(الصفحة 409)
يمكن أن يقال بأنّ ظهور سياق هذه الـطائفـة ـ في كون مسح الـجبهـة أيضاً واقعاً با لـيد الـمضروبـة على الأرض، و الـفرض أنّه متعدّد ـ دليل على كون مسح الـجبهـة واقعاً با لـيدين، كما لا يخفى، و لا أقلّ من عدم ظهورها في الاكتفاء بيد واحدة.
ا لـثانيـة: ما يكون من قبيل موثّقـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الـتيمّم الـمتقدّمـة، قال:
«تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك».(1)
و صحيحـة ليث الـمرادي الـمتقدّمـة أيضاً، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في الـتيمّم قال:
«تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك».(2)
و قد ادّعي ظهور هذه الـطائفـة، بل صراحتها في كون مسح الـوجه با لـيدين، ولكنّه ذكر الـعلاّمـة الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» أنّه يمكن إنكار ظهورها فضلاً عن صراحتها، و ملخّص ما أفاده: «أنّ محتملات قوله:
«و تمسح بهما وجهك و يديك» أو «و ذراعيك»، كثيرة، بحسب بادي الـنظر:
أحدها: أن يكون الـمراد تمسح بهذه و هذه وجهك و يدك الـيمنى و يدك الـيسرى، جموداً على ظاهر علامـة الـتثنيـة من تكرير مدخولها و ظاهر الـضمير الـراجع إلى طبيعـة الـيدين من غير اعتبار الاجتماع في الـمدخول و الـمرجع، فإنّه يحتاج إلى مؤونـة زائدة، ولازم هذه الاحتمال لزوم مسح كلّ يد جميع الجبهة أو هي مع الجبينين، وكذا مسح كلّ من الـيدين الـماسحين كلّ واحد من الـممسوحين، و هو غير ممكن في الـثاني، و لم يلتزموا به في الأوّل، فهذا الاحتمال مدفوع لذلك.
ثانيها: أن يكون الـمراد تمسح بمجموعهما وجهك و كلّ واحد من يديك، و لازمه
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 7.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 2.
(الصفحة 410)
لزوم مسح كلّ من الـيدين بمجموعهما، و هو أيضاً مدفوع لامتناعه.
ثا لـثها: أن يكون الـمراد تمسح بمجموعهما وجهك و مجموع الـيدين، و لازم ذلك ما هو الـمشهور.
رابعها: أن يكون المراد تمسح بمجموعهما مجموع الـوجه و اليدين، أي بمجموع هذين مجموع الـثلاثة، ولازم ذلك جواز مسح الـوجه بيد واحدة كما اختاره المحقّقان الـمتقدّمان، و لا ترجيح لأوّل الأخيرين لو لم نقل بترجيح ثانيهما; لأجل ارتكاز العرف بأنّ الـمسح لإيصال أثر الأرض ولو أثرها الاعتباري من غير دخا لـة مجموع الـيدين في ذلك، و ضرب الـيدين إنّما هو لتحصيل الـمسحات الـثلاث، لا لمسح الـوجه بهما، فيوافق إطلاق الآيـة، و مع تساويهما أو الـترجيح الـظنّي للأوّل لا يترك الإطلاق; لعدم ظهور معتدّ به، و عدم كون الـظنّ مستنداً إلى ظهور اللفظ حتّى يكون حجّـة».
