(الصفحة 475)
يقدر على الـماء، و حضرت الـصلاة فتيمّم با لـصعيد، ثمّ مرّ با لـماء و لم يغتسل، و انتظر ماء آخر وراء ذلك، فدخل وقت الـصلاة الاُخرى و لم ينته إلى الـماء، و خاف فوت الـصلاة.
قال:
«يتيمّم و يصلّي، فإنّ تيمّمه الأوّل انتقض حين مرّ با لـماء و لم يغتسل»(1)
.
و غير ذلك من الـروايات الـواردة في الأبواب الـمتفرّقـة الـظاهرة في جواز الـتيمّم في الـسعـة، و عدم لزوم الإعادة.
ا لـطائفـة الـثانيـة: ما تدلّ بالإطلاق على الـصحّـة في الـسعـة مع الـتصريح بعدم لزوم الإعادة.
مثل: صحيحـة الـحلبي أنّه سأل أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل إذا أجنب و لم يجد الـماء.
قال:
«يتيمّم با لـصعيد فإذا وجد الـماء فليغتسل و لا يعيد الـصلاة»(2)
.
و صحيحـة الاُخرى قال: سمعت أباعبدا للّه (عليه السلام) يقول:
«إذا لم يجد الـرجل طهوراً و كان جنباً فليتمسّح من الأرض و ليصلّ، فإذا وجد ماء فليغتسل و قد أجزأه صلاته الـتي صلّى»(3)
.
و مثلها صحيحـة ابن سنان،(4)
و غيرها من الـروايات الـواردة بهذا الـمضمون.
ا لـطائفـة الـثا لـثـة: ما تدلّ على الـصحّـة مع الأمر بالإعادة في الـوقت عند ارتفاع الـعذر:
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 19، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 1.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 4.
- (4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 7.
(الصفحة 476)
مثل: صحيحـة عبدا للّه بن سنان أنّه سأل أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل تصيبه الـجنابـة في الليلـة الـباردة، و يخاف على نفسه الـتلف إن اغتسل.
فقال:
«يتيمّم و يصلّي، فإذا أمن من الـبرد اغتسل و أعاد الـصلاة»(1)
.
و مثلها مرسلـة جعفر بن بشير، عمّن رواه عن أبي عبدا للّه (عليه السلام)(2)
.
و صحيحـة يعقوب من يقطين قال: سأ لـت أباا لـحسن (عليه السلام) عن رجل تيمّم فصلّى، فأصاب بعد صلاته ماءً، أيتوضّأ و يعيد الـصلاة، أم تجوز صلاته.
قال:
«إذا وجد الـماء قبل أن يمضي الـوقت توضّأ و أعاد، فإن مضى الـوقت فلا إعادة عليه»(3)
.
و موثّقـة منصور بن حاذم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في رجل تيمّم فصلّى، ثمّ أصاب الـماء.
فقال:
«أمّا أنا فكنت فاعلاً، إنّي كنت أتوضّأ و اُعيد»(4)
.
و هذه الـطوائف الـثلاث مشتركـة في إفادة صحّـة الـتيمّم في الـسعـة الـتي هي محلّ الـبحث في الـمقام، و إن كان بينها اختلاف من جهـة لزوم الإعادة في الـوقت و عدمه، و هي مسأ لـة اُخرى سيأتي الـبحث عنها، و إن كان الـظاهر فيها عدم اللزوم من جهـة صراحـة الـطائفـة الاُولى في عدم وجوب الإعادة، و مقتضى الـقاعدة حمل الـطائفـة الأخيرة الـظاهرة في الـوجوب على الاستحباب، بل موثّقـة منصور الأخيرة يمكن دعوى إشعارها بل ظهورها في عدم الـوجوب، كما لا يخفى.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 6.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 8.
- (4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 10.
(الصفحة 477)
و أمّا ما استدلّ به على عدم الـجواز فروايات:
منها: صحيحـة محمّد بن مسلم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول:
«إذا لم تجد ماءً، و أردت الـتيمّم فأخّر الـتيمّم إلى آخر الـوقت، فإن فاتك الـماء لم تفتك الأرض»(1)
.
و قد نوقش في الاستدلال بها: بأنّ قوله (عليه السلام):
«فإن فاتك الـماء ...» الـذي هو بمنزلـة الـتعليل للحكم بتأخير الـتيمّم إلى آخر الـوقت، ظاهر في أنّ الأمر با لـتأخير إنّما هو لاحتمال وجدان الـماء و إمكان تحصيل الـطهارة الـمائيـة الـتي هي الـمصداق الأرجح، لا لعدم كون الـتيمّم مع الـسعـة غير مؤثّر في حصول الـطهارة، خصوصاً مع قوله:
«و أردت الـتيمّم» الـظاهر في جوازه و صحّته، كما هو ظاهر.
و منها: موثّقـة عبدا للّه بن بكير، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: قلت له: رجل أمّ قوماً و هو جنب، و قد تيمّم و هم على طهور.
قال:
«لا بأس، فإذا تيمّم الـرجل فليكن ذلك في آخر الـوقت، فإن فاته الـماء فلن تفوته الأرض»(2)
.
