـمسح عليه با لـفاء، و جعل الـعطف في غيره با لـواو، بل كان مقتضى ظاهر الـسياق الاتّحاد كما في الـوضوء الـذي عطفت أجزائه بعضه على بعض با لـواو، فا لـتفريع دليل على خروج الـقصد عن أجزاء الـتيمّم.
و أمّا الـروايات: فما كان منها مثل قوله (عليه السلام):
«ا لـتيمّم ضربـة للوجه و ضربـة للكفّين»(1)
، و قوله:
«مرّتين مرّتين للوجه و الـيدين»(2)
، فظاهره الـشرطيـة أيضاً; لظهوره في أنّ الـضربـة أو مرّتين إنّما هي بلحاظ الـوجه، و كذا الـكفّين بمعنى أنّه الـغايـة الـمقصودة، و مرجعه إلى الـشرطيـة، كما لا يخفى.
و ما كان منها بلسان قوله:
«تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك»(3)
. أو بلسان الـبيان و حكايـة فعل الإمام (عليه السلام)، فربّما يقال بظهوره في الـجزئيـة; لدلالته على الأمر با لـضرب كالأمر با لـمسح، أو على فعله كفعله.
ولكنّ الـظاهر خلاف ذلك، فإنّها بصدد بيان كيفيـة الـتيمّم الـصحيح من غير نظر إلى أنّ اعتباره هل هو على نحو الـجزئيـة أو الـشرطيـة؟ بل يمكن أن يقال: إنّ الـروايات بلحاظ ورودها في مقام تفسير الآيـة الـواردة في الـتيمّم لا دلالـة لها على الـجزئيـة بوجه، بل لها دلالـة على الـشرطيـة، لظهور الآيـة فيها، كما عرفت.
و أمّا الـثمرة بين الـوجهين ففي اُمور:
منها: الـموالاة بناء على الـجزئيـة نظراً إلى ظهور الأوامر الـمتعلّقـة با لـمركّبات
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 3.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 1.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 2.
(الصفحة 403)
في إتيان أجزائها متوا لـيـة، و قد استدلّوا بذلك في اعتبار الـتوا لـي بين الأجزاء، و الـتحقيق في صحّـة هذا الاستدلال و بطلانه يأتي في مسأ لـة اعتبار الـموالاة إن شاء اللّه تعا لـى، ولكنّه على فرض الـصحّـة يختصّ بالأجزاء، و لا يجري في الـشرائط.
و منها: أنّه على الـشرطيـة لا دليل على لزوم قصد الـتقرّب و الـتعبّد به، بخلافه على الـجزئيـة، فإنّ الـقدر الـمتيقّن من الإجماع على عباديـة الـتيمّم هي عباديـة أجزائه الـتى يتركّب منها ماهيته، لا أعمّ منها و من الـشرائط، إلاّ أن يقال: إنّ مقتضى ارتكاز الـمتشرّعـة عباديـة الـضرب أيضاً، ولكنّه لا يدلّ على الـجزئيـة لإمكان أن يكون خصوص هذا الـشرط عبادة، فتدبّر.
و منها: جواز تأخير الـنيّـة على الـشرطيـة دون الـجزئيـة.
و اُورد على ترتّب هذه الـثمرة: بأنّه لو قيل با لـشرطيـة، فا لـظاهر أنّه شرط تعبّدي، يعتبر في تحقّقه قصد الـغايـة بأن يكون إتيانه بداعي الـمسح الـذي اُريد به الـتيمّم، لأنّ هذا هو الـمتبادر من الأمر بضربـة للوجه و ضربـة للكفّين، و على هذا تنتفي هذه الـثمرة، لأنّه على تقدير الـجزئيـة أيضاً لا يعتبر أزيد من هذا الـقصد، بل ليس له إيجاده إلاّ بهذا الـوجه الـذي هو وجه وجوبه، و لا أثر لتشخيص الـجزئيـة و الـشرطيـة في مقام الإطاعـة.
و منها: عدم الاختلال با لـحدث الـواقع بين الـضرب و الـمسح على الـشرطيـة، و الاختلال على الـجزئيـة.
و اُورد عليه أيضاً: بعدم الـتزام أحد ممّن يقول با لـشرطيـة بعدم الاختلال الـمذكور; إذ لا ينسبق إلى الـذهن من الأدلّـة إلاّ إرادة إيجاد الـضرب، كأجزاء الـتيمّم بعد الـحدث الـذي يتطهّر منه، فهذه الـثمرة منتفيـة أيضاً.