أقول: الـظاهر أنّه بعد لزوم ضرب الـيدين أو وضعهما أوّلاً، خصوصاً بعد اعتبار الـمعيّـة و الـدفعـة كما عرفت، و بعد الارتكاز الـمزبور الـذي أفاده دام ظلّه من كون الـمسح لإيصال أثر الأرض، و بعد ملاحظـة أنّ الـوجه شيء واحد لا تعدّد فيه، و أنّ اليدين مع ثبوت التعدّد فيهما لايعقل مسحهما بكلّ واحد من الـماسحين، يصير الفرق بين الـوجه وا لـيدين بحسب المتفاهم الـعرفي واضحاً، فإنّ الـوجه حيث يكون واحداً وا لمفروض لزوم مسحه با لـيدين الـمضروبتين على الأرض كما هو ظاهر هذه الطائفة، فا لـلازم مسحه بكلّ واحدة منهما، لا بمعنى مسح كلّ جزء منه بكلّ واحدة منهما لما عرفت من الارتكاز الـمزبور، وأمّا الـيدين من جهـة الـممسوحية فلمّا يكونان متعدّداً فا لـلازم أن تمسح كلّ واحدة منهما بواحدة فقط، لعدم الـمعقوليـة، و للارتكاز.
فالإنصاف: ظهور هذه الـطائفـة في اعتبار كون مسح الـوجه بجموع الـيدين.
(الصفحة 411)
ا لـطائفـة الـثا لـثـة: ما يكون من قبيل صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)ا لـحاكيـة لقصّـة عمّار الـمشتملـة على قوله (عليه السلام):
«ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الـصعيد، ثمّ مسح جبينه (جبينيه) بأصابعه و كفّيه إحداهما بالاُخرى، ثمّ لم يعدّ ذلك»(1)
.
و موثّقته الـحاكيـة لهذه الـقصّـة الـمشتملـة على قوله (عليه السلام):
«فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى، ثمّ مسح بجبينه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى»(2)
.
و روايـة الـكاهلي الـتي رواها عنه صفوان قال: سأ لـته عن الـتيمّم قال: فضرب بيده على الـبساط فمسح بهما وجهه، ثمّ مسح كفّيه إحداهما على ظهر الاُخرى(3)
. و غيرها من الروايات التي وقع فيها التعبير بهذه الـكيفيـة، الظاهرة في أنّ مسح الـوجه و الـجبين قد وقع بعين ما ضرب على الأرض أو الـبساط، و لولا ذلك لكان الـلازم في مقام الـنقل و الـحكايـة أن يقال: ثمّ مسح بإحداهما وجهه أو جبينه، كما لا يخفى.
و قد انقدح من جميع ذلك: أنّه مع ملاحظـة الـروايات لابدّ من تقييد إطلاق الآيـة و الـحكم بكونها مقيّدة، بلزوم كون الـمسح بالإضافـة إلى الـوجه بكلتا الـيدين.
في تحديد الـممسوح من الـوجه
ا لـجهـة الـثانيـة: في تحديد الـممسوح من الـوجه.
فنقول: أمّا الـفتاوى و آراء الأصحاب رضي اللّه عنهم فا لـمشهور بين الـمتقدّمين،
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 8.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 9.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 1.
(الصفحة 412)
و كذا بين الـمتأخّرين، هو وجوب مسح الـجبهـة و الـجبينين، و قد حكي ذلك عن «جامع الـمقاصد» و «مجمع الـبرهان» و «ا لـمدارك» و «شرح الـمفاتيح» و «منظومـة الـطباطبائي» و «فوائد الـشرائع» و «حاشيـة الإرشاد» و «شرح الـجعفريـة» و «حاشيـة الـميسي» و «ا لـروضـة» و «ا لـمسا لـك» و «رسا لـة صاحب الـمعا لـم»، و عن «مجمع الـبرهان»: أنّه الـمشهور، بل عن «شرح الـمفاتيح»: لعلّه لا نزاع فيه بين الـفقهاء. بل في الـجبهـة على ما في «ا لـجواهر»: إجماعاً محصّلاً و منقولاً مستفيضاً، بل متواتراً. و في «ا لـمستند»: هو محلّ الـوفاق بين الـمسلمين، بل هو ضروري الـدين. و نحوه ما عن «ا لـمصابيح». و عن «رسا لـة علي بن بابويه» الالتزام باستيعاب مسح الـوجه و الـذراعين.
