(الصفحة 605)
مكاناً للصّلاة، حيث إنّ لفظـة «على» للاستعلاء، و هو متحقّق عند اتّخاذ شيء مكاناً للصلاة; لاستعلاء الـمصلّي على الـمكان.
و يشهد على ذلك صحيحـة زرارة قال: سأ لـته عن الـشاذ كونه يكون عليها الـجنابـة، أيصلّي عليها في الـمحمل؟
قال:
«لا بأس» أو
«لا بأس با لـصلاة عليها»(1).
فيدفعه ـ مضافاً إلى أنّ مقتضى ذلك رفع الـيد عن أكثر أدلّـة الـمطهّريـة; لأنّ الاستدلال به إنّما كان مبتنياً على استعمال كلمـة «على» كما عرفت، فنفي الـظهور عن هذا الـتعبير هدم لذلك ـ أنّ إنكار الـظهور في نفسه لا مجال له; بعد وضوح اختلاف الـتعبيرين. و ظهور كلمـة «على» في الـسجدة، و استعما لـها في غير هذا الـمعنى في مورد مثلاً، لايقدح في الظهور ولزوم الحمل عليه مع عدم قيام الـقرينـة على الخلاف.
مضافاً إلى احتمال أن يكون استعما لـها في مثل مورد الـروايـة بلحاظ وقوع الـصلاة على الـمحمل; و كون الـشاذ كونـة فيه.
و يؤيّده الاستعمال أيضاً في الـروايات الـواردة في الـصلاة على الـمحمل; بلحاظ شرطيـة الـقبلـة و كيفيـة رعايتها.
فالإنصاف: أنّه لا مجال لإنكار دلالـة الـروايتين على الـمقام.
و يدلّ عليه أيضاً: روايـة أبي بكر الـحضرمي الـمتقدّمـة; فإنّ الـقدر الـمتيقّن في الـخروج عن عمومها أو إطلاقها، ما عدا الـحصر و الـبواري من الـمنقولات; لما عرفت من عدم ثبوت الإجماع فيها، بل تحقّق الـشهرة على الـخلاف.
إلاّ أن يناقش في الاستدلال بها بما ذكرنا: من قرب احتمال أن يكون الـمراد منها ما
- 1ـ وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 30، الـحديث 3.
(الصفحة 606)
من شأنه أن تشرق عليه الـشمس; لثباته، مقابل ما من شأنه أن يوضع فيها تارة، و ينحّى عنها اُخرى.
ولكن هذا الاحتمال إذا بلغ مرتبـة مانعـة عن الـظهور ـ نظراً إلى إيجابه الانصراف ـ يمكن الاعتناء به، وفي غير هذه الصورة لايقدح في العمل با لظهور بوجه، كما لايخفى.
ثمّ إنّه ربّما يتمسّك أيضاً بالاستصحاب; نظراً إلى أنّ الـحصر و الـبواري كانتا قبل قطعهما و فصلهما بحيث لو أشرقت عليهما الـشمس طهرتا; لكونهما من الـنبات، و هو ممّا لا ينقل، فلو شككنا بعد فصلهما و صيرورتهما حصراً و بواري في بقائهما على حا لـتهما الـسابقـة ـ كما هو الـمفروض ـ يبنى على الـحا لـة الـسابقـة; للاستصحاب، و مقتضاه الـحكم بكون الـشمس مطهّرة للحصر و الـبواري.
أقول: قد مرّ نظيره في مطهّريـة الأرض في مسأ لـة الأرض الـمفروشـة با لـحجر، و الـفرق بين الـفرضين أنّه ذكرنا هناك: أنّ الاستصحاب الـجاري في الـمطهِّر «با لـكسر» ليس من الاستصحاب الـتعليقي، و أمّا هنا فالاستصحاب الـجاري في «ا لـمطهِّر» تعليقي; لعدم كون الـمطهَّريـة «با لـفتح» حكماً تنجيزياً ثابتاً له، فلا محا لـة يكون تعليقياً، و حيث أنّ الـتعليق في مثله أمر انتزاعي غير مأخوذ في لسان الـدليل الـشرعي، فلا مجال لجريانه، كما حقّق في محله.
