(الصفحة 427)
في الـجملـة، و يستفاد من الـمتن أنّ الـتعذّر لأجل الـحائل يترتّب عليه حكم الـتعذّر في الـجملـة لغيره، و عليه فا لـمراد من الـتعذّر الـمطلق هو الـتعذّر لأجل غير الـحائل، فهنا صورتان:
الاُولى: الـتعذّر الـمطلق بحيث لم يمكن الـضرب و الـمسح بشيء من أبعاض الـباطن، و قد حكم فيها في الـمتن أوّلاً بالانتقال إلى الـظاهر، ثمّ نفي الـخلوّ عن الـوجه في الانتقال إلى الـذراع مكان الـظاهر عند الـدوران بينهما، ثمّ احتاط با لـجمع بينهما، و هنا احتمال رابع و هو الـتخيير بين الـظاهر و باطن الـذراع.
و في «ا لـرسا لـة» نفى دام ظلّه الـبعد عن ترجيح احتمال الانتقال إلى باطن الـذراع، مستدلاًّ له بقوله: «إنّ أصل اعتبار كون الـماسح هو الـيد و الـكفّين غير مستفاد من الأدلّـة اللفظيـة كما مرّ، و إنّما قلنا باعتباره للسيرة و الإجماع، و الـمتيقّن منهما اعتباره حال عدم الـتعذّر و في صورة الاختيار، و أمّا مع الـتعذّر فالأصل و إن اقتضى عدم اعتبار إحدى الـخصوصيتين، لكن الـمتفاهم من الأدلّـة كما مرّت الإشارة إليه مخا لـفـة الـماسح للممسوح، و أنّ آلـة الـمسح موصلـة لأثر الأرض ولو أثراً اعتبارياً إلى ما لم يلمس الأرض، و مع الـقول بالانتقال إلى الـظاهر لابدّ من رفع الـيد عن هذا الـظاهر.
و بعبارة اُخرى: يعتبر في الـتيمّم حال الاختيار كون الـمسح بباطن الـكفّ، و مغايرة الآلـة للممسوح، و في حال الـتعذّر يرفع الـيد عن الـباطن، و تحفظ الـمغايرة مع حفظ آليـة الـيد، فيرجّح الـذراع على الـظاهر، لكن ما ذكرناه لا يساعد كلمات الـقوم ممّن تعرّض للمسأ لـة، و الاحتياط با لـجمع لا ينبغي تركه».
هذا، و الـمرجّح للانتقال إلى الـظاهر هو حفظ عنوان الـكفّ الـمأخوذ في معقد
(الصفحة 428)
الإجماع و الـجاري عليه الـسيرة، و الانتقال إلى الـذراع و إن كان يوجب الـتحفّظ على الـمغايرة الـتي أفادها دام ظلّه، إلاّ أنّ عنوان الـكفّ ينتفي أيضاً، بخلاف الانتقال إلى الـظاهر، إلاّ أن يقال: إنّ ارتكاز الـتحفّظ على الـمغايرة بنحو يوجب انصراف الـذهن عن الانتقال إلى الـظاهر في صورة الـتعذّر، ولكنّه لم يثبت، فا لـظاهر هو الـتخيير و إن كان غير مساعد لكلمات الـمتعرّضين.
ا لـثانيـة: الـتعذّر في الـجملـة با لـمعنى الـمذكور الـشامل لوجود الـحائل على جميع الـباطن، و قد احتاط فيها با لـجمع، و نقول:
أمّا تعذّر بعض الـباطن فيمكن الـقول فيه بالاجتزاء بضربـة و الـمسح به، لقاعدة الـميسور و الإجماع على الاستيعاب، و كذا الـسيرة يختصّان بصورة عدم الـتعذّر، مضافاً إلى إطلاق الأمر بضرب الـيد بعد وضوح عدم كون الـمراد هو جميع أبعاضه، كما أنّ الـضرب ببعض الـباطن أقرب إلى الـماهيـة بنظر الـمعرف من ضرب الـظاهر لحفظ الـمغايرة الـمذكورة، ولكنّه يوجب ترجيح الـباطن على الـظاهر، و أمّا الـجمع بينهما كما هو مقتضى الاحتياط للعلم الإجما لـي بوجوب واحد منهما فلا ينافيه ما ذكر.
