(الصفحة 592)
الأرض و الأجزاء الأرضيـة، و الـمطبوخيـة لم تصر موجبـة للخروج، فالآجر الـذي هو الـتراب الـمطبوخ باق على عنوانه الأوّلي، و كذا الـجصّ و مثله، بخلاف الـمطلّي با لـقير، و الـمفروش با لـخشب أو الـصوف أو الـقطن أو نحوها، فإنّها خارجـة عن صدق عنوان الأرض و الاشتمال على بعض الأجزاء الأرضيـة في بعضها، لا يوجب بقاء الـعنوان.
نعم، يمكن أن يقال: بأنّ موضوع الـحكم أوسع من الأرض; لأنّه قد ورد في صحيحـة الأحول عنوان «ا لـمكان الـنظيف» و في روايـة الـمعلّى عنوان «ا لـشيء الـجافّ» و مقتضى إطلاقهما الـشمول لمثل الـمطلّي با لـقير و الـمفروش با لـخشب.
ولكن مقتضى الـتعليل الـوارد في جملـة من الأخبار الـمتقدّمـة ـ و هو قوله (عليه السلام):
«الأرض يطهّر بعضها بعضاً» ـ هو اختصاص الـحكم بخصوص عنوان الأرض و لاسيّما مع ملاحظـة عدم إمكان الالتزام بعموم الـشيء الـجافّ في روايـة الـمعلّى، و عليه فيشكل الأمر في هذه الأزمنـة الـتي تكون أكثر الأراضي الـتي يمرّ الـناس عليها مطلّيـة با لـقير.
و ممّا ذكرنا يظهر: أنّه لامجال للأخذ بإطلاق الأمر با لـمسح في صحيحـة زرارة، على تقدير كون الـمراد من الـمسح ما هو الـمراد في الـمقام، فالإشكال بحا لـه و إن حكي عن ابن ا لـجنيد و صاحب «ا لـمستند» الـحكم با لـكفايـة.
(الصفحة 593)
ثا لـثها: الـشمس، فإنّها تطهّر الأرض، و كلّ ما لا ينقل من الأبنيـة، و ما اتصلّ بها من الأخشاب و الأبواب و الأعتاب و الأوتاد، الـمحتاج إليها في الـبناء، الـمستدخلـة فيه، لا مطلق ما في الـجدار على الأحوط.
و الأشجار و الـنبات و الـثمار و الـخضروات و إن حان قطعها، و غير ذلك حتّى الأواني الـمثبتـة، و كذا الـسفينـة. ولكن لا تخلو الأشجار و ما بعدها من الإشكال، و إن لا تخلو من قوّة.
و لا يترك الاحتياط في الـطرّادة، و كذا الـعربـة و نحوها. و الأقوى تطهيرها للحصر و الـبواري1 .
ا لـثا لـث: في مطهّريـة الـشمس
(1) يقع الـكلام في هذه الـقطعـة من الـمتن في مقامات:
ا لـمقام الأوّل: في أصل مطهّريـة الـشمس في الـجملـة
و الـمشهور بين الأصحاب ـ رضوان اللّه تعا لـى عليهم أجمعين ـ ، هي كونها مطهّرة في الـجملـة كا لـماء.
و عن الـمفيد و جماعـة من الـقدماء و الـمتأخّرين الـقول با لـعفو، و أنّ جواز الـتيمّم و الـسجود على ما جفّفته الـشمس من الـمواضع الـمتنجّسـة، لا يكون مستنداً إلى طهارتها، بل الـشمس قد أثّرت في الـعفو، مع بقاء تلك الـمواضع على الـنجاسـة.
و قد استدلّ للمشهور بجملـة من الأخبار الـمستفيضـة:
منها: صحيحـة زرارة قال: سأ لـت أباجعفر (عليه السلام) عن الـبول، يكون على الـسطح أو في الـمكان الـذي يصلّى فيه.
(الصفحة 594)
فقال:
«إذا جفّفته الـشمس فصلّ عليه، فهو طاهر»(1)
.
و مقتضاها بمناسبـة الـتعليل بقوله:
«فهو طاهر» أنّ جواز الـصلاة على الـسطح أو في الـمكان الـذي يصلّى فيه ـ إذا كان الـبول عليهما، و قد جفّفته الـشمس ـ مستند إلى حصول الـطهارة له بسبب الـشمس و تجفيفها، لا إلى الـعفو مع بقاء الـموضع على نجاسته الأوّليـة.
و دعوى عدم كون الـطهارة في عرفهم، حقيقـة في الـمعنى الاصطلاحي الـمقابل للنجاسـة، مدفوعة بوضوح كون هذه الـكلمة في عصر الـصادقين و من بعدهما (عليهم السلام)، ظاهرة في الـمعنى الـشرعي، فا لـروايـة في كمال الـظهور في مرام الـمشهور.
ومنها: صحيحة زرارة وحديد بن حكيم الأزدي جميعاً قالا: قلنا لأبي عبدا للّه (عليه السلام): الـسطح يصيبه الـبول أو يبال عليه، يصلّى في ذلك الـمكان؟
فقال:
«إن كان تصيبه الـشمس و الـريح و كان جافّاً فلابأس به، إلاّ أن يكون يتّخذ مبالاً»(2).