و يمكن أن يقال: بعدم كون الاستصحاب تعليقياً أيضاً و لو على تقدير تسليم الـتعليق الانتزاعي; فإنّ الـحصر و الـبواري تكونان مسبوقتين با لـفصل و الـقطع، و في هذه الـحا لـة لا يجري عليهما حكم الـنبات; لعدم كونهما منقولتين.
نعم، حكي عن الـفخر: أنّه عمّم الـحكم لما لا ينقل و إن عرضه الـنقل، كا لـخشب و الآلات الـمتّخذة من الـنباتات، ولكنّه لا دليل عليه.
(الصفحة 607)
فا لـحا لـة الـسابقـة الـمتيقّنـة قد ارتفعت، و لا مجال لاستصحابها و لو على نحو الـتعليق.
ولكن عرفت: أنّه لا حاجـة إلى الاستصحاب، و لا تصل الـنوبـة إليه; لدلالـة روايتي علي بن جعفر (عليهما السلام) على عموم الـحكم للحصر و الـبواري، كما مرّ.
ا لـمقام الـثا لـث: في أنّ الـشمس هل تكون مطهّرة من خصوص نجاسـة الـبول؟
أو أنّه لا فرق في مطهّريتها بين الـبول و غيره من الـنجاسات و الـمتنجّسات؟ و الـثاني هو الـمشهور.
و في «ا لـجواهر»: لا أعرف خلافاً إلاّ من «ا لـمنتهى» نعم في جملـة من الـكتب الاقتصار على الـبول، و لعلّه كان مذكوراً على سبيل الـمثال.
و يدلّ على الـتعميم موثّقـة عمّار الـمتقدّمـة، حيث وقع الـسؤال فيها عن الـموضع الـقذر ... و من الـمعلوم شموله لغير الـبول أيضاً. بل قد صرّح فيها با لـتعميم في قوله (عليه السلام):
«إذا كان الـموضع قذراً من الـبول أو غير ذلك، فأصابته الـشمس ...» و ليس الـمراد من
«غير ذلك» ما يشبه الـبول من الـنجاسات الـتي لا عين لها، بل هو مطلق شامل للجميع و الإشكال في الـسند ـ كما عن الـعلاّمـة في «ا لـمنتهي» حيث ضعّفه ـ ممّا لا يتمّ; لكونه موثّقاً، و الـموثّق حجّـة، كما قرّر في محلّه.
و يدلّ على الـتعميم أيضاً صحيحـة إسماعيل بن بزيع الـمتقدّمـة; بلحاظ قوله في الـسؤال: «يصيبه الـبول و ما أشبهه» فإنّ «ما أشبهه» ظاهر في الـمشابهـة من حيث الـنجاسـة، لا من حيث كونه مايعاً لا عين له.
(الصفحة 608)
و يعتبر في طهارة الـمذكورات و نحوها با لـشمس بعد زوال عين الـنجاسـة عنها، أن تكون رطبـة، رطوبـة تعلق با لـيد، ثمّ تجفّفها الـشمس تجفيفاً يستند إلى إشراقها بدون واسطـة، بل لا يبعد اعتبار الـيبس على الـنحو الـمزبور1 .
و الإشكال فيها من جهـة الإضمار، واضح الـدفع بعد كون الـمضمر مثل ابن بزيع من الاجلاّء.
كما أنّ الـتأمّل في ثبوت الإطلاق لها، لا مجال له بعد ظهور الـروايـة في مفروغيـة مطهّريـة الـشمس في الأرض و الـسطح الـذي أصابه الـبول و ما أشبهه، و بعد تقرير الإمام (عليه السلام) لابن بزيع على ثبوت هذا الأمر، و لو كان الـحكم مختصّاً ببعض ما أشبهه، كان عليه (عليه السلام) الـبيان، و لم يجز الـتقرير بوجه.
