(الصفحة 502)
مسأ لـة اعتبار الـعصر من الـتفصيل بين الـمطر و غيره، فهذا الـوجه أيضاً غير تامّ.
رابعها: إطلاق أدلّـة مطهّريـة الـماء من الآيات و الـروايات الـدالّـة على ذلك، و إطلاق ما دلّ على أنّ الـمتنجّس يطهر بمجرّد تحقّق غسله، من دون الـتقييد با لـعدد.
و يدفعه: أنّ هذا الإطلاق إنّما يصحّ الـرجوع إليه فيما إذا لم يكن في مقابله ما يدلّ على اعتبار الـعدد، و إلاّ فلا يبقى مجال للرجوع إليه، هذا من دون فرق بين أن يكون دليل الـعدد وارداً في مورد خاصّ كما في الـموارد الـمتقدّمـة الـتي قام الـدليل على اعتبار الـتعدّد فيها ـ كما في الـولوغ و شرب الـخمر و موت الـجرذ ـ و بين أن يكون دليل الـعدد مطلقاً; و كان مفاده اعتباره في جميع موارد الـتطهير با لـماء، فإنّ إطلاق دليله
مقدّم على إطلاق دليل الـمطلق، كما لا يخفى.
خامسها: صحيحـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـثوب يصيبه الـبول.
قال:
«اغسله فى الـمِرْكَن مرّتين، فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة».(1)
بتقريب: أنّ الـجملـة الأخيرة بيان لبعض الـمفهوم الـمستفاد من الـجملـة الاُولى; حيث أنّ مفادها في ناحيـة الـمفهوم، عدم وجوب الـتعدّد مع الـغسل في غير الـمركن، و مقتضى إطلاقه عدم الـفرق بين الـجاري و الـكرّ و غيرهما من الـمياه الـمعتصمـة، و قد صرّح ببعض هذا الـمفهوم في الـجملـة الأخيرة، و لعلّ الـوجه في الـتصريح به كثرة وجود الـماء الـجاري بالإضافـة إلى غيره.
و اُورد عليه: بأنّه يمكن أن تعكس الـدعوى على الـمدّعي با لـقول: بأنّ الـجملـة
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 2، الـحديث 1. قال الـجوهري: الـمِرْكَن: الإجانـة الـتي تغسل فيها الـثياب.
(الصفحة 503)
الاُولى بيان لبعض الـمفهوم الـمستفاد من الـجملـة الـثانيـة، حيث إنّ مفهومها عدم كفايـة الـمرّة في غير الـماء الـجاري، و متقضى إطلاقه أنّه لا فرق بين الـكثير و الـقليل، و قد صرّح ببعضه في الـجملـة الاُولى، و الـوجه فيه كثرة وجود الـماء الـقليل بالإضافـة إلى الـكرّ. فالاحتمالان متساويان، و الـصحيحـة غير قابلـة للاستدلال بها على أحدهما.
و يدفعه: وضوح كون الـجملـة الـثانيـة بياناً لبعض الـمفهوم الـمستفاد من الـجملـة الاُولى دون الـعكس; و ذلك بقرينـة الـتفريع «با لـفاء» فإنّه لو كانت الـجملـة الـثانيـة مبتدئـة با لـواو لكان لهذا الاحتمال مجال، و أمّا مع الـتفريع با لـفاء فلاموقع له، كما في قوله تعا لـى:
(وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ...)(1)
فإنّه ظاهر في أنّ قوله
(فَإِذا تَطَهَّرْنَ) تفريع على الـجملـة الاُولى و تصريح ببعض مفهومه.
نعم، يمكن الإيراد على الاستدلال با لـصحيحـة: بأنّ موردها الـبول، و الـمدعّى أعمّ منه و من سائر الـنجاسات غير الـولوغ و شبهه ممّا تقدّم.
و يمكن دفع الإيراد: بأنّه إذا لم يكن تطهير الـبول محتاجاً إلى الـتعدّد في الـمياه الـمعتصمـة، فغير الـبول لعلّه بطريق أولى; و ذلك لاعتبار الـتعدّد فيه في الـغسل با لـماء الـقليل بلا إشكال دون غيره، كما يأتي الـبحث عنه إن شاء اللّه تعا لـى.
و قد تحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الأدلّـة الـتي اُقيمت على عدم اعتبار الـعدد في تطهير الإناء الـمتنجّس بغير الـولوغ و شبهه، لا تنهض لإثباته.
(الصفحة 504)
نعم، لا يكون هناك ما يدلّ على اعتباره أيضاً، فا لـلازم الـرجوع إلى إطلاق أدلّـة حصول الـطهارة للمتنجّس بمجرّد تحقّق الـغسل.
نعم، لو لم يكن هناك إطلاق، و وصلت الـنوبـة إلى الاُصول الـعملـيـة، لكان مقتضى استصحاب بقاء الـنجاسـة إلى أن يتحقّق الـتعدّد عدم كفايـة الـمرّة في التطهير، كما حكي اعتباره عن «ا لخلاف» و «ا لـمبسوط» و «ا لـمعتبر» وغيرها، و لعلّ وجهه عدم ثبوت الإطلاق لهذه الأدلّـة; لاختصاص موردها بغير الأواني، و عدم كون إطلاق أدلّـة مطهّريـة الـماء قابلاً للتمسّك; لعدم كونه في مقام الـبيان من هذه الـجهـة فتدبّر.
هذا، ولكن قد عرفت إمكان الـقول بتماميـة بعض الأدلّـة الـخمسـة الـمذكورة، كا لـدليل الأخير، و عليه فالأظهر كفايـة الـمرّة و إن كان الأحوط الـتعدّد.