و الاستدلال بها مبنيّ على أنّ الـظاهر أنّ نفي الـبأس عن الـصّلاة في الـمورد الـمفروض مع إصابـة الـشمس و الـريح، إنّما هو لأجل حصول الـطهارة له بذلك، و الـسر فيه أنّ الـسائلين قد اعتقدا عدم جواز الـصلاة في الأرض الـنجسـة، و عدم ثبوت الـعفو عنه، و هو (عليه السلام) لم يردعهما عن هذا الاعتقاد، فنفي الـبأس مع الإصابـة، ظاهر في حصول الـطهارة و زوال الـنجاسـة.
و الاشتمال على الـريح لايقدح بعد عدم مدخليتها بوجه; لأنّ الـظاهر أنّ ذكرها
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 29، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 29، الـحديث 2.
(الصفحة 595)
إنّما هو لبيان أمر عادي; لأنّ استناد الـجفاف إلى الـشمس و إشراقها، لا ينفكّ عن مدخليـة هبوب الـريح و جريان الـهواء.
و لعلّ هذه الـروايـة كانت مستنداً للشيخ (قدس سره) حيث حكي عنه في موضع من «ا لـخلاف» إلحاق الـريح با لـشمس في الـمطهّريـة، حيث قال: الأرض إذا أصابتها نجاسـة مثل الـبول و ما أشبهه، و طلعت عليه الـشمس، أو هبّت عليه الـريح حتّى زال عين الـنجاسـة، طهّره.
غايـة الأمر أنّه حمل الـروايـة على كفايـة أحد الأمرين، لا اعتبار الـمجموع.
و يمكن الـمناقشـة في دلالتها بوجهين:
أحدهما: أنّه فرق بين «ا لـصلاة في الـشيء» و بين «ا لـصلاة على الـشيء» فإنّ الأوّل لايكاد يستعمل بمعنى الـسجدة على الـشيء; لأنّ الـسجود إنّما هو عليه لا فيه، إذا كان هو الـمسجود عليه، و الـثاني يستعمل بمعنى الـسجدة عليه، و بعد ملاحظـة أنّ الـمعتبر في باب الـصّلاة هو كون سجودها على الـشيء الـطاهر لعدم اعتبار الـطهارة في مكان الـمصلّي بما هو مكانه، و ملاحظةِ أنّ الـتعبير في الـرواية إنّما هو بكلمة «في» لا «على» لايستفاد من الـروايـة أنّ إصابـة الـشمس و الـريح و الـجفاف، قد صار موجباً لزوال الـنجاسـة و حصول الـطهارة; لأنّه يجتمع جواز الـصّلاة في الـسطح مع عدم حصول الـطهارة.
إلاّ أن يقال: إنّه لا محيص من حمل محطّ الـسؤال على كون الـنظر إلى الـسجود الـذي هو من أركان الـصّلاة; و ذلك لأجل أنّه ـ مضافاً إلى استبعاد كون معتقد مثل زرارة، مدخليةَ الـطهارة في مكان الـمصلّى بما هو مكانه، كاعتبار الإباحة و نحوها ـ يكون تقييد نفي الـبأس في الـجواب بما إذا أصابته الـشمس و الـريح، بلا وجه; لعدم
(الصفحة 596)
ا لـفرق في جواز الـصّلاة فيه بين صورتي الإصابـة و عدمها، كما لا يخفى.
فا لـتقييد يكشف عن كون محطّ الـسؤال هو الـسجدة عليه، و لذا قد عبّر في الـروايـة الـسابقـة بكلمـة «على» في الـجواب، و من الـظاهر ظهور نفي الـبأس عن الـسجود عليه ـ مع ملاحظـة اعتبار الـطهارة فيما يسجد عليه ـ في زوال الـنجاسـة و حصول الـطهارة.
إلاّ أن يمنع هذا الـظهور أيضاً: بأنّه يجتمع نفي الـبأس مع الـقول با لـعفو أيضاً.
ثانيهما: أنّه لا دلالـة للروايـة على اعتبار كون الـجفاف مستنداً إلى الـشمش; لأنّه قد جعل اعتباره في عرض اعتبار الإصابـة فا لـشرط أمران: الإصابـة، و الـجفاف، و من الـممكن أن يستند الـجفاف إلى شيء آخر غير إشراق الـشمس.
بل يمكن أن يقال: بظهور الـروايـة في اعتبار الـجفاف حال الـصلاة، و لازمه عدم الاكتفاء با لـجفاف الـحاصل بالإشراق إذا زال الـجفاف حال الـصّلاة، فا لـروايـة تدلّ حينئذ على أمر ثا لـث مغاير لكلا الـقولين.
وكيف كان: فا لـروايـة غير تامّـة الـدلالـة على الـقول با لـطهارة الـذي هو مختار الـمشهور.
ومنها: موثّقـة عمّار الـساباطي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في حديث قال: سئل عن الـموضع الـقذر يكون في الـبيت أو غيره، فلا تصيبه الـشمس، ولكنّه قد يبس الـموضع الـقذر.
قال:
«لا يصلّى عليه، و أعلم موضعه حتّى تغسله».
و عن الـشمس هل تطهّر الأرض؟
قال
«إذا كان الـموضع قذراً من الـبول أو غير ذلك، فأصابته الـشمس، ثمّ يبس