و أمّا وجود الـحائل على جميع الـباطن فإنّه مع تعذّر إزا لـته ـ كما هو الـمفروض ـ يصير بمنزلـة الـبشرة في صورة الـضرورة، و يؤيّده الـمسح على الـمرارة الـمأمور به في روايـة عبد الأعلى الـمعروفـة و عليه فمع الـقدرة على ضرب الـباطن مع ما عليه من الـحائل لا يعدل إلى الـظاهر، سيّما مع اقتضائه الـتحفّظ على الـمغايرة الـمذكورة.
ولكنّه يمكن أن يقال: إنّ الـضرورة كما يمكن أن تكون مؤثّرة في قيام الـحائل منزلـة الـبشرة، يمكن أن تكون مؤثّرة في الانتقال إلى الـظاهر مع تعذّر الـباطن بلا
(الصفحة 429)
حائل، و لا ترجيح لأحد الأمرين على الآخر إلاّ أن يقال إنّ الـترجيح في الـتنزيل منزلـة الـبشرة بلحاظ حفظ عنوان الـباطن و الـمغايرة معاً، غايـة الأمر انتفاء الـبشرة، و في الانتقال إلى الـظاهر يبقى هذا الـعنوان و ينتفي الـعنوانان.
هذا، و الـظاهر ما أفاده دام ظلّه في الـمتن من الاحتياط للعلم الإجما لـي بوجوب أحد الأمرين إمّا الـضرب أو الـمسح با لـحائل، و إمّا الـضرب أو الـمسح با لـظاهر، فيجب الـجمع بينهما.
في الـتعذّر لأجل الـنجاسـة
ا لـمقام الـثاني: في وجود الـنجاسـة، و فيها فروع:
الأوّل: ما إذا كان الـباطن كلّه أو بعضه متنجّساً بنجاسـة غير حائلـة و لا غير متعدّيـة لا إلى الأرض و لا إلى الـممسوح و تعذّرت إزا لـتها، و قد حكم فيه في الـمتن بعدم الانتقال في هذا الـفرض إلى الـظاهر، بل يضرب و يمسح با لـباطن، ولكنّه دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» حكم بالانتقال إلى الـذراعين، مجيباً عن دعوى أنّ حفظ الـذات أولى من حفظ الـوصف، فمع الانتقال إلى غير باطن الـكفّ ترك الأصل و الـذات حفظاً للوصف بخلاف الـمسح من الـباطن الـنجس، بأنّ أمثال هذه الاُمور الاعتباريـة و الـترجيحات الـظنّيـة غير معوّل عليها في الأحكام الـتعبدّيـة الـبعيدة عن الـعقول، مع ما عرفت من أنّ اعتبار باطن الـكفّ بل مطلق آليـة الـيد غير مستفاد من الأدلّـة لولا الإجماع و الـسيرة الـمفقودان في مثل الـمقام.
و الـظاهر ما أفاده هنا كما هو الـمصرّح به في «ا لـجواهر» و غيره، لأنّه لا دليل على اعتبار الـطهارة و شرطيتها في هذه الـصورة، بل لا دليل معتدّاً به على اشتراط خلوّ
(الصفحة 430)
مواضع الـتيمّم مطلقاً حتّى مع الاختيار عن الـنجاسـة غير الـساريـة عدا الإجماع الـذي ادّعاه بعض و لم يثبت، خصوصاً في مقابل إطلاق الـكتاب و الـسنّـة، و سيأتي الـبحث فيه إن شاء اللّه تعا لـى، و على أىّ فلم يقم دليل على اعتبار الـطهارة في هذا الـفرض، فلا وجه للانتقال إلى الـظاهر، و لا إلى الـذراع.
ا لـثاني: ما إذا كانت الـنجاسـة حائلـة مستوعبـة، و لم تكن ساريـة، و لم يمكن الـتطهير و الإزا لـة، و قد احتاط فيه با لـجمع بين الـضرب با لـباطن و الـضرب با لـظاهر.