و أمّا الأدلّـة: فمقتضى إطلاق الآيـة جواز مسح بعض الـوجه، أيّ بعض كان، لكون الـباء فيها تبعيضيـة على ما شهدت به الـروايـة و الأدبيـة.
أمّا الرواية: فقوله(عليه السلام) في صحيحـة زرارة الـمعروفة الـمتقدّمـة:
«فلمّا أن وضع الوضوء عمّن لم يجد الـماء أثبت بعض الغسل مسحاً; لأنّه قال: (بوجوهكم ...)»(1)
.
و أمّا الأدبيـة: فقال الـسيّد الـمرتضى (قدس سره) و هو من أهل الـخبرة في هذه الـصناعـة: إنّ الـباء إذا لم يكن لتعديـة الـفعل إلى الـمفعول فلابدّ له من فائدة و إلاّ كان عبثاً، و لا فائدة بعد ارتفاع الـتعديـة به إلاّ الـتبعيض.
و أمّا الـروايات: فا لـتعبيرات الـواقعـة فيها مختلفـة، ففي بعضها ـ و هي الأكثر ـ عنوان «ا لـوجه»، و منها ما عبّر فيه با لـجبينين، و منها ما عبّر فيه با لـجبين مفردة.
و أمّا الـجبهـة: فعن «كشف اللثام»: ادّعى الـحسن تواتر الأخبار بأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم)حين
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمم، الـباب 13، الـحديث 1.
(الصفحة 413)
علّم عمّاراً مسح بهما جبهته، ولكنّه اعترض عليه بأنّه لم توجد روايـة متضمّنـة للجبهـة، نعم روايـة زرارة الـمتقدّمـة ـ الـمردّدة بين كونها صحيحـة أو موثّقـة ـ قد رواها الـكليني كما تقدّم من الـتعبير فيه با لـجبين، و رواها الـشيخ (قدس سره)، عن الـكليني كذلك، و عن الـمفيد، لكنّه ذكر فيه بدل «ا لـجبين» «ا لـجبهـة».
و في روايـة زرارة الـمحكيّـة عن «تفسير الـعياشي» قد عبّر با لـمسح من بين الـعينين إلى أسفل الـحاجبين.
و في روايـة «فقه الـرضا» وقع الـتعبير بموضع الـسجود من مقام الـشعر إلى طرف الأنف، و روى فيه مسح الـوجه من فوق الـحاجبين، و بقي ما بقي.
أقول: الـروايات الـتي قد عبّر فيها با لـوجه ظاهرها لزوم الاستيعاب; لأنّ الأمر با لـمسح على الـوجه أو حكايته ظاهران في تحقّق الاستيعاب، ولكنّه لا محيص من الـتصرّف في هذا الـظهور، لأنّه مضافاً إلى دلالـة روايات كثيرة على عدم وجوب الاستيعاب، قد عرفت ظهور الآيـة، بل صراحتها بلحاظ كلمـة الـباء في الـتبعيض و عدم لزوم الاستيعاب، مضافاً إلى أنّه لم ينقل الـقول به من أحد غير الـرسا لـة الـمذكورة، فلابدّ من الـتصرّف فيها بوجه، إمّا برفع الـيد عن ظهورها في وجوب الاستيعاب با لـحمل على الاستحباب، أو رفع الـيد عن ظهورها في الاستيعاب با لـحمل على إرادة مسح الـوجه في الـجملـة ولو بمسح بعضه، أو با لـحمل على الـتخيير كما يظهر من «ا لـمعتبر» حيث قال با لـتخيير بين استيعاب الـوجه و مسح بعضه، بشرط عدم الاقتصار على أقلّ من الـجبهـة.
هذا، مضافاً إلى ما أفاده الـعلاّمـة الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» من أنّ الـشأن في صلاحيـة هذه الـروايات الـمتجاوزة عن الـعشر لإثبات الـوجوب في نفسها