(الصفحة 619)
نحو الإطلاق ـ أنّ الـظاهر استنادهما إلى أمر ثا لـث، و لا أصا لـة لهما بوجه.
ا لـثا لـث: أنّك عرفت في تعريف الاستحا لـة، أنّ الـمراد بها هو تبدّل الـصورة الـنوعيـة الـعرفيـة إلى صورة اُخرى كذلك ليست نجسـة، فا لـملاك فيها تغيّر الـعنوان، و مغايرة الـعنوان الـمستحال منه مع الـعنوان الـمستحال إليه عند الـعرف، و بعد ملاحظـة أنّ الأحكام الـشرعيـة منوطـة با لـعناوين الـعرفيـة، و غير مبتنيـة على الأنظار الـعقليـة الـدقّيـة، يستكشف أنّ طروّ عنوان جديد، يوجب دخول الـمورد في موضوع حكم ذلك الـعنوان; لفرض تحقّق موضوعه و زوال الـموضوع للحكم با لـنجاسـة، كما في سائر الـعناوين الـموضوعـة للأحكام، كا لـحاضر، و الـمسافر، و غيرهما.
فإن كان الـحكم الـثابت للعنوان الـجديد عبارة عن الـنجاسـة أيضاً، يترتّب عليه هذا الـحكم. و ربّما يختلف مع الـنجاسـة الـسابقـة في بعض الآثار، كا لـغسل مرّة، أو مرّتين.
و إن كان الـحكم الـثابت للعنوان الـجديد عبارة عن الـطهارة، يترتّب عليه هذا الـحكم; لفرض زوال موضوع الـنجاسـة، و طروّ موضوع الـطهارة، و بهذا الـمعنى يطلق عنوان الـمطهّر على الاستحا لـة، و إلاّ فهي ليست بمطهّرة; بمعنى إيجابها الـطهارة مع بقاء الـموضوع.
و إن لم يكن الـحكم الـثابت للعنوان الـجديد من جهـة الـطهارة و الـنجاسـة، معلوماً با لـنظر إلى الـدليل، بل كان مشكوكاً من هذه الـجهـة، فا لـمرجع هي قاعدة الـطهارة بعد عدم جريان استصحاب الـنجاسـة الـسابقـة; لفرض تبدّل الـموضوع، و تغايره عرفاً.
(الصفحة 620)
ا لـمقام الـثا لـث: في أنّه لافرق في مطهّريـة الاستحا لـة بين الـنجس وا لـمتنجّس
خلافاً لبعض الـمتأخّرين، على ما حكاه شيخنا الـعلاّمـة الأنصاري (قدس سره) في مبحث الاستصحاب من «ا لـرسائل» حيث فرّق بينهما; فحكم بطهارة الأوّل; لزوال الـموضوع، دون الـثاني; لأنّ موضوع الـنجاسـة فيه ليس عنوان الـخشب مثلاً، و إنّما هو الـجسم، و لم يزل بالاستحا لـة.
و قد أفاد (قدس سره) في مقام الـجواب: أنّ دقيق الـنظر يقتضي خلافه; إذ لم يعلم أنّ الـنجاسـة في الـمتنجّسات، محمولـة على الـصورة الـجنسيـة و هي الـجسم و إن اشتهر في الـفتاوى و معاقد الإجماعات: أنّ كلّ جسم لاقى نجساً مع رطوبـة أحدهما فهو نجس، إلاّ أنّه لايخفى على الـمتأمّل، أنّ الـتعبير با لـجسم لأداء عموم الـحكم لجميع الأجسام من حيث سببيـة الـملاقاة.
و بتقرير آخر: الـحكم ثابت لأشخاص الـجسم، فلا ينافي ثبوته لكلّ واحد منها من حيث نوعه أو صنفه الـمتقوّم به عند الـملاقاة، فقولهم: كلّ جسم لاقى نجساً فهو نجس، لبيان حدوث الـنجاسـة في الـجسم بسبب الـملاقاة، من غير تعرّض للمحلّ الـذي يتقوّم به كما إذا قال الـقائل: إنّ كلّ جسم له خاصّيـة و تأثير، مع كون الـخواصّ و الـتأثيرات من عوارض الأنواع.