تطهير ما لا ينفذ فيه الـماء غير الإناء
ا لـفرض الـثا لـث: الـمتنجّس الـذي لا يكون إناء، و لا ينفذ فيه الـماء و لا الـنجاسـة.
و قد حكم فيه في الـمتن بحصول الـطهارة له بمجرّد غمسه في الـماء الـجاري أو الـكرّ، بعد زوال عين الـنجاسـة، و إزا لـة الـمانع لو كان.
و مرجعه إلى أنّه لا يعتبر فيه الـعصر; لأنّ الـمفروض عدم نفوذ الـماء فيه، فلا معنى لعصره، و لا يعتبر فيه الـتعدّد أيضاً; لما عرفت من أنّ دليل الـتعدّد إمّا وارد في الـماء الـقليل، و إمّا في مورد الإناء مطلقاً، أو في الـجملـة، و أمّا في غير الإناء ـ مع فرض الـتطهير بغير الـماء الـقليل من الـمياه الـمعتصمـة ـ فلا يكون هنا ما يدلّ على اعتبار
(الصفحة 505)
ا لـعدد و لزوم الـتعدّد أصلاً.
كما أنّه لا يعتبر فيه انفصال الـغسا لـة، فبمجرّد الـغمس يتحقّق له الـطهارة و إن لم يخرج من الـماء، لوضوح تحقّق عنوان الـغسل في مثل ذلك بمجرّد الـغمس، من دون توقّف على تحقّق انفصال الـغسا لـة.
نعم، سيأتي اعتباره في الـتطهير با لـماء الـقليل; و أنّ دليله يختصّ به ولا يجري في غيره.
تطهير ما ينفذ فيه الـماء غير الإناء مع عدم قابليته للعصر
ا لـفرض الـرابع: هو الـفرض الـثا لـث بعينه، مع الاختلاف في مجرّد نفوذ الـماء الـمتحقّق في هذا الـفرض دونه، مع الاشتراك في عدم الـقابليـة للعصر، و عدم كونه إناء كا لـخشب و الـصابون، بل الـكوز.
و قد حكم فيه في الـمتن بأنّه يطهر ظاهره بمجرّد غمسه فيهما، و أمّا باطنه فيتوقّف طهارته على نفوذ الـماء الـمطلق فيه; بحيث يصدق أنّه غسل به و لا يكفي نفوذ الـرطوبـة أو نفوذ الـماء مع عدم صدق الـغسل به كما هو الـغا لـب.
أقول: أمّا طهارة ظاهره بمجرّد الـغمس في أحدهما; فلما عرفت من أنّه لا يعتبر في مثله الـعصر، و لا الـتعدّد، و لا انفصال الـغسا لـة، فلا موقع للترديد و الإشكال فيه.
و أمّا باطنه، فتتوقّف طهارته على نفوذ الـماء الـمطلق; بحيث يصدق أنّه غسل به و وجهه واضح; للفرق بين الـرطوبـة الـنجسـة و الـرطوبـة الـطاهرة، من جهـة كفايـة الاُولى في تحقّق الـتنجّس; ضرورة أنّ سرايـة الـرطوبـة الـنجسـة تكفي في تحقّق الـنجاسـة في الأجزاء الـتي سرت الـرطوبـة إليها، و أمّا الـرطوبـة الـطاهرة فلا تكفي
(الصفحة 506)
في الـتطهير; لأنّ مقتضى الـدليل أنّ الـمطهّر هو الـماء الـمطلق بعد تحقّق الـغسل به، فمجرّد سرايـة الـرطوبـة الـطاهرة غير كاف، بل الـلازم نفوذ الـماء الـمطلق.
بل مجرّد الـنفوذ الـذي مرجعه إلى الاتصال غير كاف; لأنّ الـلازم تحقّق عنوان الـغسل الـمتوقّف على إحاطـة الـماء لجميع أجزاء الـمتنجّس و وصوله إليها، و الاكتفاء بالاتصال با لـماء الـعاصم في مقام الـتطهير، إنّما هو على تقديره فيما إذا اُريد تطهير الـمياه الـمتنجّسـة، و أمّا غيرها فلا يكفي مجرّد الاتصال بوجه. فطهارة الـباطن في هذا الـفرض متوقّفـة على ما ذكر، و من الـمعلوم ندرة تحقّقه.
ثمّ لو شكّ في أصل نفوذ الـماء مع وصف كونه ماءً إلى الـباطن، أو شكّ ـ بعد الـعلم با لـنفوذ ـ في تحقّق الـغسل به; بأن لم يعلم إحاطـة الـماء لجميع أجزاء الـمتنجّس، فمقتضى استصحاب عدم الـنفوذ أو عدم تحقّق الـغسل، عدم الاكتفاء به في حصول طهارة الـباطن، كما أنّ مقتضى استصحاب بقاء الـنجاسـة أيضاً ذلك.
و أمّا لو شكّ بعد الـعلم با لـنفوذ و بتحقّق الـغسل به، في بقاء إطلاق الـماء بحا لـه في حال الـتطهير و عدمه، فمقتضى استصحاب بقاء الإطلاق تحقّق الـطهارة. و لا مجال حينئذ لاستصحاب بقاء الـنجاسـة; بعد كون الـشكّ فيه مسبّباً عن الـشكّ في بقاء الإطلاق و عدمه، كما لا يخفى. هذا تمام الـكلام فعلاً في الـتطهير با لـكرّ أو الـجاري.