و مقتضى ما أفاده دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» الانتقال إلى الـذراع هنا بطريق أولى; لأنّ الـمفروض وجود الـنجاسـة مع وصف الـحيلولـة الـمانعـة عن الـمسح با لـبشرة، هذا و مقتضى ما استظهرناه في الـمقام الأوّل في صورة وجود الـحائل هو لزوم الاحتياط هنا كما هناك.
ا لـثا لـث: ما إذا كانت الـنجاسـة متعدّيـة إلى الـصعيد مع عدم إمكان الـتجفيف، و الـمستفاد من الـمتن في هذه الـصورة ثبوت الـتخيير بين الـمسح با لـظاهر، و بين الـمسح بباطن الـذراع، ولكن ربّما يقال إنّ ظاهر الأدلّـة اعتبار طهارة الـصعيد عند ضرب الـيد عليه، فإذا صار قذراً با لـضرب لا يضرّ با لـتيمّم.
و اُورد عليه في «ا لـرسا لـة» بقوله: «و فيه أنّ ظاهر الآيـة ـ مع قطع الـنظر عن صحيحـة زرارة ـ اعتبار طهارته عند رفع الـيد منه أيضاً لمكان «منه»، فإنّ الـظاهر رجوع الـضمير إلى الـصعيد الـطيّب، فمع ابتدائيـة «من» كما هي الأرجح يكون الـمعنى: فامسحوا مبتدء من الـصعيد الـطيّب.
نعم، بناء على رجوع الـضمير إلى الـتيمّم كما في صحيحـة زرارة الـمفسّرة
(الصفحة 431)
للآيـة، يشكل استفادة ما ذكر منها كما تقدّم بعض الـكلام فيها، إلاّ أن يقال إنّ الـمراد من قوله: «ذلك الـتيمّم»، ذلك الـضرب الـواقع على الـصعيد الـطيّب، و مع قذارته با لـضرب يخرج من ذلك الـعنوان، فتأمّل».
أقول: قد تقدّم تفصيل الـكلام في معنى الآيـة الـشريفـة، و ذكرنا هناك أنّه من الـبعيد جدّاً أن تكون الآيـة الـمشتملـة على كلمـة «منه» مفيدة لخصوصيـة مغايرة للآيـة الـخا لـيـة عن هذه الـكلمـة، و ذكرنا أيضاً أنّ الآيـة بملاحظـة الـروايـة الـواردة في تفسيرها ظاهرة في كون كلمـة «منه» متعلّقـة بخصوص الأيدي، و الـغرض الـتيمّم من نفس ذلك الـضرب الـواقع أوّلاً من دون لزوم ضرب آخر، و عليه فلا يستفاد منها ما أفاده دام ظلّه، و لعلّه يأتي الـكلام في هذه الـجهـة فيما بعد أيضاً.
و كيف كان: فا لـظاهر هو الـتخيير الـذي أفاده هنا، و يظهر وجهه ممّا ذكرنا في حكم الـصورة الاُولى في الـمقام الأوّل.
ا لـرابع: ما لو كانت الـنجاسـة على الأعضاء الـممسوحـة، و تعذّر الـتطهير و الإزا لـة، و قد حكم في الـمتن بلزوم الـمسح عليها، و الـظاهر أنّ مراده ما إذا لم تكن الـنجاسـة حائلـة و إن كان الـتعبير بالإزا لـة بعد الـتطهير يشعر بعموم الـحكم، موجه إلاّ أنّه مع الـعطف با لـواو يكون الـظاهر أنّ مراده صورة عدم الـحيلولـة، فتدبّر.
و مرجع ما أفاده إلى عدم اعتبار الـطهارة في هذه الـصورة الـتي يكون الـمفروض فيها تعذّر الـتطهير، مع أنّ أصل دليل اعتبار الـطهارة في الـعضو الـممسوح ليس بمسلّم، فإنّ الإجماع الـمدّعى على ذلك غير ثابت، كما أنّ الاستدلال عليه بأنّ بدليته من الـطهارة الـمائيـة تقتضي مساواته لها في جميع الأحكام الـتي لم يدلّ دليل على خلافها أيضاً لا ينبغي الالتفات إليه، لعدم استفادة ذلك من أخبار الـتيمّم بوجه.
|