و إن أبيت إلاّ عن ظهور معقد الإجماع في تقوّم الـنجاسـة با لـجسم، فنقول: لا شكّ أنّ مستند هذا الـعموم هي الأدلّـة الـخاصّـة الـواردة في الأشخاص الـخاصّـة، مثل الـثوب و الـبدن و الـماء و غير ذلك فاستنباط الـقضيـة الـكلّيـة الـمذكورة منها إلاّ
(الصفحة 621)
من حيث عنوان حدوث الـنجاسـة، لا ما يتقوّم به، و إلاّ فا لـلازم إناطـة الـنجاسـة في كلّ مورد با لـعنوان الـمذكور في دليله.
و دعوى: أنّ ثبوت الـحكم لكلّ عنوان خاصّ من حيث كونه جسماً، ليست بأولى من دعوى كون الـتعبير با لـجسم في الـقضيـة الـعامّـة من حيث عموم ما يحدث فيه الـنجاسـة با لـملاقاة، لا من حيث تقوّم الـنجاسـة با لـجسم.
نعم، الـفرق بين الـمتنجّس و الـنجس: أنّ الـموضوع في الـنجس معلوم الانتفاء في ظاهر الـدليل، و في الـمتنجّس محتمل الـبقاء، لكنّ هذا الـمقدار لا يوجب الـفرق، بعدما تبيّن أن الـعرف هو الـمحكّم في موضوع الاستصحاب.
أرأيت أنّه لو حكم على الـحنطـة أو الـعنب با لـحلّيـة أو الـحرمـة، أو الـنجاسـة أو الـطهارة، هل يتأمّل الـعرف في إجراء تلك الأحكام على الـدقيق و الـزبيب، كما لا يتأمّلون في عدم جريان الاستصحاب في استحا لـة الـخشب دخاناً، أو الـماء الـمتنجّس بولاً لمأكول اللحم؟! خصوصاً إذا اطّلعوا على زوال الـنجاسـة بالاستحا لـة.
كما أنّ الـعلماء لم يفرّقوا أيضاً في الاستحا لـة بين الـنجس و الـمتنجّس، كما لايخفى على الـمتتبّع، بل جعل بعضهم الاستحا لـة مطهّرة للمتنجّس بالأولويـة الـجليـة، حتّى تمسّك بها في الـمقام من لا يقول بحجّيـة مطلق الـظنّ.
أقول: الـظاهر أنّ الـنجاسـة و الـطهاره إنّما هما من عوارض الـجسم بما هو جسم، و الـخصوصيات الـمنوّعـة و الـمصنّفـة لامدخليـة لها في ترتّب شيء من الـحكمين، و إلاّ أمكن أن يقال: بأنّه لا دليل فى الـنجاسـة على الـتعميم.
و ما في موثّقـة عمّار من قوله (عليه السلام):
«و يغسل كلّ ما أصابه ذلك الـماء ...»(1)
و إن
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـماء الـمطلق، الـباب 4، الـحديث 1.
(الصفحة 622)
كان يستفاد منه الـتعميم; بلحاظ كلمـة «ما» الـموصولـة، إلاّ أنّ موردها الـماء الـذي وجد فيه فأرة، و لايشمل جميع الـنجاسات.
فا لـحكم با لـعموم من كلتا الـجهتين، بعد عدم دلالـة الـدليل عليه، و وضوح كون الإجماع على تقديره فاقداً لوصف الأصا لـة، لا يكاد يجتمع مع عدم تقوّم الـنجاسـة با لـجسم.
