(الصفحة 436)
و با لـجملـة: لا يستفاد منه إلاّ كون الـتيمّم مثل الـوضوء في الـحكم الـمذكور أو مطلقاً، نظير قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«أنت منّي بمنزلـة هارون من موسى». فإنّ كون أميرا لـمؤمنين (عليه السلام)بمنزلـة هارون لا يستلزم نيابته عن هارون، و أصا لـة هارون في نيابته عن موسى، و عدم أصا لـة الـمولى (عليه السلام) في نيابته عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم).
و أمّا الـروايـة الـثانيـة فلا إشعار فيه للمدّعى، فإنّ كون الـتيمّم للوضوء لا معنى له بحسب ظاهره، و الـظاهر أنّ ذكر الـوضوء و غسل الـجنابـة لمجرّد الـمعرّفيـة عن الـتيمّم الـذي هو للحدث الأصغر و الأكبر، فلا يستفاد منه الـبدليـة بوجه.
و كذا لا تستفاد من الـثا لـثـة، لأنّ قوله: «من الـوضوء»، لو لا تعقّبه بقوله: «و الـجنابـة و عن الـحيض» لا يبعد ظهوره في الـبدليـة و إن كان وقوعه في لفظ الـراوي لا يفيد شيئاً، و ليس قول الإمام (عليه السلام) تقريراً لذلك، لكن مع تعقّبه به يدفع ذلك.
و الإنصاف: أنّ تلك الـروايات لا تكون في مقام إفادة بدليـة الـتيمّم و أصا لـة الـوضوء و الـغسل، بل هي بصدد مجرّد الـمعرفيّـة، نظير قوله (عليه السلام) في صحيحـة محمّد بن مسلم بعد بيان الـتيمّم:
«هذا الـتيمّم على ما كان فيه الـغسل ...»(1)
بل الـظاهر من مثل قوله:
«ا لـتراب أحد الـطهورين» و قوله:
«إنّ اللّه جعلهما طهوراً: الـماء و الـصعيد» عدم الـبدليـة».
و قد ظهر ممّا أفاده دام ظلّه أنّه لا دليل على الـبدليـة بوجه حتّى يبحث في اعتبار قصدها و عدمه، و عليه ففيما إذا اتّحد ما عليه من الـتيمّم لا يجب الـتعيين للمبدل منه، و لا الإشارة إليه أصلاً; لأنّ الـواجب هو الـتيمّم الـواحد و قصد الـبدليـة غير معتبر.
و أمّا مع الـتعدّد كا لـحيض و مسّ الـميت مثلاً، فا لـظاهر لزوم الـتعيين، لا لأجل
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 5.
(الصفحة 437)
اقتضاء الـبدليـة ذلك، بل لأنّ تعيّن نوع واحد من بين الأنواع لا طريق له غير الـقصد، كما عرفت من «ا لـمصباح».
في اعتبار مقارنـة الـنيّـة للضرب
ا لـثاني: الـمقارنـة للضرب و اعتبارها واضح على تقدير كون الـضرب من أجزاء الـتيمّم و أفعا لـه، و ذلك لاعتبار مقارنـة الـنيّـة لأوّل أفعال الـعبادة، بداهـة عدم جواز تأخيرها عنه.
و أمّا على تقدير كون الـضرب معتبراً في الـتيمّم على نحو الـشرطيـة، فقد مرّ في مبحث الـضرب أنّه ربّما يقال بجواز تأخير الـنيّـة عنه، ولكن عرفت هناك اندفاعه، و أنّه لا فرق بين الـجزئيـة و الـشرطيـة من هذه الـجهـة، فراجع.
في الـمباشرة
ثانيها: الـمباشرة، و الـدليل على اعتبارها في الـتيمّم هو الـدليل على اعتبارها في الـوضوء و شبهه، و قد فصّلنا الـقول في ذلك في باب الـوضوء، و لا حاجـة معه إلى الإعادة.
في اعتبار الـترتيب في الـتيمّم
ثا لـثها: الـترتيب بين أفعال الـتيمّم بنحو عرفت، و قد ادّعي الإجماع على اعتباره كما في محكيّ «ا لـغنيـة» و «ا لـمنتهى» و «إرشاد الـجعفريـة» و «ا لـمدارك» و «ا لـمفاتيح»، و استظهر من «ا لـتذكرة» و «ا لـذكرى».
(الصفحة 438)
و عن الـمرتضى أنّ كلّ من أوجب الـترتيب في الـوضوء أوجبه فيه، فمن فرّق بينهما خرق الإجماع.
و عن بعضهم ترك ذكر الـترتيب مطلقاً، أو فيما هو بدل عن الـوضوء، و عن جماعـة ترك ذكره بين الـكفّين.
و مثله يوجب الـوهن في الاستناد إلى الإجماع الـذي ربّما يقال بأنّه هو الـعمدة في دليل اعتبار الـترتيب، نعم لا يبعد جواز الاتّكال على الـشهرة الـتي لا ارتياب في تحقّقها، لا لأجل كونها حجّـة في نفسها، بل لأجل أنّ تحقّقها في الـمقام ـ بعد كون مقتضى إطلاق الـكتاب و الـسنّـة عدم اعتباره بين الـكفّين ـ يكشف عن وجود دليل عليه، كما أنّه يمكن الاستدلال عليه با لـسيرة الـعمليـة الـمستمرّة من الـمتشرّعـة في مثل هذه الـمسأ لـة الـتي تعمّ بها الـبلوى، فإنّ الـظاهر اتّصا لـها إلى زمن الـمعصوم الـكاشف عن الأخذ منه.