(الصفحة 404)
في اعتبار كون الـضرب با لـباطن
ا لـجهـة الـثانيـة: في اعتبار كون الـضرب بباطن الـكفّين، و قد صرّح به جماعـة منهم الـمفيد و الـمرتضى و الـحلّي، بل عن بعض الـمحقّقين أنّه وفاقي، و عليه عمل الـمسلمين في الأعصار و الأمصار من دون شكّ.
و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه الـمغروس في أذهان الـمتشرّعـة ـ أنّه الـمتبادر من الأمر بضرب الـيد على الأرض و مسح الـجبهـة بها، خصوصاً من مثل موثّقـة زرارة: «ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى»(1)
، حيث تعرّض للظهر في جانب الـممسوح، و من الـمعلوم أنّ مخا لـفـة الـماسح و الـممسوح مرتكزة، نعم عند الـتعذّر ينتقل إلى الـظاهر، كما سيأتي الـبحث فيه إن شاءا لله تعا لـى.
في اعتبار كون الـضرب بمجموع الـباطن
ا لـجهـة الـثا لـثـة: في اعتبار كون الـضرب بمجموع الـباطن، و أنّه لا يكفي الـضرب با لـبعض الـذي لا يصدق عليه الـضرب با لـكفّ بعد كونه اسماً للمجموع، فظاهر الـضرب با لـكفّ الـمأمور به في الـتيمّم هو الـضرب با لـمجموع، نعم في صورة الـنقص كلام يأتي في محلّه.
في اعتبار مجموع الـكفّين
ا لـجهـة الـرابعـة: في اعتبار مجموع الـكفّين و عدم كفايـة إحداهما مطلقاً و لو انضمّ إليه جزء من الاُخرى، للتعبير با لـتثنيـة في الـروايـة الـواردة في بيان الـتيمّم
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 9.
(الصفحة 405)
و كثير من الـروايات الـبيانيـة، و من الـواضح ظهوره في الـمجموع.
في اعتبار كون الـضرب أو الـوضع دفعـة
ا لـجهـة الـخامسـة: في اعتبار كون الـضرب أو الـوضع دفعـة، و عن «جامع المقاصد» وغيره التصريح به، و في «ا لـحدائق» نسبته إلى ظاهر الأخبار و الأصحاب.
ولكنّه ربّما يناقش في اعتبار هذه الـجهـة: بأنّه لا دليل عليه إلاّ مجرّد الانسباق الـذي هو بدوي، لا يقف عنده الـذهن بعد الالتفات إلى إطلاق الآيـة، و كذا الأخبار، و لو كانت الـدفعـة معتبرة في الـتيمّم يلزم بيانه و الـتصريح به.
و اُجيب عنها: بأنّه لو سلّم قصور دلالـة كلّ واحدة من الـروايات على اعتبار الـمعيّـة، فلا أقلّ من إشعارها بذلك، فإذا اعتضد بعضها ببعض فلا تقصر عن مرتبـة الـدلالـة، مع أنّ إنكار ظهور مثل قوله (عليه السلام): «فوضعهما على الـصعيد» أو «ضربهما على الأرض» في مقام حكايـة الـفعل في الـمعيّـة مكابرة، خصوصاً بملاحظـة قضاء الـعادة بأنّه لو وقع مترتّباً لوقع الـتصريح به ولو في بعض الأخبار الـحاكيـة له.
و الإنصاف: منع ظهور الـروايات في اعتبار الـمعيّـة، و اجتماع الإشعارات لا يوجب الـبلوغ مرتبـة الـدلالـة، نعم لا يبعد أن يكون استمرار الـعمل الـخارجي من الـمتشرّعـة على رعايـة الـمعيّـة و الـتزامهم بها كاشفاً عن اعتبارها، فتدبّر.
في اعتبار كون الـضرب بالأرض
ا لـجهـة الـسادسـة: في كون الـضرب بالأرض، و قد تقدّم معنى الـصعيد الـمأخوذ في آيـة الـتيمّم مفصّلاً، و الـمقصود هنا أنّه لا يعتبر اتّصال الـتراب و نحوه بالأرض، و لا كونه موضوعاً عليها، بل يجزي لو كان على غيرها ولو بدن غيره.