و هذا لابمعنى أنّ طبيعـة الـجسم من حيث هي، معروضـة للحكمين الـمذكورين، بل بمعنى أنّ أفراد هذه الـطبيعـة، بلحاظ كونها فرداً لها و مصداقاً لكلّيها، معروضـة لهما، فا لـثوب الـخارجي الـملاقي للنجس، يكون محكوماً با لـنجاسـة بلحاظ كونه من أفراد الـجسم الـملاقي، لا بلحاظ كونه من أفراد الـثوب، و لا بلحاظ الـخصوصيات الـمصنّفـة و الـمشخّصـة، ككونه لزيد مثلاً، أو في مكان خاصّ كذلك. و عليه فا لـجواب الـمذكور عن الـتفصيل ممّا لايتمّ.
و الـعمدة في مقام الـجواب: أنّ الـنجاسـة و إن كانت متقوّمـة با لـجسميـة، إلاّ أنّه إذا تبدّل عنوان الـشيء، و تغيّرت صورته الـنوعيـة الـعرفيـة، لا يصدق عليه ـ ولو بحسب نظر الـعرف ـ أنّه لاقى الـنجس فإذا صار الـخشب الـملاقي له رماداً أو تراباً، لا يصدق على الـرماد أو الـتراب أنّه لاقى الـنّجس فلا يبقى وجه لنجاسته.
و على تقديرها، لايصدق عليها أنّها بقاء الـنجاسـة الـسابقـة لكونه موضوعاً ـ أي فرداً ـ آخر مغايراً للفرد الـسابق.
نعم، لو كان الـتبدّل و الـتغيّر في الـخصوصيات الـمشخّصـة أو الـمصنّفـة فقط، مع بقاء الـصورة الـنوعيـة الـعرفيـة، و شكّ في بقاء الـنجاسـة، أمكن الـرجوع إلى الـدليل أو الاستصحاب، ولكنّه خارج عمّا هو الـمفروض في باب الاستحا لـة; من
(الصفحة 623)
ا لـتغيّر في الـصورة الـنوعيـة.
فانقدح: أنّه لافرق في مطهّريـة الاستحا لـة بين الـنجس و الـمتنجّس أصلاً.
ا لـمقام الـرابع: في أنواع الاستحا لـة
فنقول:
منها: الاستحا لـة با لـنار فإن صار بالاستحا لـة رماداً أو دخاناً، فقد حكي الإجماع على مطهّريتها عن الـشيخ في «ا لـخلاف» و «ا لـمبسوط» و عن الـحلّي، و عن الـمحقّق في «ا لـشرائع» و الـعلاّمـة في جملـة من كتبه و «جامع الـمقاصد» و غيرهم.
و يدلّ عليها قبل الإجماع: قاعدة الـطهارة بعد تغيّر الـصورة الـنوعيـة، الـموجب لعدم شمول الـدليل، و عدم جريان الاستصحاب كما عرفت.
و ربّما يستدلّ على الـطهارة في الـدخان، بصحيحـة حسن بن محبوب قال: سأ لـت أباا لـحسن (عليه السلام) عن الـجصّ، يوقد عليه با لـعَذِرة و عظام الـموتى، ثمّ يجصّص به الـمسجد، أيسجد عليه؟
فكتب إليّ بخطّه: «إنّ الـماء و الـنار قد طهّراه».(1)
نظراً إلى ما في «ا لـوسائل» من: أنّ الـمراد تطهير الـنار للنجاسـة; بإحا لـتها رماداً أو دخاناً، و تطهير الـماء ـ أعني ما يحيّل به الـجصّ ـ يراد به حصول الـنظافـة، و زوال الـنفرة.
ولكنّه استشكل الـمحقّق (قدس سره) في محكيّ «ا لـمعتبر»: بأنّ الـماء الـذي يمازج الـجصّ هو ما يحتلّ به، و ذلك لا يطهّر إجماعاً، و الـنار لم تصيّره رماداً.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 81، الـحديث 1.