(الصفحة 430)
مواضع الـتيمّم مطلقاً حتّى مع الاختيار عن الـنجاسـة غير الـساريـة عدا الإجماع الـذي ادّعاه بعض و لم يثبت، خصوصاً في مقابل إطلاق الـكتاب و الـسنّـة، و سيأتي الـبحث فيه إن شاء اللّه تعا لـى، و على أىّ فلم يقم دليل على اعتبار الـطهارة في هذا الـفرض، فلا وجه للانتقال إلى الـظاهر، و لا إلى الـذراع.
ا لـثاني: ما إذا كانت الـنجاسـة حائلـة مستوعبـة، و لم تكن ساريـة، و لم يمكن الـتطهير و الإزا لـة، و قد احتاط فيه با لـجمع بين الـضرب با لـباطن و الـضرب با لـظاهر.
و مقتضى ما أفاده دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» الانتقال إلى الـذراع هنا بطريق أولى; لأنّ الـمفروض وجود الـنجاسـة مع وصف الـحيلولـة الـمانعـة عن الـمسح با لـبشرة، هذا و مقتضى ما استظهرناه في الـمقام الأوّل في صورة وجود الـحائل هو لزوم الاحتياط هنا كما هناك.
ا لـثا لـث: ما إذا كانت الـنجاسـة متعدّيـة إلى الـصعيد مع عدم إمكان الـتجفيف، و الـمستفاد من الـمتن في هذه الـصورة ثبوت الـتخيير بين الـمسح با لـظاهر، و بين الـمسح بباطن الـذراع، ولكن ربّما يقال إنّ ظاهر الأدلّـة اعتبار طهارة الـصعيد عند ضرب الـيد عليه، فإذا صار قذراً با لـضرب لا يضرّ با لـتيمّم.
و اُورد عليه في «ا لـرسا لـة» بقوله: «و فيه أنّ ظاهر الآيـة ـ مع قطع الـنظر عن صحيحـة زرارة ـ اعتبار طهارته عند رفع الـيد منه أيضاً لمكان «منه»، فإنّ الـظاهر رجوع الـضمير إلى الـصعيد الـطيّب، فمع ابتدائيـة «من» كما هي الأرجح يكون الـمعنى: فامسحوا مبتدء من الـصعيد الـطيّب.
نعم، بناء على رجوع الـضمير إلى الـتيمّم كما في صحيحـة زرارة الـمفسّرة
(الصفحة 431)
للآيـة، يشكل استفادة ما ذكر منها كما تقدّم بعض الـكلام فيها، إلاّ أن يقال إنّ الـمراد من قوله: «ذلك الـتيمّم»، ذلك الـضرب الـواقع على الـصعيد الـطيّب، و مع قذارته با لـضرب يخرج من ذلك الـعنوان، فتأمّل».
أقول: قد تقدّم تفصيل الـكلام في معنى الآيـة الـشريفـة، و ذكرنا هناك أنّه من الـبعيد جدّاً أن تكون الآيـة الـمشتملـة على كلمـة «منه» مفيدة لخصوصيـة مغايرة للآيـة الـخا لـيـة عن هذه الـكلمـة، و ذكرنا أيضاً أنّ الآيـة بملاحظـة الـروايـة الـواردة في تفسيرها ظاهرة في كون كلمـة «منه» متعلّقـة بخصوص الأيدي، و الـغرض الـتيمّم من نفس ذلك الـضرب الـواقع أوّلاً من دون لزوم ضرب آخر، و عليه فلا يستفاد منها ما أفاده دام ظلّه، و لعلّه يأتي الـكلام في هذه الـجهـة فيما بعد أيضاً.
و كيف كان: فا لـظاهر هو الـتخيير الـذي أفاده هنا، و يظهر وجهه ممّا ذكرنا في حكم الـصورة الاُولى في الـمقام الأوّل.
ا لـرابع: ما لو كانت الـنجاسـة على الأعضاء الـممسوحـة، و تعذّر الـتطهير و الإزا لـة، و قد حكم في الـمتن بلزوم الـمسح عليها، و الـظاهر أنّ مراده ما إذا لم تكن الـنجاسـة حائلـة و إن كان الـتعبير بالإزا لـة بعد الـتطهير يشعر بعموم الـحكم، موجه إلاّ أنّه مع الـعطف با لـواو يكون الـظاهر أنّ مراده صورة عدم الـحيلولـة، فتدبّر.
و مرجع ما أفاده إلى عدم اعتبار الـطهارة في هذه الـصورة الـتي يكون الـمفروض فيها تعذّر الـتطهير، مع أنّ أصل دليل اعتبار الـطهارة في الـعضو الـممسوح ليس بمسلّم، فإنّ الإجماع الـمدّعى على ذلك غير ثابت، كما أنّ الاستدلال عليه بأنّ بدليته من الـطهارة الـمائيـة تقتضي مساواته لها في جميع الأحكام الـتي لم يدلّ دليل على خلافها أيضاً لا ينبغي الالتفات إليه، لعدم استفادة ذلك من أخبار الـتيمّم بوجه.
(الصفحة 432)
و على تقديره فربّما يقال: إنّ اشتراط طهارة الـمحلّ في الـطهارة الـمائيـة إنّما هو لحفظ الـماء عن الانفعال، فلا يقتضي دليل الـتنزيل الـمنع من الـنجاسـة غير الـساريـة هنا كما هو الـمفروض.