و منها: موثّقته الاُخرى قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن رجل أجنب فلم يجد ماءً، يتيمّم و يصلّي؟
قال:
«لا، حتّى آخر الـوقت، أنّه إن فاته الـماء لم تفته الأرض»(3)
.
و يجري في الـموثّقتين الـمناقشـة الـمذكورة في الـصحيحـة، فتدبّر.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 22، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 22، الـحديث 3.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 22، الـحديث 4.
(الصفحة 478)
و منها: صحيحـة زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال:
«إذا لم يجد الـمسافر الـماء فليطلب مادام في الـوقت، فإذا خاف أن يفوته الـوقت فليتيمّم و ليصلّ في آخر الـوقت، فإذا وجد الـماء فلا قضاء عليه، و ليتوضّأ لما يستقبل»(1)
.
و في نقل آخر: «فليمسك» بدل: «فليطلب».
و قد نوقش في الاستدلال بها ـ على الـنقل الأوّل ـ : أنّ ظاهرها وجوب الـطلب إلى آخر الـوقت، و هو مع مخا لـفته لتحديده بغلوة سهم أو سهمين مخا لـف لفتوى الأصحاب، فلابدّ من حملها على الاستحباب، أو تأويلها بأن يقال: إنّ الـمراد منه أنّه يجب الـطلب إذا كان في الـوقت، و كان واسعاً له من غير تعرّض لمقدار الـطلب، و مع عدم سعته له يتيمّم، فحينئذ تدلّ على جواز الـتيمّم في سعته; لأنّ قوله:
«فليطلب» إذا كان في سعـة ظاهر في أنّه يتيمّم بعد الـطلب في سعته، خصوصاً مع مقابلته لخوف الـفوت، فكأنّه قال: مع خوف الـفوت يتيمّم بلا طلب، و مع سعـة بعد الـطلب.
و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ الأخبار الـمانعـة لا تصلح في نفسها للاستدلال بها على الـمنع; لجريان الـمناقشـة في جميعها، و عليه فلا تصل الـنوبـة إلى مقام الـجمع بحمل الأخبار الـمجوّزة على صورة اعتقاد الـضيق خطأً، أو على صورة وجدان الـماء قبل الـفراغ من الـصلاة مع الـتيمّم، أو على كون الـتيمّم قبل الـوقت لغايـة فدخل وقت الـصلاة فصلاّها في الـسعـة، أو على صورة الـجهل بأنّ الـحكم الـمضايقـة، أو حمل آخر الـوقت في الأخبار الـمانعـة على الآخر الـعرفي، الـذي لا ينافيه وجدان الـماء فيه بعد الـصلاة، بحيث كان مدلولها هو الـمنع عن الـسعـة في الـجملـة، أو غير ذلك من وجود الـجمع.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 3.
(الصفحة 479)
ثمّ إنّه مع الإغماض عمّا ذكر، فلا شبهـة في أنّ مورد الـروايات الـمانعـة هو ما إذا احتمل ارتفاع الـعذر و الـعثور على الـماء.
أمّا ما اشتمل منها على الـتعليل بقوله:
«فإن فاتك الـماء لم تفتك الأرض» فالأمر فيه واضح، ضرورة ظهور الـتعليل في احتمال زوال الـعذر و الـوصول إلى الـماء.
و أمّا صحيحـة زرارة، فعلى تقدير كون الـروايـة: «فليمسك»، فظاهرها الـبدوي و إن كان وجوب الإمساك في نفسه إلاّ أنّ الـعرف لا يكاد يفهم من ذلك الـموضوعيـة، بعد كون الـصلاة مع الـطهارة الـمائيـة فرد الـمطلوب الأعلى، خصوصاً مع استحباب الإتيان با لـصلاة في أوّل وقتها، و استحباب الـمسارعـة إلى الـخيرات و الـمغفرة من الـربّ، بل الـمتفاهم الـعرفي ليس إلاّ أنّ الأمر بالإمساك و وجوب الـتأخير إنّما هو لاحتمال إمكان تحصيل الـطهارة الـمائيـة، و الـوصول إلى فرد الـمطلوب الأعلى، لا لكون الإمساك مطلوباً نفساً، أو أن الـتيمّم مشروط بضيق الـوقت.
و من هنا يمكن أن يقال: بأنّ الـروايات الـمشتملـة على الـتعليل الـمذكور لو كانت خا لـيـة عنه لكان الـمتفاهم الـعرفي منها أيضاً ذلك، و أنّ وجوب الـتأخير إنّما هو بلحاظ إمكان الـوصول إلى الـمطلوب الأعلى، لا لخصوصيـة في الـتأخير من حيث هو.
و كيف كان: فمحطّ الـروايات الـمانعـة بأجمعها هي صورة احتمال ارتفاع الـعذر، و إمكان الـعثور على الـماء.
و عليه فربّما يقال في مقام الـجمع بينها و بين الـروايات الـمجوّزة، أنّها محمولـة على صورة الـعلم بعدم ارتفاع الـعذر و بقاء الـعجز، فينتج الـقول با لـتفصيل بين رجاء ارتفاع الـعذر و عدمه، و قد تقدّم نقله.