و أمّا الأدلّـة اللفظيـة، فمقتضى إطلاق الـكتاب عدم اعتباره أصلاً إلاّ بالإضافـة إلى الـضرب على الأرض على سائر الأجزاء; لعدم تحقّق الـمسح بدونه، و هو كا لـضروري، و أمّا في غيره فلا دلالـة له عليه.
نعم، ذكر الـعلاّمـة الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» ما ملخّصه: «أنّه يستفاد من الآيـة بضميمـة الارتكاز الـعقلائي أنّ فاقد الـماء يقصد الـصعيد لتحصيل الـطهور الـذي كان يحصل با لـماء، و أنّه يجب أن يفعل معه ما يفعل مع الـماء عند فقده، فلو لم تتعرّض الآيـة لكيفيته، و اقتصرت على قوله:
(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) لكان الـمتفاهم الـعرفي منها قيام الـصعيد مقام الـماء، فيفهم منه ما فهمه عمّار من الـتمعّك على الـصعيد للغسل و مسح أعضاء الـوضوء با لـكيفيـة الـتي فيه للحدث الأصغر.
(الصفحة 439)
و با لـجملـة: الـمتفاهم منه وضع الـتراب موضع الـماء من غير تغيير و تبديل في الـكيفيـة، و أنّ الـتبديل إنّما هو فيما يتطهّر به فقط، و حينئذ نقول مع تعقّب ذلك بقوله:
(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ) منه يستفاد منه سقوط الـمسح على الـرجل و الـرأس، و عدم كونه إلى الـمرفق و لا على جميع الـوجه لمكان الـباء.
و أمّا سائر ما يعتبر فيه من الـشرائط و الـموانع فبقيت على حا لـها، كا لـبدئـة با لـوجه، و با لـيمنى، و طهارة الـمحالّ، و سائر الـشرائط.
أقول: بعد عدم دلالـة الآيـة على اعتبار الـترتيب في الـوضوء، و استفادة اعتباره من غيرها، كيف يمكن استفادته في الـتيمّم من آيته؟! إلاّ أن يقال إنّه لا منافاة بين عدم دلالـة الآيـة على اعتباره في الـوضوء، و دلالـة آيـة الـتيمّم على اعتبار كلّ ما يعتبر في الـوضوء في الـتيمّم و لو استفيد اعتباره من دليل خارج، نظراً إلى أنّ مفادها قيام الـصعيد مقام الـماء، و ثبوت الاختلاف في خصوص ما تدلّ عليه، و ليس من موارده الـترتيب.
و أمّا الـروايات: فلا إشكال في دلالتها على تقدّم مسح الـوجه على مسح الـكفّين، و لأجلها يقيّد إطلاق الـكتاب و بعض الـروايات، إنّما الإشكال في استفادة الـترتيب بين الـكفّين منها، و ربّما يستدلّ لها بموثّقـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«أتى عمّار بن ياسر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه، إنّي أجنبت الليلـة فلم يكن معي ماء.
قال: كيف صنعت؟
قال: طرحت ثيابي و قمت على الـصعيد فتمعّكت فيه.
فقال: هكذا يصنع الـحمار، إنّما قال اللّه عزّوجلّ: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً). فضرب
(الصفحة 440)
بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى، ثمّ مسح بجبينه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى، فمسح اليسرى على الـيمنى، وا لـيمنى على اليسرى»(1)
.
نظراً إلى أنّ حكايـة أبي جعفر (عليه السلام) قصّـة عمار لم تكن لمجرّد بيان الـقصّـة و حكايـة أمر تأريخي، بل كانت لمجرّد بيان الـحكم الـشرعي الإلهي، و عليه فلا مجال لأن يقال بعدم الـدلالـة على الـوجوب، لأنّ مجرّد وقوع الـترتيب بين الأفعال لا يدلّ على وجوبه، لأنّه من ضروريات الأفعال الـتي لا يمكن الـجمع بينها، فإنّ الـظاهر أنّ مثل هذه الـحكايـة لا يقصر عن الـبيان الابتدائي.
و حينئذ نقول: إنّه لو لم يكن الـترتيب بين الـكفّين معتبراً لاقتصر على قوله (عليه السلام):
«فمسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى» لكفايته في مقام بيان الـحكم، فلابدّ أن يكون لقوله (عليه السلام) بعد ذلك:
«فمسح الـيسرى على الـيمنى ...» نكتـة، و لابدّ و أن تكون هي مسأ لـة الـترتيب، لعدم تصوّر نكتـة اُخرى غيرها، إلاّ أن يقال: إنّ الإتيان بكلمتي «ثمّ»، أو «ا لـفاء» في غير الـيدين، و الـعطف با لـواو في خصوصهما، ينفى كون الـنظر إلى الـترتيب، لأنّه مع إرادته لكان الـلازم الـعطف بإحداهما، كما لايخفى.
و الإنصاف: أنّ الـروايـة لا تخلو عن إشعار بل دلالـة على اعتبار الـترتيب بين الـيدين.
و يؤيّده ما عن «ا لـعيّاشي»، عن زرارة قال: سأ لـت أباجعفر (عليه السلام) عن الـتيمّم. فقال:
«إن ّ عمّاراً ...» ثمّ ساقها باختلاف يسير مع الـموثّقـة، و قال في ذيلها:
«ثمّ دلك إحدى يديه بالاُخرى على ظهر الـكفّ بدأ با لـيمنى»(2)
.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 9.
- (2)
مستدرك الـوسائل، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 3.