و منه يظهر الـجواب عن استدلال الـعلاّمـة (قدس سره) في محكيّ «ا لـتذكرة» على اشتراط طهارة الأعضاء الـممسوحـة في الـتيمّم، بأنّ الـتراب ينجس بملاقاة الـنجس، فلا يكون طيّباً.
مضافاً إلى أنّ زوال وصف «ا لـطيّب» بناء على كونه بمعنى الـطاهر الـشرعي، كما استفدناه من مجموع الأدلّـة الـتى اُقيمت على إثباته بسبب الـمسح و الـملاقاة مع الـعضو الـممسوح لا يقدح ظاهراً، خصوصاً بالإضافـة إلى الأيدي الـتي لايكون بعدها مسح، فا لـظاهر ما اُفيد في الـمتن من الـمسح على الـعضو الـنجس.
(الصفحة 433)
ا لـقول فيما يعتبر في الـتيمّممسأ لـة 1: يعتبر الـنيّـة في الـتيمّم على نحو ما مرّ في الـوضوء قاصداً به الـبدليـة عمّا عليه من الـوضوء أو الـغسل، مقارناً بها الـضرب الـذي هو أوّل أفعا لـه.
و يعتبر فيه الـمباشرة و الـترتيب حسب ما عرفته.
و الـموالاة: بمعنى عدم الـفصل الـمنافي لهيأته و صورته.
و الـمسح من الأعلى إلى الأسفل في الـجبهـة و الـيدين بحيث يصدق ذلك عليه عرفاً.
و رفع الـحاجب عن الـماسح و الـممسوح حتّى مثل الـخاتم، و الـطهارة فيهما، و ليس الـشعر الـنابت على الـمحلّ من الـحاجب فيمسح عليه، نعم يكون منه الـشعر الـمتدلّي من الـرأس إلى الـجبهـة إذا كان خارجاً عن الـمتعارف، و يعدّ حائلاً عرفاً، لا مثل الـشعرة و الـشعرتين فيجب رفعه، هذا كلّه مع الاختيار، أمّا مع الاضطرار فيسقط الـمعسور، ولكن لا يسقط به الـميسور1 .
(1) يعتبر في الـتيمّم على ما في الـمتن اُمور:
في قصد الـقربـة
أحدها: قصد الـقربـة الـراجع إلى قصد عنوان الـتيمّم و الإتيان به بما يؤتى به سائر الـعبادات، و الـوجه في اعتباره في الـتيمّم ـ مع أنّ مقتضى إطلاق الآيـة الـواردة في الـتيمّم اللفظي أو الـمقامي، و كذا إطلاق جملـة من الـروايات هو عدم الاعتبار ـ هو الإجماع الـذي تظافرت دعويه من جمع كثير من أعلام الـفقهاء و أعاظم الأصحاب، بل
(الصفحة 434)
ربّما تدّعي الـضرورة على أنّ الـتيمّم إنّما هو كمبدله من الـوضوء و الـغسل في هذه الـجهـة، فلا ينبغي الارتياب في عباديته الـمتقوّمـة بنيّـة الـقربـة.
و يعتبر في نيّته أمران:
في اعتبار قصد الـبدليـة في الـتيمّم
الأوّل: قصد الـبدليـة عمّا عليه من الـوضوء أو الـغسل، و الـدليل عليه على ما في «ا لـمصباح» أنّه لمّا كان الـتيمّم مختلفاً با لـنوع ـ لوقوعه بدلاً من الـوضوء و غسل الـجنابـة و الـحيض و غيرها من الأغسال الـمختلفـة با لـنوع، من غير أن يجتزئ بما يقع بدلاً من بعض عمّا يقع بدلاً من آخر، إلاّ أن يكون مبدله كذلك ـ وجب تمييز كلّ نوع عند إرادة امتثال الأمر الـمتعلّق به عمّا يشاركه في الـجنس حتّى يصحّ وقوعه امتثالاً لذلك الأمر الـمتعلّق با لـنوع، و حيث إنّه لا سبيل لنا إلى تشخيص تلك الـطبائع بغير الـقصد، وجب علينا عند إرادة الإتيان بشيء من تلك الأنواع الـقصد إلى وقوعه بعنوان يخصّ ذلك الـنوع، ككونه بدلاً من الـوضوء أو غيره أو ما يؤدّي مؤدّاه في الـتمييز و إن لم يقصد به عنوان الـبدليـة، كأن قصد مثلاً بفعله تيمّماً، يقع امتثالاً للأمر الـناشئ من خروج الـبول أو الـمنيّ أو غير ذلك ممّا يوجب تمييز الـمأمور به عن غيره ولو بتوصيفه با لـوجوب، كما إذا انحصر الـواجب في حقّه في نوع، فنوى بفعله الإتيان بذلك الـتيمّم الـذي وجب عليه با لـفعل.
ولكنّه دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» أنكر اعتبار قصد الـبدليـة و لو مع الـقول بأنّه بدل; لعدم الـدليل عليه، بل مقتضى الإطلاق عدمه، لأنّ عنوان الـبدليـة ـ بناء عليه ـ ثابت لنفسه من غير دخا لـة للقصد فيه.
|