فانقدح: أنّ الـحقّ ما عليه الـمشهور من عدم الاختصاص با لـبول، بل يمكن أن يقال بأنّ الـروايات الـواردة في مورد الـبول لا يستفاد منها عرفاً الاختصاص، بل الـمتفاهم منها أنّ ذكره إنّما هو على سبيل الـمثال، أو لكونه مورداً لابتلاء الـسائل من دون توهّم الاختصاص أصلاً، كما لا يخفى.
(1) يشترط في مطهّريـة الـشمس بعد زوال عين الـنجاسـة عن الـمحلّ، أمران:
في اشتراط الـرطوبـة في مطهّريـة الـشمس
الأوّل: أن تكون الـمذكورات و نحوها رطبـة رطوبـة تعلق با لـيد حتّى تجفّفها الـشمس. و بعبارة اُخرى: أن تكون الـرطوبـة مسريـة; أي ساريـة.
و الـوجه في اعتبار هذا الأمر، هو أخذ عنوان الـجفاف في موضوع الـحكم با لـطهارة في صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة. ولكنّه أفاد في «ا لـمستمسك»: نعم، مقتضى
(الصفحة 609)
الاكتفاء با لـيبس في الـموثّق، كفايـة مجرّد الـنداوة و إن لم تكن مسريـة; لصدق الـيبس على ذهابها، و حيث إنّ بين الـتجفيف و الـيبس عرفاً عموماً من وجه بحسب الـمورد ـ لتوقّف الأوّل على الـرطوبـة الـمسريـة، و صدقه على ذهابها و لو مع بقاء الـنداوة في الـجملـة، و يكفي في الـثاني مجرّد الـنداوة في الـجملـة، و لا يصدق إلاّ مع ذهاب جميعها ـ كان مقتضى الـجمع بين الـصحيح و الـموثّق الاكتفاء بأحد الأمرين; فإن كان في الـموضع رطوبـة مسريـة فذهبت با لـشمس، طهر و لو مع بقاء الـنداوة، و إن كانت غير مسريـة طهر بذهابها; لصدق الـجفاف في الأوّل، وا لـيبس في الـثاني.
ولو بني على حمل الـجفاف في الـصحيح على الـيبس ـ إمّا لترادفهما، كما قد يظهر من كلام بعض أهل اللغـة، أو لوجوب حمله في الـمقام عليه; لامتناع طهارة الـمكان مع بقاء نداوة الـبول الـتي هي عين نجاسته ـ كان الـمدار في الـتطهير على الـيبس، و حيث لا يعتبر في صدقه الـرطوبـة الـمسريـة، فلا دليل على اعتبارها.
نعم، لو كان اعتبار الـيبوسـة بنحو الـتقييد لدليل الـجفاف، كان دليل الـجفاف دليلاً على اعتبار الـرطوبـة الـمسريـة، ولكنّه غير ظاهر.
أقول: الـظاهر كما يظهر لمن راجع اللغـة و الـكتب الـموضوعـة لها، أنّ الـجفاف و الـيبس مترادفان، لا فرق بينهما بحسب الـمعنى و الـمورد أصلاً، كما أنّ الـظاهر عدم الاختلاف بينهما بحسب الـعرف أيضاً، و عليه فملاحظـة معناهما لغـة و عرفاً ـ بضميمـة وضوح عدم حصول الـطهارة للمحلّ مع بقاء نداوة الـبول الـتي هي عين نجاسته، و بضميمـة استبعاد أن تكون الـنداوة الـمتنجّسـة غير قابلـة للتطهير با لـشمس ـ يقتضي أن يكون الـمعتبر في مطهّريـة الـشمس، هو وجود الـنداوة و إن لم تكن فيها سرايـة. كما أنّ الـمعتبر هو ذهاب الـنداوة با لـكلّيـة; حتّى يصدق الـجفاف و الـيبوسـة.